أنس القاضي

أنس القاضي / #لا_ميديا -

يقصد بالحرب البيولوجية الاستخدام المتعمد للسلالات المسببة للأمراض من الكائنات الحية الدقيقة كالجراثيم والفيروسات أو سمومها لنشر أمراض وتهديد حياة البشر والحيوانات والنباتات وذلك على نطاق واسع في منطقة الاستهداف. والحرب البيولوجية وإن كانت من أبرز مجالات الاستهداف وأسلحة «حروب الجيل الخامس»، إلا أنها تطورت عن حروب بيولوجية قديمة كانت تتم عبر تسميم مصادر مياه الخصوم بجثث الحيوانات. وفي العدوان الأمريكي السعودي الراهن المستمر على بلادنا استخدمت الحرب البيولوجية جنباً إلى جنب مع بقية أشكال الحروب الناعمة والعنيفة في إطار الاستهداف الشامل لليمن إنساناً وأرضا. 

البيولوجيا سلاح «الجيل الخامس» من الحروب 
استخدمت الأسلحة الكيميائية لأول مرة في الحرب العالمية الأولى، وعقب ذلك قررت دول العالم الحد من استخدامها بعد أن تبين أن استخدام المواد الكيميائية القاتلة أو البكتيريا لا يمكن التنبؤ بآثارها أو السيطرة عليها. على أن المعاهدات الهامة التي تحظر الأسلحة البيولوجية والكيميائية بدأت في بروتوكول 1925 لحظر الاستعمال الحربي للغازات الخانقة أو السامة أو غيرها، والوسائل البكتيريولوجية، ووقعت عليها معظم دول العالم.
تبرز الحرب البيولوجية كأحد أهم الأسلحة المُستخدمة في حروب الجيل الخامس التي تُطبق في العدوان الراهن على بلادنا.
وتُعرف حروب الجيل الخامس بأنها «حروب بلا قيود تهدف إلى هزيمة الخصم وتفجير الدولة من الداخل بالتركيز على إثارة التناقضات والانقسامات المجتمعية وتعميقها». فهي تستهدف المجتمع بشكل أساسي، وليس القوات العسكرية للخصم، عبر المواجهات العسكرية وغير العسكرية، وبتوظيف مجالات الحروب الاقتصادية والمالية والمعلوماتية والنفسية والفكرية والبيولوجية وغيرها. وتقوم حروب هذا الجيل على تحالفات واسعة تضم الدول والقوى المسلحة الفاعلة غير النظامية، سواء كانت جماعات إرهابية أم أحزاباً سياسية أم عصابات للجريمة المنظمة وشركات أمنية (للمرتزقة)، وغيرها من القوى التي يجمعها هدف مشترك يتمثل في إسقاط الدولة، ويختلفون على كل شيء، وهذا ما يتجلى في طبيعة أطراف تحالف العدوان على اليمن وفي مجالات الاستهداف التي ينشطون فيها. 
 وللحرب البيولوجية أهمية خاصة لدى العقيد الأمريكي المتقاعد توماس هاميس الذي يُعد أبرز المنظرين لحروب الجيل الخامس (العقيد توماس إكس هاميس، متقاعد، كاتب ومعلق معروف في الشؤون العسكرية. حصل على البكالوريوس في أكاديمية الولايات المتحدة البحرية، والماجستير في جامعة أكسفورد، وهو خريج كلية القيادة والأركان في مشاة البحرية وكلية الدفاع الوطني الكندية). 
 يعتقد هاميس بأن التطورات الجديدة تثير قلقاً خاصا نظرا لأن الهياكل السياسية والتجارية والاجتماعية الناشئة كانت دائماً أكثر نجاحاً في توظيف التكنولوجيا الناشئة عن المؤسسات القديمة، واليوم هناك تقنيتان ناشئتان: التكنولوجيا النانوية، والتكنولوجيا الحيوية، ولديهما القدرة على تغيير عالمنا، والحرب، حتى بشكل أساسي أكثر من تكنولوجيا المعلومات الأمر الذي سيستغرق 20 عاماً أو أكثر قليلاً قبل أن تصل تقنية النانو إلى أبعد الحدود، فيمكن للتكنولوجيا الحيوية الحالية أن تمنح المجموعات الصغيرة القوة التدميرية التي كانت تقتصر سابقاً على القوى العظمى.
يطرح هاميس خطورة الحرب البيولوجية من إمكانية أن تستخدمها جماعات إجرامية ضد الدول والمجتمعات. وعلى سبيل المثال فإنه باستخدام مجموعة من المتطوعين وشركات الطيران التجارية، يمكن لجماعة إرهابية أن تنشئ تفشياً عالمياً شبه متزامن للجدري، الأمر الذي لن يؤدي إلى حدوث عدد كبير من الوفيات فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى إيقاف التجارة العالمية حتى يتم السيطرة على الوباء أو يحترق بنفسه. 
 استخدام الأسلحة البيولوجية من قبل جماعات أو أفراد خطر فعلي، إلا أنه وفي العدوان على بلادنا استخدم السلاح البيولوجي من قبل دول تحالف العدوان التي تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة السعودية. واستخدام هذا السلاح من قبل تحالف العدوان على اليمن أصبح أمراً مسلماً به وهناك إجماع حوله، خاصة مع تفشي الأمراض والأوبئة في اليمن خلال سنوات العدوان الأربع الماضية بشكل كبير، ما يؤكد أن هناك حرباً بيولوجية تُشن على اليمن، خاصة وأن ظهور الأوبئة في اليمن مثل الكوليرا وحمى الضنك وإنفلونزا الخنازير وغيرها من الأوبئة ترافق مع الاستهداف المتعمد من قبل تحالف العدوان لمصادر وشبكات المياه وللبنية الصحية في اليمن. 

سلاح فتاك بتكلفة رخيصة 
تكمن خطورة هذا النوع من السلاح في تدني تكاليف إنتاجه إذا قورنت بالأسلحة الكيماوية أو النووية؛ فالجراثيم والميكروبات الممرضة يمكن تحضيرها بصورة بسيطة غير معقدة بواسطة بعض المختصين المهرة من علماء الأحياء الدقيقة، حيث إن تحضيرها لا يحتاج لتقنيات علمية معقدة ولا تفاعلات عديدة أو متسلسلة. كما أن طريقة تحضيرها ليس فيها سرية ولا قصور معرفي لدى الكثير من العلماء، على عكس العلوم النووية. 
وتتمثل خطورة هذا السلاح أيضاً في سهولة حمله وانتشاره وصعوبة اعتراضه كما تُعترض الأسلحة التقليدية، وفي الإمكانية الذاتية لهذا السلاح الاستمرار في الحرب بشكل مستقل عن المهاجم به، لقدرته على التكاثر في البيئة المستهدفة والانتقال عن طريق العدوى إلى درجة عدم القدرة على السيطرة عليه. كما تصبح تداعيات استخدام هذا السلاح قوة إضافية للحرب النفسية عبر اثارة الخوف منه وتعطيل حياة المجتمع المستهدف.
من الأسلحة البيولوجية ما هو مضاد للمحاصيل الزراعية، ومنها ما هو مدمر للثروة الحيوانية الاقتصادية التي يعتمد عليها شعب ما، ومنها ما هو مهلك ومدمر للإنسان فقط دون غيره، ومنها ما هو مزدوج التأثير كالأمراض المشتركة التي تعدي الحيوان فتُهلك الثروة الحيوانية ويُعدى الإنسان من الحيوان فتحدث أمراض وبائية للإنسان. 
وفي العدوان على بلادنا استخدم السلاح البيولوجي في استهداف الإنسان مباشرة، وكذلك الأرض والثروة الحيوانية، خاصة في مناطق صعدة وتهامة. 

أمريكا متخصصة في الحروب القذرة 
تعمل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، منذ زمن طويل، على تطوير أساليب سرية لاغتيال القادة السياسيين المعارضين للولايات المتحدة الأمريكية. وقد طورت الاستخبارات الأمريكية أسلحة السرطان بالتعاون مع الدكتور «ألتون أوشنر»، الرئيس السابق لجمعية مكافحة السرطان الأمريكية. 
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية صادقت على اتفاقية حظر استخدام الأسلحة البيولوجية وحيزاتها عام 1972، فإن قسم العمليات الخاصة بوكالة الاستخبارات المركزية في الجيش الأمريكي بولاية «ماريلاند» وشعبة الخدمات التقنية في وكالة الاستخبارات المركزية، واصلا صيانة وتطوير مخزونات العوامل البيولوجية المسببة للسرطان المستخدمة في العمليات الإجرامية.
مما لا شك فيه أن تقنية الهندسة الوراثية تعطي الباحثين في مجال الميكروبيولوجيا العسكرية أدواتٍ فائقة المرونة، هائلة الإمكانات، لإنتاج ميكروبات طبقاً للصفات المرغوب فيها بدقة. ومثل هذه الميكروبات تشكل سلاحاً رهيباً.
وكانت قد فجَّرت الصحفية النمساوية «يانبيرجرمايستر» قنبلةً مدويةً بكشفها أن ما بات يُعرف بفيروس إنفلونزا الخنازير الذي اجتاح بلدان العالم في ظرف قياسي؛ ما هو إلا مؤامرة يقودها سياسيون ورجال مال وشركات لصناعة الأدوية في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الولايات المتحدة الامريكية تتشابك الاحتياجات العسكرية والتجارية في توجيه العلوم والمعارف ومن بينها العلوم الحيوية.

الأسلحة البيولوجية في العدوان على اليمن 
استهدفت الحرب البيولوجية في العدوان على اليمن الكائنات الحية والبيئة من المدنيين، المحاصيل الزراعية، الحيوانات، مصادر المياه، التربة، والهواء. وقد تم تسجيل العديد من حالات التشوهات الخلقية لمواليد في محافظات صعدة وحجة والحديدة وتعز، وهي ناتجة عن استخدام التحالف بقيادة السعودية أسلحة بيولوجية في حربها ضد اليمن. 
خلال 4 أعوام، لا تزال دول تحالف العدوان ترتكب الجرائم بحق المدنيين والمؤسسات والبنى التحتية لليمن، وفي مقدمتها البنية الإنتاجية الغذائية الصناعية والزراعية وكذلك البُنية الصحية، ما تسبب ولا يزال في صنع كارثة إنسانية تعد الأسوأ من نوعها في العالم بتأكيد وشهادة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الإنسانية. 
نقل موقع «ليبرتي فيذر» الغربي تقريراً يشير إلى أن الكوليرا والوباء في اليمن ناجم عن هجوم أمريكي سعودي في مؤامرة مشتركة، وحمّل الموقع أمريكا المسؤولية المباشرة عن الهجوم البيولوجي.
كما أصدر موقع «غلوبال ريسيرش» للأبحاث تقريراً حول التعاون الأمريكي مع السعودية في شن حرب بيولوجية ضد المدنيين في اليمن، واستخدام الأمراض كسلاح لقتل اليمنيين. وحسب التقرير، فإنه ومنذ مارس/ آذار 2015م حتى مايو 2018، وقت صدور التقرير، أصيب بهذه الأوبئة حوالي 400 ألف شخص. ولفت إلى أن هذه الأمراض هي بسبب بكتيريا تنتجها أسلحة تصنعها الولايات المتحدة. وفي ديسمبر الماضي دقت وزارة الصحة العامة والسكان في صنعاء ناقوس الخطر بتقرير عن الوضع الوبائي لحمى الضنك والملاريا في اليمن للعام 2019.
وأكد وزير الصحة العامة والسكان، الدكتور طه المتوكل، في تصريح لقناة «المسيرة»، تزايد أعداد المصابين بوبائي حمى الضنك والملاريا في المناطق الساحلية والتهامية، مؤكداً وصول عدد المصابين بالملاريا إلى قرابة المليون. أما المصابون بوباء حمى الضنك فقد تجاوز الـ36 ألف مصاب. كما أكد الوزير الدكتور المتوكل وجود فيروس «إتش ون إن ون» (إنفلونزا الخنازير) في عدد من المحافظات الجبلية، مشيرا إلى تزايد ملفت في عدد المصابين بهذا الفيروس. 
وحمل الدكتور طه المتوكل دول العدوان المسؤولية الكاملة في انتشار هذه الأوبئة التي تفتك باليمنيين، متهما الغزاة المرتزقة من السودانيين والجنجويد بنشر فيروس حمى غرب النيل في المناطق الساحلية، وأيضا في المناطق الحدودية في محافظتي صعدة وحجة، حيث يتركز وجود قوى العدوان.

أترك تعليقاً

التعليقات