أقذر الحروب!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

نتفق أن كل الحروب قذرة وبشعة، لكن أقذرها وأبشعها تلك التي تتخطى المقاتلين في ميادين المعارك إلى المدنيين الأبرياء. وسواء كان هذا الاستهداف للمدنيين بالأسلحة النارية والقذائف والقنابل والصواريخ أم بالحصار والإفقار ومنع الغذاء والعلاج والدواء والوقود. تظل النتيجة واحدة: «جرائم حرب وإبادة للإنسانية». ويزداد إمعان هذا الإجرام باستخدام أسلحة الحرب البيولوجية أو الجرثومية.
اليمن ساحة لهذا الإجرام العلني منذ خمس سنوات. عشرات الآلاف من المدنيين قضوا أو أصيبوا بقصف مباشر لمنازلهم وأحيائهم وتجمعاتهم المدنية، في زفاف أو عزاء أو سوق شعبية... والآلاف من نحو مليوني مريض بأمراض مزمنة قضوا بأمراض أصيبوا بها أو تفاقمت لانعدام التدخل الطبي اللازم أو الدواء، جراء حرب وحصار التحالف بحرا وجوا وبرا.
هناك أيضا مئات الآلاف وربما الملايين أصيبوا في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بأمراض فيروسية كان أغلبها قد انحسر عالميا. وظل كثيرون يستبعدون والبعض يسخرون من فرضية أن انبعاثها وانتشارها في اليمن ناتج عن أسلحة محرمة استخدمها تحالف الحرب السعودي والإماراتي في سياق سعيه العلني لإحكام الخناق وفرض الاستسلام له والتسليم لأجندته وأطماعه غير الخافية. 
والحق أن انبعاث هذه الأوبئة المنحسرة عالميا في اليمن قد يكون في جانب من أسبابه ناجما عن تدهور خدمات النظافة والصرف الصحي والمياه وقطاع الصحة جراء تداعيات الحرب والحصار. لكن ما سلف ليس كل الأسباب، فالحرب الدائرة منذ 2015 لم تدخر سلاحا ولا وسيلة، واستخدمت فيها أنواع شتى من الأسلحة المحرمة دوليا ضد اليمنيين المدنيين قبل غيرهم، وفق تأكيد كثير من المنظمات الحقوقية الدولية.
قناعتي هذه عززتها الجائحة الوبائية في الصين وانتشار فيروس «كورونا» بنسخته المعدلة، لينتقل بين الأشخاص وليس فقط من الحيوان للإنسان. لا يبدو انتشار الفيروس طبيعيا قدر ما يبدو عمديا بنظر كثير من المراقبين، ليس لأن فيلما سينمائيا أمريكيا سبق أن تناول في 2011 حكاية فيروس يجتاح الصين وينتقل منها إلى العالم، بل بالنظر لطبيعة صراع واشنطن مع بكين والتعاطي الأمريكي مع انتشار الفيروس في الصين.
التعاطي الأمريكي مع محنة الصين يتجاوز شره التشفي إعلاميا وسياسيا، إلى المسارعة في اتخاذ إجراءات ملاحية واقتصادية ضد الصين، ينطبق معها قولهم: «إذا سقط الثور سنت السكاكين». فهي لا تكتفي بتهويل خطر الوباء، بل تجاهر بالسعي إلى تكبيد الصين أكبر قدر من الخسائر المادية والمعنوية، على المدى القريب والبعيد أيضا.
هذا التعاطي الأمريكي مع أزمة فيروس كورونا في الصين يستدعي محطات بارزة للحرب البيولوجية أو الجرثومية، وتصدر الولايات المتحدة الأمريكية قائمة شنها خلال المائتي عام الاخيرة، إنتاجا للفيروسات واستخداما لها في النيل من خصومها، واحتكارا لإنتاج الأدوية والأمصال واللقاحات المضادة وتسويقها على نحو «مافيوي» علني.
لا فرق بين من ينتجون فيروسات استهداف الحواسيب والأنظمة البرمجية للأجهزة الإلكترونية، بوتيرة سنوية منتظمة ولغاية إيجاد سوق عالمية لبرامج مكافحة الفيروسات وأكثرها أمريكية وتحقق مبيعات مليارية؛ وبين من ينتجون سنويا فيروسات استهداف البشر وحملات إثارة الفزع منها، قبل أن يطلقوا الأدوية والأمصال واللقاحات المضادة لها وتسويقها. 
التجارب المعاصرة خلال العشرين عاما الأخيرة فقط، تفوق الحصر، بدءا من فيروس «جنون البقر» ثم فيروس «انفلونزا الطيور»، ومرورا بإنفلونزا الخنازير، وصولا إلى فيروس «كورونا» المطور. ورغم توصل الصين إلى إنتاج لقاح مضاد ونجاة عشرات الآلاف من المصابين، إلا أن التعاطي الأمريكي الإعلامي والسياسي مع الفيروس كبد الصين في الأسابيع الأولى فقط نحو 400 مليار دولار خسائر اقتصادية!
الخسائر البشرية لفيروس كورونا لا تزال دون الألف حالة وفاة خلال أسبوعين، لكن الخسائر المادية الواقعة هائلة ومرشحة للتضاعف، جراء تداعيات فرض الصين إجراءات وقاية وحجراً صحياً، توقفت معها كثير من المصانع والمعامل، وبصورة أكبر بفعل الإجراءات الأمريكية المبالغة في تهويل الوباء وخطره، وانعكاساتها على حركة السياحة والملاحة من وإلى الصين.
لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية، في العهد الترامبي ترتدي أياً من أقنعة «الإنسانية» و»التحضر» و»التعايش» والدبلوماسية، ولا تتحرج من الظهور بوجه الانتهازي الفج والاستغلالي القبيح والمتعجرف الأحمق والثور الهائج في رفس كل شيء أمامه وتدمير كل ما حوله في سبيل الانطلاق بلا هدى أو بصيرة حتى ولو كان هذا الانطلاق يقود إلى هاوية السقوط والانهيار.

أترك تعليقاً

التعليقات