غازي المفلحي/ لا ميديا

في الـ19 من أبريل ارتقى الرئيس صالح الصماد شهيداً بعد أن اغتالته ثلاث غارات لطائرات العدوان في محافظة الحديدة، 
كواحد من أكبر وأثمن الشهداء في معركة النفس الطويل المتقدة دفاعاً عن أثمن الأوطان والشعوب والحقوق والمشاريع ضد أركان الاستعباد والتسلط، 
بعد أن كان الرئيس المجاهد الشجاع المقاتل رفيق الجنود في الساحات والجبهات، نقي الخطوات والأهداف، يبني بيد ويقاتل بالأخرى، 
ومن خلفه يلهث العدوان يريد استهدافه، مصراً على ذلك بمحاولات اغتياله ورصده وتقفي أثره، 
بعد أن ظهر الصماد كرجل المرحلة وأقوى أوراق الوطن متى وضعت الحرب أوزارها.

الانتقام من الصماد ومشروعه
كما هم رجال اليمن والثورة والمسيرة القرآنية، فإن الرئيس الشهيد صالح الصماد لم يكن يرى نفسه ويمنيها إلا بأن يتوج شهيداً في ملحمة الوطن الوجودية، فقد أعيا الموت اقتحاماً وهو يجوب جبهات القتال وساحات التدريب ومعسكرات التخرج والفعاليات المختلفة، مشاركاً المقاتلين والجنود والموظفين تخرجهم وصمودهم ونضالهم، مخاطباً إياهم بكلماته المخلصة الصادقة، وواضعاً روحه كما المقاتلين والجنود بين كفيه، في عمق الخطر الداهم الذي يحيط بهم ويستهدفهم من كل اتجاه، ومتحدياً بذلك عيون الخيانة التي ترصده، وطائرات العدوان التي حاولت اغتياله أكثر من مرة. وقد ألقت الأجهزة الأمنية القبض على بعض من تلك العيون الأجيرة العميلة، وآخرها كان بمحافظة الجوف في 7 أبريل الجاري، وهو الجاسوس نجيب عبد الله عون (26 عاماً)، من أبناء محافظة الجوف مديرية برط، الذي تم توظيفه من قبل تحالف العدوان لرصد تحركات رئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد وجمع معلومات عن الجيش واللجان الشعبية، وكان على رأس خلية لرصد تجمعات المواطنين والوقفات والفعاليات وتحركات الجيش واللجان ورجال الأمن، والذي قدم لمشغليه من مرتزقة العدوان معلومات عن موكب الرئيس الصماد أثناء زيارته لمحافظة الجوف سابقاً.
وبعد عدة محاولات لاغتياله منذ توليه منصبه قبل أكثر من عام ونصف تمكن العدوان من اغتيال الرئيس صالح الصماد في الـ19 من أبريل بثلاث غارات جوية في محافظة الحديدة أدت إلى استشهاده فوراً مع ستة من مرافقيه. ويحاول تحالف العدوان بهذه الجريمة الكبرى الانتقام من الشهيد الصماد وما حققه من إنجازات سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية قدمت خير مثال على الهامات اليمنية الوطنية والعملاقة القادرة على حمل مشروع اليمن التواق إلى دولة المؤسسات والعدالة والسيادة والسلام. كما تهدف إلى ضرب حالة التوافق السياسي التي أرساها الشهيد الصماد خلال رئاسته المجلس السياسي الأعلى بوطنيته ونبله وأخلاقه القرآنية التي جعلته قريباً من الجميع وحاز بها ثقة الجميع، حيث صب كل جهوده لبلده دفاعاً عن الدستور والقانون والحقوق ودولة المؤسسات.

ضربة موجعة لكنها لا تفيد العدوان
حمل الرئيس الشهيد صالح الصماد باقتدار مشعل النور في أشد مراحل التاريخ اليمني ظلمة وارتباكاً، وأثبت أنه رجل المرحلة القريب إلى قلوب الجميع، واستطاع إدارة أكثر الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية حساسية وتعقيداً، وأولها الملفات العسكرية التي أدارها وأشرف عليها من داخل المواقع العسكرية وورش التصنيع الحربي والخطوط الأمامية للجبهات. ولعل بعض كلماته للمجاهدين في إحدى الجبهات توضح بعض المكنونات العظيمة لروح فارس الحق منذ عام 2004 الشهيد المجاهد صالح الصماد الذي يعرف الجهاد وقيمة المجاهدين التي لا شيء يطاولها أو يساويها، حيث قال: (إن مسح الغبار عن نعال المجاهدين أشرف من مناصب الدنيا)، فزاد الله إعلاء مقامه المتسامي وأعرج به شهيداً راضياً مرضياً إلى عليين.
انطلق الشهيد الصماد حاملاً بأمانة وصدق وعزيمة قضية شعبه العادلة وتطلعاته إلى الحرية والسيادة والعدالة، وبدأ يخطو خطى عظيمة في مشروع وطني يهدف لاسترجاع كيان اليمن وبناء مؤسساته وتفعيل أجهزته، بالتزامن مع المعركة التي يخوضها اليمن ضد تحالف العدوان والتي ازدادت فعالية جبهاتها قوة وردعاً وصموداً وصلابة طردياً مع زيادة عدد جبهات البناء والنهوض، وأعلن المضي في مشروعه الكبير تحت شعار (يد تبني ويد تحمي) في الذكرى الثالثة للصمود في وجه العدوان، وبكل تفانٍ من أجل اليمن ومصلحته ومستقبله أرضاً وشعباً، بعيداً عن أهداف أو طموحات ومصالح شخصية مشروعة أو غير مشروعة من ذلك المنصب الذي يتقلده، وهذا ما رآه الأعداء الأزليون للمشروع اليمني خطراً داهماً، فهم الذين حرصوا دوماً على اغتيال مشاريع اليمن وإجهاض ثوراته وقتل رجاله المخلصين مثلما فعلوا مع الرئيس إبراهيم الحمدي عام 1977. وما أسسه الصماد من قواعد أولى ليمن الغد القوي السّيد، وما حظي به من قبول وتوافق كبير بسياسته المتزنة المسؤولة الحريصة على الوطن وأبنائه، وفي ظرف يفوق في صعوبته وتعقيده ظرف الشهيد الحمدي بمراحل شاسعة وفي فترة زمنية تقل عن 20 شهراً، كان جديراً بأن يثير رعب وقلق دول العدوان القديمة الجديدة، ما دفعها لوضع استهداف الشهيد الصماد على قمة أولوياتها وإعداد العدة لذلك، فوظفت جواسيس وعملاء في الداخل لرصده وجمع المعلومات عنه، واستعانت بالأمريكيين أصحاب الباع الطويل في الغدر والاغتيالات، الذين ظهرت بصماتهم واضحة في عملية الاغتيال، متوهمة أنها بذلك ستضع حداً للصماد ومشروعه، غير مدركة أن مشروعه يجري في دم كل يمني حر.

ابن اليمن فائق الإخلاص والتفاني
رغم إدراك الشهيد الصماد أنه مستهدف من قبل تحالف الغدر إلا أنه انطلق بمشروعه يبني اليمن ويحميها دون أن يهتم بلحظة رحيله شهيداً وهو الشرف الذي فاز به كما تمنى، فلم يتخذ لنفسه بروجاً مشيدة حذر الموت كدأب السياسيين، ورحل مخلصاً فقيراً طاهراً متواضعا نظيف اليدين، كما قدم باذلاً نفسه وماله، شهيداً قديساً بحجم الوطن، دون أن يملك شيئاً ولم يورث لأبنائه وكل أبناء الشعب سوى مجد يرشدهم إلى درب رجال الله الأعلين، وقوة عسكرية بشرية ونارية جبارة حرص بنفسه على الاهتمام بها وبنائها وجعل صواريخها تنطلق بشكل يومي إلى مملكة بني سعود، وهي التي ستتولى مهمة الثأر له ولكل يمني قبله وبعده، وما أحد خطاباته قبل أيام ببعيد عنا، والذي أظهر معدن هذا القائد الرباني المتواضع عظيم الشعور بالمسؤولية والتفاني والوطنية عندما قال: (صالح الصماد لو يستشهد غداً، نهاية الشهر، لن يجد أبناؤه أين ينامون، وسيعودون إلى مسقط رأسهم، وهذا نعمة كبيرة بفضل الله سبحانه وتعالى). فلم يجمع ثروة ولا رأى المنصب مغنماً، بل كان ابن اليمن البار فائق الإخلاص والنزاهة، ولم يكن يمر تخرج دفعة قتالية أو أمنية جديدة في أي قطاع عسكري أو أمني ويستطيع الشهيد الصماد حضوره إلا وحضره وأصر على حضوره غير مكترث ولا آبه بحجم الخطر الممكن الذي قد يترتب على حضوره، وشهد تخرج عشرات الدفعات التي ضمت عشرات الآلاف من المقاتلين وفي عدة محافظات في الجمهورية، مشاركاً ومختتماً تلك الإنجازات الكبيرة التي يقف هو بشكل رئيسي خلفها، شاداً على عزائم الأبطال وشامخاً وسطهم لا يرى روحه ودمه أغلى من دمائهم، وهو الذي قال في خطاب له أثناء تخرج دفعة أمنية من قوات الأمن المركزي بعد أن طلب منه عدم حضور حفل تخرج الدفعة حفاظاً على سلامته ولكنه رفض وأصر على الحضور بين جنود الله ورجاله وقال كلام القائد الصادق المؤمن: (ليست دماؤنا أغلى من دمائكم ولا دماء زملائكم في الجبهات، وجوارحنا ليست أغلى من جوارحكم). وظل هذا هو مبدؤه وهو يرافق الجنود في البناء والقتال حتى ارتقى شهيداً إلى ربه كواحد من أغلى وأنفس رجال الوطن، فصنع في قلوبنا أسراباً لا تنتهي من الحزن وشاركتنا السماوات والأرض البكاء عليه.