صلاح العلي/ لا ميديا

في خضم انبعاثاتها الثورية، تلد الأوطان طفرات قيادية تصير مفاتيح انتصار الكفاح الشعبي التحرري وموجهة غضبه وضابطة مشافه صوب انتزاع النصر الكامل.. كان الرئيس الشهيد صالح الصماد طفرة تخلقت من رحم الكفاح الشعبي اليمني لامتلاك الخلاص والانعتاق.. بدءاً من جبال صعدة وخوض ست حروب، مروراً بأحداث 2011م وثورة أيلول 2014م ثم اندلاع العدوان، وصولاً لاختياره رئيسا للمجلس السياسي الأعلى؛ خاض الشهيد غمار المواجهة ببسالة، غير آبهٍ سوى بالانتصار لقضية آمن بها وقدم حياته في سبيلها.. كمحارب أسطوري عزف ترانيم النصر لفقراء الشعب وشاطرهم الجوع والتعب، جاب متاريس الوطن واحداً تلو الآخر، قائلاً بكل ما وجد من الصدق والحقيقة: دماؤنا ليست أغلى من دمائكم. فارتقى حاملاً رايةً خالدة مديدة حدها السماء، تعانق دماؤه تراب تهامة، لتصير -وكل اليمن- كربلاء جديدة حسينها الصماد.. أراد العدو باغتياله أن ينكس رايته، فحملها ملايين الغاضبين هبوا لفدائها، ينسكبون شلالاً هادراً في مسيرته العصماء.. وكان يوم تشييع جثمانه الشريف، ليس موعداً لوداعٍ أخير ولا بكائية حزن، بل موعداً ليردد اليمانيون معزوفة النصر التي اجترحتها دماءُ رئيسنا الشهيد صالح الصماد.. وكان ميلاداً جديداً لشعب لا يموت.


خلال الحروب الرابعة حتى السادسة على صعدة، كان الظهور السياسي الأول للشهيد صالح الصماد، كممثل لأنصار الله في لجان التهدئة والمفاوضات مع السلطة. فأبرز قدرات سياسية عالية وحنكة كبيرة في التعامل مع الآخر. كما كان من ضمن لجنة استقبال الوساطة القطرية في الحرب الخامسة.



كان الشهيد الصماد هو حلقة الوصل بين قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي، وبين الجبهات المختلفة خلال الحربين الخامسة والسادسة، والمئات من الرسائل بينهما لا تزال مؤرشفة حتى الآن.


في ثورة الـ21 من أيلول 2014م، كلفه قائد الثورة رئيساً للمكتب السياسي لأنصار الله، فكان من أبرز الشخصيات التي قدمتها الحركة إلى المشهد، والتي صنعت فارقاً في المسار السياسي للبلد.


يعد أحد صناع (اتفاق السلم والشراكة) عقب ثورة أيلول 2014م، وتقلد حينها منصب مستشار رئيس الجمهورية الذي كان حينها الفار هادي، حسب ما ورد في نص الاتفاق المغدور. وبعد أشهر قليلة استقال الشهيد الصماد من منصبه بسبب عدم التزام السلطة وهادي ببنود الاتفاق، خاصة ما يتعلق بلجان الدستور والأقاليم، والتي تلاها انقلاب هادي على الاتفاق بتوجيه (الحرس الرئاسي) لتفجير الموقف في العاصمة مع اللجان الشعبية.


يشهد حتى الخصوم بقدرات الرجل السياسية، وحرصه الوطني على وحدة الصف، فقد أدار لقاءات واسعة مع كل القوى السياسية، لاسيما اليسارية منها، في محاولة للوصول إلى رؤية مشتركة لإدارة الدولة والخروج بحلول للقضايا المعقدة، ومنها التوصل لاتفاق نهائي بما يخص أزمة استقالة هادي، وذلك إلى جانب المبعوث جمال بن عمر الذي أعلن في مجلس الأمن أنهم اقتربوا من حل كامل لولا بدء غارات العدوان.


لاحقاً، وبعد فشل مفاوضات الكويت، كان الصماد من ضمن المكلفين بصناعة الاتفاق السياسي مع المؤتمر الشعبي العام وتشكيل المجلس السياسي الأعلى الذي انتخب لرئاسته، وفي منتصف أغسطس 2016م أدى اليمين الدستورية أمام مجلس النواب في العاصمة، ليتسلم في اليوم التالي السلطة من اللجنة الثورية العليا، في مراسيم رسمية جرت في القصر الجمهوري.

أعلن الرئيس الصماد في 20 أغسطس 2016، من خلال كلمة له في مليونية تأييد المجلس السياسي التي احتشدت في ميدان السبعين، عن برنامج مهام المجلس، معتبراً أن لا مستحيل أمام شعبنا برغم كل معاناته. وكان من بين ما أعلنه هو ترحيبه بفتح العلاقات المتوازنة مع كل العالم عدا الكيان الصهيوني، و(حزمة تسهيلات ستقدم للمبادرين بفتح خطوط التواصل وإقامة العلاقات مع الشعب اليمني، وستكون لهم الأولوية في تبادل المصالح الاقتصادية). كما طالب الوفد الوطني بإيقاف اللقاءات بالمبعوث السابق ولد الشيخ، على خلفية احتجاز الوفد في مسقط.


أصدر الرئيس الصماد قانون العفو العام للمغرر بهم الذين التحقوا بتحالف العدوان، داعياً إياهم إلى العودة للوطن، والسياسيين للعودة إلى صنعاء أو التوجه إلى أية عاصمة محايدة، حتى يتم ترتيب عودتهم بسلام. وقد شهدت اليمن إطلاق المئات من الأسرى، حرصاً على الوحدة الاجتماعية، وقطع الطريق أمام العدو لتوسيع دائرة الاستقطاب الداخلية.


أعد تحالف العدوان قائمة تضم 40 اسماً من قيادة أنصار الله كمطلوبين رصدت ملايين الدولارات على كل منهم، وكان الثاني في القائمة هو الرئيس الشهيد صالح الصماد بعد قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي.


حرصاً منه على ضمان عدم تفجر الموقف السياسي في صنعاء، فاجأ الرئيس صالح الصماد حشود فعالية الذكرى الـ35 لتأسيس المؤتمر الشعبي في ميدان السبعين، 24 أغسطس 2017م، بحضوره لمشاركتهم الاحتفاء في لحظة بلغ فيها التأزم السياسي بين الشريكين أقصاه، ومثلت تلك الخطوة دلالة حرص وطني على وحدة الصف وقطع الطريق أمام العدو والطابور الخامس لضرب الوحدة الداخلية.


أثناء أحداث ديسمبر 2017م، خرج الرئيس الصماد، في الـ4 من الشهر، لزف خبر انتهاء الفتنة، والإعلان عن قرار العفو العام ليشمل المتورطين في الفتنة، والتعهد بصون حياة وحرية كل من يسلم نفسه للدولة ويترك سلاحه. وقد تلى ذلك الإعلان عن (تطبيع الأوضاع) وإطلاق سراح المئات من أسرى الفتنة، بينهم قيادات كبيرة تورطت في المعارك.


في الـ25 من يناير الفائت، نجح الرئيس صالح الصماد بجعل مجلس النواب يعقد في العاصمة صنعاء جلسته الأولى منذ فتنة ديسمبر 2017، وبنصاب مكتمل للأعضاء. وقد حضر الشهيد الجلسة مخاطباً الأعضاء بأنهم أسقطوا رهان تحالف العدوان والمرتزقة في سعيهم لنقل النواب إلى عدن والانتقاص من سيادة صنعاء.


التقى الرئيس الصماد، في 8 يناير 2018م، نائب المبعوث السابق شريم في صنعاء، وتحدث معه في اجتماع نقل على الهواء مباشرة بجرأة بالغة أن استمرار تحالف العدوان التصعيد باتجاه الحديدة سيدفع المجلس السياسي والقوى الثورية إلى الدخول في خيارات استراتيجية سيكون استخدامها في طريق اللاعودة.. وفي وقت سابق كان الرئيس الصماد قد أعلن من محافظة الحديدة عن مرحلة (خيارات الساحل) في مواجهة التصعيدات العدوانية من خلال التجهيزات والتدريبات العسكرية البحرية، ودشن عرضاً عسكرياً مهيباً، حضره كبار مسؤولي الدولية إلى جانبه.


وخلال الذكرى الثالثة للعدوان على اليمن والصمود الوطني بمواجهته، أطلق الرئيس الشهيد مشروعه لبناء الدولة كمرحلة سياسية جديدة تحت شعار (يد تحمي ويد تبني).


وفي الـ19 من الشهر الجاري، الخميس، ألقى الرئيس الشهيد قبل ساعات من اغتياله، كلمة في قيادة محافظة الحديدة، كشف فيها تبني الولايات المتحدة لمشروع غزو الحديدة، مشيراً إلى حديث المبعوث الجديد حول الترتيب لعملية وشيكة في الحديدة، بالتنسيق مع مجلس الأمن. وقال الصماد إنه لا قلق بعملياتهم، كلها موشكة، لكن يجب أخذ ما قيل على محمل الجد. وسخر من كلام السفير الأمريكي، قائلاً بأن أبناء الحديدة سيستقبلونهم بالبنادق لا بالورود كما يرددون، فكان محقاً بقوله، وأثبت أبناء تهامة جميعهم ذلك في (مسيرة البنادق)، الأربعاء الماضي، في تظاهرة مليونية تقشعر لها الأبدان.