رجع الوتر
 

عبدالجبار طارش

عبدالجبار طارش / #لا_ميديا - 

«من لم يحركه العود وأوتاره والربيع وأطياره فهو فاسد المزاج وليس له علاج». 
ترد هذه العبارة كثيرا في سياق الاستشهاد على موقف الإسلام من الموسيقى. وهي للإمام أبي حامد الغزالي أحد أشهر الفقهاء. ولكن ليس هذا هو موضوعنا. 
ما يسترعي الانتباه في هذه العبارة هو الربط بين عدم استجابة الإنسان للمعطيات الجمالية السمعية والبصرية وانحراف الصحة النفسية للمتلقي «فساد المزاج». وليست هذه المرة الأولى التي يلاحظ فيها هذا الاقتران. فقد سبق أن كانت الفنون ومنها الموسيقى ضمن الموضوعات التي اختصها عدد من الفلاسفة بالبحث الكاشف عن دورها وأثرها ليس في وجدان الإنسان ومشاعره فحسب، بل في إطلاق الطاقة الحيوية «البيولوجية» للجسم البشري وفي النظر العقلي التأملي.
 فحين يستغرق الإنسان في الاستماع للموسيقى يسري فيه نبضها السحري الخفي فيحركه ويبعث فيه قوة متجددة. وكلمة «يحركه» في العبارة السابقة أوجزت بدقة جوهر الأثر، حيث تنفتح على دلالات حركة متعددة الأبعاد تناولتها الدراسات النفسية بكثير من التفصيل.
فهناك البعد الوجداني الذي تثيره فينا الموسيقى والغناء إذ تستثير كوامن النفس البشرية المترعة بالأحاسيس والمشاعر المختلفة، ويتوقف تجاوبنا معها على درجة حساسيتنا ومشاعرنا الوجدانية حين ننصت للحن الجميل. 
وهناك من ناحية ثانية بعد آخر للحركة يتمثل في الاستجابة الجسمية لتأثير الموسيقى وتحفيز الوظيفة الحيوية التي يتم التعبير عنها بتمايل الجسم، أو أجزاء منه أو الرقص.... إلخ. 
وثالثا هناك بُعد أقل ظهورا وملموسية وأقرب الى السكون، ويتمثل في النشاط الذهني التأملي، ويتطلب قدرا من المعرفة الموسيقية، ويتوجه إلى متابعة الألحان، وتطويرها وتحولاتها، ومدى التكامل في التعبير بين الكلمة والتعبير الموسيقي، والتميز في الأداء... الخ.
لذلك حرصت الدول التي تسعى إلى بناء الإنسان الموفور الصحة النفسية والعقلية والجسمية، على أن تكون مؤسساتها التربوية التعليمية وغيرها ملبية لهذه الأسس.

أترك تعليقاً

التعليقات