ترجمة خاصة لـ موقع لا ميديا: محمد زبيبة

بقلم : مات تيبي
موقيع رولينج ستون الاخباري
ما تسميه الأمم المتحدة بالأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم هو اجتماع لمحظورات إعلامية أمريكية

(بحسب تحذيرات منظمة تشاريتي, اليمن على حافة تفشي وباء كوليرا جديد. وتصف التحذيرات بأن التطورات الأخيرة في حرب اليمن الأهلية –خاصة الحصار المحتمل لميناء الحديدة– قد يتسبب في ارتفاع حالات الكوليرا. فقد تم الإبلاغ عن أكثر من مليون إصابة بالكوليرا بين خريف 2016 وربيع 2018 (أكبر تفشٍّ موثق في العصر الحديث). وعلى الرغم من انخفاض معدل الإصابة إلا أن المراقبين الآن يخشون عودة ظهورها) (قناة الجزيرة، الخميس الماضي).
منذ أن بدأ النزاع في اليمن، دُمرت الخدمات الطبية في جميع أنحاء البلد الذي مزقته الحرب، والأطفال على وجه الخصوص متأثرون منها، فما يقارب 400 ألف طفل يواجهون خطر مجاعة وشيك. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس في أبريل إن ثمانية ملايين شخص في اليمن لا يعرفون من أين سيحصلون على وجبتهم القادمة.
إن أردت أن تحزن حتى الغثيان أنظر إلى هذه الصور التي يظهر فيها أمهات يبكين حاملات لأطفالهن المصابين بسوء التغذية مرددات عبارات مثل: إنني أفقد طفلي وليس هناك ما أستطيع القيام به (تم وضع رابط من قبل الموقع يعرض فيها هذه الصور).
إن كارثة اليمن تشابه سوريا, لكن تغطيتها في الولايات المتحدة كانت متقطعة. فقد قامت شبكة أخبار (بي بي إس) بعمل سلسلة شاملة من ثلاثة أجزاء؛ ولكن قناة أخبار (إم إس ان بي سي), على سبيل المقارنة, بالكاد ذكرت الأزمة خلال سنة قامت فيها بعمل 455 مقطع عن الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز (وفقا لمراسل وسائل الإعلام ادام جونسون).
إن سبب عدم الانتباه واضح: الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية الحقيقية عن الأزمة. فهذا اقتباس لطبيب يمني يلخص هذا الأمر عثر عليه في مقال مراسلة شبكة أخبار (بي بي إس) جين فيرجوسنس: "الصواريخ التي تقتلنا أمريكية الصنع. الطائرات التي تقتلنا أمريكية الصنع. الدبابات... أمريكية الصنع. تقول لي: أين أمريكا؟ أقول لك: أمريكا هي كل شيء".
تختبر حرب اليمن الأهلية قوة المتمردين الحوثيين المدعومون إيرانيا ضد قوى الحكومة المدعومة سعوديا والتي تتلقى أسلحة وغيرها من أشكال المساعدات من الولايات المتحدة, من ضمنها تزويد الطائرات السعودية بالوقود في الجو. ويمكنكم مشاهدة المراسلة فيرجنسن تستعرض في فيديو في قناة (بي بي إس) مجموعة أسلحة أمريكية الصنع تم إلقاؤها على اليمن (منها قنابل عنقودية).
وإذا وضعنا جانبا السؤال المعقد حول من هو على صواب ومن هو على خطأ في هذه الحرب متعددة الأقطاب (التي تشمل القاعدة/ داعش), فإن المدنيين قد أصبحوا أهدافا بشكل خاطئ. حيث وقد تم تدمير مستشفيات ومدارس ومساجد ومواقع غير عسكرية أخرى دون تمييز. 
وكما تشير (هيومن رايتس ووتش), فإن قوات التحالف السعودي استخدمت الذخائر العنقودية (أمريكية وبريطانية الصنع), واستخدم الجانب الحوثي الألغام الأرضية المضادة للأفراد. وقد حظرت المعاهدات الدولية هذه الأسلحة.
في نهاية المطاف، أصبحت الكارثة الإنسانية الإضافية والتي نمت من الحرب قصة مميزة في حد ذاتها. وتقدر الأمم المتحدة عدد النازحين بأكثر من مليونين، مع أكثر من 22 مليون شخص "محتاجين". ومع ذلك، لا تزال الأزمة اليمنية تلقى القليل من الاهتمام، وهذا على الأرجح لأنها تمثل سلسلة كاملة من المحظورات الإعلامية الأمريكية.
فالضحايا هم من الفقراء غير البيض من بلد بعيد في العالم الثالث. كذلك، فإن تدخلنا انحايزي بطبيعته، وهو الذي تتبعه قنوات التلفاز المشبوهة (سياساتنا في المنطقة تعود إلى رئاسة أوباما، واستمرت تحت ترامب).
أيضا، إن تغطية القصة بالتفصيل سوف يتطلب التنقيب في علاقتنا البغيضة مع الحكومة السعودية ذات السجل الفظيع في مجال حقوق الإنسان.
زاوية مظلمة أخرى: منذ فترة والولايات المتحدة تقوم بعمليات بدون طيار في اليمن. وقامت رولينج ستون بتوثيق قتل بلدنا الخاطئ للإمام سالم بن علي جابر المناهض للإرهاب.
لكننا لم نزود بعد أيًا من شركاء التحالف المعادين للحوثيين بطائرات بدون طيار. والسبب، ظاهريًا هو أن الولايات المتحدة لا تبيع طائرات بدون طيار إلا إلى الدول التي "ستستخدم هذه الأنظمة وفقًا للقانون الدولي". لذلك يمكننا بيع طائرات (F-15) في المملكة العربية السعودية، ولكن ليس طائرات بدون طيار - على الأقل ليس بعد.
لكن هذا قد يتغير قريبا. فقد قام الصينيون بتزويد كل من السعودية والإمارات بطائرات بدون طيار، والتي ورد أنها استخدمت في هذه الحملة.
وقيل إن إدارة ترامب، التي ربما كانت مرعوبة بشأن خسارة الحصة السوقية، تدفع باتجاه تخفيف القواعد التي ستسمح ببيع تكنولوجيا الاغتيال التي نستخدمها دون طيار لدول مثل السعودية.
إن بيع تقنية الطائرات بدون طيار إلى حكومات العالم الثالث القمعية هي الخطوة المنطقية التالية في انزلاق أمريكا في مجال حقوق الإنسان. إن السماح للدول الوحشية بملء سمائها بطائرات بدون طيار سيزيد بشكل كبير من عنف الدولة في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى تشجيع الأنظمة على شن الحروب في البلدان المجاورة. ويمكن أن تصبح اليمن الأولى في هذا التطور.
في النهاية، تمثل اليمن مثالاً تقليديًا لما وصفه نعوم تشومسكي وإدوارد هيرمان عند مراقبتهم للإعلام الأمريكي في تعامله مع الأخبار بنوع الضحايا على أنهم (ضحايا يستحقون الذكر أو لا يستحقون الذكر). فالنظرية الواضحة تؤكد أن العنف الذي ارتكبه الأمريكيون أو من خلال عملائهم، لن تتم تغطيته كما تتم تغطية الأفعال المتطابقة التي ترتكبها دول الخصم.
لهذا فقتل كاهن بولندي من قبل الشيوعيين في عهد الرئيس ريجان كان (ضحية تستحق الذكر)، بينما قيام فرق الموت اليمينية المدعومة أمريكيا, في نفس تلك الفترة, بقتل مجموعة من الكهنة والراهبات كانت (ضحايا لا يستحقون الذكر).
تتصف اليمن بوجود أشكال عديدة للقتل الخاطئ، ويفتقر إلى زاوية محايدة مفيدة، ولا تعتبر عناوينها المتوهة في عهد ترامب, بصراحة, فكرة أحد. فحتى تصبح لعبة سياسية يستفيد منها شخص أو حزب مؤثر، فإن هذه الكارثة ستبقى على الأرجح آخر القضايا.
 26 يوليو 2018