ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين 

أفريم سنيه (*) 
*من الصحيفة الإلكترونية الأمريكية (المونيتور)، 24 أبريل 2018.
إن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 29 مارس تخليه عن الأزمة في سوريا لـ(أشخاص آخرين)، وقمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني مباشرة بعد أيام قليلة فقط، في 4 أبريل، تظهر بوضوح التغييرات الخطيرة التي بدأت تحدث في المنطقة، بالنسبة لإسرائيل كما بالنسبة للآخرين.
بمتابعة الوضع الجديد في سوريا والميل الأمريكي للانسحاب من المنطقة، فإن إسرائيل بحاجة إلى أن تتخذ عدة خطوات أمنية في المستقبل القريب. بدون الدعم الأمريكي أو معه يجب على إسرائيل أن تتفادى التطويق الإيراني في سوريا مهما كانت الكلفة؛ لا قواعد للحرس الثوري الإيراني أو حزب الله أو الميلشيات الشيعية، ويجب نزع السلاح كلياً من المنطقة الغربية الواقعة في الطريق السريع الرابط بين دمشق والسويداء.
في الواقع قد تؤدي هذه الخطوات العسكرية المتخذة من قبل إسرائيل إلى التصعيد؛ لكن التجربة السابقة علمتنا أن الإذعان لوجود إيران ستكون نتائجه أكثر كلفة.
ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين 
قد تؤدي الحرب في الجبهات الشمالية لإسرائيل إلى إلحاق أضرار جسيمة بسكانها المدنيين. لذلك من الأفضل أن تتجنب ذلك التصعيد، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بالتخلي عن المعادلة القديمة غير الفعالة لصالح معادلة الردع الجديدة. إن تحذيرات إسرائيل للبنان من أنها ستدمر البنية التحتية إذا أطلق حزب الله صواريخ على مدنها لا تردع أي شخص في طهران، وما من أحد في ظل نظام آية الله يهتم بما إذا كان سيستغني السنة والشيعة والمسيحيون في لبنان عن الماء أو الكهرباء، لذا على إسرائيل أن توضح أنه في حال استهدفت مدنها سوف ترد باستهداف منشآت إيران لتصدير النفط. هنالك طرق لإعطاء هذه المعادلة مصداقية، أما الردع غير الجاد فلن يجدي نفعاً.
إن جذور نزعة واشنطن للانسحاب من الشرق الأوسط هي أعمق بكثير من مجرد مزاج مناهضة التدخل في الموطن أو رغبة الولايات المتحدة في التركيز على المشاكل الداخلية، فقد حول استخراج النفط الصخري الولايات المتحدة الأمريكية من مستورد للنفط إلى مصدر له، حتى أن من المتوقع أن تصبح في العام 2020 المنتج رقم 1 للنفط عالمياً، كما أن اهتمامها الأساسي بالشرق الأوسط -بضمان التدفق المجاني للنفط- لم يعد موجوداً.
ظاهرياً يبدو التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة وثيقاً ووطيداً أكثر من أي وقت مضى، إلا أن هذا التحالف عبارة عن تحالف ديني سياسي في الأساس -وليس تحالفاً استراتيجياً- بين الديانة المسيحية الذراع الأيمن للسياسات الأمريكية، والديانة اليهودية الذراع الأيمن للسياسات الإسرائيلية، وهو يشكل جسراً سياسياً صلباً لكنه ضيق. ولسوء الحظ فإن إسرائيل تخسر تعاطف ودعم أمريكا الأكثر ليبرالية والأكثر شباباً، والتأييد الثنائي الذي عزز يوماً ما الصداقة الأمريكية الإسرائيلية كان قد تلاشى على نحو مأساوي خلال فترة انتهاء ولاية الرئيس باراك أوباما.
إضافة إلى ذلك فإن علاقات إسرائيل الممتازة مع إدارة ترامب لا تخفف من عزلة إسرائيل الدبلوماسية. ولا يهم مقدار إعجابهم بإبداعنا العلمي والتكنولوجي، فلا يقبل أصدقاؤنا في الخارج باحتلالنا للضفة الغربية، أو بسيطرتنا على حياة 5 ملايين فلسطيني أو إحباطنا لحل الدولتين من خلال بناء وتوسيع مستوطنات باستمرار، وترفض الغالبية العظمى في المجتمع الدولي السياسة الاحتلالية لإسرائيل، حيث صوت 9 أعضاء فقط في الأمم المتحدة لصالح إعلان ترامب المتعلق بالقدس في 6 ديسمبر، وعارضه 128، برغم تهديد أمريكا الحاد بقطع المساعدة الأمريكية لهم.
في أي صراع عسكري مستقبلاً في قطاع غزة أو في الجبهة الأمامية لإسرائيل ستحتاج قوات الدفاع الإسرائيلية وقتاً كي تحقق أهداف الحملة العسكرية. لكن مجلس الأمن الدولي هو الذي سيحدد بشكل رئيسي مدة تلك الحملة من خلال حسمه وقت إعلان وقف إطلاق النار. حتى الإدارة الأمريكية الحالية لن تكون قادرة على إعطاء إسرائيل التفويض المطلق لتتحرك دون وضع مدة محددة، ومن المحتمل ألا تقوم سفيرتها في الأمم المتحدة نيكي هالي باستخدام حق النقض ضد مثل هذا القرار، بل وربما تنضم إلى قرار دولي واسع. وكنتيجة لذلك من الممكن أن تتوقف قوات الدفاع الإسرائيلية قبل أن تكمل مهمتها.
ببساطة لا يمكن لإسرائيل أن تكسب حروباً عليها أن تحارب فيها وأن تتحمل عبء الاحتلال في نفس الوقت. لكن أخطر تغيير في المنطقة لا يكمن في انسحاب الولايات المتحدة، بل فيمن سيحل محلها، فجبروت روسيا -التي ملأت الفراغ الذي خلفه ترامب- لا ينبع من القوة العسكرية الخالصة في المنطقة، بل تنبع قوة روسيا من عدم وجود أي رغبة لتثبيط استخدامها بوحشية، وهذا هو أساس التهديد الروسي.
فعلاً روسيا لا تعتبر إسرائيل عدواً؛ لكن موسكو صنعت قراراً استراتيجياً وهو أن تفضل المصالح الإيرانية في سوريا على الإسرائيلية. وعندما يتم تحديد مصير سوريا في سوتشي وإسرائيل الجارة الأقوى لسوريا ليست مطروحة على الطاولة تصبح إسرائيل أضعف.
وأخطر حدث يبرز هذا الضعف هو اتفاق ترامب-بوتين في سوريا، الذي شرع تواجد إيران العسكري في سوريا. لا يمكن لحكومة مسؤولة في القدس أن تقبل بهذا التواجد للمنشآت الإيرانية الاستراتيجية -بالإضافة إلى ثلاث ميليشيات شيعية- وممر إيراني –لبناني، وبإمكانية وصول إيران إلى الحد الأردني. ولضمان الأمن الإسرائيلي في هذه البيئة المتقلبة يجب أن تتخذ إسرائيل عدة إجراءات، أهمها أن تؤسس تحالفاً إقليمياً جديداً يرتكز على مبادرة السلام العربية التي اقترحتها أولاً السعودية في عام 2002 ولاتزال سارية حتى اليوم، التي ستكون في واقع الأمر عبارة عن اتفاقية دفاع بين السعودية ومصر والإمارات والأردن وإسرئيل، وسيكون هدفها الاستراتيجي بناء درع عسكرية تكنولوجية ضد إيران، وستطور وتنتج حرب النجوم التي تشبه إلى حد كبير مشروع الرئيس رونالد ريغان، لإحباط الترسانة النووية الباليستية الإيرانية واستباقها، ولربما يكون ذلك ثمرة للتعاون المالي والعلمي بين الدول الأعضاء، وسيكون لهذا التحالف الجديد مهمات دفاعية إضافية في مكافحة الإرهاب والفساد في الشرق الأوسط.
وكي أكون واضحاً، لن يتم بناء هذا التحالف الضروري إذا لم يتم تنفيذ حل الدولتين بشكل كامل. وكاستنتاج بارز من كل مقابلاتي في المنطقة في السنوات الأخيرة لا يوجد زعيم عربي، بغض النظر عن مدى خوفه من إيران، يقبل بأن يقف تحت مظلة دفاعية وإسرائيل غائبة عن هذا الحل، وبالتالي التخلي عن القضية الفلسطينية. والحل في أن يكون هناك دولة فلسطينية مطلقة مستقلة في حدود مناطق 1967، التي تم نزع السلاح منها، مع القدس الشرقية عاصمة لها. هذا الحل له ثمن معروف لدى الجميع؛ لكننا بحاجة إلى أن نؤكد عليه مجدداً. يجب أن تقسم الضفة الغربية لنهر الأردن: 78% لإسرائيل و22% لفلسطين. سيتوجب على بعض المستوطنين من إجمالي 120.000 مستوطن أن ينتقلوا إلى تلك المستوطنات الملحقة بإسرائيل (حيث يعيش بالفعل غالبية المستوطنين) أو إلى الأجزاء الأخرى من إسرائيل. وهنا لا يمكنها أن تكون اتفاقية تامة حتى تتم هذه الإجراءات.
لكن ستكون العائدات الاقتصادية والأرباح ضخمة، وسوف يعطي الاندماج مع اقتصاد الخليج قفزة عملاقة إلى الأمام للاقتصاد الإسرائيلي، وستغطي تلك الأرباح كل تكاليف إخلاء المستوطنات وإعادة بناء المستوطنات.
يجب أن يرتبط هذا التحالف الجديد بتحالف إقليمي آخر في شرق الأبيض المتوسط. وستوفر الشراكة بين الديموقراطيات الثلاث (اليونان وقبرص وإسرائيل) إمكانات هائلة للتعاون في مجال الطاقة والاقتصاد المرتبطة بأوروبا ومصر.
الاندماج مع جيراننا العرب ومقاومة مشتركة للعدوان الإيراني والسلام مع الفلسطينيين، هكذا ستتفاعل إسرائيل مع التغيرات الإقليمية. عندها ستتمكن إسرائيل من بناء اقتصاد يجعل مجتمعها متماسكاً، وستبقى هي السلطة الأقوى بين البحر الكاريبي وجبل طارق. وبدون هذا التفوق لن يكون لإسرائيل أي وجود.

(*) جنرال متقاعد في قوات الدفاع الإسرائيلية، شغل منصب وزير الدفاع الإسرائيلي، وهو حالياً رئيس مركز دانيال إبراهام للحوار الاستراتيجي في كلية نتانيا الأكاديمية.



ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين