العين الصهيونية على اليمن (2-2)
 

أنس القاضي

#أنس_القاضي / #لا_ميديا -

تفاؤل صهيوني بإشهار التطبيع مع السعودية 
«يوئيل جوزنسكي» الباحث في مركز دراسات الأمن القومي «الإسرائيلي»، يرى بأن هناك سببا للتفاؤل، فلديهم اليوم (أي الصهاينة) بقعة ضوء، في العلاقة العلنية مع السعودية، وهي عملية تدريجية استغرقت عدة سنوات. «إذا كان المسؤولون السعوديون في الماضي لا يمكنهم الظهور سوية مع قادة إسرائيليين؛ فقبل عدة أشهر جرى اللقاء بين عشقي وغولد علانية، في هذه الأثناء تحسن العلاقات - إذا كانت قائمة أصلا - فهي من وراء الكواليس، وهذا جيد؛ فعندما تخرج هذه العلاقات من الدولاب وحسب خصائص الشرق الأوسط، فإنها لن تصبح قائمة بعدها». 
يعتبر الباحث «الإسرائيلي» مارك ميلر أن المصالح الجيوسياسية المتقاطعة سمحت في الماضي بمستويات معينة من الحوار الأمني السري، وتبادل المعلومات الاستخبارية وتقديرات وتعاون تنفيذي، مع دول عربية خاصة من «دول الطوق» أي مصر وسوريا ولبنان والأردن. والحوارات السرية هذه كانت تخرج بنتائج جيدة واعتراف واضح بـ»إسرائيل»، وإقامة العلاقات معها، إلا أنها ظلت قيد السرية، بسبب التضامن الشعبي العربي العميق مع الفلسطينيين، «ولكن 5 سنوات من اضطرابات الربيع العربي والعداء المتزايد بين الإيرانيين والسعوديين وبين الشيعة والسنة، خلق مصلحة مشتركة أكثر وضوحا بين إسرائيل والعرب السنة» (مارك ميلر، فوضى متنامية في المنطقة، من المسح الاستراتيجي الإسرائيلي 2015، 2016، ترجمة: مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية، فلسطين، غزة، 2016).
ويقيس مدى هذه التطورات بأخذ التدخل العسكري على اليمن كمثال، فعلى اعتبار أنه في العام 2015 ظهرت احتمالات بتنامي الهيمنة الإيرانية وحضورها في اليمن: «فإن شدة التخوف تلقى تعبيرا واضحا ليس فقط في ردود فعل السعوديين على الأحداث في اليمن، وإنما أيضا في التلهف الذي سارعت إليه بقية دول الخليج والدول العربية السنية الأكثر بعدا عن اليمن بتزويد الحرب العسكرية بالدعم المادي أو على الأقل الدعم السياسي الدبلوماسي غير المتحفظ».
ويرى ميلر أن «الاهتمام بالموضوع الإيراني من شأنه أن يخفف جزءا من المعارضة العربية التقليدية للقيام بإجراء حوار أمني علني مع إسرائيل، تحليل مثل هذا تؤيده وقائع مثل اللقاءات العلنية التي قام بها الأمير السعودي تركي بن فيصل مع شخصيات إسرائيلية، واللقاءات مع الصحافة الإسرائيلية، وكذلك في موافقة الاتحاد الإماراتي على السماح بتعيين مبعوث دبلوماسي إسرائيلي في وكالات الطاقة الدولية المتجددة، والتي مقرها في أبوظبي؛ تلكم التطورات تعلمنا أنه يحتمل وجود استعداد أكبر مما كان في الماضي للتنسيق والتعاون الخاص مع إسرائيل، ولكن مايزال ذلك غير كاف لحد التبشير بدعم عربي شرعي، يتخلى عن الموقف العربي التاريخي الرافض لجميع أنواع التطبيع مع إسرائيل، لبناء منظومة أمنية إقليمية شاملة مؤسسية ورسمية تكون بها إسرائيل شريكاً للعرب، إلا إذا حدثت خطوة حقيقية جديدة مع الفلسطينيين، كمثل تلك الخطوة التي أعطت الأردن فرصة لتوقيع سلم رسمي مع إسرائيل، بعد اتفاقية أوسلو في العام 1993 بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية». 

الرواية «الإسرائيلية» لــ»عاصفة الحزم» 
تتفق مختلف الرؤى «الإسرائيلية»، بأن التدخلات الإقليمية في الصراع الداخلي في اليمن، تصاعدت عندما اجتاز «الحوثيون، الشيعة»، «حدود معاقلهم الشمالية»، وحاولوا السيطرة على مجمل البلاد، وإزاحة الرئيس «هادي»، الذي تولى الحكم، كجزء من الفصل اليمني من «الربيع العربي». وهذا الخطاب هو ذاته خطاب النخب الليبرالية واليسارية في اليمن، وما يردده كثير من الإعلاميين والسياسيين المرتزقة. 
ومن المنظور البحثي «الإسرائيلي»، لم تنجح مرحلة هادي في التأسيس لترتيب سياسي قابل للحياة أو لجلب الاستقرار، ويرون بأن نتائج الانتخابات في العام 2012 التي أخذ منها هادي شرعيته «طعنت بقوة في العام 2014»، أي تم الانقلاب عليها، حيث تعاون «المتمردون الحوثيون - وفق التقارير - مع ضباط في الجيش من أتباع صالح، ودخلوا العاصمة صنعاء».
وفي مطلع العام 2015 تقدم مقاتلو أنصار الله وضباط الرئيس صالح جنوبا «لتهديد عدن، التي كانت ملجأ للرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي، قبل أن يفر إلى العربية السعودية». ويعتقد مارك أنه على الرغم من عدم وجود ما يشهد على أن إيران دفعت أنصار الله ليخرجوا في هجوم 2014 (أي ثورة 21 سبتمبر)، إلا أن هويتهم «الشيعية» أثارت فزع الخليج.
ويذكر الباحثون «الإسرائيليون» بتصريح «قيادي إيراني كبير» قال بأن بلاده تسيطر على 4 عواصم عربية، هي دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء، ويعتبرون هذا التصريح، أحد المعطيات التي أججت رعب الخليجيين، والسعودية بشكل خاص. 
وتعتقد البحوث «الإسرائيلية»، بأن عملية «عاصفة الحزم»، عبرت عن رد فعل الخليجيين على سيطرة حلفاء إيران على صنعاء، وأنها (عاصفة الحزم) كبحت جماح أنصار الله من التقدم في الجنوب، وأعادتهم إلى الخلف، وهوَ ما يعبر عن عجز إيراني في وقف حدوث هذا التراجع لدى قوات حلفائها، غير أن السعودية لم تحرز نصرا قاطعا بهذا التراجع الحوثي.

الأخطار اليمنية وفق التقييم «الإسرائيلي»
ظهر رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، في العام 2014، في إحدى جلسات الكونجرس الأمريكي إبان فترة باراك أوباما، ينبه أمريكا، بأن مضيق باب المندب في اليمن سوف يقع بيد حلفاء إيران في اليمن (الحوثيين)، وكان هذا التصريح، في إطار الضغط «الإسرائيلي» على أوباما لوقف المباحثات النووية مع إيران، إحساسا بالقلق على المياه الاقتصادية، أكثر من كونه خوفاً «إسرائيلياً» على مستقبل التحولات العامة في اليمن بعد 21 سبتمبر، واعتبار اليمن قد أصبحت دولة من محور «المقاومة». 
الدراسات «الإسرائيلية»، وخاصة التي صدرت بعد هجوم قوات الجيش واللجان الشعبية على بوارج التحالف في ساحل المخا وباب المندب، ومجمع بقيق النفطي، تعكس القلق «الإسرائيلي» من الوضع في باب المندب، وكأنها مصدقة لمخاوف نتنياهو. وتعتقد البحوث «الإسرائيلية»، بأن الهجمات «الحوثية» على السفن الأمريكية وسفن التحالف بالصواريخ المضادة للسفن، تثير تساؤلات حول سلامة مرور سفن الشحنات العسكرية والمدنية في مضيق باب المندب الاستراتيجي، إحدى أكثر الطرق العالمية ازدحاما.
ومن وجهة النظر هذه، فإن التهديد الحالي لحركة المرور البحرية في مضيق باب المندب الاستراتيجي «يتطلب زيادة وجود وإشراك القوات البحرية الأمريكية والغربية الأخرى في المنطقة على نطاق واسع، ليس فقط لحراسة الشحن والممرات، وإنفاذ الحصار البحري، ولكن لتدمير الصواريخ الحربية المضادة للسفن وردع إيران عن التدخل المباشر وغير المباشر في اليمن ومنطقة البحر الأحمر» (مضيق باب المندب والتهديد الحوثي، شاؤول شاي، أكتوبر 2016، معهد هارستيا).
وهذا الاقتراح العدائي يتطابق مع الاقتراح الذي قدمه الباحث والضابط في البحرية الأمريكية «إسكندر ميلو» وزملاؤه في معهد واشنطن بوست، حين طالب واشنطن بـ»اتخاذ تدابير إضافية للحد تماما من هذا التهديد»، رغم إرسالها 3 سفن حربية للمنطقة، كما أفاد ميلو، وشدد حينها على واشنطن وشركائها الدوليين «النظر في مساعدة الحكومة اليمنية المدعومة من الأمم المتحدة على فرض سيطرتها التامة على كامل ساحل البلاد على البحر الأحمر».

الاستراتيجية البحرية لجيش الاحتلال الصهيوني 
يرد في «استراتيجية الجيش الإسرائيلي من منظور الأمن القومي» ما سموه البعد البحري في الدفاع، وهذا البعد البحري «في الدفاع» من المنظور «الإسرائيلي» يتجاوز الدفاع عن كيان دولة الاحتلال، ويتيح للكيان الصهيوني الانتشار والتفوق البحري في كل السواحل التي تمر منها بضائعهم، باعتبار كل منطقة تمر منها بضائعهم مياهاً مملوكة لهم، تنطبق عليها سياستهم في الدفاع عن سواحلهم الأصلية (أي السواحل الفلسطينية المحتلة)، وفي مقدمة هذه الممرات يقع باب المندب وقناة السويس.
جاء في الاستراتيجية أيضا أن «مواجهة عدو شبه رسمي في عدد من دوائر الحرب يستلزم دراسة أخرى، لبناء القوات الخاصة في الجيش الإسرائيلي». وجدير بالذكر أن الكيان الصهيوني عمم على سفنه الاقتصادية التعامل مع سواحل اليمن كسواحل معادية، تضيف الاستراتيجية الصهيونية: «يبدو أنه في الواقع الحاضر سيطلب إلى الجيش الإسرائيلي أكثر مما كان يطلب إليه في الماضي العمل في عمق العدو في معركة سرية» (استراتيجيات الجيش الإسرائيلي، من منظور الأمن القومي- الفصل الثالث البعد البحري في استراتيجيات الجيش الاسرائيلي. صادر عن مركز دراسات الأمن القومي، ترجمة: مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية، غزة ـ فلسطين، أكتوبر 2016م).
ويعتقد الباحثون الصهاينة بأن «المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران» يستخدمون نوعين من الصواريخ: قصيرة ومتوسطة المدى، لضرب أهداف في الأراضي السعودية، والصواريخ المضادة للسفن لتهديد حركة الملاحة البحرية في مضيق باب المندب». ووفقا لبعض التقارير- التي لم يكشف الباحث عن طبيعتها - فإن إيران «قامت بتسليح حلفائها: حزب الله في لبنان، ونظام الأسد في سوريا، والآن المتمردين الحوثيين في اليمن، بصواريخ زلزال 3». مع اعتقاده أنه من المعروف أن أنصار الله لديهم صواريخ «اسكود» من العصر السوفياتي تم الاستيلاء عليها من المخازن العسكرية للبلاد. ويحاول أنصار الله عن طريق «إطلاق صواريخ سكود وبركان 1 وزلزال 3 «ضد أهداف مدنية وعسكرية في قلب المملكة العربية السعودية، لـ»تغيير التوازن العسكري للحرب الراهنة في اليمن، وخلق توازن ردع جديد مع التحالف بقيادة السعودية».
يستبعد «الإسرائيليون» أن تكون هذه الصواريخ مصنعة أو مطورة محليا كما زعمت التقارير الصحفية، لأن ذلك يتطلب تكنولوجيا متقدمة لا يملكها أنصار الله، ويرجحون أن تكون هذه الصواريخ منتجة محليا كعملية تركيب من دعم وواردات إيرانية، كما يعتقدون، بأنه يتطلب من السعودية وتحالفها استراتيجية جديدة لمواجهة التحدي الحوثي، بعد إطلاق 30 صاروخا ضد أهداف سعودية، وهوَ تصعيد خطير في الحرب من قبل أنصار الله (الحوثيين) («حرب الصواريخ» في شبه الجزيرة العربية، شاؤول شاي، نوفمبر 2016، معهد هارستيا).
الخطر «الحوثي» على باب المندب، والذي يتجلى بهذا الشكل الدعائي التحريضي في الدراسات «الإسرائيلية»، ما هو إلا امتداد «للخطر الإيراني» حسب هذه الرؤية، التي تريد تصوير كل ما تعتبره معاديا جزءاً من «يد إيران الخفية» بما يربط كل توجه أو تحرك معاد لها - سواء أكان موجودا أو متخيلا - بالنسق الإيراني لجعله نشاطا طائفيا خارج المشروعية العربية أو الوطنية الثورية في مناهضة الوجود «الإسرائيلي»، وهذه الأشكال القومية واليسارية قبل ظهور الأشكال الإسلامية كان يراها أنشطة إرهابية. 
ويرى «الإسرائيليون» بأنه من أجل تحقيق نصر كامل، يجب على السعودية والإمارات، أن تستثمر المزيد من القوات، وأن تطلب مساعدة كبيرة من حلفائها الغائبين عن المشهد. وإلا فإن أي تصعيد ضد تحالف المتمردين سيكون لتحقيق أهداف محدودة: أخذ العاصمة صنعاء بهجوم عسكري على نطاق واسع، دموي ومكلف، سيقدم انتصارا رمزيا مع عودة حكومة هادي إلى عاصمة اليمن، ولكنه سيبقي «الحوثيين» مسيطرين على معقلهم التقليدي في شمال اليمن على طول الحدود السعودية.
أما مؤشرات الوضع الحالي في اليمن، من وجهة التحليل «الإسرائيلية»، «يعني التقسيم الفعلي للبلد». ويمكن أن يكون هذا الخيار «نتيجة العودة إلى طاولة المفاوضات مع المتمردين أو الفشل في تحقيق الأهداف العسكرية».

أترك تعليقاً

التعليقات