علي نعمان المقطري / لا ميديا

قبل أيام قليلة سربت بعض المواقع الإلكترونية –المحسوبة بصفنا- تقريراً عن ترتيبات لمفاوضات قادمة برعاية كويتية عُمانية مشتركة، مضمونها افتتاح تفاوض بين كل الأطراف بدون شروط مسبقة، ويكون مقرها صنعاء.
في التسريب -الذي نُسب لمصدر مطلع وآخر مقرب- جاء أن صنعاء توافق على عودة هادي، ليس للحكم، بل للتفاوض، والأساس للتفاوض هو وقف العمليات العسكرية من الاتجاهين، وفتح المنافذ وإمداد الناس بالغذاء والمعونات اللازمة، ووحدة وسلامة الأراضي اليمنية.
وقيل إن عُمان أبلغت الكويت أن هادي هو المعرقل، والآخر هو "المجلس الانتقالي"! الذي يشترط مشاركته بإدراج "الانفصال" ضمن بنود المفاوضات المزعومة!
لنا عدد من المداخلات على ما طرح، وسنتطرق لأهم النقاط، وليس كأننا نعتقد أن ما ذكر هو ما يحدث فعلاً، لكن من باب التحسب والاحتياط. فالعديد من النقاط التي ذكرت، نعتبرها ألغاماً وفخاخاً كارثية جداً، وإذا ما صدقت، فإن من أعدها جهات دولية استخباراتية ودوائر إمبريالية كبرى، أولاها في واشنطن ولندن، ولسنا نفترض مرورها، أو سذاجة مفاوضينا، بل التخوف من مبدأ "إقامة الحجة" وحسن النية والحرص الشديد!
ذُكر في التسريبات، أن الحديث يدور حول "أطراف"، لا طرفين! وهو ما يتوجب وقفة سريعة لها أساسها لدى المعنيين والإلمام بالتأكيد.
لقد كانت مشاورات عُمان الأخيرة، ما بعد مشاورات الكويت الفاشلة نسبياً، هو حضور الأمريكي مباشرة إلى طاولة المفاوضات، وذلك كان إقراراً بمصفوفة العدوان كاملة كطرف، فيه البيت الأبيض والرياض وبريطانيا والإمارات وما يسمى "الشرعية" وطوابير أذيالها.
كان ذلك إقراراً للأطراف في المعركة، القوى الوطنية اليمنية، ويتقدمها أنصار الله، هي الطرف الأول، مقابل الطرف الثاني، وهو تحالف العدوان.. وذلك كان مكسباً ضخماً للسياسة والدبلوماسية اليمنية بجمهورها الثوري المحنك الإبداعي. حيث تم الالتفاف على محاولات العدوان تتويه المفاوضات والصراع في عديد أطراف، بين الدولي والمحلي، وبالتالي تجزيء الملفات والقضايا، باعتبار أن الوطن سيقبل بحوار أطراف لا طرفين.
كما أنه أخرج مديري المشروع العدواني من الظل إلى الواجهة والقدوم مباشرة للمفاوضات.
ومنذ البداية، عمل تحالف العدوان على تفريخ أطراف وجماعات واتجاهات عدة، ساعة المفاوضات والتسويات تظهر كأطراف، بينما هي واقعياً واستراتيجياً طرف واحد، ويسير بمنطق وإدارة واحدة، وإن اختلفت حركته على الأرض، فذلك في إطار محدود جزئي، وبما يخدم المصلحة والأهداف العامة للعدوان.
ولذلك، كان هناك السعودية والإمارات، كان هناك هادي و"الشرعية"، صالح والإخوان، ومحسن ومراكز النفوذ الفارة من صنعاء عقب 21 أيلول، خليط المشترك وقوى اليسار اليمينية فعلياً أيديولوجيا وسياسة ومشروعاً، وكذا الحراك الجنوبي بفصائله المختلفة، و"المجلس الانتقالي".
في سوريا، كان من أهم نجاحات الدبلوماسية السورية تكتيل الخصم في المستوى الدبلوماسي في جبهة واحدة، وسمتهم "المعارضة السورية"، وقبلت الأمم المتحدة ذلك ظناً منها أن ذلك اعتراف سوري بقوى ما تسمى "معارضة"! بينما الجانب المقابل كان الحكومة السورية وحلفاؤها الذين تكتلوا في مربع واحد، بمن في ذلك كرد سوريا، وهو ما حقق شرخاً في استراتيجية العدو الطامحة لعزل إدارة الرئيس البطل بشار الأسد وتضييقها في البعث وحسب، وليس النظام والحكومة والدولة والقوى السياسية الوطنية والجيش والشعب الذي يقف خلفهم.
وقد كانت الإدارة الأمريكية، تحاول أن تمرر لعبتها عبر ما ظنت أنها صنعته في الداخل السوري المقاوم، وهو تعدد القوى والاتجاهات، وتعدد مشروعاتها، وإخراجها عن الحديث للوطن السوري ككل، بل كطموحات واتجاهات خاصة كل في سياقه ومشروعاته.. وهذا ما حدث، حتى صارت المعارضة السورية المزعومة متفككة مضروبة أكثر مما كانت، وحاولت الرياض أكثر من مرة لم شملهم لديها بمؤتمرات عدة تحت رؤية واحدة، لكن كلاً من تلك القوى كان بقدر الانتهازية والعمالة والأنانية والقباحة المطلوبة لتخدم هدف الإدارة السورية في تفكيكهم وإضعافهم في طاولة المفاوضات، على الرغم من ظهورهم علنياً كقوة واحدة، لكنهم تدريجياً بدؤوا يتفككون وينهارون ويتلاشون، من الأرض ومن على الطاولة.
وهنا كانت سوريا قد فككتهم من خلال جمعهم بداية والتعامل معهم جميعاً "كمعارضة سورية"، لكن كلاً منهم كان يطمح لذاته، ولأنهم ليسوا على مشروع وطني بل ذاتي، تقاتلوا بينهم بشدة، واعتبر كل منهم أنه تتم التضحية به لحساب قوى أخرى ظنت الأمر ذاته أيضاً، والمسألة أن إدارة الرئيس بشار الأسد، عرفت أين تضع مساميرها في نعش العدوان على سوريا.
في اليمن، لا بد من المطالعة والدراسة الجيدة لوضع بريطانيا في إطار العدوان، وما هي سياستها في إدارة الصراع مع الوطن، ومكمن دورها الذي تلعبه.
هذا يتضح مؤخراً بوضوح، حيث استلمت بريطانيا الملف من أمريكا، ليس تعاقباً، بل حلول دور بريطاني، والذي كان منذ البداية متركزاً في الجنوب، وذلك داخل الكواليس.
حين تسلمت بريطانيا ملف اليمن، كان واضحاً أن العدوان قد تراجع بمشروعه، إلى تنفيذ مخطط الانفصال الذي كان واحداً من القضايا لا جميعها، وذلك بعد فشل معارك الساحل والحدود ومأرب والجوف باتجاه صنعاء، والأكثر تأثيراً من ذلك، هو فشل مخطط ديسمبر الخياني الذي افترض أن يضرب الصمود والمقاومة اليمنية من الداخل.
نتذكر قبل حوالي شهرين إلى 3 أشهر من ديسمبر، كيف ظهر الخائن العطاس من عمان بعد منحه الجنسية، يتحدث عن انتهاء ترتيبات لاستعادة دولة ما قبل عام 90م بلونها الانسلاخي الاستعماري الجديد. والأهم من ذلك، هو قوله إنه سيستعيد ما اعتبرها دولتهم، وبالأدق الخروج من الوحدة كما دخولها، وبالتنسيق مع صنعاء!
وصنعاء هنا واضح أنها ليست القوى الوطنية وأنصار الله بمقدمتها، بل كما كشفت الفتنة، أنها صالح، ونجل شقيق صالح الذي كان يعد لـ"نخبة صنعانية" تحت غطاء غبي "النخبة الجمهورية"، على غرار النخب التي شكلتها الإمارات في المحافظات المحتلة.
كل ذلك فشل تماماً, والآن يعاودون الكرة بطرق أشد خبثاً واحتلالاً.
ولعل من الهام بمكان، أن نستحضر مقولة شهيرة جداً للإمام أحمد حميد الدين رحمه الله، وبالأصح هي موقف ورؤية استراتيجية، وهي: الاعتراف بالكويت يعني الاعتراف بحاشد دولة! كان يعي تماماً ما يعني ذلك.
إن القبول بمفاوضات "أطراف" هي فخ بريطاني بامتياز، لاسيما حول القبول بمكون "المجلس الانتقالي" طرفاً! ماذا يعني ذلك، سياسياً ودبلوماسيا وأممياً؟!
يعني أن تعترف بوجود مكون انفصالي يدعم ويدفع به للسيطرة على المشهد الجنوبي تماماً، حيث إن القبول به في الحوار هو إقرار ضمني به، وليس بالضرورة أن يتم القبول بشرطه "وضع الانفصال في بنود المفاوضات القادمة"، وأنا أعتقد أن هذه ستطرح كأزمة حالياً لكي يتم جعلها تنازلاً لاحقاً أمام صنعاء، بينما هي غطاء لتمرير اللعبة وهي الاعتراف "بالمجلس الانتقالي"!
يفترض أن الحوار بين أطراف الداخل التي تقر الوحدة اليمنية، هذا قبل أي شيء، فهل ذلك هو الحال مع "الانتقالي". فلماذا إذن يجري ذلك؟!
هذا يوضح أن لا جدية في المفاوضات المرتقبة وحسب، لكن هذه المرة ينتزع فيها الاعتراف الضمني بالمجلس الانفصالي. وهذا ما تريده واشنطن ولندن بالتأكيد، فحين تفشل المفاوضات المزعومة، ستتجه إلى مجلس الأمن لإقرار وضع المجلس الانتقالي.
هل المعارك الأخيرة بين الشرعية المزعومة وبين الانتقالي، كانت حقيقية؟! بتقديراتنا ومعلوماتنا، ومن خلفية الصراع، وطريقة إدارة الصراعات من قبل العدو تاريخياً وراهناً، واضح أن العدو يريد تمكين الانتقالي في الجنوب، لكن دون سقوط الشرعية الآن، وفقدانها والعدوان الذي يتلظى بها، الذرائع التي جاؤوا لأجلها، وهي استعادة "الشرعية" و"إسقاط الانقلاب". كما أن هادي لا يستطيع الخوض في الانفصال وإعلانه بأنه فعلياً التزم بالوحدة، كما افترض أنه اختير لكل اليمنيين، وغير ذلك يسقط دعواه في الرئاسة!
وليس بريئاً مطلقاً، فشل المحافظين -ولا نقول إنهم ليسوا فاشلين أو فاسدين ومرتزقة- خصوصاً في عدن، فذلك كان أمراً معتمداً لتأزيم الناس معيشياً واقتصادياً وأمنياً، حتى اللحظة التي تسقط فيها حكومة الفارين، ويأتي المجلس ليتزعم ويقدم صووة أفضل عما كان.. ونعرف أن عديداً من الجهات الدولية قد استقبلت ممثلين عن المجلس، كالاتحاد الأوروبي، وتقريباً في إحدى جهات منظمة الأمم المتحدة.
بعد فشل المفاوضات، ستريد الدول المعادية انتزاع قرار من الأمم المتحدة بـ"حق تقرير المصير"، وسيستندون إلى عدد من الحجج، منها: أن المجلس هو المسيطر في الشارع الجنوبي، وأن الجنوب يعيش مزاجاً ومطلباً انفصالياً، وأنهم ممسكون بالسطلة بالقوة، أن "الحوثيين الانقلابيين" ليسوا جادين في الحوار، وأنهم يستأصلون الآخرين كما فعلوا مع الشريك المؤتمر والعفاشي!
أيضاً، علينا أن نلتفت إلى نقطة هامة ومفصلية، وهي قنبلة موقوتة مؤجلة، ويتم التكتم الشديد عنها كيلا يثار الاهتمام والانتباه لها، وهي أن الأمم المتحدة، وخلال حرب صيف 94م، قد اتخذت قراراً عبر مجلس الأمن كاملاً -يجب بالضرورة مراجعة تفاصيل القرار- بحق الجنوبيين في استعادة دولة "اليمن الديمقراطية"، لكن الولايات المتحدة حينها أوقفت العمل بالقرار دون إلغائه، وبالتأكيد ستستند إليه محاولات العدوان الآن بتنفيذ الانفصال والانسلاخ.
إن ما يفترض أن كل مشارك يكون مقراً بالوحدة اليمنية واستقلالها واستقلال قرارها وارتفاع الوصاية عنها من الخارج ورفض ذلك تماماً، والإقرار بصنعاء عاصمة للوطن، وإدانة دعوات الانفصال، ورفض الاحتلال والاعتراف بوجود احتلال للجنوب حالياً وضرورة إجلائه، والتأكيد على الوحدة الاجتماعية والتاريخية لشعبنا، والهوية اليمنية الوطنية الجامعة، كهوية لا وجدود لغيرها.
أيضاً، الصراع الذي دار، إن افترضنا إياه كذلك، كصراع، فهو بين "الانقلاب" وبين "الشرعية"، كطرفين لا أطرافاً، أي بين الثورة وبين قوى العمالة، وبالتأكيد القوى التي تحركها وبالمقدمة أمريكا.
كما أن "المجلس الانتقالي" يعد تكويناً طارئاً، لم يتواجد في مؤتمر الحوار ولا غيره، والجميع مقر بمخرجات الحوار واتفاق السلم والشراكة، واللذين ينفيان مسألة انفصال، مع التحفظ حول ما لم يتم الإقرار به كمسألة الأقاليم. لكن الأساس هو الوحدة الوطنية والهوية اليمنية الواحدة الجامعة.