نتيجة لما تعرضت له الآثار والبنى الثقافية اليمنية من استهداف متعمد من قبل تحالف العدوان الأمريكي السعودي، والواجب الملقى على عاتق وزارة الثقافة في حكومة الإنقاذ الوطني، يتساءل الكل عن أسباب غيابها في هذه المرحلة المفصلية التي ستكتب تاريخاً جديداً لليمن.
يوجد قصور في وزارة الثقافة له عدة عوامل موضوعية، خصوصاً أنها كبيرة جداً ومتعددة الأغراض والمهام. . يحتاج الداخل اليمني إلى إيجاد ثقافة مجتمعية تشرح للناس طبيعة العدوان والأسباب الحقيقية لقيامه، ولا بد من التواصل مع العالم لإيصال رسالة اليمنيين الذين كان لهم الفضل في كشف المستور من جانب أنظمة الحكم العميلة.. يُنظر إلى وزارة الثقافة في اليمن على أنها آخر ما يمكن الاهتمام به، بينما تعد في معظم دول العالم من الوزارات السيادية.. وحديث كثير عن كل تلك النقاط، بالإضافة إلى أسباب اختيار رجل عسكري لحمل حقيبة وزارة الثقافة، في حوار أجرته أسبوعية (لا) مع وزير الثقافة في حكومة الإنقاذ الأستاذ عبدالله أحمد الكبسي.
مهام كثيرة وإمكانيات شبه منعدمة
ـ البعض يقول بأن وزارة الثقافة لم تقم بدورها خصوصاً في هذه المرحلة.. ماذا تقول في هذا الجانب؟
أنت لست غريباً على وزارة الثقافة، وأنت مطلع على الوضع بشكل عام، فعندما تقول هناك قصور في وزارة الثقافة أو العاملين فيها، القصور يعود إلى عدة عوامل موضوعية، إمكانيات وقدرات، الوزارة تفتقر إلى أشياء كثيرة جداً، خصوصاً في ما يتعلق بالنفقات التشغيلية، وهي شبه منعدمة، إلى درجة أننا لم نستطع أن نطبع حتى مذكرات السكرتارية، ومكتب الوزير توقف بسبب عدم وجود الإمكانيات التي ممكن أن نشغل بها مولد الكهرباء، وهذا الوضع ليس خاصاً بالثقافة، دائماً الثقافة تأتي في إطار هذه المنظومة والوضع العام الذي فرض على البلاد، تأثرت وزارة الثقافة في إطار هذا التأثر الشامل، ووزارة الثقافة وزارة كبيرة جداً ومتعددة الأغراض والمهام، لها كثير من الهيئات المتفرعة هنا وهناك، سواء الهيئة العامة للآثار والمتاحف، وهذه مهام كبيرة وجسيمة، ولها فروع في كل المحافظات، إضافة إلى هيئة المدن التاريخية والحفاظ عليها، وهذه لها مهام كبيرة، إضافة إلى الهيئات الأخرى والمؤسسات التي تتبع الثقافة من المتاحف وغيرها، هذه المهمة الكبيرة تصطدم بالإمكانيات البسيطة التي يمكن أن يتحرك من خلالها المنتسبون لهذه الوزارة، وربما يكون حال وزارة الثقافة أفضل حالاً من الوزارات الأخرى، فالوزارة نشطة ودوام مستمر، وحاولنا إصلاح ما يمكن إصلاحه، أصلحنا بعض المؤسسات، ورممنا بعض المرافق التابعة للوزارة مثل المتاحف الموجودة في صنعاء والمتاحف التي لا نتمكن من الوصول إليها، أكيد أنها تضررت كثيراً، لكننا نشرف عليها إدارياً بما في ذلك متاحفنا في حضرموت أو في عدن أو سيئون أو في مناطق أخرى لا زالت علاقتنا من خلال موظفينا وموظفي الوزارة.
بعض المرافق التابعة للوزارة تعرضت إلى الخراب وإلى الدمار، استهدفت الأماكن الأثرية والقلاع بسبب توجه العدوان، فالعدوان هو اعتداء على التاريخ، اعتداء على الحضارة، اعتداء على الإبداع، اعتداء على جغرافية اليمن، اعتداء على ثروات اليمن، لأنه يحمل خيرات واعدة، ولهذا كان التركيز على كل ما هو جميل في اليمن.
تعرضت أكثر من 62 موقعاً ومعلماً أثرياً وتاريخياً للقصف، وضربت بشكل مباشر ومتعمد، 90% منها تعرضت لتدمير كلي، و10% تدمير جزئي، إضافة إلى 25 معلماً وضريحاً تاريخياً تعرض للتدمير والتفجير من قبل الدواعش، وكذلك تم تدمير جوامع ومساجد سواء في صبر الموادم أو جامع عبدالهادي السودي، وهذا شيء مؤسف، فقد تم الاعتداء على اليمن لما يمتلكه من حضارة وتاريخ من قبل هؤلاء الرعاة الذين ليس لهم تاريخ ولا حضارة، فهذا الإرث التاريخي نحن نحسد عليه، فهم يمتلكون مالاً أكثر منا، وقد استكشفوا أشياء كثيرة جداً، ونحن ممنوعون من الاستكشاف لثرواتنا، وأن ننقب في أماكن مجاورة مثل الجوف، نحن نواجه مشكلة كبيرة جداً، ولكن اليمنيين صمدوا، واليمنيون مصممون على الاستمرار في الحياة، ومصممون على عدم الانكسار، وتواقون للحياة، فالله خلق اليمنيين لكي يبنوا لا ليهدموا، لكنهم لن ينكسروا، وسننتصر اليمن، والآن دول العدوان في محنة أكثر منا، ويعيشون في حالة نفسية أكثر منا، ومن حق اليمنيين أن يفتخروا، فلم يكن أحد يتوقع أن يتم إطلاق رصاصة واحدة على السعودية، فاليمنيون تجاوزوا هذه القاعدة، وكسروا كل القواعد الموجودة، واليوم نرى المواقف السياسية المخزية تعلن العمالة بشكل واضح، وتعلن التصهين بشكل واضح، واليمنيون يعتبرون أهل فضل لأنهم كشفوا المستور.

نتواصل مع مكاتبنا في كل المحافظات
ـ هل ما زالت وزارة الثقافة تتواصل مع مكاتبها في المناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلال؟
وزارة الثقافة تتواصل مع كافة المكاتب في المحافظات المختلفة، بما فيها الواقعة تحت سيطرة ما يسمى الاستعمار الجديد (الإماراتيين والسعوديين)، وهؤلاء أقل ما يقول الواحد أنهم استعمار، لأنهم مستعمرون، لكن العلاقة بيننا وبين مكاتبنا تسير بشكل جيد، وموظفو الوزارة في هذه المحافظات يتعرضون لمضايقات وإلى المساءلة، وبالتالي نحن حريصون أن تظل علاقتنا بهم مستمرة.

بدأنا نخاطب العالم
ـ هل لكم تواصل مع منظمات دولية؟
في الآونة الأخيرة فتحت وزارة الثقافة آفاقاً جديدة مع منظمة اليونسكو والمنظمة الدولية العالمية بدأنا نخاطب العالم حتى ولو لم يستجيبوا لنا، أقل شيء تصل رسالتنا إلى العالم، جهزنا مصفوفة متكاملة معززة بالصور والوثائق والتقارير وبالتواريخ، وبعضها بالصوت والصورة، وزودنا اليونسكو وأكثر من 15 دولة ممثلة في هذه المنظمات منها عربية ومنها في أمريكا اللاتينية ومنها آسيوية، ووجدنا تجاوباً، وصار بيننا مخاطبات رائعة، وأبدوا انزعاجهم مما تتعرض له الآثار اليمنية، ونحن اعتبرناها خطوة بالطريق الصحيح، وقد أتت الوفود من قبلنا وتحضر في كثير من الفعاليات في المنظمات الدولية، حضر لنا وفد في باريس، وحضر لنا وفد في كندا، وحضر لنا وفد في إيطاليا، وبدأت العجلة تتحرك، وقضيتنا هي قضية سياسية، وهذه المنظمات تقع في قائمة التأثير السياسي العالمي، لأنها مرتبطة بدول العدوان، مرتبطة بالأمريكيين، مرتبطة بالأوروبيين، مرتبطة بالسعودية. أصبح العالم عائلة واحدة، لكن في كثير من الحالات يظل الجانب الإنساني لدى الأجانب أكثر من الأصدقاء والإخوة.
أيضاً نحن بحاجة في الداخل إلى إيجاد ثقافة مجتمعية تشرح للناس طبيعة العدوان وطبيعة الحرب وطبيعة المعركة، ولماذا تم العدوان علينا، فهل حركة أنصار الله جاءت من المريخ؟ وهل المؤتمر جاء من زحل؟ هل المواطنون اليمنيون الذين تعرضوا للموت وتعرضت بيوتهم للخراب والدمار جاؤوا من كوكب آخر؟ فالبندقية ليست كل شيء، لأنها تؤدي أغراضها في زمن معين وفي مسار معين، لكن الجانب التوعوي والجانب الفكري والجانب السياسي والجانب الوطني جوانب مهمة جداً، وهي معركة طويلة، وبحاجة إلى أدوات، وليست سهلة، البلد بحاجة إلى توعية، بحاجة إلى توضيح كثير من الرؤى، وليبعدوا عن المناكفات والمماحكات سواء في مواقع التواصل الاجتماعي أو الصحف أو في التصريحات أو في البيانات التي لا تخدم البلد بشكل عام، فالبلد بحاجة إلى وحدة، إلى تكاتف، بحاجة إلى نكران ذات، فهل نحن مستعدون أن نتخلى عن هذه الأشياء، وبالتالي نتجاوز مرحلة الخطأ التي حصلت؟ وكيف نستمر بتعزيز قواعد الصمود والتحدي سواء بالجانب السياسي أو الفكري أو الاقتصادي أو العسكري، فالجانب العسكري جزء من منظومة متكاملة.

المثقفون والفنانون مظلومون
ـ إلى متى ستظل الشكوى الدائمة من قبل الفنانين والشعراء من عدم اهتمام وزارة الثقافة بهم؟
الفنانون والمثقفون هم جزء من هذا المجتمع، ووضعهم صعب، وليس مريحاً، وشكواهم ربما كانت من قبل هذه الأزمة، وهم مظلومون في الحقوق، ولم تعط هذه الشريحة حقها، بمعنى أنهم لم يقدروا هؤلاء الأدباء والفنانين والمنتجين والمؤرخين، وهذه الشريحة هي في غاية الأهمية، وتعتبر من أرقى الشرائح في المجتمع، نحن لم نعرف قيمة هذه الشريحة، وهي الوحيدة التي تعتبر متجذرة في أعماق المجتمع.

خطة للاهتمام بالمبدعين
ـ هل لديكم خطة للاهتمام بهذه الشريحة؟
نحن وضعنا خطة ورفعناها لرئاسة الوزراء بأن هذه الشريحة لا بد من إعادة النظر في مجمل القضايا، لأنه مع الأسف كانت النظرة إلى وزارة الثقافة هي آخر ما يمكن أن يهتم فيها، وفي العالم أجمع تعتبر وزارة الثقافة من الوزارات السيادية، فهي يقع على عاتقها تحصين المجتمع فكرياً وسياسياً وأدبياً، وهي التي يجب أن تحافظ على التاريخ وعلى التراث وعلى الموروث، فالعالم كله يعطي الثقافة أهمية بالغة، ويعطي الثقافة اهتماماً غير عادي من حيث اختيار منتسبيها وتوفير الإمكانيات الكفيلة بتطوير أهدافها وإيصال رسالتها إلى المجتمع كله.
ـ أنت وزير مثقف لوزارة غير مثقفة.. ما تعليقك؟
لا أعتقد، ربما يكون العكس صحيحاً، لكن ربما تعاملي مع الآخرين يغطي العجز في هذا الجانب.

طموح غير قابل للتحقيق الآن
ـ لماذا لم تقم وزارة الثقافة بتبني عمل فني يليق بمستوى اليمن أو بحجم هذا العدوان؟
بالنسبة لي أطمح إلى هذا، لكن الواقع يصطدم بأشياء كثيرة، وفي مقدمة هذا الواقع عدم توفر الإمكانيات، وهذا العمل بحاجة إلى إمكانيات.

بسبب المحاصصة السياسية للأسف
ـ لماذا حمل حقيبة وزارة الثقافة شخصية عسكرية؟
أولاً حكومة الإنقاذ هي للأسف محاصصة سياسية بين مكونين (المؤتمر وحلفائه وأنصار الله وحلفائهم)، وهي حكومة غير اعتيادية، هي حكومة طوارئ وإنقاذ. الظرف ربما تطلب اختيار عناصر ذات ميول وظيفي معين، فالوزارة جاءت من حصة المؤتمر الشعبي العام، وبالتالي لم يكن مقصوداً أن يكون في الوزارة شخصية عسكرية، ونتيجة للقسمة والتقسيم جاءت حصتنا في هذا الموقع، فلا يعني أن هذا الموقع كان مقصوداً بشخصية غير مدنية.

أبناء اليمن كلهم في القائمة
ـ هل كنت تتمنى أن يكون اسمك في قائمة الأربعين المطلوبين من قبل تحالف العدوان؟
هذا جزء من المعركة في الحرب النفسية، فالعدوان استهدف الجميع الداخلين في القائمة أو خارج القائمة، فالأطفال مثلاً متى دخلوا في القائمة، والنساء والمدارس والمصانع، واستهدفوا كل شيء.. هل كانوا في القائمة؟

رب ضارة نافعة
ـ كلمة أخيرة..
اليمن ستنتصر، واليمن لن تنهزم بإذن الله، ولن تنكسر على الإطلاق، وستخرج من هذه المعركة بتجربة ثقافية فكرية إبداعية غير عادية، وستنهض بعد هذه المعركة بشكل لم يكن أحد يتوقعه، ورب ضارة نافعة.