حاورها : حلمي الكمالي / لا ميديا
عندما تلتحم القصائد بالموسيقى والدموع وخيوط ضوء الفجر في مشهد مهيب، فإننا أمام شاعرة من زمن آخر، قصائدها تمحو عتمة الليل، وتنسج إشراقة الصباح.. هكذا تبدو قصائد الشاعرة الشابة رهان عبدالله عندما تلامس وجدان كل عاشق ومكلوم، وحزين وسعيد، وكل صغير وكبير، فتثير في خياله ذكرى الأمس وبسمة الحاضر ولوعة الاشتياق للغد.. قصائد رهان ليست بحراً في عمود الشعر، إنها كسفينة نوح تحمل على متنها الفلاح والعاشق والثائر والورد واللوز والرمل، تحمل الشيء ونقيضه، وتبحر بهما باتجاه الضوء.. تمزج رهان في قصائدها الحب والوجع والحرب والسلام والقيود والحرية، وترصفها كالبنيان، تحول تناقضات الجغرافيا والمكان إلى حياة، وتربط المد والجزر عند المنتصف، هندسة أدبية تختصرها الشاعرة المعجزة قلما وجدت عند شاعر آخر. إنها تحيي جذوات الحنين والذكريات التي لا تشيخ أبداً في قصائدها. . أحبت رهان الشعر منذ نعومة أظافرها، فعانقتها القوافي بكل عنفوان وشباب وحب، وسلكا معاً الطريق الذي لا إياب فيه.
في سطور.. من هي رهان عبدالله؟ 
أنا جرحٌ عليلُ الصوتِ مذبوحٌ على وردة..
يَخطُرُ في قلبي هذا البيت كُلما سُئِلتُ عني، حسنًا..
أنا طفلةٌ 
أبلغُ من العمرِ 18 عامًا و7 أشهر 
أدرسُ في كلية الإعلام / المستوى الأول، من الجريحةِ تَعز، 
 تناثرت روحي ذات تنهيدةٍ إلى جميعِ بِقاعِ هذا الوطن..

قصيدة نازفة
 تبدو قصائدك أكبر بكثير من عمرك، كيف ومتى ولدت القصيدة لديك؟ 
أكتب بشكل نثري منذُ 4 أعوم تقريبًا، بينما بدأتُ بالشعر منذُ عامٍ وبضعة أشهر، ابتلعتُ جمرةً في مقتبلِ العمر ومن بعدها أنجبتُ قصيدةً لم يتوقف نزفُها حتى اللحظة.

 لكل شاعر طقوسه الخاصة يمارسها أثناء كتابته للقصيدة، فما هي طقوس رهان..؟ 
الظلام والسكون وحضورُ ذاتي الداخلية..

لعنة الشعر
 يتميز شعرك بالعمق والإيحاء والجمال، ما هي مصادر إلهامك الشعري...؟ 
رأيتُ طفلًا يُحملِقُ في عينيَّ ذات نهار، خاطبتُه في نصٍّ ما، قائلةً: حسناً يا صغيري سأُجيبُك، وإن كنتُ أعلمُ أنك لن تقرأ هذه الكلمات، أتحاشى النظر في عينيك حتى لا تُصبح شاعراً في يومٍ ما، فالشعرُ يا صغيري؛ ما هو إلا ارتطامٌ بجرحٍ في ناصيةِ دمعة، أخشى أن ترى وهج التأوه في عيني، فتصاب بلعنة الشعر إلى الأبد..
أنا لا أبالغ الآن..! 
لا عليك، أنا بخير..
الجوُّ حارٌّ في قلبي، مقلتي تتعرق وحسب. 
يُلهِمُني الوجعُ بكل أشكاله، تُلهِمني الموسيقى ورجفةُ الكمانِ في أحضانِها، تُلهمني القصيدة حين تركضُ عاريةً مني تحت نحيبِ القمر..
يلهمني الغيمُ ودموعُ الضوءِ وبقايا الذاكرة.

مدرسة خاصة
  إلى أية مدرسة شعرية تتجه قصائدك؟ 
إلى المدرسة الواقعية، وربما سأتحرر من كل المدارس، وأُنشئ مدرسة خاصة بي مع الأيام.

لا يجيدون النثر
 ما رأيك بقصيدة النثر؟ وإلى ماذا يشير إقبال الكثير من الشعراء على كتابة هذا النوع من الشعر؟
أكتبُ قصيدةَ النثر، لكنني لا أُجيدها بشكلٍ كبير، إذ إنها تتطلبُ مهارات عديدة منها الإيجاز والإيحاء والإذهال مع كل حرف، لأنها قصيدة متجردة من الموسيقى، ولا بد أن يحل الإذهال والدهشة محل الموسيقى المفقودة..
أغلب الشعراء يَدعون كتابة قصيدة النثر، إذ إنهم يكتبون كلامًا عاديًا ويفرقون بين الكلمات والأسطر، ويظنون أنهم مجيدون لقصيدة النثر. 
لا يوجد كُتاب لقصيدة النثر سوى قلة قليلة، أما البقية فهم يتوهمون أنهم يكتبون قصيدة النثر، لا أكثر.

البردوني سجدة الوطن
 لا يمكن المرور في الساحة الشعرية اليمنية دون الالتفات إلى قصائد الشاعر الكبير عبدالله البرودني.. ماذا يعني لك البرودني؟   
البردوني 
سجدةُ الوطن، محرابُ المعاناة 
واستغفار الأنين في إعصار عمودِ الشعر 
البردوني عُصارةُ هذا الوطن التي صُبت في كأسٍ تُثمِلُ كل من يرتشف منها  
لستُ متأثرةً به، ولكنني وجدتُ الوطن في عيونِ قصائده.

 على المستويين المحلي والعربي.. هل برأيك أن الشعر اليوم يحاكي الواقع؟ 
الشعرُ يخاطب الواقع أحيانًا، ويتجرد منه أحيانًا أُخرى..

روح مليئة بالدمع
 هل تتطرق رهان من خلال قصائدها لإيجاد حلول للواقع الذي نعيشه..‍‍‍؟ 
القصيدة لا تُنجب حلولًا، كتبتُ نصًّا ذات يومٍ عنوانه (القصائد لن تنقذ بورما)، وختمتُه بقولي: بَحةُ الجرحِ لن تُشفيه أبدًا..
قد أصِفُ معاناةً وأوصِلُ قضيةً من خلالِ القصيدة، لكنني لن أُغير شيئًا 
الحلول بيدِ القوى البشرية لا الروحية 
القصيدةُ روح 
روحٌ مليئةٌ بالبنفسجِ والدمع.

ضحكة الفجر الأولى
 ما هي أحب أوقات الكتابة لديك؟ وما مدى تأثير الليل على الشعراء انطلاقاً من مقولة (الليل وحي الشعراء)؟ 
لا يوجد وقتٌ بحد ذاته، ربما أنا عكس الشعراء، فأنا لا أسهر مع الليل لأُنجب قصيدةً، بل يوحى إلي مع ضحكةِ الفجرِ الأولى.

كون شعري
 هل يحتاج الشاعر أحياناً إلى تبادل الأدوار مع الوحدة، الحرية، وأحياناً الوجع، ولو افتراضياً، لتأثيث الكون الشعري، غير الافتراضي؟ 
لا يوجد وجع افتراضي، الوجعُ حقيقتنا الأشد وضوحًا. 
قلتُ ذات قصيدة لي: 
أعرني من دموعِك كي أُغني 
على خيطِ الجراحِ أُريكَ فني 
الوجعُ هو ميلادُ القضيةِ والإنسان والباحث عن السلام والحب والحرية. الشاعر يغوصُ في أعماقِ كل المشاعر الإنسانية ليخلق كونه الشعري.

القراءة تكشف عمق جهلي
 كيف تفكرين بذاتك؟ وكيف تنظرين إلى تجربتك، الآن وأنت في الـ18؟
مع كُل كتابٍ أقرأهُ أكتشفُ عُمق جهلي، مع كل قصيدةٍ جديدة أُدرِكُ أن الشِّعر يكبُرُ في انحناءاتِ نبضتي، أنا مؤمنةٌ بذاتي، كُلي يقينٌ بأنني سأصل.

المكان الأنسب
 هل كان ميولك للشعر سبباً في دراستك للصحافة والإعلام؟
ربما، أجده المكان الأنسب لزراعةِ بذرتي. 

أقرب من حبل الوريد
 ما هو الأقرب إليك كمبدعة الشعر أم الصحافة؟
الشعرُ أقربُ مني إليّ، أقربُ إليَّ من حبلِ الوريد.

 هل تجسد رهان أحلامها في قصائدها؟ 
لا.
قصيدتي تُخلق لتتحدث عن عنفوان اللحظة وحسب.

اهتمامات فنية
 هل لديك موهبة أو اهتمامات أخرى غير الشعر؟ 
أنا مهتمةٌ بالموسيقى والطرب والرسم وجميع أنواع الفنون التي تُحيي ملامحنا على هذه الأرض، وإن كنتُ لا أتقنها بشكلٍ جيد..، لكن الشعر يبقى الجزء الذي لا يتجزأ مني، الكل العالق بي.

أبي كل شيء لي
 هل للرجل دور في حياة رهان؟
لو أنك تعرِفُ أبي لما سألتني هذا السؤال، هو كل شيءٍ لي. 

 ما الذي يحزن رهان عبدالله؟ 
- الإنسان. 

ديوان قيد الطبع
 هل لديك أعمال أدبية قادمة؟ 
ديواني الأول قيد الطبع، لن أُفصِح عن اسمه، ترقبوه قريبًا. 

 بماذا تفكرين حالًا؟
أُفكر في قصيدتي التي لم تُنجب بعد، وفي الكتاب الذي سأقرأه في هذه الليلة..

 كلمة أخيرة..
أشكر استضافتكم لي في هذا اللقاء الصحفي، سعيدةٌ جدًا بكم.