شايف العين / لا ميديا

منذ أن بدأ العدوان الأمريكي السعودي على الوطن في 26 مارس 2015، ارتبط صمود أبناء الشعب ومعاناتهم بعجلة الأيام، حيث يزداد الصمود باستمرار المعاناة في ظل القصف والحصار الذي تجاوز عمره 3 أعوام ونصف العام. فالتحالف المعتدي لم يكتف بقتل المواطنين ونهب ثروات البلد وحصارهم، بل امتد في عدوانه ليشن حرباً اقتصادية استهدفت معيشتهم وأساسياتهم الغذائية ابتداء بقطع رواتبهم وصولاً إلى ضرب العملة وإضعاف قدرتهم الشرائية.. وقبل أسبوعين شهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً مفاجئاً تزامن مع ارتفاع قيمة الدولار أمام العملة المحلية، ما دفع كثيراً من الناس إلى العزوف عن سلع أساسية في مائدتهم كالبقوليات المعلبة بأنواعها والبيض، غير أن ذلك لم يكن السبب الوحيد لموجة الغلاء، فهناك أسباب أخرى ضلع فيها التجار والجهات الرسمية في حكومة الإنقاذ نسردها في هذا التقرير.

المواطنون يعزفون عن أساسيات غذائهم
تركنا الفاصوليا والبازلاء والبيض المصنوعة عندنا لبني سعود وعيال زايد ولتجارها الكبار ينعمون بأكلها وإحنا وأطفالنا يكفينا الخبز اليابس لمواجهتهم، هكذا تحدث علي محمد الدعيس (43 عاماً) الذي يعيل أسرة مكونة من 9 أشخاص، عندما سألناه عن ارتفاع الأسعار.
وأكد الدعيس أن معظم المواطنين كانوا يتوقعون ارتفاع أسعار المواد الغذائية في ظل ارتفاع الدولار، كما أن استمرار العدوان والحصار وفشله العسكري في هجمته الأخيرة على مدينة الحديدة، دفعه إلى محاولة تعويض هذا الفشل باستخدام الورقة الاقتصادية، أي استهداف معيشة الناس. مستغرباً ارتفاع أسعار السلع المنتجة محلياً كالبقوليات والبيض.

تفاوت أسعار السلع عند التجار يثبت تورطهم
ارتفاع أسعار المواد الغذائية في السوق المحلية أمر حتمي يقوده ارتفاع الدولار، لأن اليمن بلد مستورد ويعتمد لتوفير معظم احتياجاته إن لم تكن كلها من الغذاء والدواء والوقود على الأسواق الدولية المتعاملة بالدولار. وأضاف المحلل الاقتصادي رشيد الحداد في حديثه لـ(لا) أن تدهور سعر صرف العملة الوطنية أمام الدولار إلى مستويات مخيفة يؤكد وجود مخطط لإحداث انهيار اقتصادي شامل يفقد الريال قيمته الشرائية، وتبعاً لذلك ترتفع أسعار المواد الأساسية بنفس نسبة ارتفاع الدولار، وهذا هو الوضع الطبيعي.
واستثنى الحداد في تصريحاته السوق اليمنية من ذلك الوضع، وأفرد لها خصوصية تمثلت في أنه عندما تتدهور أسعار صرف العملة تأخذ أسعار الغذاء بالارتفاع بسعر يفوق المتغير في السوق، ولذلك يُلاحظ وجود تفاوت في الأسعار من تاجر لآخر، فالبعض يبيعون بأسعار مرتفعة جداً، بينما البعض الآخر يعمد إلى تخفيض نسبة بسيطة تكاد لا تذكر من قيمة السلعة لغرض ترويجي فقط، وفي النهاية الجميع يبحث عن تحقيق مصالحه والإثراء على حساب المواطنين البسطاء واحتياجاتهم.
وعن كيفية مواجهة هذا الأمر شدد المحلل الاقتصادي الحداد على أن القضية حالياً بأمس الحاجة إلى تصعيد الدور الرقابي للجهات الرسمية في حكومة الإنقاذ على الأسواق التجارية وضبط المضاربين بالأسعر سواء من تجار المواد الغذائية أو الصرافين.

التجار يعلقون على غلاء السلع الغذائية 
تاجر المواد الغذائية سامي ضيف الله (اسم مستعار) يكشف أن ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الريال هو ما دفعهم لرفع أسعار المواد الغذائية بعد أن أبلغهم كبار التجار بأن سعرها سيتغير كونه يخضع لتضارب سوق العملة، ويعتمد بدرجة رئيسية على الاستيراد من الخارج.
ضيف الله الذي رفض أن يذكر اسمه الحقيقي أكد أن لدى كبار التجار ما هو أشبه بغرفة عمليات يديرون من خلالها سوق المواد الغذائية ويتواصلون بها مع التجار الأصغر منهم. 
التاجر سامي برر رفع أسعار المواد والسلع التي تتوفر بكثرة في مخازن التجار بحفظ رأس مالهم من النقصان، بحيث لو بيعت البضائع بعد ارتفاع سعر الدولار بالسعر الذي كانت عليه قبله فلن يتمكنوا من استيراد ذات الكمية التي قاموا ببيعها كون الفارق سيختلف. مطالباً الجهات الرسمية في حكومة الإنقاذ بوضع خطط لمواجهة انهيار العملة المحلية والحفاظ على سعر صرفها أمام الدولار إذا ما أرادت بقاء أسعار السلع خارج دائرة الارتفاع.

الحكومة تدافع: الدولار السبب  الرئيسي وليس الوحيد
إن السبب الرئيسي في غلاء الأسعار هو الحرب الاقتصادية التي يشنها تحالف العدوان على بطون أبناء الشعب بحصاره لهم ثم نهبه ثرواتهم وقطعه مرتباتهم وانتهاء عند ضربه عملتهم المحلية أمام بقية العملات، علّه يرغمهم على الخضوع والانكسار تحت وصايته، أو على الأقل توجيه إصبع الاتهام نحو القوى الوطنية المواجهة لعدوانه لإرباك الصف الداخلي وخلخلته بما يخدم مصالحه، لا سيما وأنه أدرك وأيقن بفشله العسكري. 
ولكن هناك أسباباً أخرى تسهم في ارتفاع أسعار السلع الغذائية كتواطؤ التجار وعدم قبولهم بتقديم تضحية بسيطة في سبيل تعزيز الصمود، وهناك سبب أهم وهو تساهل الجهات الرسمية مع اللوبي التجاري الذي يخدم تحالف العدوان من داخل العاصمة صنعاء.
وكيل وزارة الصناعة والتجارة لقطاع التجارة الداخلية منذر الشرجبي، حمّل في تصريحاته لـ(لا) وزارته والقطاع الخاص (التجار) مسؤولية غلاء السلع الغذائية الأساسية. مستدركاً بأن ارتفاع سعر الدولار وتدهور سعر العملة الوطنية لا يبرر هذا الارتفاع الكبير.
حيث قال الشرجبي: (سبب ارتفاع الأسعار هو أن القطاع الخاص تُرك دون ضبط أو رقابة كما يقول المثل (ترك الحبل على الغارب)، وصحيح أن هناك نسبة زيادة في ارتفاع سعر الدولار، إلا أنه لا يبرر الرفع الكبير من قبل التجار لأسعار السلع الغذائية كونها تتكدس في مخازنهم من قبل زيادة سعر الصرف). 
وعن ارتفاع سعر السلع والمواد المكتوب عليها (صُنع في اليمن)، كشف وكيل قطاع التجارة الداخلية أن تلك السلع كالبقوليات وغيرها لا يتم تصنيعها في اليمن، بل تعليبها فقط، فجميع مدخلاتها مستوردة من الخارج كما هو الحال مع أعلاف الدواجن.
وربط الشرجبي توجه الدولة في تسعينيات القرن الماضي إلى عملية خصخصة كافة القطاعات بمبرر إخضاع السوق للمنافسة وتحقيق التنمية، والذي سنت له قوانين دستورية، بغلاء الأسعار اليوم، كونه سلّم رقاب المواطنين لخمسة تجار هم المتحكمون بالسوق من سنة 1997 إلى اليوم، وكان المرجو منهم رفع نسبة التنمية والمنافسة، ولكن لم يتحقق أي منهما، في الوقت الذي لم يتجه البلد فيه إلى التصنيع، بل كان البنك المركزي هو من يوفر لهم النقد الأجنبي ويفتح لهم الاعتمادات المستندية.
وكشف الوكيل الشرجبي قيام الدولة حينها ببيع أكبر شركة يمنية، وهي مؤسسة التجارة الخارجية للحبوب، وإسهام وزارة الصناعة والتجارة بشكل مباشر في بيع الصوامع والمطاحن والمخازن للقطاع الخاص، والتي كانت تحتوي على 300 ألف طن مخزون استراتيجي للبلد تم بيعه بحجة منع الاحتكار.
وتابع حديثه: (ونتيجة كل ذلك أتت المرحلة الخطرة في وقتنا الراهن والدولة لا تملك جهاز إدارة أزمات، ما جعلها عاجزة حتى عن تفعيل الجانب الزراعي). مؤكداً أن الوزارة ستتخذ إجراءات صارمة بحق التجار الذين رفعوا أسعار السلع وكانوا قد استوردوها قبل ارتفاع الدولار وكدسوها في مخازنهم.

المنتجات المحلية بين الإقبال والعزوف
في الوقت الذي تصدرت فيه البقوليات المعلبة قائمة السلع التي نفر منها المواطنون بسبب ارتفاع أسعارها، شهدت نظيراتها المزروعة محلياً ارتفاعاً بسيطاً في الإقبال عليها من جانبهم. 
تاجر الحبوب والبقوليات المحلية محمد الدفعي أكد للصحيفة حدوث ارتفاع بسيط في معدل إقبال الناس على شراء البقوليات المزروعة محلياً في الأسبوعين الماضيين على ما كانت عليه منذ بداية العدوان، خصوصاً الأسر الكبيرة أو ذات الدخل المحدود. وقال الدفعي: (البقوليات البلدية من فاصوليا وبازلاء وفول وعدس أوفر بكثير من المعلبات، وأضمن صحياً، كونها لا تحوي مواد كيميائية صناعية حافظة، فهي تحفظ نفسها ولا تنتهي مهما طالت مدتها، ومع الارتفاع في الأسعار قبل أسبوعين شهدنا ارتفاعاً بسيطاً في حركة سوق الملح بصنعاء القديمة وإقبال الناس لشراء البقوليات بالذات). 
ومع ذلك فما زالت هنالك مشكلة تجعل المواطنين يعزفون عن شراء البقوليات المزروعة محلياً، بحسب التاجر محمد الدفعي، وهي ارتفاع سعر الغاز المنزلي، وأحياناً انعدامه. 
وبين الدفعي علاقة الغاز بذلك بأن البقوليات المحلية تحتاج المكوث على النار وقتاً أطول بكثير من الذي تحتاجه نظيراتها المعلبة، ومع انعدام الغاز وارتفاع سعره يرى الناس أن الأوفر لهم هي البقوليات المعلبة وليس الطبيعية، كونها تستهلك غازاً أقل بكثير.
إن كل هذه المشاكل في السوق المحلية سواء التي لها علاقة مباشرة بتحالف العدوان الأمريكي السعودي كارتفاع الدولار وضرب العملة المحلية، أو التي تتعلق بعدم قيام حكومة الإنقاذ بواجبها على أكمل وجه في ضبط التجار الذين يعملون لخدمة العدوان وتمكينه من تحقيق الهدف الذي عجز عن تحقيقه بسلاح الكون أجمع، لن تثني صمود أبناء الشعب في سبيل استقرار وحرية بلدهم والانفراد بقراره، لكنها تستوجب من المجلس السياسي الأعلى والشرفاء في حكومة الإنقاذ عدم تمكين سواطير الطابور الخامس الموالي للعدو من رقاب اليمانيين وبطونهم، خصوصاً وأن أملهم في القيادة الثورية للخروج بهم إلى بر الأمان كبير.

شايف العين / لا ميديا