حاوره / صلاح العلي/ لا ميديا

حول آخر التطورات ومآلاتها وخلفية الواقع الراهن في حضرموت، تحدث معنا الباحث في الشؤون الحضرمية الدكتور محمد سقاف الكاف، عضو الهيئة العليا للإفتاء بالجمهورية اليمنية. في الحوار، يلفت ضيفنا إلى وضع المحافظة، لكونها واقعة تحت التقاسم الاحتلالي من قبل الرياض وأبو ظبي، وكيف تدفع هذه الجهات، عبر المحافظ الموالي لها، لتوطين التكفيريين كجزء من السلطة واعتماد هيئات تابعة لهم كـ(دار الحسبة) الداعشية.. وعن وضع الصوفية، يؤكد الدكتور الكاف أن الإدارة الأمريكية فرخت تياراً أو أكثر من المتصوفة تحت مسمى (الإسلام المعتدل) لتوظيفه في مشاريعها الصهيونية. وضمن طروحات كثيرة، يعود ويؤكد ضيفنا أن المستقبل القريب يحمل انقلاب الوضع الذي لن يتيح البقاء للمحتلين في حضرموت، معتبراً أن الحل الملائم لحضرموت وكل المحافظات الجنوبية واليمن عموماً، يكمن في الوحدة اليمنية والهوية الواحدة، ضمن نظام اتحادي عادل... وإليكم الحوار. 

بروز داعشي بقرار رسمي
 بعد 3 أعوام من العدوان والاحتلال، كيف يمكن أن تصف لنا وضع حضرموت؟
حضرموت تقاسمها المحتلون، فواديها وصحراؤها بيد الاحتلال السعودي، وساحلها بيد نخبة الإمارات، والأهالي يعانون من ندرة التيار الكهربائي وانعدام الخدمات الأولية...، إضافة لوجود مترقب للدواعش والتكفيريين يخشى بروزه في أية لحظة، بل إن من الوارد خلال الأيام القادمة إصدار المحافظ (فرج البحسني) قراراً بإعادة ما يسمى (دار الحسبة) أو (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) يتقدمها الضابط الإصلاحي التكفيري (فهمي محروس) ودعم التكفيري الوهابي (عبدالله يحيى الأهدل)، وهذا مما يؤذن بالعودة الداعشية بشكل رسمي وتجديدي.
أهل حضرموت بطبيعتهم المسالمة والوادعة من قديم الزمن، وكما قال مروان بن أبي حفصة عنهم:
وأقعوا على الأذناب إقعاء معشرٍ
يرون لزوم السلم أبقى وأودعا
فلو مدت الناس إلى الحرب أكفهم
لكفوا وما مدوا إلى الحرب إصبعا
ولعله يكون حال الكثير كما قال الإمام الحسين السبط عليه السلام: (الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم، فإذا مُحّصوا بالبلاء قل الديانون).

 لكن هل ذلك يعد سلماً ووداعة أم حالة انهزام واستكانة ومهادنة مع الموت؛ باعتبار أن فطرة الناس جبلت على المقاومة؟!
إن ما مر به الحضارم -وهم في بيئة طاردة كما يسميها ابن خلدون: بلاد الوحوش- من ولاة جور وعسف جعلهم في حالة الهجرة الدائمة أو الخنوع والتواؤم مع السلطات. وهذا استقراء تاريخي وليس قاعدة منضبطة، فقد حصلت عدة خروقات واستثناءات لهذا الاستقراء.

لن يطول الاحتلال
 العدو يعيث فساداً واحتلالاً ونهباً في حضرموت... والحال ذاته مع سقطرى! لكن لماذا الوضع مستتب له هناك وكأنها أرض بلا شعب؟!
كما أسلفت لكم سابقاً أن طبيعة (الحضارم) من الناحية السيسيولوجية العامة منذ أمد بعيد ميالة للمسالمة والدعة. لكن لا نستطيع أن نغفل الإضرابات الأخيرة من فترة لأخرى ضد المحتل وإدارته، لأن الخناق قد ضاق من هذا الاحتلال الأهوج وزبانيته ومرتزقته، وظهر فسادهم المطلق وعجزهم الكلي أمام السيول والأعاصير الأخيرة، فقامت العديد من الهبّات والاحتجاجات في مدن الساحل الحضرمي، خاصة عاصمة المحافظة مدينة المكلا.
يبقى أن المحتل لا يعنيه ذلك، فما يهمه هو تصدير النفط والغاز تحت مرأى ومسمع مرتزقته، واستغلال السواحل ذات الثروة السمكية الغزيرة لمصالحه، ولا تتعجب إذا رأيت منتجك السمكي اليمني في الأسواق العالمية وقد كتب عليه إنتاج دولة الإمارات العربية المتحدة، في ظل منع الصياد الحضرمي من الاصطياد في مياه بلاده التي هي حق له، بل واعتقال الصيادين والتنكيل بهم بشكل يندى له جبين كل يمني غيور، بل أي إنسان حر.
لكن أؤكد أن هذا الأمر لن يبقى أو يدوم طويلاً، ففي القريب ولعله العاجل، لن يهنأ للمحتلين قرار في كل شبر مغتصب على أرض الجمهورية اليمنية من باب المندب حتى المهرة.

 هل تشير إلى مقاومة مسلحة شعبية ستندلع ضد المحتل؟!
هذا شيء مؤكد، بل قانون حتمي، أن ابن اليمن سيستخدم كل الأساليب الاحتجاجية والاعتراضية والمقاومة المسلحة لكي يطهر تراب وطنه من الدنس الأعرابي الغازي. ومن درس تاريخ اليمن سيجد ذلك جلياً، بوقوع المحتلين بين حجري رحى: المرتزقة والمقاومين، فهذا ليس جديداً أو غريباً على الشعب اليمني في استئصال الأجانب الغزاة من أرضه.

اليمن ضد الغازين دائماً
 تابعتم في عدن ظهور تحركات تندد بالاحتلال الإماراتي، وسبقها تحرك من قوى حراكية تقف ضد احتلال المحافظات الجنوبية. كيف تجد ذلك؟ أهو نوع من الصحوة ضد الاحتلال؟!
نعم، هي صحوة، بل يمكن أن نسيمها وضع اليمني الطبيعي ضد الغازي الذي يجب أن يعلم ويتأكد أن لا مقام له في أرضنا، وأن من كانوا معه بالأمس كمرتزقة هم أول من سيوجهون إليه نصال المقاومة ورصاص التطهير هناك. فلن يدوم له قرار على اليمن.

أبناء حضرموت بين مهادن ومسالم
 أنتم  كرموز للطريقة (الصوفية) في تريم وحضرموت، لماذا لا حراك إزاء ما يجري من قبل حركة عرفت بمقاومتها الاحتلال؟
أولاً الرمزية لو وجدت للصوفية لحلت العديد من المشكلات.. إن المنهجية السائدة في المدارس أو الطرق الصوفية مقاومة الغزو الأجنبي (الكفار أو الفرنجة)، ولقد ذاق المستعمرون بيد أبناء الزوايا والطرق الصوفية في العالم العربي والإسلامي مُرّ المقاومة.
أما مقاومة الحاكم الجائر أو الظالم فلا يلجؤون إليه في الأغلب إلا عبر قواعد المناصحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع أن لحضرموت تفرداً صوفياً نادراً في هذا المضمار، حيث ثار أحد كبار أئمة الصوفية في حضرموت، وهو الإمام طاهر بن حسين بن طاهر باعلوي، مقاوماً ومجاهداً ومقاتلاً لظلم الدويلات اليافعية التي كانت حاكمة لحضرموت في عصره، وكان الإمام طاهر يقدم للدرس من يتقدم في الرمي.
لكن اليوم من ضبابية الصراع وتعدد الفرقاء أصبحت ألباب الكثير حائرة، والبوصلة المرشدة مفقودة، لكن الكل يعلم أن القوات الغازية ظالمة جائرة ومحتلة غاشمة، وهناك أصوات حرة ووطنية تصدع بالحق دون تردد أو تلكؤ، وهناك من يتعامل مع واقع الإدارات المحلية لاستمرار المعاش، وهناك فصيل آخر مكرس ومنفذ لأجندات وأهداف المحتل.

تيار صوفي أمريكي
 هل يمكن أن نقول إن الصوفية اخترقت، وإن واشنطن فرخت تياراً صوفياً أمريكياً على غرار الوهابية، لاسيما وأنها تبحث بدائل أيديولوجية في المنطقة بعد تعري وانتكاس الوهابية الإخوان؟!
يجب أن نعلم، بداية، أن الوهابية والإخوان هم منتجات الاستعمار الغربي كتنظيم وتوجه، أنشئت لتفريق أمة الإسلام المحمدي المتعايش مع خلافاته دون عنف أو تكفير.
وإجابة لسؤالك، نعم، الولايات المتحدة الأمريكية بمؤسساتها ومنظماتها رعت تياراً أو تيارات صوفية في العالم الإسلامي كصورة مزعومة للإسلام الوسطي الهادف للولاء للصهيونية العالمية والأهداف الغربية، وقد تكون جذور هذا التيار قديمة أظهرت للسطح والمعترك التنفيذي في الآونة الأخيرة، ولقد أوجد الاحتلال البريطاني أشباهاً لهذا في شبه القارة الهندية وشرق أفريقيا، على يد غلام أحمد القادياني وجامعته المتصوفة في الأصل، وتم التصدي لهم صوفياً وإسلامياً، ومن أشهر من تصدى لهم ولدعواتهم الموالية للاستعمار شيخي الإمام المربي العلامة الحبيب أحمد مشهور بن طه الحداد، وشيخه واستاذه مفتي زنجبار الإمام عمر بن أحمد بن سميط.
أما انتكاس الوهابية والإخوان فهو تغير مرحلي قد يعاد توظيفه مرة أخرى.. وكذلك في المعتركات الأيديولوجية، لا يمكن أن تدخل الصوفية ضمن الصراعات، لكن تبقى مدرسة أو طريقة سلام وتعايش مع كافة البشر، وهذا هو الخطاب الذي يطرح الآن للمراقب والمتتبع للأجندة المعمول بها حالياً من قبل دوائر القرار العالمي والإسلامي.

لم تصل إلى المقاومة
  ذكرت أن النهج هو مقاومة الغزاة.. إذن فماذا يعد ما يجري الآن في حضرموت وغيرها؟ أوليس احتلالاً؟!
حضرموت حتى الآن لم تصل إلى درجة المقاومة، وإن كانت هناك احتجاجات مطلبية، لكن الأمر سيتعزز مستقبلاً أسوة بغيرها من المحافظات. ولا ننسى أن حضرموت إقليم يعاني من اتساع المساحة مقابل قلة عدد السكان.
وقد تحدث ظواهر انتقامية بسبب العائدين من نجد والحجاز، الذين خسروا عناء غربتهم في تلك الأراضي بفعل الإتاوات السعودية الباهظة المجحفة جداً. وقد تتبلور هذه الرؤية قريباً جداً وتكون رافداً للجبهات ومناجل اجتثاث الاحتلال إن شاء الله.

متلبسون بلباس التصوف
 هناك قول بأن الصوفية انزلقت من نهجها المقاوم والعرفاني المتصل بالواقع إلى فضاء التجريد والدروشة، ومن الزهد إلى حياة الثـراء والمداهنة السياسية.. ما تعليقكم؟!
يبقى لنا في وصف الثوابت والأفكار لا الأتباع والمريدين، ويحضرني في هذا كلمة للشيخ محمد عبده في كلمته لبعض المستشرقين الفرنسيين: إذا أردتم أن تفهموا الإسلام فلا تنظروا للمسلمين، لأن المسلمين في الواقع لا يمثلون الإسلام.. كذلك التصوف هو مسلك نقي من العرفان والسلوك والاتباع لحقائق الشرع والارتشاف من لب لباب الإحسان والتنور بنور الهدي النبوي بعيداً عن الأهواء وحظوظ الأنفس الأمارة بالسوء أو السبعية أو اللوامة، فترتقي بالذات والنفس إلى مراتب عالية وسامية.
أما إذا رأيت من تلبس بلبوس التصوف ادعى أنه من طريقهم وهو متلبس بالشهوات وموالاة أعداء الإسلام وأذنابهم تحت مسميات (تغير أو تحولات المرحلة) أو الانغماس مع ولاة الجور والظلم وموالاة الاستكبار العالمي المتمثل اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني؛ فهذا ليس من التصوف ولا من الإسلام في شيء. ومن ظهر بهذا الشكل متصنعاً، فهو أداة من الأدوات التي تنفذ مخططات مدروسة لمؤسسات الاستكبار العالمي.

الصوفية سفير حضرموت
 في هذا السياق، من الذي يؤثر في الآخر، الصوفية أم المجتمع الحضرمي؟
الصوفية الحضرمية أثرت خارج مجتمعها أكثر من تأثيرها في مجتمعها، وذلك لعدة عوامل منها:
- تقبل القلوب والنفوس من الصعوبة بمكان، فحضرموت كمجتمع في الأصل بدوي أعرابي له تكويناته المادية البحتة البعيدة عن سمو الروح وارتقاء النفس والانضباط للشرائع السماوية والانقياد لها.
- أن التقبل لنفسية الأعراب بشكل عام هو ما يسميه الشيخ محمد الغزالي (الفقه البدوي)، وتتجسد في الوهابية التي استقطبت وتستقطب الكم الأكبر من مكونات العقل الجمعي الأعرابي القابع في مجمعاتنا.
لكن الصوفية لن تتلاشى من حضرموت مهما طغت كثير من الأفكار والتوجهات، والتصوف الحضرمي هو سفير حضرموت بل اليمن وحتى العرب في خارج محيطهم سواء في جنوب شرق آسيا أو شرق أفريقيا، فهنا يتجلى سمو المنهج ورقي الأتباع والمريدين.

الوحدة صمام أمان
 في ضوء الحديث عن مفاوضات قادمة وتسوية سياسية... ما شكل الحل الناجع الذي تتصوره للقضية الوطنية عموماً والجنوبية وحضرموت خصوصاً؟
لا يوجد حل للجنوب كصمام أمان له سوى الوحدة اليمنية في ظل نظام عادل، وقد يكون نظام دولة مركبة في نظام اتحادي حلاً ناجعاً للأزمة، لكن قبل كل ذلك خروج الاحتلال الأعرابي، لأنه لن يكون هناك حلول قبل مغادرة هذه الشراذم أرض اليمن وحضرموت التي دنسوها، وكف أيادي أدواتهم وأزلامهم عن طرح خيارات لا تصب في مصلحة الوطن اليمني والشعب اليمني أرضاً موحدة وشعباً واحداً بأخوة وطنية وإسلامية نقية، ورفض كل صور التمزق والتشرذم والتفكك للأرض اليمنية أو المواطنة اليمنية.



الوارد بالأيام القادمة إصدار المحافظ (فرج البحسني) قراراً بإعادة ما يسمى (دار الحسبة) يتصدرها الضابط الإصلاحي التكفيري (فهمي محروس) ودعم التكفيري الوهابي (عبدالله يحيى الأهدل)




السيرة الذاتية
محمد بن سقاف بن علي الكاف، ولد في تريم حضرموت 1975م.
نشأ في المدينة المنورة، وتلقى تعليمه على يد مشائخ العلم والتربية والسلوك في اليمن والحجاز ومصر والشام.
حصل على بكالوريوس الشريعة الإسلامية في الأردن، وماجستير ودكتوراه الفقه المقارن في مصر.
عضو الهيئة العليا للإفتاء بالجمهورية اليمنية.
شارك في العديد من المؤتمرات والورش البحثية في اليمن وخارجه.
له عدة مشاركات بحثية وعلمية.