المملكة تترنح
 

وجدي الصراري

يقوم النظام السعودي في جوهره على تزاوج مقرف بين المذهب والسلطة السياسية، فالمذهب فيها يشرِّع للسلطة، والسلطة تتوسع سياسياً واجتماعياً عبره كبنية اجتماعية وتشكيل سياسي لولبي مزدوج ومثير للجدل والاستغراب في نفس الوقت.
النظام السعودي بشكل خاص والخليج بشكل عام، مبني على قاعدة اقتصادية هشة وضعيفة، وهذه القاعدة الهشة لا تسمح لها بحل إشكالاتها الداخلية، فهي أولاً: وبحكم التبعية الاقتصادية وعلاقات الإنتاج -الكلونيالي- متخلفة في الجوهر بالرغم من التطور والرفاهية التي تظهر عليها في القشرة، وثانياً: هذا التطور الشكلي لا يمكنه أن يصنع مجتمعاً محكوماً بعلاقات عمل واضحة تساهم في تغيير الوعي الاجتماعي وتنقله من توزيعه الطبقي المنعكس في شكل انقسامات إثنية تربط الناس بعلاقات اجتماعية تًبنى على أسس مذهبية ومناطقية.
 اغتيال نمر باقر النمر في السعودية هو انعكاس صريح وواضح لتمظهر الإشكالات الاجتماعية التي لم تتمكن السعودية من حلها بهذه العلاقات الاقتصادية التبعية والهشة في بنيتها التكوينية. الثروة التي تمتلكها السعودية كمُصدر عالمي ورئيس للنفط، لا تصنع مجتمعاً حقيقياً بعلاقات إنتاج تُحدث نقلة في الوعي، وتتغلب على التناقضات الإثنية والمناطقية والمذهبية، فالنفط وإن كان مصدراً مدراً للأرباح، لا ينتج عبر علاقات عمل وكسلعة ذات قيمة تكمن قيمتها في العمل عليها لإنتاجها. النفط ليس قيمة عمل وجهد كامن في قلب السلعة. النفط مادة خام فقط لا أقل ولا أكثر.
التطور الشكلي لا يقضي على التناقضات الداخلية والاجتماعية، والأدوات التي تستخدمها السلطة السعودية وإن بدت أنها مسلطة على التناقض مع الدول المجاورة وحركات التحرر الوطني في كل مكان داخل المنطقة العربية، فهي في النهاية تنعكس أيضاً على المكونات الاجتماعية داخل مملكة الفوضى والنفط، فمثلاً الخطاب الطائفي الذي توجهه المنظومة الدينية التي تقوم عليها المملكة تجاه الطوائف المختلفة عنها كالطوائف الشيعية بشكل خاص، يستهدف المكونات الشيعية خارج الجغرافيا السعودية، لكنه في الحقيقة يتجاهل وجود مثل هذا التيار الاجتماعي داخل الجغرافيا السعودية، وبفعل التحريض والشحنات الطائفية التي يحملها التيار الوهابي تصاب بالأذى مكونات اجتماعية شيعية متواجدة داخل جغرافيا المملكة، وتتراكم على ضوء هذا الأذى تناقضات اجتماعية تتعمق بالحوادث وتنامي الخطاب التحريضي. إعدام نمر النمر هو مسمار جديد يدق في نعش مملكة الفوضى والنفط التي تتربع على عرش قضايا المقهورين وجماجمهم وتحررهم الوطني، السعودية تخوض المعارك في كل مكان كرد فعل لضعفها من داخل البنية التكوينية للنظام، فتماهي الأدوات السياسية والاجتماعية التي تلعب عبرها المملكة السعودية في المنطقة العربية بشكل عام، هو الانعكاس الطبيعي لهذا الضعف الداخلي. المعارك التي تخاض خارج السعودية في حقيقتها مضموناً، هي معارك لتثبيت السلطة الداخلية وبنية النظام المتهالك الذي يحتاج لتغيير نوعي في هيكله السياسي والاجتماعي.
النمر الجريمة والتوقيت والحراك الاجتماعي، دلائل واضحة على بداية نضوج التناقضات الداخلية السعودية، وما دامت المملكة لا تستطيع حل إشكالاتها الداخلية، وتتحرك لحلها عبر معارك خارجية، فهي تثبت أنها لا تمتلك رؤية حقيقية وموضوعية لما يجري، ولو كانت تمتلك القليل من الوعي والمعرفة بالتاريخ والسياسة، لأدركت أن حل الإشكال الذي تمر به هو في تغيير بنيتها التكوينية للنظام والبنية الاقتصادية وتغيير نمط العلاقات الاجتماعية. مملكة الفوضى تفتقر لمعرفة مفاهيم كثيرة في التاريخ والسياسة (التاريخ لا يعيد نفسه إلا كملهاة) (يقول كارل ماركس)، وبفعل تراكم التناقضات الداخلية، سقطت الهيمنة السعودية على اليمن، دون رجعة، وحتى النصر في هذه الحرب لا يمكن أن يعيدها، ولا مكسب من استمراها فيها، فلا عودة الشرعية ممكنة، ولا الشرعية مناسبة لقيادة المرحلة القادمة، واستمرارها لن يعني سوى المزيد من الدمار والاحتقان والحقد الذي سيمتد على مدى زمني طويل من الآن. واليمن لها حدود ممتدة مع السعودية، وستكون مشكلة لا حل لها بالنسبة لمجموعة من الجياع واليائسين غير الرصاص وفوهات البنادق.
مملكة الفوضى لا تفكر بمسؤولية، ولو كانت؟ لفكرت بإعادة إنتاج نفسها من جديد وبأدوات مختلفة، لكنها وعلى النقيض تماماً تتورط أكثر في حروب ستقتلعها من قاعدتها التاريخية الهشة، وتفضي لتكثيف التناقضات الداخلية. إنها تقف عكس تيار التاريخ ومنطقه، وستجرف بعيداً بغباء التمترس الأيديولوجي والطوباوية في التفكير والتخلف. 
مملكة الفوضى تستعرض فقط دولارات براميل النفط، وتضع أهدافاً بعيدة جداً عن متناول يديها، وتراهن على جواد خاسر.

أترك تعليقاً

التعليقات