صلاح العلي/ لا ميديا

الرئيس عبدالفتاح إسماعيل علي نعمان بن نعمان الجوفي.
ينتمي إلى أسرة فلاحية انتقل عائلها من محافظة الجوف ليستقر في قرية (الأشعاب) بأغابرة مديرية حيفان محافظة تعز، وهناك ولد في الـ28 من يوليو 1939م.
كان والده فقيهاً صوفياً وقاضياً إلى جانب تدريسه في جامع القرية، وقد تلقى فتاح تعليمه الأولي على يده قبل انتقاله إلى عدن.
بسبب الظروف المعيشية الصعبة لم يستطع فتاح إكمال تعليمه فالتحق بمدرسة تدريب العمال في مصافي الزيت البريطانية (bp). حينها كان الكفاح الشعبي للاستقلال من الاستعمار البريطاني قد التهب، لاسيما مع ظهور نشاط حركة القوميين العرب التي انضم فتاح إلى تنظيمها السري في عدن عام 1959م، فشارك في الإضراب العمالي، وبرز كقائد عمالي مع آخرين لاحقتهم القوات البريطانية وألقت القبض عليهم، وانتهى التحقيق معه بفصله من المصافي.
من خارج عدن واصل نشاطه السري في حركة القوميين العرب التي برز فيها كقيادي محنك فطن وفذ. ولاحقاً عاد إلى عدن ليعيد الاتصال بالخلايا العمالية التي أسسها في المصافي ضمن الإطار السري للقوميين.
في تعز، تشكلت (الجبهة القومية) عام 1963م، وأعلنت الكفاح المسلح طريقها للتحرر الوطني من الاستعمار، وتلقت دعمها وتدريبها من مصر عبد الناصر. فاختير فتاح -بعد تلقيه دورات قتالية هناك- لمهمة تفجير الكفاح المسلح في عدن وقيادة جبهتها، ومطلع 1964م، صار الشهيد فيصل عبد اللطيف الشعبي المسؤول التنظيمي للجبهة القومية، فخلفه فتاح (ذو يزن) ليكون المسؤول الأول عن العمل العسكري الفدائي والسياسي في عدن، وأسس فيها (قطاع الفدائيين) الذي قاد الكفاح المسلح ضد الانجليز.
"أصبحت جبهة عدن من أوجع جبهات القتال ضد القوات البريطانية، غير أن الاستخبارات البريطانية اخترقت جيباً من جيوب الفدائيين في أبريل من خلال عملائها، ولسد تلك الثغرة تمكن (فتاح) من عقد اجتماع موسع لقيادة جبهة عدن خرج بتشكيل جهاز استخبارات للجبهة (جهاز أمن الثورة) وجهاز متابعة رجال الاستخبارات المحليين، وكان الرد أن شن الفدائيون حملات اغتيال لأخطر العناصر العاملة مع البريطانيين بعد أن يتم إنذارها، الأمر الذي قطع كل خطوط الوصول إلى مخابئ الفدائيين.
عرفت الاستخبارات البريطانية عن فتاح وأرادت رأسه، ورغم تمكنها من الحصول على صورة له، إلا أنه استعصى عليها رغم تواجده في عدن، فرصدت مبلغ نصف مليون دينار لمن يبلغ عنه. كما أنها أقدمت على اعتقال أخيه المهندس عبد الجليل، الذي ورغم تعرضه للتعذيب رفض الإدلاء بأي معلومة عن شقيقه فتاح، فأقدم الاستعمار على قتله.
كان فتاح في طليعة العمل السياسي، وشارك في التحضير للمؤتمر العام الأول للجبهة القومية الذي انعقد في تعز يونيو 1965م، وفيه انتخب عضواً في المجلس التنفيذي للجبهة.
في 13 يناير 1966م قامت القيادة المصرية بإعلان الدمج القسري بين الجبهة القومية ومنظمة التحرير تحت اسم (جبهة التحرير). وكانت منظمة التحرير على علاقة قوية بالمصريين، ومثلت القوى التي رفضت الكفاح المسلح وهادنت الاستعمار بحجة أنه سيقوم بالتسليم والانسحاب طواعية.
غادر عبد الفتاح إسماعيل عدن إلى تعز، وشارك هناك في اجتماعات كوادر الجبهة القومية التي تداعت لمواجهة الموقف والالتفاف حول فتاح الذي صار الرجل الأول (في ظل احتجاز أمين عام الجبهة المناضل قحطان الشعبي في القاهرة، وتم الاتفاق على الإعداد لمؤتمر عام).

في تلك الأثناء تعرض عبد الفتاح للاختطاف من قبل رجال الأمن، ونقل إلى صنعاء، وبعد عدة أيام في سجن الداخلية نقلته القيادة المصرية إلى القاهرة ووضع تحت الإقامة الجبرية ضمن مسار الضغوط التي مارستها مصر لفرض الدمج.
في مارس 1966م أعلن في القاهرة تشكيل مجلس لقيادة جبهة التحرير قوامه (12) عضواً، مناصفة بين الجبهة القومية ومنظمة التحرير، وكان فتاح واحداً منهم، وشارك في الحوارات التي دارت بين الجانبين. لكن الصراعات استمرت بالتصاعد مع محاولات الالتفافات التي مارستها القيادة المصرية وقيادة منظمة التحرير للاستيلاء على قرار التحرير والكفاح المسلح، فتم التوصل إلى تنظيم جبهوي مشترك لا تنظيماً موحداً كما أراد الدمج القسري. ومع اتضاح عدم جدية منظمة التحرير، وتآمرها في السر، أعلنت الجبهة القومية انسلاخها عنها، ومواصلة كفاحها بشكل مستقل في إعلان رسمي خلال المؤتمر العام الثالث الذي انعقد في ديسمبر 1966م، وخلاله أعيد انتخاب فتاح عضواً في اللجنة التنفيذية - أعلى إطار قيادي.
تحت وقع الضربات القاسية من الفدائيين والشعب الثائر، قررت بريطانيا في نوفمبر67م الاعتراف بالجبهة القومية ممثلاً عن الثورة ورضخت للتفاوض معها. حينها ترأس فتاح وفد الجبهة القومية للقاء الزعيم عبد الناصر لتسوية الخلافات، ثم اختير عضواً في الوفد المفاوض إلى جنيف مع بريطانيا من أجل الاستقلال. وعقب عشرة أيام عاد الوفد إلى عدن في 30 نوفمبر، ليقرأ فتاح بيان الاستقلال، وفي أول حكومة بعد الاستقلال أنيط به منصب (وزير الإرشاد القومي وشؤون الوحدة). وكان له المبادرة في أول المساعي الرسمية لإنجاز مشروع الوحدة اليمنية.
خلال المؤتمر العام الرابع للجبهة القومية -6 مارس 1967م- ظهر الانقسام واضحاً في صفوفها، من خلال الاصطدام بين اتجاهين، الاتجاه اليساري الذي يدعو إلى التغيير الجذري وضم جيش التحرير والفدائيين إلى الجيش وتطهيره من القيادات التي وقفت مع الاستعمار أثناء مرحلة التحرير، والآخر الاتجاه الإصلاحي الذي يرى أن اتجاه السلطة ينبغي أن يسير وفق حركة إصلاحية متدرجة. ولم تمضِ سوى (14) يوماً حتى أقدم قادة الجيش -الذين وقفوا مع الاستعمار ثم بقوا في الجيش الجديد بعد التحرير- على انقلاب ضد التيار اليساري بحجة التخلص من الشيوعيين). خلال ذلك، تعرض فتاح للاعتقال مع عدد كبير من قادة التحرر وكوادر الجبهة القومية، وتم تعذيبه للدرجة التي أودعته المستشفى بعدن قبل أن ينقل إلى الخارج بعد التمكن من تحريره وكثيراً من الكوادر معه عقب معركة لجيش وقواعد الجبهة القومية ضد الانقلاب.
عاد عبد الفتاح إلى تعز وعاود النشاط فيها للتواصل مع قادة الجبهة والتوصل إلى حوار وتصالح مع السلطة في عدن، والاتفاق على برنامج مواصلة التحرر الوطني، وعودة كافة الكوادر إلى عدن، والعودة عن إعلان القتال ضد السلطة، إلا أن الصراع البيني تواصل داخل قيادة الجبهة القومية، لينتهي بتقديم قحطان الشعبي استقالته في 22 يونيو 1969م، وصعود سالم رُبَيّع علي (سالمين) رئيساً لمجلس الرئاسة، بينما اختير فتاح عضواً في مجلس الرئاسة وأميناً عاماً للجبهة القومية.
من موقعه كأمين عام للتنظيم السياسي للجبهة القومية، اتجه إلى فتح الحوار مع قوى اليسار(حزب الطليعة الشعبية واتحاد الشعب الديمقراطي)، وتم التوصل إلى توحيد القوى الثلاث في إطار (التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية) وتشكيل حكومة مشتركة، وذلك في أكتوبر 1976م، وانتخب حينها فتاح أميناً عاماً، بينما انتخب سالمين أميناً عاماً مساعداً.
عقب التوحيد، تكتل حول سالمين تيار متطرف عدائي ودموي بالمواجهة مع فتاح باعتباره (شمالياً)، ما أثار فتنة جهوية مناطقية تفرز الكوادر على هذا الأساس، وقد غرق هذا التيار بحالة دموية بدأت من مقتل الرئيس قحطان الشعبي على خلفية أحداث مارس 67م والقيادي فيصل عبد اللطيف الشعبي، وانتهت بالصراع المسلح الذي فجره تيار سالمين في يونيو 1978م انقلاباً على الاتفاق الذي توصلت إليه معه اللجنة المركزية للتنظيم، وقضى بأن يقدم سالمين استقالته، بعد صراع داخلي طويل تفاقم بأزمة تدبير الأخير –دون الرجوع لأحد- لاغتيال الرئيس الغشمي في صنعاء وتأزيم الوضع مع الشطر الشمالي.
بعد إخماد المعركة في عدن، ومحاكمة  سالمين والحكم عليه بالإعدام. انتخب التنظيم فتاح  رئيسا لهيئة رئاسة مجلس الشعب (رئيساً للبلاد)، وأميناً عاماً للتنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية. وهنا عمل فتاح ورفاقه لمعالجة آثار الصراع والتحول إلى الحزب الاشتراكي اليمني الذي أعلن في 13 أكتوبر 1978م.
أواخر مارس 79م، اندلعت الحرب الأهلية بين شطري البلاد التي دفعت السعودية إلى تفجيرها عبر الشيخ الأحمر، لكنها انتهت إلى وصول قوى الثورة وجيشها حدود محافظة صنعاء من الجهة الجنوبية. في الأثناء كان فتاح قد توصل مع علي عبد الله صالح لاتفاق عقد مؤتمر الكويت في 30 مارس79م حرصا منه أن يقطع الطريق أمام السعودية لراغبة باستمرار الحرب. وخرج المؤتمر باتفاق يقضي بإنهاء الحرب وتحديد الخطوات العملية لإنجاز الوحدة اليمنية.
إثر مؤتمر الكويت، استشعرت الدوائر الإمبريالية الكبرى الخطر  من مشروع فتاح نحو الوحدة وقدرته على استمالة صالح إليه. وفي (مذكرات دبلوماسي روسي إلى اليمن) لـ أوليج بيريسيبكين، ذكر ما كشفته وثيقة مسربة عن وكالة الأمن القومي الأمريكي، أن الإدارة الأمريكية في اجتماع لها مع أجهزتها الاستخبارية عام 79م أقرت أن (هذا الشيوعي المتطرف يجب أن يتم التخلص منه، والحزب الذي أسسه يجب أن يضرب من داخله) باعتباره  يهدد مصالح الأمريكان  في المنطقة. وفعلاً بدأت بوادر تلك العملية تتكشف داخل المكتب السياسي وترويج خطاب أن (فتاح شمالي يتآمر مع الشماليين للسيطرة على الجنوب) قاده علي ناصر محمد الذي كان رئيساً للوزراء حينها. وأمام اشتداد الضغط والنزاع القيادي وتزايد توتر الشارع ووشوك تفجر نزاع مسلح جديد، حرص فتاح على عدم انفجار الموقف، وسارع إلى تقديم استقالته في 30 أبريل 1980م، مسبباً إياها بأنها (نتيجة ظروف صحية) رافضاً القول أنها كانت بسبب التآمر والضغوط. وحتى الـ25 من يونيو العام ذاته ظلت الأوضاع محتدة فتم نفيه إلى موسكو.
أدى نفي فتاح واستقالته إلى حدوث صدع واسع في صفوف الاشتراكي، ليس على مستوى الشطر الجنوبي وحسب، بل والشطر الشمالي الذي لمس الخيانة، لاسيما مع إقدام علي ناصر وتابعيه على التآمر ضد الاتجاهات المناصرة لفتاح، بكشفه هوية العديد من القادة في الشمال الذين كانوا يقودون (العمل السري) وبغطاء أسماء (حركية) إلى السلطة في الشمال التي وجهت للحزب هناك ضربات قاسية ووقع صف واسع من أهم القادة في الأسر أو الاغتيالات والتصفيات والإخفاء.
إثر ذلك كله، أدرك معظم المكتب السياسي للحزب أنهم وقعوا ضحية خديعة قذرة دبرتها الأجهزة الدولية والرجعية السعودية ونظام الوصاية في صنعاء مع علي ناصر وتياره، ولذا راحت المطالبات في الشارع الشعبي والحزبي، تطالب بعودة المؤسس فتاح، ليعود في مارس 1985م.
عاد فتاح والصراع في أوجه بين تيار علي ناصر وتيار علي عنتر، فذهب فتاح، الذي تسلم منصب سكرتير الدائرة العامة للحزب، لبذل جهود تهدئة بين القيادات والتوصل لاتفاق حسم الخلافات في المؤتمر العام الثالث للحزب الذي أقر انتخاب قيادة جديدة بما فيها المكتب السياسي الذي صار فتاح عضواً فيه. (لكن الخلاف تفاقم بعد المؤتمر عند توزيع الاختصاصات في المكتب السياسي، ولأن أغلبية أعضاءه لم تكن مؤيدة للرئيس علي ناصر، فقد حاول التملص من عقد الاجتماع لعدم رضاه بأن يتولى عبد الفتاح الدائرة التنظيمية، وهي أهم الدوائر الحزبية).
دبر علي ناصر مجدداً انقلاباً آخر، لكن هذه المرة كان دموياً. قبل أحداث الـ13 من يناير 86م، طلب ناصر من القيادات الموالية له في المكتب السياسي عدم الحضور للاجتماع في مقر اللجنة المركزية، وفور تواجد القادة الآخرين كفتاح وعلي عنتر، فتحت حراسة ناصر النار بجنون عليهم ليستشهد إثرها علي عنتر وزير الدفاع، وصالح مصلح، وعلي شايع، لتنفجر حرب دارت لنحو 10 أيام بدأت بقصف مدفعي دك منزل فتاح، ولحقتها تصفية نحو 11 ألف شهيداً من الكوادر الحزبية المحسوبة على خط الشهيد المؤسس. نجا فتاح وآخرون، وجاءت مدرعات لإنقاذهم، فاستقل إحداها. وحتى اللحظة لم يعرف المصير الفعلي لفتاح، وقد ترددت عدة روايات عن ذلك، تقول إحداها أن المدرعة التي أقلته قد قصفت في الطريق ومات كل من فيها. ولاحقاً، أتم الإتيان بجثة محروقة قيل أنها لفتاح، لكن زوجته قالت أنها ليست له إذ كانت الجثة تخلو من دعامة البلوتونيوم في عموده الفقري ـ وهي غير قابلة للاحتراق- ليتضح أن الجثة كانت مزورة!
 (ملاحظة: هذه المادة استندت إلى أرشيف الحزب وذاكرة الرفاق المفكرين الذين عايشوا الأحداث).




من تغييب جثمانه إلى مصادرة منزله 
الرئيس فتاح .. انتقام الاستعمار بخناجر الرفاق
وكالة الأمن القومي الأمريكي: الرئيس فتاح خطر ويجب تصفيته


في العام 2015م، وتحديداً عقب خروج أنصار الله من عدن، اقتحم مسلحون من أسرة (كتكت) منزل الشهيد الرئيس (الفدائي) عبد الفتاح إسماعيل الجوفي في خور مكسر بعدن، بدعوى ملكيتهم للمنزل! ودون أن يكون لهم أي إثبات لذلك.
وعلى الرغم من أن أسرة فتاح قد قدمت الوثائق الثبوتية لملكيتهم المنزل، بينما لم تقدم أسرة (كتكت) شيئاً، إلا أن سلطات الاحتلال هناك لم تتجاوب معها. ومن حينها حتى مطلع أبريل الفائت، استمر (كتكت) بالسيطرة على المنزل واستباحته، ليُقدم آخر الأمر على إتلاف وتخريب محتويات المنزل أو سرقتها، فضلاً عن تدمير أرشيف الشهيد الرئيس عبد الفتاح إسماعيل من وثائق وكتابات وكتب وخطابات مسجلة... كانت أسرته تحتفظ بها كجزء من أرشيف الوطن في أهم مراحله خلال القرنين الماضيين. وكل ذلك جرى أمام مرأى ومسمع الجهات المعنية في عدن، بل وبتسهيل منها.
عبد الفتاح إسماعيل (ذو يزن)، قائد ومؤسس (الفدائيين) في ثورة أكتوبر 63م، ومفجر جبهة عدن كأهم محور بمواجهة الاستعمار البريطاني، أحد أهم قادة التحرير الوطني من الاستعمار البريطاني، قارئ بيان الاستقلال بعد انتزاع النصر، أمين عام الجبهة القومية ثم الحزب الاشتراكي –وهو مؤسسه وموحد فصائل اليسار- ورئيس الجمهورية (78–80م).
ها هم يسطون على منزل أبنائه الذين غادرهم بلا أرصدة ولا ثروات، ولم يترك لهم غير جدران تؤويهم قسوة الأيام، استكثروها على رجل دفع حياته ثمناً لكفاحه الوطني التحرري وسنوات الكدح والمعاناة الطويلة.
كانت الدولة حينها قد أصدرت قراراً بتشكيل لجنة لتعويض من فقدوا منازلهم، لكنها خلال الفترات الماضية لم تقم بعملٍ جدي وتغلق ملفاً شائكاً يهدد أوضاع 50 ألف أسرة في عدن بفقدان منازلها. وذلك كان متعمداً من السلطة العميلة كي تبقي على قنبلة موقوتة مهددة بأية لحظة بالانفجار، علاوة على كونه ملفاً استخدم للتربح والابتزاز.
بيد أن التساؤل الذي يطرح نفسه في هذا السياق، هو أن استرداد المنازل المؤممة والمصادرة، لم يطل غير الشهيد الوطني فتاح، إذ إن عشرات ومئات القادة السابقين للحزب واليمن الديمقراطي، لاتزال منازلهم معهم ولم يعتدَ عليها حتى وهي فارغة!
الردود المختلفة التي لاقتها حملة (أعيدوا منزل فتاح) التي أطلقتها ابنة الشهيد المحامية وفاء فتاح وأشقاؤها، تخللتها إجابات أن خلفية السطو على المنزل أن فتاح من أبناء الشمال، أو بتعبير آخر -كما ورد- (دحباشي)! إضافة للقول إنه انتقام من فتاح كونه قيادياً اشتراكياً مسؤولاً عن (التأميم ومصادرة المنازل)...، فهل هذه هي الحقيقة فعلاً؟!
ويجيب واقع الحال، أن قيادات وشخصيات مرموقة في الحزب الاشتراكي ومن قيادته التاريخية، منها الكثير من أبناء الشمال، لم تُمس. والمفارقة هي أن منازل قيادات عسكرية وسياسية وتجارية... محسوبة على (سلطة 7/7)، وعلى رأسها علي صالح –ويردد أن أبناء الجنوب يكنون لهم كل الكراهية على ما فعلوه بهم من حروب وتدمير- لم تمس منازلها وأملاكها نهائياً على الرغم من أنهم نهبوا وصادروا الأراضي والأملاك والثروات وحتى القوت اليومي للناس. وفعلياً هناك قوة عسكرية تحميها وتدافع عنها، في تناقض فاضح مع مسألة أن ما سمي (تحرير الجنوب) كان بمواجهة (الحوثي وعفاش)!
إذن، ما الذي يقف حقاً وراء استهداف فتاح؟!
عقب أحداث ديسمبر 2017م، قررت قياديات مؤتمرية عفاشية وعسكريون موالون لهم مغادرة العاصمة صنعاء إلى عدن المحتلة! وبالمقدمة كانت أسرة عفاش نفسها هناك قبل انتقالها إلى عُمان. بينما طارق عفاش، لم يمكث هناك وحسب، بل فتح له معسكراً لتجميع القوات الموالية لهم وتدريب أخرى ومدها بكل الإمكانيات تحت حماية إماراتية جنوبية!

فتاح.. انتقام استعمار الأمس!
قال الرئيس الشهيد عبد الفتاح إسماعيل: (السعودية هي العدو التاريخي لليمن).
كان لفتاح ترجمته للصراع في المنطقة واليمن، ونشأ في بيئة هذا الصراع، وتخلق فكراً وموقفاً من صلبه.. قضى فتاح شهيداً، ليس نتيجة (صراع داخلي بين الرفاق)، بل نتيجة مؤامرة إمبريالية قادتها وكالة الأمن القومي الأمريكي، لتصفية المُفكر الثوري فتاح الممتد تأثيره للمنطقة كلها، ولتدمير حزبه من داخله كأنجع طريقة لضمان انكسار التنظيم الثوري ومشروعه..
وهو ما جرى بدقة بداية بانقلاب 79م ونفي فتاح إلى موسكو، ثم وقوع أحداث يناير 86م الدامية.
ولا شك أن فتاح، الذي كان المطلوب الأول والأكثر للاستعمار البريطاني له ذكرى قاسية على الإمبريالية البريطانية وأياديها التي لن تنسى كيف تحطم مجدها كـ(إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس) وأجليت من عدن المستعمرة التي لم تستطع بقائها ضمن (الكومنولث).
ومن جانب آخر، فالسعودية بدورها، تتذكر جيداً، كيف طرد فتاح ورفاقه قادة التحرير سفيرها من مفاوضات جنيف، والذي دعته بريطانيا ليشارك في المفاوضات كوسيط عربي يوضع لاحقاً كمنتدب عنها أو وصي على البلاد يمثل دور الراعي للاستقلال والاتفاق مع بريطانيا.
ومنذ اللحظة الأولى لدخول تحالف العدوان إلى اليمن في يونيو 2015م، كان جلياً أنه في سياق مشروعه الجديد، قد بدأ عملية انتقام شرسة من حقبة التحرر، فراحوا يغيرون أسماء الشوارع المخلدة لثورة التحرر وشخوصها (الشهيد مدرم وعبود) وكذا المدارس والأحياء وغيرها. إضافة إلى القيام بعمليات تصفية جسدية للكثير من قادة الحراك ذوي الانتماء السابق لليمن الديمقراطي والحزب الاشتراكي بخطه الفتاحي، وهي العملية التي انخرط فيها قادة الحزب الاشتراكي الحاليين وكثير ممن كانوا يوماً ما يدعون كونهم رفاق فتاح.

يحمون منازل عفاش ويسطون على منزل فتاح!
يعلق القيادي الجنوبي في الحراك، الأمين العام المساعد لحزب جبهة التحرير، أحمد العليي، لـ(لا): ينتابك ذهول واستغراب شديد حين تتابع ما يجري في عدن. حيث الحضور القوي للقوات الإماراتية الغازية حماية فلل ومنازل عفاش في الوقت الذي ينهب فيه منزل أسرة هامة وطنية هو عبد الفتاح إسماعيل، وهو الأمر الذي اعتبره العليمي استهدافاً لفكر وتاريخ ومشروع فتاح وتصفية حسابات معه من قبل تحالف الاحتلال وعملائه.

قيادة الاشتراكي تصفي حساباتها مع فتاح حياً ومخفياً!
القيادي في الحزب الاشتراكي فاروق ثابت العبسي، لفت إلى أن (ظلم ذوي القربى أشد مرارة)، متسائلاً: قبل لوم الجناة وخلفهم تحالف العدوان والاحتلال عما تعرضت له أسرة فتاح، نسأل أنفسنا ماذا عمل حزبه الذي أسسه لينصفه؟ معتبراً أن قيادة الحزب الاشتراكي تصفي حساباتها مع فتاح حياً ومخفياً. ويؤكد العبسي: يجب أن تتحول قضية فتاح إلى قضية رأي عام حزبي أولاً، وإعادة الاعتبار له من قيادات حزبه.

(كتكت) قزم نفخه
 الاحتلال إلى غول!
يكتب أحد أفراد أسرة (كتكت) على صفحته في (فيسبوك)، متحدياً أن يقوم أحد بإخراجه من المنزل التابع لأسرة فتاح، ويقول: أخبروا شلال إذا جاء فسوف نقوم بقبره مكان ما قبرنا فتاح ووالده علي شائع. وقد تضمن المنشور ألفاظاً نابيةً قبيحة. ويفصح المكتوب عن حجم الكراهية والحقد الظاهر في الاستدلال الشامت بأحداث 86م وعملية التصفيات التي طالت الآلاف من قيادات وكوادر الوطن.
والواضح أن أسرة (كتكت)، تتحرك بدعم وإسناد كامل من الاحتلال وعصاباته التي يعدون إحدى أذرعتها في عدن. ويؤكد ذلك، أن مكتب الإسكان بعدن، قام بإخفاء ملف فتاح الذي يحتوي عقد التمليك ووثائق المنزل.

احتواء القضية.. الاشتراكي متغافلاً!
حين اقتحم منزل فتاح بعدن في 2015م، تغاضت قيادة الحزب الاشتراكي عن الأمر على الرغم من إحداث الموضوع ضجة كبيرة! وبدا أنها غير عابئة بما يجري لأسرة مؤسس حزبها. ومع إطلاق وفاء فتاح لحملة (أعيدوا منزل فتاح – أعيدوا مجد أكتوبر) على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، والضجة التي أحدثتها، أطلق الاشتراكي بياناً وصف بـ(الهزيل)، حيث ادعى أن هناك قضية ويجب أن تأخذ مجراها أمام المحكمة، في إشارة إلى أن الحملة لم يكن لها داعٍ، داعياً (السلطات في عدن) إلى القيام بمسؤولياتها!
متعامياً أن الجريمة جرت بتعاون هذه السلطات ولا غرابة أن من اعتبروا احتلال سقطرى وتجريفها أمراً هامشياً لمن يحتالوا على مظلومية مؤسس حزبهم.
وطبقاً لما أدلت به وفاء فتاح في الحوار الذي أجرته (لا) معها، من أن (الأمين العام السقاف أبلغها أنه أوصل الملف إلى الرئيس هادي، وبأنه مهتم بالقضية...)؛ فإن ذلك يفصح عن الدور الذي تلعبه قيادة الحزب في الرياض وعواصم العدوان في احتواء القضية وإنهاء الحملة. علماً أن الفار هادي يعد من أكثر المعادين لفتاح وتياره ومشروعه منذ كان في قيادة الحزب إبان أحداث يناير 86م الدامية التي كان أحد عقولها المدبرين قبل فراره إلى صنعاء وغيره من المدبرين للالتحاق بصفوف سلطة الوصاية مع صالح وعلي محسن والشيخ الأحمر.
وينسجم مع ذلك، أن فترة ما بعد 94م، شهدت، لاسيما في الوسط القيادي الأعلى، تنكراً شديداً لفتاح، وتشويهاً لتاريخه، خاصة وأن معظم الاتجاه الذي تسلم قيادة الحزب عقب الحرب كان من أولئك الذين شاطروا فتاح ونهجه العداء بشدة، وتورط الكثير منهم في تصفيته ورفاقه عام 86م. ولعل من أبرز الدلالات على ذلك، أن (المؤتمر العام الرابع للحزب الاشتراكي) عام 2000م، شهد اختلافاً حاداً بين الحضور، فجره رفض قيادة الحزب تعليق صورة فتاح المؤسس كالعادة، في المؤتمر، والتوجيه بإنزالها من جدران القاعة، طبقاً لمعلومات مؤكدة حصلت عليها (لا) من مصادر موثوقة.
في السياق ذاته، وخلال توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية في 22 مايو 90م، افترض أن تتضمن كشوفات الحزب التي قدمها الرئيس البيض آنذاك لاعتمادها في التسويات التي نص عليها الاتفاق، تتضمن اسم عبد الفتاح إسماعيل لاعتماد درجته الحكومية كرئيس جمهورية سابق أسوة بالآخرين. لكن ذلك لم يحدث! 
إنه المغدور ألف مرة، الذي اغتيل برصاصة تبعتها ألف رصاصة.. كانت أيدي الإخوة وأيدي والأعداء جنباً إلى جنب تتشاطر سلخه على مذبح التقرب لرب الإمبريالية أمريكا.. أقسموا الولاء لأعدائك وكفروا بك وأنكروك لأنك ما حدت يوماً عن أن تكون من أطهر البشر وأصدقهم حباً لشعبك وللمساكين الذين آمنوا بك قائداً ومحرراً.
فتاح، الذي لم يكتفوا بمصادرة جسده وتغييب مصيره حتى اللحظة، ولم يتوقفوا عن العبث بسيرته وذكراه والتأليب عليه وتدمير أرشيفه ومداده طمعاً بمحو ذكراه التي ألصقوا بها أشنع التهم: (قاتل، يهودي متآمر، مخرب ونهاب)... كان جرمه، أنه مذ كان غرسة في (تليم) الأغابرة مروراً بالمصافي وجبهة عدن وليالي المعتقلات القارسة والتعذيب والمنفى وصولاً إلى موقع الرئيس ومكابدة جفاء (الرفاق) ونكرانهم؛ لم يكن يرى نفسه إلا واحداً من مساكين الشعب، واتخذهم أخلاءه وقبيلته وجيشه وحياته وقضيته التي عاش قابضاً عليها، وارتقى قابضاً عليها، وحين يلقى الله سيأتيه قابضاً عليها.

عن إرث فتاح وأوسمته وما كتب عنه
ترك فتاح خلفه إرثاً نوعياً من الكتابات الفكرية والاجتماعية الثورية وقضايا الثقافة والهوية الجمعية والتحرر الوطني والتنظيم الثوري والوحدة الاجتماعية والسياسية... وفي الأدب أيضاً، إذ له قصائد هيام بالوطن والأرض والنضال، ومنها القصيدة الشهيرة (تاج النهار) التي غناها الفنان الكبير محمد مرشد ناجي.
صدرت له كتيبات مثل: فجر الثورة، لمحة عن تجربة الثورة الشعبية، الحزب الطليعي وعلاقته بالطبقة العاملة، وثقافتنا الوطنية من القديم الى الجديد.
وصدر له من الكتب: التراث والثقافة، والكتابة بالسيف: ملحمة شعرية صدرت باسمه الأدبي (ذي يزن)، نجمة تقود البحر (ديوان شعر)، أيضاً من أهم مؤلفاته: الثورة الوطنية الديمقراطية وآفاقها الاشتراكية، (تفرعت عن هذا المجلد 3 كتب متوسطة الحجم صدرت عن (لجنة تخليد عبدالفتاح إسماعيل) التي لم تواصل نشاطها بسبب عدم دعم واهتمام قيادة الحزب الاشتراكي بها، هي: الثورة الوطنية الديمقراطية، حزب ولد في خضم الثورة، والمهام النضالية للمنظمات الجماهيرية. كما كان لفتاح العديد من المؤلفات حول القضايا التنظيمية والحزبية ومهام استكمال الثورة الوطنية الديمقراطية، كتبها بهدف نشر المعارف بين أعضاء الحزب الاشتراكي).
له عشرات الدراسات التي نشرت في الصحف والمجلات، وكذا الكثير التي لم تلقَ سبيلاً إلى الضوء: فكر الثورة.. نتاج تطور نضال الحركة الوطنية وثيقتان عن (الكفاح المسلح)، بعض قضايا التطور في التوجه الاشتراكي، من أجل تعزيز الدور القيادي للحزب، حديث حول دور الحركة العمالية التي ألقيت في تظاهرات عمال المصافي، حول الجوانب السياسية والثقافية في حياة ثورتنا وشعبنا، دراسة: حول الأمة والشعب، ودراسة: حول الاقتصاد.
إن لفتاح القائد والمؤسس، التأثير الكبير في حركة التحرر العربي والتنظيمات اليسارية في المنطقة، وليس اليمن وحسب، ولذا كان اسمه حياً في قلوب العديد من الكتاب والأدباء والمثقفين، فقد كتب العشرات من اليمنيين والعرب والأجانب الدراسات والبحوث في فكره، علاوة على العديد من المرثيات، ولعل أشهر من رثاه كان نبي الشعر عبد الله البردوني بقصيدة (يا مصطفى)، وأيضاً رثاه رفيقه السوري الدكتور أيمن أبو الشعر وأدونيس وغيرهم الكثير.
تقلد فتاح العديد من الأوسمة محلياً وقومياً وأممياً لإسهاماته الثورية الكفاحية والفكرية، ومنها: وسام 14 أكتوبر من الدرجة الأولى عام 1980م، وسام بطل اليمن في 13 يناير 1987م، وسام الاستقلال 31 نوفمبر في 15 ديسمبر 1988م، وسام ثورة 26 سبتمبر من الدرجة الأولى في سبتمبر 1996م، وسام الثورة الليبية، وسام جوليو كوري في نوفمبر 1977م من قبل مجلس السلم العالمي، نظير جهوده من أجل تأييد قضايا التحرر والتقدم والسلم، وهو أعلى وسام للمجلس، وسام الصداقة مع الشعوب من قبل الحزب والدولة السوفيتية، وسام الصداقة الألماني الديمقراطي، وسام الشجاعة الإثيوبي، ووسام اتحاد الشباب العالمي (17 نوفمبر).
وتقديراً لدوره الفكري والأبحاث والدراسات العلمية والنظرية والمحاضرات السياسية المختلفة، نال شهادة فخرية من جامعة لومونوسوف، موسكو، في أغسطس 1976م.