معركتنا ضد الناهب الدولي
 

أكرم عبدالفتاح

أكرم عبدالفتاح / #لا_ميديا -

محاولات التعمية على حقائق الصراع الجاري في المنطقة وتصويره على أنه حرب مصالح بين أمريكا وإيران... متضمنة مقولات مثل «هذه الحرب لا تعنينا» و«لسنا طرفا فيها» و«علينا النأي بأنفسنا وبلادنا عما يحدث»...
كثيرون يشاركون في إشاعة مثل هذه الأفكار، بقصد منهم أو عن جهل، مروجين تصورات مغلوطة تستهدف تمويه مشاريع العدو الفعلي، وتزييف وعي الناس واستدراجهم لاتخاذ مواقف تخدم عدو بلادهم. ولهؤلاء يجب توضيح ما يلي:
لا يمكن لعاقل تصديق أن العالم العربي ليس معنياً بمواجهة التحالف الأمريكي الصهيوني ووكلائه الخليجيين، تحالف يسعى لإسقاط كل القوى الرافضة للتطبيع كي يتمكن من تمرير صفقة القرن القائمة على تصفية القضية الفلسطينية وتشتيت كتلة الشعب الفلسطيني على جغرافيا مجزأة، يراد إعادة تشكيل خرائطها بسياسة التفتيت والتقسيم المذهبي بتمويل خليجي.
اليمن والعراق وسوريا ليست مجرد ساحات صراع خارجي، بل هي دول مستهدفة في كيانها ومركزها الجيوسياسي بمؤامرات تسعى لتفتيتها وإخضاعها بالكامل لمقتضيات مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يراد به تأسيس عصر صهيوني جديد يجري فيه تمكين إسرائيل من السيطرة الاقتصادية والسياسية على العالم العربي، بما في ذلك موارد البلدان وأسواقها ومنافذ الملاحة الدولية التي تطل عليها...
وإلى جانب مشروع صفقة القرن، فإن القرارات الصادرة عن البيت الأبيض في السنوات الأخيرة بشأن القدس والجولان وشرعنة المستوطنات في الضفة الغربية، تكشف بوضوح ملامح المشروع الأمريكي الجديد للمنطقة.
من يطالبون بعدم معاداة أمريكا، هم الذين انسلخوا عن قضايا بلادهم وأمتهم. أما نحن فكيف لا نعادي أمريكا ونحن المستهدفون بطائراتها وأساطيلها وحصارها وعقوباتها ومؤامراتها ومسلسلات الحروب المتنقلة التي تنفذها ضد بلداننا وشعوبنا طوال العقود الماضية، ونحن المنهوبون بشركاتها وعملائها الذين وضعتهم حكاما على بلداننا لخدمة مصالحها وتسهيل استنزاف ثروات بلداننا وتحويلها أرصدة ضمن اقتصاديات الإمبريالية التي لا تشبع، بل تضخمت وازدادت شراهتها حتى بلغت ذروة توحشها وعدوانيتها، ثم تضاعفت نزعتها العدوانية نتيجة تعرض مصالحها للمنافسة بعد ظهور القوى الاقتصادية الصاعدة (الصين وروسيا مثلا) خارج مركز النهب الرأسمالي الغربي.
الحقيقة التي يتعذر إنكارها هي أن كل ما تفعله أمريكا الآن في المنطقة غرضه حماية أمن الكيان الصهيوني من التهديد الذي تشكله إيران ومن تدعمهم في محور المقاومة الذي هو العقبة الأخيرة أمام مخططات صهينة العالم العربي بشكل كامل ونهائي.
إيران التي نراها تتبنى قضايا أمتنا وتسند المقاومين في معركة صراعنا الوجودي مع إسرائيل، تقوم بدور من المخجل إنكاره أو التقليل من أهميته في مرحلة الخذلان الجماعي الذي مارسته الحكومات العربية المتوزعة ما بين الخيانة والجبن أو العجز... لتصير إيران هي القوة الوحيدة المضادة للصهيونية حاليا، إذ هي وحدها التي تدعم كل حركات المقاومة بالمال والسلاح والتدريب والتخطيط، وفي مقابل ذلك تتحمل الحصار وأقسى عقوبات اقتصادية في التاريخ بمشاركة من بعض الانظمة العربية.
وبغض النظر عن حقيقة أن إيران هي مركز الثقل الإقليمي في مشروع التحرر من الهيمنة الاستعمارية على المنطقة، فإن الهدف الأساسي للهجمة الأمريكية الأخيرة هو تركيع إيران أو حتى إقناعها بالخروج من حلبة الصراع، وأن تعترف بإسرائيل وتقبل بالسلام معها.
لنتخيل كيف ستتغير الأمور لو أن إيران قررت تغيير مسارها وقبلت بالتطبيع مع العدو الصهيوني أو التحالف معه -كما كان الحال أيام حكم الشاه- بالتأكيد سوف تنال رضا الأمريكان وتتخلص من العقوبات والحصار، وستستعيد مكانتها القديمة كحارس أمريكي على المنطقة، متزعمة دول الخليج والشرق الأوسط إلى جانب إسرائيل.
خلاصة القول أن من يتشبثون بعروبتهم وقضاياهم الوجودية وهويتهم ومقدساتهم وتضامنهم الإنساني مع الشعب الفلسطيني، لا يمكنهم إلا أن يقفوا ضد جيوش «الويلات» المتحدة القادمة من أقصى الأرض لنهب بلادهم، فهي معركتهم المصيرية، ولن يسعى للنأي بنفسه عن هذه المواجهة والاكتفاء بالمشاهدة من بعيد سوى من عميَت بصائرهم وفقدوا عقولهم أو ضمائرهم.

أترك تعليقاً

التعليقات