أحمد الشريفي

أحمد الشريفي / #لا_ميديا -

لقد وضعت واشنطن محور المقاومة أمام خيارين، هما: الرد وإشعال المنطقة، أو السكوت وكسر جناح المقاومة وإطالة عمر القطب الأوحد!
ما يحدث في العالم منذ مطلع الألفية الجديدة هو إرهاصات تتراكم لتشكل في نهاية المطاف عالماً جديداً، وإذا كان المخاض لمولود جديد يعتمد على سياسة عض الأصابع وحرب المعلومات، فإنه في الآونة الأخيرة انتقل وعلى رقعة الشرق الأوسط إلى حرب مباشرة قاسية وقذرة، وما كان اللجوء إليها إلا بعد نجاح التكتل الدولي الجديد في الصعود بخطى واثقة وثابتة نحو مستقبل لا أحادية فيه ولا يقبل الابتزاز، وهو ما يؤذي الإمبريالية العالمية وتعتبره بداية جديدة لا مكان لها فيه إلا كدول لها حدودها ولها حق الدفاع، لا حق السيطرة والاحتلال وفرض الإملاءات على الآخرين.
نشبت الحربان العالميتان الأولى والثانية في أوروبا والغرب، لكن المتغيرات والجيوبوليتيك السياسي والاقتصادي يفرض على الدول الكبرى اختيار الشرق الأوسط كساحة جديدة للحرب، وما أفرزته الأوضاع من بروز لدول إقليمية في المنطقة يستدعي -وفقا للعقل الغربي والإمبريالي- اتخاذها أدوات للانطلاق وإيذانا بحرب كلٌّ قد علم ما يريد منها عدا الدول العربية التي تفتقر لمشروع واستشراف مسبق وستكون الحلقة الأضعف إذا ما اشتد النزال، ولكنها في نهاية المطاف من ستحدد نتيجة المعركة إذا ما تخندقت في محور المقاومة واستوعبت المخططات التي تحاك لإعادة رسم الخارطة بما يضمن النفوذ الأميركي الصهيوني مجددا، وإذا ما حدث وهوت في قعر الإمبريالية وإغراءاتها فستكون رماد المعركة وتكون نتيجة موقفها انبطاحاً لمائة عام قادمة.
استهداف الرموز العسكرية وقيادات الجيوش لدول ذات ثقل إقليمي هي بداية لفعل أكبر وتوقع لإشعال فتيل أعظم مما حدث!!
فما هي حسابات الإقليم والدول العربية على وجه الخصوص؟ وما الذي تتوخاه دول القرار العالمي إذا ما حدث الارتطام الكبير؟
على مدى الأشهر الماضية حاولت واشنطن إشعال فتيل الحرب غير مكترثة حتى بحلفائها الذين سيكونون في مرمى أعدائها. وبدأت سلسلة الاستهداف بالتعرض للسفن الإيرانية ومحاولة السطو أو الهجوم عليها في مناطق متفرقة، إذ لم تكن سوى استفزاز لطهران يقودها للانفعال واتخاذ قرار المواجهة؛ لكنها (أي طهران) تعاملت بحذر وبالمثل.
ولأن قرار إشعال المنطقة قد اتخذ، وعلى الأمريكان تحديدا البدء به، فقد تجاوزوا خطوط السياسة والحصار واللعب على ورقة الاقتصاد إلى اللعب في المربع الأحمر، باستهداف قائد فيلق القدس ونائب الحشد الشعبي بصورة فجة وغير مبررة ولا هدف لهم سوى الحرب المباشرة، فإن واشنطن قد وضعت محور المقاومة، وعلى رأسه إيران، أمام اختبار حقيقي، والسكوت سيترتب عليه تأخير وليس إجهاض لمشروع المقاومة الذي شب عن الطوق وبدأ يتحدث عن ضرورة أفول أميركا والصهيونية.
ولكن هل جرت الاستعدادات الكاملة للدول الامبريالية حتى تقرر المواجهة؟ 
بالتأكيد نعم، وذلك من خلال تنصيب زعماء متطرفين مهمتهم خوض المعركة، إضافة إلى غيرها من الاستعدادات العسكرية والمعلوماتية. ومع كل ذلك من الصعوبة بمكان على المتحاربين التكهن بالنتائج!
قد يؤدي الانفجار لإغلاق المضايق المهمة، وهو ما يجعل الصين واليابان في قائمة المتضررين. وقد تقصف البوارج الأميركية وتدفع أميركا ثمن المغامرة، وهو غروبها عن المنطقة وسقوط عروش الموالين لها.
وهذه نتائج أولية منطقية، وخسارة الصين تحديدا تجعلها ترمي بكل ثقلها في محور المقاومة. وتبقى روسيا -كوجهة نظر شخصية- متابعاً قلقاً.
ما يعزز احتمالية إشعال المنطقة ردة الفعل القوية لمحور المقاومة وعلى رأسه طهران، حيث تشير الأنباء إلى أن المرشد الأعلى في إيران اختصر حديثه في أربع كلمات خلال اجتماع له مع المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، بالقول: "أريد ردا قويا وواضحا"، ما يعني انتشاراً أوسع للنيران وتداعيات أكبر. كما أن تباينات ردود الأفعال على امتداد محور المقاومة كانت حادة وطالبت بالرد القاسي والفوري.
اندلاع حرب إقليمية على أقل تقدير قاب قوسين أو أدنى، والمكان والزمان سيحدد وفقا لما يراه محور المقاومة. ولا أعتقد أن التوقيت الزمني سيتجاوز الأشهر، إلا إذا حدث وسارعت الدول الأوروبية لاحتواء الأزمة والدفع برفع العقوبات وإعادة واشنطن إلى الاتفاق النووي، خصوصا مع الترويج المكثف للأصوات الأميركية المعارضة لمقتل سليماني وتحميل الرئيس الجمهوري دونالد ترامب المسؤولية، وبأن قرار الاستهداف لم يكن الكونجرس على علم أو اطلاع به، وبالتالي هو قرار فردي يمكن أن يتم احتواؤه، وهذا لن يحصل على المدى القريب، إن وضع الأمر بهذه السطحية أو إعادة واشنطن للاتفاق النووي كحل لإيقاف تداعيات استهداف قاسم سليماني وما يمثله من قيمة عسكرية ومعنوية لإيران ودول المقاومة.
الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات واضحة ومحددة هي كيفية تعامل روسيا والصين، حليفتي إيران، مع إقدام واشنطن على خطوة استهداف الحليف طهران، وإذا كانت موسكو قد عمدت إلى إفشال أي محاولات سياسية وعسكرية لإسقاط حليفها بشار الأسد هل ستتعامل بالنفس القوي ذاته مع إيران إذا ما حدثت الحرب مع واشنطن أو وكلائها في المنطقة؟
هل الزيارات الأخيرة المتبادلة بين روسيا والمملكة السعودية على وجه الخصوص والاتفاقات الموقعة بينهما سيتم تجاوزها وبالتالي السماح لطهران بالرد على واشنطن في استهداف حلفائها في المنطقة، على اعتبار أن الغارات التي شنت انطلق الطيران من قواعد عسكرية أميركية في بلدان خليجية؟
أكثر الإجابات وضوحا وواقعية حتى اللحظة هي محاولة موسكو تدارك ما يحدث حتى تنتهي من تصفية ملفاتها في الشرق الأوسط، سواء في سوريا، أم في ليبيا خصوصا مع دخول تركيا خط المواجهة هناك، وجميعها ملفات قد تبدو سهلة، لكنها متشابكة إلى حد ما. فتركيا فيما يتعلق بسوريا وليبيا بالنسبة لموسكو غير تركيا بالنسبة للعراق وصفقات (إس 400) وهكذا مع بقية الملفات في بقية الأقطار العربية.
الصين كذلك ربما تحاول إيجاد خيط لتسحب الأزمة الراهنة في الشرق الأوسط وتخفض حدتها؛ لكنها إذا فشلت حتما ستكون طرفاً في المعركة التي تستهدفها كجزء من مخطط أميركي يسعى إلى إعاقة نموها المتسارع والفوضى في الممرات التي تذهب بالنفط إلى بكين. 
تبقى الخيارات مفتوحة على كل الاحتمالات، وتبقى النوايا الإمبريالية وسعيها لإشعال حرب استباقية توقف التشكل العالمي الجديد هي الظاهرة للعيان.

أترك تعليقاً

التعليقات