أحمد الحامد/ لا ميديا

نزار قباني سرق القصيدة!
قبل عدة سنوات حضرت (جلسة قات) في مقر أحد الأحزاب السياسية العريقة، وأثناء الجلسة قام الأصدقاء الذين استضافوني بتعريفي إلى أحد الشباب من أعضاء ذلك الحزب بصفته خطاطاً ورساماً مبدعاً - وقد كان كذلك بالفعل - لكنهم زادوا على ذلك بأن وصفوه بـ(الشاعر المبدع)، فتقبلت الأمر على أن الشاب متعدد المواهب، وطلبت منه إسماعنا شيئاً من أشعاره، فلم يمانع، وأخرج ورقة من جيبه فردها وهو ينوه إلى أن ما سيسمعنا إياه هو آخر قصيدة كتبها.. وبدأ يقرأ القصيدة بإلقاء لا بأس به، والحضور يثنون على (شاعريته) الفذة، إلا أنا.. فقد كنت أستمع إليه مصدوماً، فالشاب كان يقرأ قصيدة معروفة من قصائد الشاعر السوري (نزار قباني)، ويقرأها كما هي بلا أي تعديل أو إضافة أو نقصان!
في البداية ظننت أن الشاب يمزح أو أنه يختبر (ثقافة الحضور)، وسيعترف في ما بعد بأن القصيدة لـ(قباني) وليست له.. لكن ذلك لم يحدث، فقد كان الشاب جاداً في نسبة القصيدة لنفسه، وهنا اقتربت منه وسألته: هذه القصيدة لك؟! فأجاب بثقة مدهشة: نعم.. وهي آخر ما كتبت.. كتبتها الأسبوع الماضي.. قلت وقد بدا لي أنني أمام أحد لصوص الإبداع: إذن، فعليك برفع دعوى قضائية مستعجلة ضد الشاعر نزار قباني..!
قال وهو يتصنع الدهشة: ضد نزار قباني؟ لماذا؟!
قلت ساخراً: لأنه سرق قصيدتك ونسبها لنفسه وضمنها أحد دواوينه الشعرية التي صدرت قبل سنوات!
سرقة كهذه قد لا يكون بها ضرر باستثناء الإساءة من قبل سارقها لنفسه كونه استغل جهل زملائه وقلة اطلاعهم على الشعر، فأباح لنفسه ادعاء ملكية ما ليس له، أما نزار قباني فلم يضره الأمر في شيء..
لكن هناك سرقات أضرت بأصحاب الحق الأدبي الحقيقيين، كون من سطا على إبداعهم استفاد مادياً وأدبياً بنسب أعمالهم لنفسه، ووضع اسمه عليها، فعرفت عند الناس بأنها من إبداع سارقها وليس مبدعها الحقيقي الذي لم يعرفه أحد!

أيوب طارش متهم!
حادثة قديمة تردد صداها في الأوساط الأدبية والفنية، مفادها قيام الشاعر محمد طارش شقيق الفنان الكبير أيوب طارش، بنسب كلمات إحدى أغاني أيوب لنفسه، وهي في الأصل لشاعر آخر له إسهامات في مجال الشعر الغنائي.. الأغنية عنوانها (يوم السفر)، والشاعر الذي يُتهم محمد طارش بسرقة كلمات هذه الأغنية منه، هو الشاعر عبده علي ياقوت.. وقد تقدم بشكاوى لعدة جهات من ذوات الاختصاص ضد محمد وأيوب طارش، وكتب حول هذه القضية في كثير من الصحف المحلية، ودعمها بوثائق، واستشهد بأشخاص أكدوا أحقيته بملكية كلمات هذه الأغنية، إلا أن كل ذلك راح أدراج الرياح، فالأغنية موثقة في الأشرطة الكاسيت وفي الإذاعة والتلفزيون باسم محمد طارش، ولم يعترف أحد بادعاء عبده علي ياقوت، ولم يجد من ينصفه، خصوصاً أن الفنان أيوب طارش ينكر هذا الادعاء من (ياقوت)، ويؤكد أن شقيقه هو كاتب كلمات هذه الأغنية.. وهذه إحدى حوادث السطو التي تسببت بضرر كبير لمبدعها الأصلي مادياً وأدبياً ومعنوياً، كون من ظلموه هم من أبناء الوسط الفني - أي زملاء مقربون - كان الأحرى بهم مساندته إذا ما وقع عليه ظلم من جهة خارج الوسط الفني، وتأكيد حقه الإبداعي، كونهم يعرفونه، ويعترفون بتاريخه الشعري مع الإبداع الغنائي، ولكن.. لله في خلقه شؤون!

أنت عبدالرحمن.. طيب أنا من؟!
ومن سرقة الإبداع الأدبي إلى سرقة الاسم ذاته - اسم الشخص المبدع - وانتحال صفته الأدبية و(ارتداء شخصيته) لتحقيق مغنم مادي ممن قد يعرفون ذلك المبدع (اسماً) ولا يعرفونه شخصياً.. وهذه حادثة طريفة كان ضحيتها الأستاذ الكاتب الصحفي عبدالرحمن نعمان، مدير تحرير صحيفة (الطريق) التي تصدر في عدن، فأثناء إحدى المعارك الانتخابية كان الأستاذ عبدالرحمن يحضر فعالية أقامها أحد المرشحين للترويج لبرنامجه الانتخابي، وكان الأستاذ عبدالرحمن يزمع تغطيته هذه الفعالية لصحيفة (الطريق) حين فوجئ بشخص غريب يدخل على الحضور، ويعرّف نفسه على أنه عبدالرحمن نعمان، وأنه سيجري حوارات مع الحضور لنقل انطباعاتهم عن سير المعركة الانتخابية لنشرها في الصحيفة. والمصيبة أن هذا الشخص (المدعي) لم يكن يعرف الأستاذ عبدالرحمن بشخصه، إنما يعرفه كاسم فقط.. وما إن اقترب من الأستاذ عبدالرحمن ليجري مع الحوار المزعوم، حتى بادره الأستاذ قائلاً: إذا كنت أنت عبدالرحمن نعمان مدير تحرير صحيفة (الطريق).. فمن أكون أنا إذن؟ فيفي عبده؟!
فبُهت الرجل، ولم يدرِ ماذا يفعل، وقد انتبه الجميع إلى ما قاله الأستاذ عبدالرحمن، وكادوا يسلمونه للشرطة بتهمة النصب، إلا أن الأستاذ عبدالرحمن عفا عنه بعد أن بكى الرجل وشرح ظروفه الصعبة، وأنه فعل ما فعله طمعاً بالحصول على بعض المال من منظم الفعالية!

سارق ومبهرر!
هناك من يسرق عملاً إبداعياً، مستغلاً غفلة من يروجه لهم، فإذا انكشف أمره وتمت معرفة المبدع الحقيقي الذي صنع ذلك العمل، اعترف بفعلته وبررها، وتوارى عن الأنظار خجلاً، لأنه يعلم أن أحداً لن يصدقه بعد ذلك حتى لو أتى بإبداع هو صانعه الفعلي، فالشك سيساور من يتعامل معه بعد سابقته التي انكشفت.. لكن هناك من لديه من الصلف والوقاحة والجرأة ما يكفي ليدفعه لأن (يكارح) ويصر على ما فعل، حتى بعد ثبوت القرائن والدلائل التي تكشف وتؤكد سرقته الإبداعية، ومنها ظهور المبدع الحقيقي وشهود موثوقين من أهل الوسط الإبداعي ذاته.. من هؤلاء شاعر سعودي يُدعى بدر بن عبدالمحسن، الذي سطا على كلمات أغنية (كلمة ولو جبر خاطر) التي وجدها ملحنة ومغناة ومسجلة فعلاً بصوت مبدعها شاعرها وملحنها الفنان الكبير الراحل محمد سعد عبدالله، وهو من أعلام الفن اليمني وتاريخه الإبداعي شاعراً وملحناً ومطرباً لا يُنكر.. ولا يمكن تجاهله إلا من قبل جاهل.
بدر بن عبدالمحسن أغرى المطرب السعودي عبادي الجوهر بادعاء تلحينه لكلمات الأغنية التي يدعي هو أنه شاعرها، وقاما بتسجيلها في القنوات وعلى أشرطة الكاسيت باسميهما، دون أن يحرك الإعلام اليمني ساكناً أو يفكر في إنصاف الفنان الكبير، ورغم أن الفنان عبادي الجوهر اعترف بعد ذلك بأن اللحن والأغنية ذاتها للفنان اليمني محمد سعد عبدالله، إلا أن بدر بن عبدالمحسن لا يزال يصر على أنها كلماته، وأن الفنان والشاعر اليمني محمد سعد عبدالله هو اللص!

سرقة حريمي
السرقة الإبداعية لا تقتصر على الذكور، بل إن المرأة اقتحمت هذا المجال، وسرقت إبداعات لرجال ونساء على السواء.. نذكر منها مثلاً سرقة كتاب صدر في عدن عن مؤسسة 14 أكتوبر للصحافة والنشر، أو دار الهمداني لا أذكر على وجه الدقة، هذا الكتاب عنوانه (أصوات نسائية في القصة اليمنية)، صدر باسم الكاتبة نهلة عبدالله، وهي يمنية من أصل صومالي، وهو جهد غير عادي يرصد ويوثق لرائدات القصة القصيرة في اليمن وإبداعاتهن واتجاهاتهن الأدبية، فبعد صدور هذا الكتاب تعالت أصوات لأدباء وصحافيين تتهم الكاتبة التي يحمل الكتاب اسمها، بالسرقة، كون المؤلفة الحقيقية لهذا الكتاب هي الصحافية والقاصة اليمنية شفاء منصر، التي أكدت أن نهلة عبدالله سرقت كتابها، وقامت بطباعته بعد أن وضعت عليه اسمها، مستغلة ثقة الكاتبة الأصلية التي سلمتها مسودة الكتاب لمراجعتها وتدقيقها، كون الاثنتين تربطهما علاقة زمالة في مؤسسة 14 أكتوبر كصحفيتين وأديبتين، وتربطهما أيضاً علاقة صداقة حميمة كان صدور هذا الكتاب هو نهايتها وبداية العداوة بينهما.. وغني عن القول أنه رغم الضجة الإعلامية التي حدثت حول هذا الكتاب، ظل الحال على ما هو عليه، أي بقي الكتاب باسم نهلة عبدالله موثقاً في الجهات المختصة، وضاع حق شفاء منصر أدبياً ومادياً.

سرقة لا يعلم سارقها بها
هناك سرقة قد تُنسب إلى شخص ما وهو بريء منها، كون من (سرق له) هي جهة أخرى سواء عن عمد أو عن جهل أو خطأ.. ومن ذلك ما تفعله بعض شركات إنتاج الكاسيت عندما تضع على الكاسيت اسم شاعر لأغنية هي من إبداع شاعر آخر، وتصدر شركة أخرى كاسيت يضم نفس الأغنية باسم شاعرها الحقيقي.. فالشركة التي تضع اسم شاعر على أغنية لشاعر آخر تورطه في شبهة السرقة، مع أنه قد لا يكون له علم بما حدث من قبل الشركة التي غالباً ما تفعل ذلك نتيجة خطأ أو عدم تحري الدقة، فيظن البعض أن الشاعر هو من نسبها لنفسه، وقد يحتار البعض ممن لا يعلمون من هو شاعر هذه الأغنية على وجه التحديد، خصوصاً إذا حمل اثنان من أشرطة الكاسيت نفس الأغنية، لكن باسمي شاعرين مختلفين، وكلاهما شاعر كبير وله تاريخه ورصيده الفني المحترم، دليل على ذلك أغنية (أروح لمين) لكوكب الشرق السيدة أم كلثوم، وهي من أشهر أغانيها، صدر تسجيلان لهذه الأغنية عن شركتي تسجيلات مختلفتين، أحدهما ينسب هذه الأغنية للشاعر عبدالفتاح مصطفى، والتسجيل الآخر ينسب نفس الأغنية للشاعر عبدالمنعم السباعي، مع أن الأول هو الأرجح، كون اسمه ورد كمؤلف لهذه الأغنية في معظم الكتب التي تناولت حياة أم كلثوم وأغانيها.