في إطار المساعي العدوانية الصرفة؛ التي تقوم بها مملكة بني سعود، ضد اليمن واليمنيين، من أجل إنقاذ اليمن ومساعدته كما تدعي، ومن أجل حماية شعبه وأطفاله وشبابه، كما قال وزير خارجيتها (عادل الجبير)، أضافت المملكة إليهم مؤخراً معاناة جديدة، فوق معاناة القتل والتدمير والحصار والتجويع، واستهدفت لفتاتها الإنسانية المتوحشة، شريحة المغتربين اليمنيين في أراضيها، الذين يحزمون حقائب سفرهم للعودة بعد أن فرض النظام السعودي قوانين عمل جديدة جائرة على العاملين الأجانب في السعودية، أدت إلى خسارة عشرات الآلاف من اليمنيين وظائفهم، أو تركها والعودة للوطن بعد أن أصبحت رواتبهم الضئيلة لا تغطي الرسوم المالية الكبيرة والتعجيزية، التي فُرض عليهم دفعها شهرياً، لتتفاقم بذلك المأساة الإنسانية للشعب اليمني، خصوصاً الأسر التي كانت تعتمد على معيليها المغتربين، بسبب خسارة مصادر دخلهم ووظائفهم (في الغربة)، والتي كانوا يعتاشون عليها، لتتضح الصورة البشعة للمملكة المعتدية التي لا ترقب في اليمنيين إلاً ولا ذمة، ولا تحمل لهم ذرة نوايا خيرة أو حسنة.
ماضٍ وحاضر أسود لمملكة الظلم
لم يكن المغترب اليمني في السعودية، خلال العقود الماضية، بأفضل حال، ولم ينعم بالخير والراحة في مملكة بني سعود ذات الضمير الميت، ولكنه خلال الفترات السابقة، تحلى بالصبر، وناضل من أجل لقمة العيش، بالرغم من ظروف العمل الصعبة والقاسية والمجحفة، وكثرة الابتزاز الذي يطاله من قبل الحكومة السعودية، وما يسمى (الكفيل)، ولكن النظام السعودي اليوم زاد جوره على العمال المغتربين، مهدداً بذلك أكثر من مليون و200 ألف مغترب يمني مع أسرهم المقيمة في اليمن أو في السعودية، من أصل مليون و500 ألف مغترب يمني في الخليج، بواقع مرير ومستقبل مجهول، فقد حَمَّلهم ما لا يطيقون، وفرض عليهم رسوماً وقيوداً تجعلهم عبيداً لحكومته وما يُسمى الكفيل، لا موظفين موفوري الاحترام الوظيفي والمعيشي، ما جعل الآلاف منهم يخسرون أعمالهم إما بتركها أو بترحيلهم وإقالتهم منها، عائدين إلى بلدهم المتعب من عدوان النظام السعودي، والذي تفاقمت نسبة البطالة فيه بشكل كبير، ليخسروا بذلك مصادر دخلهم، وتخسر أسرهم عمل من كان يعيلهم، ويخسر الوطن كذلك أحد روافد دعم الاقتصاد المحلي بالعملة الأجنبية، حيث بلغ إجمالي التحويلات المالية إلى اليمن عام 2016، نحو 3.4 مليار دولار، يأتي جزءٌ كبيرٌ منها من السعودية، حسب تقرير سابق لصندوق الأمم المتحدة الدولي للتنمية الزراعية، لتتضاعف الخسارات والمآسي التي تسببت بها مملكة بني سعود لليمن واليمنيين.

طرد غير مباشر
عاد آلاف المغتربين اليمنيين من السعودية، خاصة خلال عام 2017، ومطلع العام الحالي، الذي يُتوقع أن يكون الأسوأ بالنسبة للمغتربين في السعودية، وأصبحت أعداد العائدين في تزايد كبير بعد القوانين الجديدة التعجيزية التي أضيفت إلى سابقاتها، والتي أصدرتها وزارة العمل السعودية، أهمها قانون (السعودة) الهادف إلى جعل الأولوية لتوظيف المواطنين السعوديين على حساب المقيمين، والقانون الذي يفرض على المقيمين دفع مبلغ 400 ريال سعودي ابتداء من العام الحالي، ما جعل بقاء كثير من العمال أمراً محالاً، خاصة مع هذا القانون الذي أظهر الوحشية الاستغلالية للنظام السعودي تجاه العمال والأجانب، فاليمني في السعودية مطالب بدفع 400 ريال سعودي شهرياً! أي ما يعادل اليوم 52 ألف ريال يمني، وستزيد في 2019 لتصبح 600 ريال، ثم تزيد عام 2020 لتصبح 800 ريال، كضريبة عمل وتواجد الفرد في أراضي المملكة، سواء كان عاملاً أو غير عامل، ذكراً أو أنثى، ورجلاً أو شيخاً أو حتى رضيعاً، فهي ضريبة إلزامية على الجميع، والنظام السعودي يعوّل على تحصيل 65 مليار ريال سعودي سنوياً، من فرض هذه الجزية على عمال يكافحون بشرف من أجل لقمة العيش، ما جعل اليمنيين المقيمين في وضع حرج للغاية، خاصة من كان يقيم مع عائلته، حيث سيتوجب عليه دفع 400 ريال سعودي عن كل فرد من أفراد أسرته، ما قد يكلف بعض المعيلين مبالغ كبيرة تفوق قدرة احتمال رواتبهم القليلة أصلاً، والتي تتراوح بين 2000 و3000 ريال سعودي، وتكاد لا تكفي لتغطية نفقات المعيشة وبقية الالتزامات الأخرى المفروضة عليهم، مثل دفع 650 ريالاً سعودياً سنوياً، كرسوم تجديد الإقامة، إلى جانب دفع مبلغ مستحدث (2500 ريال سعودي) لما يسمى رسوم مكتب عمل، أيضاً مبلغ يتراوح بين 600 و1600 ريال سعودي تأميناً صحياً، لا يستفيد منه العامل أو يجد خدمة حقيقية مقابل دفع التأمين، حسب ما أخبرنا مغتربون يمنيون، كذلك مبلغ 100 ريال سعودي كضريبة عن كل شهر إجازة، إذا كان العامل في إجازة من عمله، إضافة إلى مبلغ 2000 ريال سعودي رسوم نقل الكفالة، وأخيراً مبلغ غير محدد أو مقيد يدفع سنوياً لصالح الشخص ذي السمعة السيئة في أوساط المغتربين (الكفيل)، ويعتمد حجم هذا المبلغ على حجم أخلاق وضمير هذا الكفيل، فأفضلهم قد لا يأخذ إلا في حالات نادرة، أو يأخذ 1000-2000 ريال سعودي، أما أسوأهم فقد يبتز من يقعون تحت كفالته، ليدفعوا له مبالغ تصل إلى 5 أو 10 آلاف ريال سعودي.

على وقع سياط النظام السعودي
وعلى وقع كل هذه السياط على ظهر العامل اليمني البسيط، باتت حياته الوظيفية والأسرية في السعودية وفي اليمن، في خطر داهم، فالبعض اضطروا إلى إعادة أسرهم إلى الوطن، بسبب عدم القدرة على تحمل تكاليف العيش الصعبة في السعودية، والبعض الآخر تم ترحيلهم من قبل كثير من الشركات وأرباب العمل، بعد أن تم فرض قانون (السعودة) الذي يفرض تشغيل مواطن سعودي مقابل كل 4 عمال غير سعوديين، في إطار المساعي لتوطين الوظائف للسعوديين على حساب المقيمين، ما دفع الشركات وأصحاب الأعمال والمؤسسات إلى العمل على تخفيض عدد العمال الأجانب بتسريحهم من العمل، تفادياً لازدياد أعداد العمال وزيادة النفقات، والضحية مئات الآلاف من المغتربين اليمنيين ومن يعولون.
وأكد مقيمون يمنيون بالسعودية لـ(لا)، أن وظائفهم التي تتوزع في مجالات تجارية متنوعة، باتت مهددة، وأن خياراتهم أصبحت محدودة جداً، في حين أن العودة إلى بلدهم الذي يعيش فيه الملايين على حافة المجاعة بسبب العدوان السعودي، تمثل خياراً صعباً حالياً، كما أن البقاء يعرضهم للملاحقة والترحيل القسري. 
وقال أحد المغتربين اليمنيين، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إن قوانين النظام السعودي الجديدة تعتبر إعلان حرب على المغتربين، وتمثل المسمار الأخير في نعش العلاقات اليمنية السعودية، وأن السعودية لن تترك لنفسها أية صفحة بيضاء مع الشعب اليمني. وأشار المغترب إلى أنه يتقاضى راتباً شهرياً قدره 4000 ريال سعودي، والذي يعتبر نفسه أفضل بكثير من الآلاف غيره، على حد تعبيره، إلا أنه أصبح من الصعب عليه تغطية نفقات معيشة أسرته المكونة من زوجة وبنتين، والمقيمين معه في السعودية، وأن خيار العودة بأسرته إلى اليمن أصبح الحل الأبرز، ولم يخفِ مخاوفه الكبيرة من أن يصل به الأمر إلى خسارة وظيفته خلال الشهور القادمة، في ظل جائحة التسريح التي تهدد كل مغترب يمني.

فاقد الشيء لا يعطيه
أما حكومة الفار هادي ووزراء الفنادق فليس لهم من الأمر شيء، ولا سلطة لهم، أو رأي أو تأثير على حماة شرعيتهم وسجانيهم، بعد أن مدت مملكة العدوان التي تتغنى بحب اليمن وحمايته، مدت يدها الخبيثة لأخذ لقمة عيش المغترب اليمني التي يجنيها من أرضها بعرق جبينه وكد يديه، ولم تستثنهم من هذه القوانين، خاصة في ظروف الحرب لدواعٍ إنسانية أو غيرها. وبالرغم من التصريحات الكثيرة والوعود التي أطلقها وزراء ومسؤولون في حكومة الفار منذ أشهر، بأن هناك اتصالات وتوصيات سوف تنقذ المغترب اليمني، إلا أن شيئاً لم يحصل، وليس هناك أمل في أن تُحل معضلة المغتربين اليمنيين في السعودية بمساعي مرتزقة رخيصي القيمة باعوا وطنهم وشعبهم، ففاقد الشيء لا يعطيه، فلن ينتصر من يعيشون بلا كرامة في فنادق الرياض، لكرامة المغتربين اليمنيين العاملين في السعودية. والمأساة اليوم قائمة، والمعاناة متفاقمة، كما أفادت تقارير بأن الرسائل والخطابات في هذا الشأن، من قبل مسؤولي حكومة الفار هادي، قوبلت بالتجاهل، ولم يتم حتى الرد عليها من قبل النظام السعودي, بل على العكس، فهناك تمادٍ وإمعان في إهانة وإذلال المغترب اليمني، حيث أثار عضو مجلس الشورى السعودي عبدالوهاب آل مجثل، سخطاً يمنياً كبيراً بعد أن دعا في مداخلة تلفزيونية، السلطة السعودية إلى معاقبة المغتربين بقطع آذانهم قبل الترحيل، في تصريح ينم عن الحقد والاحتقار الكبيرين من النظام السعودي تجاه اليمنيين.