حاوره / صلاح العلي/ لا ميديا
يستعرض معنا محافظ عمران الدكتور فيصل جعمان، عدداً من القضايا التي لمسناها عن وضع المحافظة وظروفها المختلفة خلال زيارتنا لها.. تبادلنا أطراف الحوار بين إيصال النقد والقصور وممكنات الحلول واستبيان علامات الاستفهام.. يناقش معنا الدكتور فيصل حالة التهميش التي تعيشها المحافظة البكر/ العذراء عمران. عن الاستهداف الممنهج للبنية التحتية وللأجهزة الرسمية، وبمقدمتها السطلة المحلية وقيادتها وتدمير مقراتها من قبل طيران تحالف العدوان.. ويقول تعقيباً على ذلك، إنه وبالرغم من الاستهداف، إلا أن ذلك لم يعق السلطة المحلية من الاستمرار بمهامها وخدمة المواطنين.. وحول دور المنظمات الإغاثية والمجتمع المدني في عمران، يوضح الدكتور جعمان كيف أن المخصصات من المساعدات والمعونات توجه بشكل غير سليم، على الرغم من أن المحافظة رفعت بشكل متكرر الاحتياجات المطلوبة والملحة.. ويجيب على سبب ذلك بأن هذه الجهات لا ترغب برؤيتنا نملك الاستقلال، لاسيما بإحداث نهضة زراعية واكتفاء غذائي.. عن الجوع ومواجهة العدوان والنهضة الزراعية ووضع الآثار والبنية التحية، عن النشاط السياسي والمدني، عن متطلبات المحافظة وأحلامها، وما الذي تنتظره. نقاط حديثنا واسعة، ترسم صورة شبه عامة عن وضع المحافظة وحياتها.. إليكم الحوار.
نواجه العدوان بصبر وتحدٍّ
ـ بداية نرحب بكم دكتور فيصل، ونشكرك على إتاحة هذه الفرصة.. واجهت محافظة عمران الكثير من التدمير العدواني، ما أدى لتوقف الكثير من الأنشطة والمصالح الحيوية والخدمية للناس، ومصادر دخلهم... كيف واجهتم هذه التحديات؟!
اللهم صلِّ على محمد وآله الطيبين وصحابته الأخيار المنتجبين، أولاً شكراً لكم صحيفة (لا) على اهتمامكم ولفتتكم الرائعة لمحافظة عمران وأهلها.. لقد استهدف العدوان كل شيء في عمران، من البنية التحتية إلى الأسواق ومصالح الناس إلى الجهات الحكومية إلى استهداف المواطنين، وارتكب مجازر بشعة.. وبالطبع واجهنا هذه الأوضاع بصبر وتحدٍّ، مثلاً استهدف المجمع الحكومي لعمران بغارات الطيران، وتم تدميره كما شاهدتم، وتقريباً 90% من المكاتب الحكومية كانت في هذا المجمع. ومن حينها نحن متنقلون في المحافظة، وتمكنا من استئجار بعض المكاتب للجهات المهمة، فهناك صعوبة في أن نجد مكاناً للإيجار، لأن الناس يتخوفون بسبب أننا مستهدفون.
وأنا مثلاً كمحافظ، أعمل متجولاً في الشوارع والجولات، وكما هو أمامكم الآن نحن نجري الحوار في ما تبقى من كلية التربية المقصوفة. هذا وضع السطلة المحلية مثلاً، نعمل جاهدين أن تبقى الدولة حاضرة، ونؤدي عملنا بقدر المستطاع، وبأن تستمر الخدمات للمواطنين، كالنظافة، والعملية التعليمية المستمرة، وكل ذلك برغم أن النفقات والأجور شبه منعدمة.

استمرار الخدمات
ـ وكيف استمر أداء هذه الخدمات برغم انعدام الأجور والنفقات؟
بالنسبة للمعلمين، وإلى جانب النصف راتب الذي تصرفه الحكومة، حاولنا تفعيل التعاون الأهلي، المجالس الأهلية، برغم الظروف التي يعيشها المواطنون، لكن هناك تعاوناً كبيراً، لتوفير حد أدنى من الأجور، خاصة للمعلمين القادمين من خارج المحافظة، أما المعلمون من أبناء المحافظة فهم يعتمدون تقريباً على أنفسهم، وطبعاً هم يحاولون العمل في مهن وأعمال أخرى، والاعتماد نوعاً ما على ما يزرعونه لمن يقوم بالزراعة...

مجتمع متعاون ومتكافل
ـ وما الإجراءات التي اتخذتها المحافظة لمواجهة موجة الفقر والجوع التي أبناء عمران؟!
الاهتمام بالجانب الإيرادي -برغم أن عمران محافظة فقيرة- سواء ما يتعلق بالواجبات الزكوية والضريبية والتحسين...

ـ هل هذه الإيرادات تعود لصالح المحافظة أم تورد للخزينة العامة؟!
الواجبات تورد مركزياً، أما التحسين فهو عائد للمحافظة لجانب التحسين.. اهتمامنا بالواجبات من حيث الرقابة وتطوير إجراءات التحصيل، مثلاً كانت نسبة 2.5% للعاملين على الواجبات الزكوية، أي 25.000 ريال لكل مليون ريال، وأردنا إعطاء حافز أفضل للعاملين من أجل تحسين أدائهم في التحصيل، فرفعنا النسبة إلى 5%، ومقارنة بعام 2014م حيث بلغت الواجبات الزكوية 300 مليون ريال، و2017م برغم كل الظروف بلغت الواجبات الزكوية 600 مليون ريال.. أيضاً افتتحنا تحصيلاً جمركياً في عمران للمساعدة في تحصيل الجمارك للدولة، ووصلت إلى مليار ريال سنوياً، وتورد مركزياً.. 
معاناة المزارعين
ـ وبالنسبة للزراعة؟!
عمران طبعاً هي من المحافظات الزراعية، لكن نتيجة لانعدام المشتقات، تسبب ذلك بمعاناة للمزارعين، في قاع البون، في خيوان، في القفلة، وغيرها، وراح الكثير يتجهون لزراعة القات للأسف، وهذه الأخيرة تشهد توسعاً أكثر من غيرها.. أيضاً هذا العام شهدت المحافظة عدم انتظام في موسم الأمطار, ومكتب الزراعة هنا إمكانياته شحيحة، لكنه يعمل على الأقل، وفي الحد الأدنى، أن يوفر الخدمات الإرشادية. كما أن دور المنظمات في هذا الجانب ضعيف جداً.

إدارة متنقلة
ـ خلال جولتنا في المحافظة، وجدنا أن هناك من يشكو غياب السلطة المحلية.. ما تعليقكم على ذلك؟!
نقول لهم نحن متواجدون، وربما نحن أقرب إلى الناس من أية محافظة أخرى، ومتواجدون في كل مكان، حتى إننا نلتقي الناس بالشوارع، وننجز معاملاتهم، وهواتفنا مفتوحة لاستقبال الاتصال، ومتواجدون من خلال اللقاءات المتواصلة وشبه اليومية بالناس. هناك قصور بالتأكيد، ونعترف به،وخصصنا مكتباً واضحاً أمام فرزة صنعاء، وهو مكتب التحسين، لاستقبال الشكاوى وحتى المعاملات، ويتم الرد عليها في اليوم التالي.
صحيح ليس لنا مكتب ثابت، وهذا بسبب أننا مستهدفون، لكننا متنقلون بين المكاتب والجولات حتى.. وفي بعض المديريات قد يكون هناك قصور في تواجد السلطة المحلية، لكن المسألة أننا لا نملك نفقات وأجوراً، ولا حتى الحد الأدنى، فمثلاً مدراء العموم مخصص لهم 15 ألفاً نفقات شهرية! وطلبنا من الحكومة والمجلس حل هذا الأمر إن أردنا تواجداً قوياً للسلطة المحلية. لكن لا يمكن القول إننا غير متواجدين.. نحن نحاول الحفاظ على دور الصحة والتطبيب، والتحسين والنظافة، الأمن والتعليم وغيرها، هذا مستمر بتضحية الناس وبذلهم وحرصهم، وهم مشكورون عليه جداً. وأي قصور في عمل السلطة المحلية فإن خلفيته الرئيسية العدوان والحصار وانعدام النفقات، وأنت تعرف أن الحكومة كانت 90% من إيراداتها من النفط والغاز، وهذه فقدت حالياً، وبالتالي فقدت النفقات.
أيضاً مع المنظمات العاملة في المحافظة، برغم أن دورها ضعيف، نضغط لتوظيف إمكانياتها المخصصة لعمران توظيفاً صحيحاً، سواء بنا يتعلق بالمساعدات الإنسانية والإغاثة، وإيصالها إلى الأشد فقراً.. كذلك نعمل على تشغيل المشاريع المتوقفة مثل مشاريع المياه.
وبالنسبة للصحة، عملنا على تشغيل جميع مرافق الصحة عبر المنظمات. صحيح الأدوية قليلة، لكننا نضغط لتوفير الأدوية الأساسية، وأيضاً من حيث توفير الكادر العامل في المرافق الصحية.
دور ضعيف للقوى السياسية
ـ بالتأكيد هناك مشترك بما يتعلق بخدمة المجتمع وتحسين ظروفه، بين المواطن والسلطة المحلية والقوى المدنية والسياسية والقيادة المركزية للبلد.. ما مدى تحقق ذلك؟! وما السلبيات لدى كل من هذه الجهات؟!
في ما يخص المواطن والسلطة المحلية بالتأكيد أن خدمة المواطن لن تتم بدون تعاون الطرفين، وهذا موجود، لكن كقوى سياسية دورها ضعيف، هي موجوة على المستوى السياسي، لكن للأسف دورها الاجتماعي والتعبوي ضعيف.

ـ لماذا؟ أليس هناك تواصل معهم؟
هذا السؤال لهم، ونعم، نحن نتواصل معهم، ونشركهم في الفعاليات، وهم متواجدون، ولهم ممثلون، لكننا كسلطة محلية نقدم أنفسنا كدولة. وعموماً، العمل الحزبي في عمران ضعيف، ومثلاً لديك مدراء العموم، ليس بينهم تجاذبات سياسية وحزبية، وهذا إيجابي. كما أن هناك تنسيقاً عالياً بين قيادة المحافظة والقوى الاجتماعية في المحافظة، وبين أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام.

ـ وفي ما يخص الجانب الرسمي والحكومة؟!
في الفترة السابقة كان التنسيق ضعيفاً جداً مع المجلس والحكومة، والسبب هو الإشكاليات التي غرقت فيها الحكومة، والآن نأمل أن الوضع مختلف، وهناك تواصل برئيس المجلس السياسي، وعلى أساس أن يكون هناك لقاءات قادمة بإذن الله مع الرئيس ومع الحكومة ليسمعوا منا الإشكاليات، ونتناقش في الحلول.

أكثر أمناً واستقراراً
ـ وماذا عنكم أنتم كقيادة للسلطة المحلية؟ ما الذي أنجزتموه منذ توليكم مهامكم؟ على سبيل المثال الجانب الأمني، فعمران اشتهرت بظاهرة التقطعات أو القطاعات، ما الذي اختلف الآن؟
الجانب الأمني، هناك إنجازات كبيرة جداً، وبالفعل كانت عمران كذلك، وأمامكم اليوم، تلاشت هذه الظاهرة، وخلال العام الماضي لم تتعدَّ حادثتين، وتم التعامل معهما.
هذا الإنجاز في الجانب الأمني، وهو ليس مقتصراً على التقطعات، بل والجريمة الجنائية وقضايا الأراضي، وهذا على الرغم من أن أجوراً كانت تعادل 200 مليون ريال لا تتوفر الآن، واستطعنا الوصول إلى هذا الحال، من ضبط الأمن وتثبيت الاستقرار ومكافحة الجريمة والإرهاب. وهذا تم بحمد الله وبتعاون وجهود المجتمع وأفراد الأمن وصبرهم وتضحيتهم.
نحن حافظنا على الأوضاع من الانهيار والتوقف، ومستمرون في ذلك، وبفضل جهودنا وجهود المجتمع استمرت الخدمات للمواطنين، ولم تنقطع على الرغم من انعدام الإمكانيات.
 
(التخطيط) لا تتعاون معنا
ـ خلال جولتنا في المحافظة، كان السؤال الاعتيادي أو الأول الذي يلاقينا من المواطنين هو: هل أنتم منظمة! لقد لمسنا ترقباً لدى المواطنين للمنظمات، ويبدو أنهم في انتظار لها أكثـر من انتظار الجانب الرسمي! ما السبب؟
السبب كما شرحت لك، أن الإمكانيات لدى السلطة المحلية ضعيفة جداً أو معدومة، بالمقابل المنظمات لديها إمكانيات وأموال طائلة، فمثلاً تابعت كيف تم تخصيص مبلغ 200 مليار دولار إغاثة لليمن بما يتعلق بالكوليرا فقط.. هذا هو الفارق، وطبعاً ما يصل من هذه الإمكانيات للمواطن لا يتجاوز 30%، والبقية تذهب في أجور وصرفيات للكادر العامل فيها.

ـ لكن لماذا لا تتعامل المنظمات الدولية التي تخصص هذه الإمكانيات مثل الأمم المتحدة واليونيسف، معكم بشكل مباشر، وتوفير النفقات المهدرة بلا داعٍ، وهي كبيرة جداً، وتوجيهها للمحتاجين؟!
نحن دورنا رقابي وإشرافي، وقرابة 80% إلى 90% من العمل يجري بالتنسيق معنا، لكنهم مثلاً يفرضون علينا أوجه صرف هذه الإمكانيات، فيأتون ويقولون لنا,خصص هذه المنحة أو المساعدة للجانب الفلاني.. وللأسف يصرون على رؤيتهم، ويكون الضغط علينا إما نقبل أو تلغى المنحة أو تنقل لمحافظة أخرى، ووزارة التخطيط لا تكون عوناً لنا هنا.

استجابة ضئيلة لاحتياجاتنا
ـ وهل رفعتم إليهم باحتياجات المحافظة وأوجه الصرف؟ وهل هناك استجابة؟
نحن رفعنا بخطة للاحتياجات، مثل المياه والصحة والتربية والوحدة التنفيذية للنازحين، وسلمناها للجهات المعنية في صنعاء ولوزارة التخطيط و(الأوتشا) الخاصة بالمنظمات، وكانت الاستجابة ضئيلة، ومثلاً حاولنا كثيراً أن يقدموا سلة غذائية للمعلمين، لكنهم يرفضون ذلك تماماً.

ـ لماذا؟
السؤال لهم، لماذا الرفض، وما يصرف هو لحالات أقل من الاحتياج، وحدهم النازحون يحتاجون 38 ألف سلة، وللموظفين والعاجزين يصل الاحتياج تقريباً لـ100 ألف سلة على الأقل، فالأوضاع في تدهور، ولم يتوقف العدوان والحصار، بل إنهم قاموا بإيقاف المساعدات عن مديريات ريدة وحوث، وحين سألناهم قالوا إنهم مستكفون! وهذا غير صحيح مطلقاً، بل إننا نراهن أن المعاناة أسوأ حالاً.. ما أريد قوله أنه ليس هناك معايير لدى هذه المنظمات... وهم وعدونا هذا العام أن يعيدوا دراسة الاحتياج في هذه المديرية، واستئناف الصرف مجدداً من هذا الشهر (فبراير)، وفعلياً ما يقدمونه قليل، مثلاً بعض المديريات تصرف لها 2000 سلة فقط، وتسبب لنا إحراجاً وإشكالاً، لكننا نحاول جاهدين أن تصل للأكثر احتياجاً.

لا يريدون أن نكتفي ذاتياً
ـ وبرأيك لماذا لا تخصص المساعدات مثلاً في تنمية الجانب الزراعي من سدود ومياه واستصلاح وغيرها، أو في الجانب الصناعي، بحيث يتمكن الناس من تأمين اكتفاء ذاتي ولو بالحد الأدنى وتحقيق اكتفاء غذائي، وليس جوانب خدمية آنية وحسب؟! 
لا يريدون ذلك، وواضح أنهم لا يريدون لنا أن نحقق الاكتفاء، وبالتالي الاستقلال، يريدون أن نبقى بحاجة للمعونات والمساعدات، وتظل يدنا ممدودة للعالم.

ـ من جانب آخر، أليس تعويل الناس نوعاً ما على مساعدات المنظمات والجهات الخارجية، ينتقص أو لنقل يقلل من اعتماد المواطنين على السلطة المحلية والدولة، وبالتالي الارتباط بها، ويقلل من هيبتها لديهم؟
ـ ليس اليمنيون أصحاب تفكير من هذا النوع، أو علاقتهم ببلادهم من هذا النوع، ثم إن الناس يدركون ما يجري، ويعرفون دور كلٍّ من هذه الجهات، ومدى محدودية دورها، كما أننا لسنا غائبين، بل حاضرون، والمواطنون يلمسون دورنا ووجودنا كدولة، ولا يمكن المقارنة بين الجانبين.

غياب البنية التحتية
ـ تملك عمران إمكانيات استثمارية ومصادر دخل كبيرة من حيث المساحة المؤهلة والأيدي العاملة والمواد الخام نوعاً ما والجانب السياحي وبالأخص الآثاري... وبالإمكان الاستفادة منها لجلب عوائد ودخل للوطن ولعمران بالمقدمة.. لكن من الواضح أن البنية التحتية للمحافظة غير مؤهلة، وليس هناك اهتمام بذلك.. لماذا برأيك؟!
المشكلة كما ذكرت أن البنية التحتية لاسيما الصناعية غير موجودة، ولديك مصنع عمران، تم استهدافه. وفي السابق لم يحدث هذا الاهتمام، والآن يتم استهداف هذا الجانب.. أيضاً لدينا الجانب الزراعي، ليس هناك اهتمام ببناء السدود التي هي قليلة، والاهتمام بما يخدم الزراعة، أو الاستثمار في منتوجات الزراعة. والمعروف أن عمران محافظة زراعية، وكما تحدثنا فالمسألة سياسية من حيث إنه لا يراد لنا الاستقلال.

الانتصار على العدوان بداية النهوض
ـ ما رؤيتكم أنتم للنهوض بوضع المحافظة؟
انظر، النهوض بالمحافظة وبالبلد عموماً لا يمكن أن يحدث إلا بعد الانتصار على العدوان، وهو القضية الأساسية، وما يجب علينا هو أن نهب بشكل أكبر للالتحاق بصفوف مواجهة العدوان، وكسره عسكرياً، كما كسرنا رهانه على تخريب الجبهة الداخلية وتفجيرها.. والبلد ـ الحمد لله ـ لديه الثروات والإمكانيات الهائلة التي تكفل لشعبنا الكرامة والعيش الكريم، فقط علينا الانتصار على العدوان، وأن نمتلك سيادتنا، ولن يحدث ذلك إذا لم نقاتل من أجلها.

لم نصل للموت جوعاً
ـ وكإجراءات آنية الآن لمواجهة رقعة الجوع؟ ونحن شاهدنا في المحافظة أن الشوارع تمتلئ على طول الأرصفة بالمتسولين والمحتاجين!
أنا معك أن هناك اتساعاً لرقعة الجوع، لكن لا تنسَ أن المجتمع اليمني متكافل، والله سبحانه وتعالى موجود تأييده ولطفه بنا، والفضل له، وإلا كيف أننا لثلاث سنوات من الفقر والحصار والعدوان عايشين! الفضل لله، ولتكافل المجتمع، ونعرف أن كل أسرة لا تترك الأسرة المجاورة لها جائعة. وصحيح هناك ازدياد للحاجة، ومعاناة الناس موجودة، لكننا لم نصل لأن نموت جوعاً, وخلال أحد اللقاءات مع المنظمات سألونا: هل توجد مجاعة وأحد مات جوعاً؟ فقلنا لهم: الحمد لله لا توجد مجاعة، والفضل لله ليس لكم، أنتم تصرفون الشيء القليل، وفعلياً لو كنا معتمدين عليكم ربما كنا سنموت جوعاً.

مساحات الإقطاع الزراعي
ـ في هذا السياق، من المعروف أن عمران لعقود كانت هناك أرستقراطيات ومشيخات تسيطر على مساحات زراعية ووديان كبيرة، بينما هناك من لا يمتلك فداناً واحداً.. هل تغير هذا الحال أم لا؟!
هم فقط بيت الأحمر، أسرة عبد الله بن حسين الأحمر، الذين كانوا يمتلكون هذه المساحات، وبعضها كانت أراضي تابعة للدولة. وطبعاً لا تزال بأيديهم، في حاشد والعشة والقفلة ودنان وخمر وخيوان وغيرها، ولديهم مندوبون فيها، ويمكن المزرعة الوحيدة التي تمت مصادرتها عليهم كانت في خيوان، باعتبار أن مواجهات دارت فيها حين تم دخول خيوان.

ـ في ظل الأزمة السياسية التي عاشتها صنعاء مؤخراً وأزمة الحكومة، هل انعكس ذلك على الوضع العام للمحافظة؟!
لا، لم تنعكس، فقط طرأت أحداث طفيفة، كانت في خمر فقط، وتم التعامل مع من قام بذلك، وتم فتح الطريق الذي قطع خلال ساعات.. نحن تواصلنا وعلاقاتنا بقيادة المؤتمر قوية، ولا تنسَ أن مجتمع عمران قبلي، والنشاط القبلي قوي، واستطعنا أن نوظف ذلك في السيطرة على الأوضاع وعدم تفجير الأوضاع.

موقف مشرف لقبائل حاشد
ـ مؤخراً، كانت هناك أخبار عن محاولة العدوان جر قبائل حاشد إلى صفه، وهو ما أكده الرئيس الصماد مؤخراً خلال اجتماع بمشائخ قبائل حاشد.. كيف تعاملتم مع ذلك؟
نعم، هناك من يراهن على ذلك، لكن مشائخ وكبارات ووجاهات قبائل حاشد وأبناءها، كانوا بوعي عالٍ، وموقفهم مشرف، ولديهم حرص شديد على الوطن. وكان هناك تواصل مستمر معهم، وأيضاً مع قبائل بكيل، وكانوا حريصين على وحدة الصف الوطني، ولهم جزيل الشكر على موقفهم. وعمران قد عانت الكثير في السابق، ولديها دروس كافية. صحيح أن هناك من أبناء عمران يشاركون مع العدوان، لكنها تظل حالات شاذة ممن يتبعون حزب الإصلاح وبعض مشائخ بيت الأحمر، وهم قلائل.
ونجد أن أبناء قبائل حاشد حاضرون بقوة في جبهات مواجهة العدوان، وقدموا ما لا يقل عن 1000 شهيد منذ بداية العدوان، 157 شهيداً من خمر وحدها. الوطنيون أكثر. ومثلاً لديك الشهيد اللواء ياسر الأحمر، بطل من أبناء حاشد وخمر تحديداً.

50% من نشاطنا في مواجهة العدوان
ـ ما الأنشطة التي تقوم بها المحافظة في سياق مواجهة العدوان والتعبئة لها؟!
هذا أساسي في عملنا، ولربما 50% من نشاطنا في هذا الجانب. من خلال اللقاءات المتواصلة، والتعبئة والتثقيف للناس، والزيارات المتواصلة والوقفات واستنفار الناس. والحمد لله هناك تجاوب كبير، وشهرياً هناك قوافل رجال للجبهات،  هناك استنفار كبير جداً لدى أبناء عمران.. أيضاً دورنا إلى جانب رفد الجبهات، الحفاظ على الصف الداخلي وتعزيزه، والحد من استقطاب العدو للناس، وتعزيز الحالة الأمنية، والاهتمام بأسر الشهداء وبالجرحى، وتقريباً نحن نعيش معركة أمنية باستمرار مع العدو، وهذا بالتأكيد يأخذ معظم وقتنا.

نحلم بإذاعة لعمران
ـ في هذا الصدد، لاحظنا من خلال تواجدنا في المحافظة الأيام القليلة الماضية، أن محافظة عمران لا تمتلك إذاعة محلية، والإذاعات المركزية تصل بشكل ضعيف ومحدود، وأغلب المناطق لا يصلها البث، وعمران كبيرة جداً وتعدادها كذلك، ويفترض أن ذلك جزء أساسي من عملية التعبئة والتحشيد إلى الجبهات والتوعية للناس!
طرقت قضية حساسة. طبعاً هذا حلم بالنسبة لنا، وسبق وتحدثنا مع الجهات المسؤولة ومع وزارة الإعلام، ونعذرهم ونقدر أن الإمكانيات المحدودة، لكننا لا نزال نطالب بإنشاء إذاعة لعمران، وهي مسألة ضرورية جداً.

ـ لكن من المعروف، أنه خلال الفترة السابقة، وتحديداً فترة العدوان، كانت هناك إذاعات تعمل بصف العدوان وتم إغلاقها وتحريز أجهزتها، وربما تكون هناك أحراز متبقية حتى الآن، فلماذا لا يتم تفعيلها بالضرورة لصالح الجبهة الوطنية، ومدكم أنتم مثلاً بمحطة بدلاً من أن تظل محرزة إن كانت كذلك؟!
الحقيقة، لا أملك معلومات إذا كانت هناك إذاعة محرزة أو لا، لكن هذه مسألة ضرورية، ونحن نناشد الجهات المسؤولة، وعبركم أنتم صحيفة (لا)، ونتمنى أن تتبنوا هذه المسألة، أن يتم إنشاء إذاعة خاصة بمحافظة عمران، فهي بحاجة ماسة لها.

قصور كبير جداً
ـ باعتقادي عمران لا تزال محافظة عذراء، من حيث إمكانياتها غير المستغلة، وآثارها وتراثها المهمل والمهمش. وربما هي من الأكـثـر احتضاناً للحصون والآثار، لكننا حين كنا نسأل الأهالي فيها عن تاريخية هذه الحصون ونشأتها أو من بناها، وجدنا أن هناك حالة من عدم المعرفة التامة بها، كما أن هناك اندثاراً لها أو تتعرض للسرقة.. لماذا هذا الحال؟!
فعلاً، ما ذكرت ملاحظة قيمة، وواقعية. هيئة الآثار لدينا بها 12 كادراً فقط، وليس لديهم الإمكانيات المطلوبة.. أيضاً تعريف الناس بتاريخهم وربطهم بها هناك قصور كبير جداً، ونحن أغلب وقتنا مشغولون بمواجهة العدوان، أيضاً ليس هناك نفقات وإمكانيات حالياً للاهتمام بهذا الجانب برغم أهميته الكبرى، هذا يتعلق بالذاكرة اليمنية, لكن للأسف جهدنا الآن يصب على أولويات أعلى وأكثر حساسية.. وفي السابق نستطيع القول إنه كان هناك لامبالاة بهذه الآثار وهذا التراث.

مغادرة التطبيب مؤقتاً
ـ أنتقل معكم إلى شق آخر من حديثنا.. هل غادر الدكتور جعمان مهنة التطبيب نهائياً أم سيعود؟!
(ضاحكاً) بالتأكيد، بسبب عملنا الحالي، وانشغالنا الكبير, وأتمنى العودة إليها. مهنة الطب مهنة إنسانية جداً، وهي شيقة. وطبعاً نقدم بين الفترة والأخرى الاستشارات والنصائح، وغالبها في الوسط العائلي.

نعمل بمسؤولية وليس بحزبية
ـ يعتبركم البعض أنكم قيادة حزبية وحسب.. ما تعليقكم؟!
هذا يعتمد على تقييم المجتمع، نحن نعمل مع الجميع وللجميع وبعين المساواة، ونرى أنفسنا مسؤولين عن الجميع بدون استثناء، ولا نعمل باعتبارنا من أنصار الله، بل كمحافظ لمحافظة عمران. وقد ينظر البعض للمسألة من جانب حضور أنصار الله في المحافظة، باعتبار أنهم يتحملون العبء الأكبر في المواجهة كما تعلمون، لكننا ننظر للجميع بمساواة.. وكما ذكرت هذا يعتمد على تقييم المجتمع، ولكم أن تسألوا، وبالمقدمة النخب السياسية.

مرحلة مغارم لا مغانم
ـ إذن أخيراً، ما هي رسالتكم؟ وبالأحرى ما هي رسالة محافظة عمران؟!
رسالة المحافظة للجميع، أننا نعيش مرحلة مفصلية، تتطلب المزيد من الصبر والتحدي، والمزيد من الحفاظ على الجبهة الداخلية، والمزيد من جهود تعزيزها، وتعزيز عوامل الصمود والثبات لشعبنا، والتكافل الاجتماعي ورفد الجبهات. وللحكومة، نقول إن عليهم الاهتمام بالموجود، وتحسين الأداء وحل الإشكاليات التي في نطاقهم ونطاق إمكانياتهم، نحن نقدر وضع الحكومة، لكن يجب أن يكون هناك اهتمام بما هو بين أيدينا، والابتعاد عن التجاذبات.. والمرحلة الآن تتطلب الشرفاء والنزهاء والأكفاء، أن يكون همهم الناس وأوضاعهم، فالمرحلة مرحلة مغارم لا مغانم.. وفي الأخير، نشكر صحيفة (لا) على زيارتها إلى محافظة عمران واهتمامها، ولدورها الرائد والمتميز في التصدي للعدوان والتعبئة والتوعية، ونشكر كادرها المبدع، وندعوها المزيد من الجهود والإبداع.