علي نعمان المقطري / لا ميديا

عقب اغتيال العدوان للرئيس الشهيد الصماد، لا بد أن السؤال الملح لدى الكثيرين، 
هو: ما الذي أنجزته العملية؟! إن هذا السؤال نعرف إجابته نحن بوضوح كامل، بيد أن العدو هو الذي لا يزال متوجساً 
عما حققه، وبالأصح ما الذي جناه، وما التداعيات التي ارتدت عن العملية القذرة، ولا شك أنه بدأ يعرف هذه الإجابة، وكلفته هذه المعرفة الكثير ولا تزال، وهو يتمنى لو أنه بحث عن إجابته قبل الإقدام على فعلته المشينة.
بتمكن العدوان من اغتيال الرئيس الشهيد صالح الصماد عليه السلام، القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، والرجل الأول في الهيكلية الوطنية للدولة اليمنية، يكون العدو قد حقق ضربة موجعة في بنيان إدارة المقاومة الوطنية التحررية والدولة الوطنية اليمنية، ولم يستطع تحقيق مثلها منذ العدوان الأول على الحركة الوطنية الثورية في العام 2004م باغتيال الشهيد القائد السيد حسين الحوثي.
والملفت للنظر أن عملية اغتيال الشهيد الجريح الأسير، أرادها العدو أن تكون تدشيناً للحظة من الانكسار والتراجع، غير أنها تحولت إلى شرارة نار مقدسة سرعان ما انتشرت في عموم البلاد لتقضي على البناء العدواني وتحيله تراباً حتى وصلت إلى عقر الطغاة في صنعاء وغيرها، واكتسبت حركتها روحاً جديدة وعنفواناً متجدداً يستلهمان قوة وعزيمة من الآلام والتضحيات التي يتكبدها الشعب اليمني والمستضعفون، وبمقدمتهم الأنصار.
إن هذه اللحظة الموجعة، تشبه تلك اللحظة التي عاناها الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي وحركته وأنصاره في نهاية الحرب العدوانية الأولى، والتي كانت تبدو أنها نهاية قضية ومرحلة بحسابات الكلاسيك العسكري السياسي الحاكم، لكنها خيبت كل تقدير من ذلك النوع، وتحولت إلى محطة اندفاع ثوري هائلة تشبه نتائج استشهاد الحسين الأول في كربلاء التي بدت ظاهراً كأنها صارت هزيمة عسكرية للقضية ولصاحب الدعوة الثورية النبوية ودعوته ومسيرته، لكن التاريخ انجلى عن تغيرات زلزالية شملت العالم الإنساني والإسلامي إلى الآن، وما زالت تداعياتها لم تتوقف، وتولد وتخلق ظواهر جديدة من الرفض الثوري والتضحية ومواجهة الظلم والاستبداد والانحراف عن الصراط القويم، وبعد أن كان الحسين ومعه بضعة عشر من رجال الحق يواجهون ألوفاً من جحافل الطغيان، يسقطون وهم يقاتلون وتذر رماد أجسادهم في اتجاهات الأرض الأربعة تسفها الرياح والعواصف فوق رمال الصحراء العربية وبواديها، فإذا بالأرض نفسها التي شهدت المجزرة الرهيبة، وامتصت دماء الأبطال المجاهدين في أعماقها، تنبت من جديد آلاف وآلاف الرجال الذين نهضوا بالقضية، وتحملوا مشاق المسيرة، وواصلوا حمل الأمانة، فما وهنوا ولا سكنوا ولا هانوا.
إن روح القديسين تتملك الرجال الأقوياء الأوفياء في مسيرات الاستخلاف والتمكين، وتنتشر بينهم كمشاعل نار مقدسة تشبع القلوب والنفوس، لا تنطفئ أبداً مهما أظلمت الأكوان واكفهرت الأزمان واغتمّت الاتجاهات والأحوال، فهؤلاء القديسون يصبحون أرواحاً تمشي على الأرض وتطير في السماء وتغشى النفوس والعقول وتخالط الدماء والمهج والمشاعر وتسمو فوق كل التحديات والعقد والعقبات.
إن روح الحسين قد انتشرت على ملايين وملايين المسلمين والبشر، وهي اليوم تغدو مركزاً للباحثين عن العدالة والحق والخير والتحرر والاستقلال والانعتاق من الاستبداد والاستعباد، وهي نفس الروح التي أنجبت الحسين الأول والثاني، وهي التي أنجبت الشهيد الصماد وآلاف آلاف الصماديين الأحرار الشغوفين بالكرامة والتحرر، إنها روح قوة وفداء وعزم وإباء وثبات ووفاء وولاء للحق، ولم ولن يفلح العدوان في إضعاف جذوة هذه الشعلة المقدسة، بل إن أعماله المتوحشة تزيدها أواراً وقوة واندفاعاً حتى تغدو طوفاناً وإعصار نار تعصف بدماء الطغيان وعروش العدوان.

أعاصير الدم
كما أحرقت جريمة قتل الإمام الحسين سبط الرسول الأعظم، في كربلاء، كيان الطغيان الأموي، واجتثته من جذوره، وكما أن جريمة اغتيال الشهيد الحسين الحوثي قد أحرقت الطغيان الصالحي والإخواني، واجتثته من جذوره؛ فإن جريمة اغتيال الشهيد الصماد سوف تحرق الطغيان السعودي الأمريكي، وتجتثه من جذوره، وهذا وعد من الله، والله لا يخلف وعده أبداً.
لقد شكل اغتيال الصماد لحظة تحدٍّ واندفاع ثوري في مواجهة العدوان المتهاوي على عروشه في كل الجبهات، المدعوم من كل القوى الرجعية الامبريالية الاستعمارية في العالم.
 
الحرب القذرة الجديدة للعدوان
بوصول العدوان إلى اغتيال الشهيد الصماد تكون الحرب العدوانية القذرة قد دخلت طوراً جديداً، وارتدت شكلاً جديداً من الأشكال يختلف عن الأشكال السابقة.
وتضفي هذه الحرب على العدوان الطويل أبعاداً استراتيجية وتكتيكية جديدة تتجاوز اللحظة الراهنة وما خلفها من آفاق وأبعاد إلى مسارات جديدة أشد تعقيداً وخطورة وشمولاً واتساعاً.
تتراجع لعبة السلام، وتتوارى خلف دخان المدافع ونيران الصواريخ التي تتأهب لتنطلق في كل اتجاه، خاصة وأن العدو لا يراعي قاعدة أو نظاماً أو عرفاً، وخرق كل قواعد الحروب وأخلاقياتها بأبشع الممارسات الإجرامية القبيحة.

سلام استسلامي مستحيل
إن السلام صار مستحيلاً مع هؤلاء الهمج والمتوحشين والغيلان بعد الآن، ولم يعد أمام اليمنيين سوى المزيد من القوة والوحدة والصمود وتسعير الهجمات والضربات بلا هوادة. ومن لا تقنعه الكلمات تقنعه الضربات، ومن كان متردداً سوف تحيده الصواريخ وتجلي بصيرته.
كما أن العدو قد أصبح يشعر بالإحباط من استمرار الحرب والهزائم المصاحبة لها، وفقدانه الكثير من المواقع والمناطق التي كان يسيطر عليها بداية العدوان، ويتعاظم ذلك كلما استمر تقدم الجيش واللجان ونجحت ضرباته الصاروخية المؤلمة.
لقد كانت الأشهر الأولى للعدوان توحي بأن العدوان يحقق بعض أهدافه، لكنه منذ نهاية العام الأول أصبح الاستمرار في الحرب يشكل خسارة كبيرة تشتد كلما استمرت دون تقدم يحرزه، وتتحول إلى تراجع وتخلٍّ عن الأرض والمواقع السابقة التي كان قبل العدوان يسيطر عليها، مما يعني الهزيمة المحققة له، ولذلك انتقل العدو إلى التفتيش عن أساليب جديدة من أساليب الحرب السرية، ليعدل بها موازين القوى على الأرض.

تصدعات على الجبهات الدولية للعدوان متواصلة
إن المستجدات السياسية والاستراتيجية والجيوسياسية في المنطقة تتجه إلى تصديع وحدة مجلس الأمن والمؤسسات الدولية التي كانت قائمة نسبياً في عهد أوباما، وأمكن خلالها تمرير العديد من قرارات العدوان في ظل سكوت وتواطؤ القوى الأخرى الدولية المنافسة، والتي يهمها الآن في ظل الصراع الحاد في الإقليم وخسائر متوالية للأمريكي الغربي في مواجهة محور المقاومة، يهمها أن تضغط بدورها لتوازن قواها مع الغربيين، ومن ثم فإن القرارات السابقة لم يعد ممكناً الاستمرار بالاستناد إليها بشكل دائم نتيجة لتجاوزها من قبل أوضاع قوات الجيش واللجان الشعبية التي تفرض الآن معادلات جديدة تقوم على تقدم واختراق الحدود القديمة وتغيير القواعد السابقة.

الأبعاد الاستراتيجية للحرب القذرة الجديدة
جاءت جريمة اغتيال الصماد على خلفية خسائر وانكسارات الزحوف العدوانية في كل الجبهات، واتجاه العدوان إلى تراجع وتقهقر شامل للعدوان على الصعيد العسكري، وتآكل قواته ومرتزقته، واستنزاف إمكاناته المالية والعددية التقنية، وتصدع صفوفه وبنيته الداخلية والأسرية، وتفاقم تناقضاته ومشكلاته، ومفاقمة عجزه عن إنهاء الحرب بالشروط التي تلائمه هو، وتكرس النهب للثروات والاحتلال للبلاد وضم وسلخ أجزاء منها وإخضاع الأمة لمشيئته وهيمنته وتحقيق أهدافه.
كما جاءت بعد فشل المؤامرة العفاشية الداخلية في ديسمبر الماضي 2017م، وتحطيم قواها العسكرية الأمنية، وبعثرة قواها السياسية وتمزيقها، وتحطيم المشروع السياسي التآمري الاستسلامي الذي اعتمده عفاش ومجلسه التشريعي كممثل للسلطة الشرعية التاريخية الوحيدة التي يراهن عليها العدوان ومازال إلى الآن.
كما أنها جرت إثر نشاط سلامي تم إطلاقه من جانب الأمم المتحدة ومبعوثها الجديد استجابة لرغبة العدوان وحاجته للوصول إلى هدنة مؤقتة توقف اندفاع الجيش اليمني في عمق العدو، وتمنح العدو اتساعاً لالتقاط أنفاسه وإعادة تنظيم صفوفه، واعتقدوا أنهم سيحققون هذا الجزء الأخير بانعكاسات الاغتيال التي اعتقدوا أنها سترتد على الوضع السياسي بالعاصمة والوحدة الوطنية والاختلالات والكوارث التي ستقع إثر الاغتيال! والعكس هو ما حدث.
كما تأتي على خلفية اشتداد التصعيد الحربي في الساحل الغربي وفي الشمال على الجبهات الحدودية، والتهديد باجتياح الحديدة وكل السهل التهامي المشرف على البحر الأحمر، واشتداد المعارك حول المخا وميدي والجبهات الحدودية، وتقدم الجيش اليمني في مأرب والجوف وما وراء الحدود، والتي ترافقت بهزائم للعدو قاسية على مستوى المنطقة.

في الداخل 
لا شك أن العدو لم ييأس تماماً من الرهان على الاختراق في الداخل الوطني، وهو بالتأكيد مستمر بدأب للتخطيط للاختراق وتوسيع شبكته وإعادة بناء ما تم تفكيكه خلال السنوات الأربع الماضية. فمنطقياً، تجري المعارك على أكثر من جانب، أهمها العسكري والأمني، وطالما يفشلون في العسكري سيزداد جهدهم في الجانب الاختراقي الأمني.
إن العدو بدرجة رئيسية لا يزال يراهن على الجهاز القديم للإدارة، وعلى قوى لا تزال تدعي أنها مع الوطن وتشغل مواقع هامة، وتنتظر فقط الفرصة السانحة للانقلاب والتلاعب بدائرة القرارات ما أمكن أو التشويش عليها على الأقل.
والتسوية السياسية المفترضة وفق منطق العدو ومصالحه، ستعتمد في الترويج لها على باقي البنية الداخلية البيروقراطية التي لم تتطهر بعد، وهناك الكثيرون ممن تعتمد مصالحهم على تسويات يفرضها العدو لأنه سيضمن بقاءهم، فلا مصلحة لهم من استمرار المواجهة حتى آخرها، أي حتى النصر الوطني الكامل، لأنها مصالح قائمة على انتقاص السيادة ونفاذ اليد الدولية وأسواقها في الداخل.