استثمار الوجع!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا - 

يعيش غالبيتنا حياة طريدة يتربص بها الصيادون من كل حدب وصوب، فإن نجا من غارات الطيران أو أوبئة الحصار، وتجاوز مالكي البقالات، وتخطى متحصلي أقساط المدارس، وتوارى عن مالكي الوايتات، وانزوى من مالكي مولدات الكهرباء؛ لن ينجو قطعا من مالكي العقارات، فهم يملكون أعشاشنا التي نلوذ إليها!
إيجارات السكن، هم كبير على القلب يورث دوام الغم، والأخير يصيب الشرايين والأوردة بالتصلب، ويكوي الكبد بنيران الكمد، ويطوي الروح كورقة، كاتما الأنفاس حتى يضيق الصدر، ويقض المضاجع، ويقوض السكينة، ويتجاوز حد الاحتمال ومقدرة الصبر، ويحيل الجلد إلى سياط جلد يومي!
لا تدري ما هو مبرر رفع إيجارات المساكن على النحو الراهن، فهي بأي حال لا ترتبط بانقطاع البنزين والغاز والسولار، ولا بأي من مدخلات الإنتاج الخاضعة قيمة مخرجاتها لعواصف سعار الأسعار.. مجرد استثمارات عقارية جامدة، يفترض أن تظل أسعارها ثابتة، على الأقل في هذه الظروف.
صحيح أن الأمر يخضع للعرض والطلب، ونعلم أن الطلب على عقارات السكن في ازدياد مع موجات النزوح المستمرة إلى المدن الرئيسة تتقدمها العاصمة صنعاء. لكن ما لا نعلمه هو نهم الملاك لجني أكبر قدر من الأرباح، حتى في ظل ظروف حرب قاسية جعلت أكبر إنجاز للمرء البقاء حيا!
الغريب هو استمرار هذا التصاعد لإيجارات العقارات، رغم علم المالكين والمؤجرين بجهاد المستأجرين لتأمين مبالغ الإيجارات في ظل انقطاع المرتبات، واضطرار غالبية موظفي الدولة لتأدية أعمال عدة بنصف بل ربع ما تستحقه جهودهم من أجور مقابلها، حدا بشعا من الاستغلال! ...
والمريب أن يترافق سعار إيجارات العقارات مع ازدهار لافت لبناء العقارات وتشييد العمارات على نحو غير مسبوق حتى في أزهى مراحل الاستقرار للأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية، وتبعا المعيشية والمجتمعية، كما لو كنا نشهد كرنفالا عقاريا ممولا، وبسخاء منقطع النظير.
قد نتفهم تنامي بيع العقارات، أراض ومبان، مع اشتداد الضائقة المالية لدى اليمنيين جراء تنامي كرب هذه الحرب المتواصلة وتداعياتها الكارثية إفقارا وتجويعا وإمراضا وتشريدا وحرمانا من مقومات الحياة بكرامة، لكننا مضطرون للحيرة حيال ازدهار الشراء وسخاء مضارباته!
ربما كان التفسير الأولي لدى كثيرين هو فساد مسؤولي السلطة، وهذا كان يمكن أن يكون منطقيا في حال السلم والاستقرار. أما في ظروف البلاد الراهنة ونفقات الحرب الدائرة والحصار القائم وشح الموارد وانحسار الإيرادات العامة؛ فإن تفسير «فساد السلطة» يغدو رواجه هدفا لا سببا حقيقيا للظاهرة.
ظاهرة ازدهار العقارات شراء وتشييدا، ليست طبيعية، وسقف سيولتها المالية المرتفع، وفرة ومضاربة، ليس اعتياديا بالمرة. هناك تمويل سخي، يبدو مصدره - كما نعلم- واحدا، وهو «الخارج» لا الداخل، وهذا الخارج يؤطر جغرافيا في دول تحالف الحرب، غالبا، وباقي دول الاغتراب عموما.
المغتربون اليمنيون التقليديون يسهمون بقدر يظل محدودا ولا يذكر أمام إسهام المغتربين العاملين في صفوف تحالف الحرب والمنتفعين منها، وبجانب استثمارات قياداتهم العقارية المليارية المعلنة في مصر وتركيا؛ تبرز استثمارات من دونهم تفسيرا واقعيا لحال العقارات في اليمن.
لكن السؤال حيال هذا: هل من دور مسؤول وحازم للمعنيين في حكومة الإنقاذ لكبح الظاهرة، وتحديدا شره رفع ايجارات المساكن وسعارها غير المبرر بالمرة، ومنع تصاعدها المفتعل؟ هذا هو المأمول، منع الاستغلال وردع الانتهاز وتحقيق العدل على قاعدة «لا ضرر ولا ضرار».

أترك تعليقاً

التعليقات