مصير القطيع
 

عبدالملك سام

#عبدالملك_سام / #لا_ميديا -

هناك ظاهرة غريبة في اليابان تسمى "الكاروشي"، وهي تعبير عن حالات الموت من شدة الإرهاق أثناء العمل! وهناك ظواهر مشابهة في بلدان أخرى وإن لم تكن بالحدة ذاتها، ولكنها جميعها تشير إلى تقديس هذه المجتمعات لقيمة وأهمية الوقت والعمل، والتي بنت نفسها من الصفر بعد نكبات وحروب، في حين أننا نشكو من ظاهرة مختلفة في مجتمعاتنا، وهي ظاهرة تقديس الكسل والتخاذل والتسويف؛ فنحن نحب أن نضيع وقتنا فيما لا ينفع، وقد يصل الأمر بنا إلى السخرية من أي شخص يعمل بجد، مع إضفاء صبغة من الحكمة على سلوكنا الضار بنا وببلدنا، خاصة في ظل الوضع الاستثنائي الهام الذي نعيشه.
نحن بلا مبالغة نخوض حربا ضروس تستهدفنا وتستهدف بلدنا ومستقبل أجيالنا. تستخدم دول العدوان في هذه المعركة جميع الوسائل والتقنيات والتجهيزات الحديثة العسكرية والنفسية والحرب القذرة، ولم توفر هذه الدول أي وسيلة غير مشروعة لتنفيذ مخططها الواضح، والذي تسعى به للاستحواذ على ثرواتنا الطبيعية وموقع بلدنا واستعباد الشعب وقتله بكل الوسائل، بينما نجد البعض يبحث عن مبررات لتقاعسه وانهزامه!
دعونا نتفق أولاً: الجميع بلا استثناء يعرف بأن السعودية -ومن وراءها- أعداء. هذا أمر لا جدل فيه. حتى أولئك الذين فضلوا أن يقفوا معها ضد بلدهم يعلمون هذه الحقيقة بل ويصرحون بهذا علنا كلما ظهر الخلاف معها، من الذي يمكن أن يبرئ النظام السعودي من عدائه الأزلي للشعب اليمني خاصة، ولبقية شعوب المنطقة؟!
كما نعرف جميعا أن مبررات العدوان كلها كلام فارغ، فلا النظام السعودي ضد جماعة بعينها، ولا هو بصدد مساعدة الشعب اليمني أو الحرص على مصلحته.. الجميع يعلم ماذا تريد السعودية من اليمن ومن الشعب اليمني ومن كل ما هو يمني، فهي تنظر إلى اليمن النظرة ذاتها التي تنظر بها "إسرائيل" إلى غزة، وقد قال شارون مرة إنه يتمنى أن ينام ويصحو ليجد البحر قد ابتلع غزة! الفارق أن السعودية لا تريد من البحر أن يبتلع اليمن بل أن يبتلع اليمنيين فقط! فهي تعرف أن اليمن بثرواته وموقعه من أغنى بلدان المنطقة.
بالعودة إلى موضوعنا، نجد أن الكثيرين من أبناء شعبنا مازالوا في سبات عميق! يجدون أنفسهم في حالة تخاذل وهم يشاهدون القلة ممن ثاروا من أجل دينهم وشعبهم وللذود عن بلدهم، بينما هم يبحثون عن مبررات وأعذار واهية لموقف الخزي الذي اتخذوه إما خوفا وإما نتيجة لعملية التدجين التي خضعوا لها منذ نعومة أظافرهم، عبر وسائل مختلفة منها انتشار العقائد الباطلة في المدارس والجامعات والمساجد والصحف وغيرها من الوسائل. اليوم حصحص الحق، ولا أعذار يمكن أن تبرر كل هذا التخاذل.
والسؤال هنا: هل نعتبر أنفسنا مسلمين؟! أذا فلنأت بالقرآن وسنجد أن كل المبررات التي يطلقونها لتبرير موقفهم موجودة فيه، ولكن في أي حالة؟! تلك المبررات هي ذاتها التي كان يطلقها المنافقون: "لا نستطيع حمل السلاح، الجو غير مناسب، لا نعرف أين الحق، لماذا نحن بالذات؟!...الخ"، وفي النهاية يصلون إلى آخر شيء وقد عجزوا أمام الحقيقة فيقولون صراحة: "اذهب أنت وربك فقاتلا..."!!
حتى لو جئنا من باب الوطنية أو حتى المصلحة الخاصة، فإن ما يفعلونه يصطدم بكل المبادئ العقلية والمنطقية لما يجب أن يكون عليه موقفهم! وحتى وفق رؤية الشعوب الملحدة والعلمانية فإن هؤلاء يعتبرون جبناء وخونة لبلدهم ولشعبهم وحتى لأسرهم وأنفسهم، حتى البوذي أو الهندوسي أو سكان المايا البدائيون لا يمكن أن يكون موقفهم بهذا السوء من التخاذل والتثبيط السافر! ولو افترضنا أنهم بلا رجولة ولا إباء فما هو المبرر أن تقف ضد من يتحرك؟! لماذا لا تكون جبانا وتسكت؟!
هؤلاء المتقاعسون بالنظر إلى موقفهم نجد أنهم أقرب ما يكونون للقطيع الذي يقف بالصف أمام محل الجزار، بل حتى الخروف يمكن أن يقاوم الجزار، بينما شاهدنا هؤلاء في عدة فيديوهات منتشرة بالمئات يُذبحون على أيدي الأمريكيين ومرتزقتهم وهم بالآلاف في موقف مخزٍ يثير الدهشة والألم! وبالنظر إلى ما حدث في أماكن أخرى وجدنا أن أعداد القتلى بلغ الملايين في حالة التقاعس والانهزام، أما حين تحرك الناس انخفض عدد القتلى ليصبح بالعشرات فقط! وحتى إذا قتلت وأنت في موقف مشرف فلا تعتبر هذه خسارة، أليس كذلك؟! أم أنك تفضل أن تكون أحد أفراد القطيع؟! عندها ستُذبح بلا شك متى جاء دورك، ولكنك ستكون فاقدا لإنسانيتك وشرفك وكرامتك وقد خذلت عرضك وشعبك وأمتك، وللأسف لن تصحو إلا في الآخرة لتجد نفسك تساق مع القطيع أيضا، ولكن هذه المرة إلى العذاب والخزي الأبدي!

أترك تعليقاً

التعليقات