قرأت الكثير من قصائد الشاعر الكبير محمد تركي الهلالي بتأنٍّ وشغف، وما إن أنتهي من قراءتها حتى أعود إليها مجدداً، لأنها تحلق بنا على أجنحة المجد والعظمة.
محمد الهلالي امتلك قوانين اللغة الشعرية وأسرارها، وكذلك امتلك قدرة استثنائية في كتابتها. فمن خلال قصائده تبدو شخصيته جلية واضحة الملامح، طموحاً متطلعاً إلى المجد، معتداً بنفسه، مزهواً بشاعريته، عاشقاً لوطنه، وفياً له، داعياً إلى مواجهة العدوان السعودي الأمريكي.
كما أن نفسه المسكونة بالحياة الفضلى، تذكرنا بروح أبي الطيب المتنبي.
حمل الشاعر محمد الهلالي هاجس القصيدة الشعبية، وعمل على تطويرها.
إنه النهر المبدع والصوت الشعري الصارخ في الفضاء اليمني.

غير مقتنع بما قدمته
 4 أعوام من العدوان كان حضورك في الساحة الثقافية فاعلاً ومميزاً من خلال قصائدك المناهضة لهذا العدوان، هل أنت مقتنع بما قدمت؟
أولاً أشكر هذه الصحيفة الغراء التي بالنفي للباطل أتت (لا)، وأشكر كل القائمين عليها. 
وبالنسبة لسؤالكم، فأنا لم أكن مقتنعاً ولن أقتنع بما أقدمه في سبيل الله، سواء اختزل معنى الجهاد العام أم الثقافي منه.

ليست بديلة عنها
 هل من الممكن أن تكون القصيدة الشعبية بديلة عن القصيدة الفصحى؟
لو كانت القصيدة الشعبية موحدة في كل الأصقاع والدول والشعوب العربية التي هي شعب واحد لولا أمريكا وإسرائيل وعملاؤهما من العرب... لكانت البديل... ولكن يستحيل أن تحل محل الفصحى، لتعدد اللهجات في الشعب الواحد، ما بالك بتعددها في الشعوب العربية!

 برز الزامل كثيراً في هذه المرحلة وغابت الأنشودة، برأيك لماذا؟
الزامل هو صوت وحال الساعة الحاضرة، أي ما طرأ من الشأن على الناس في اليمن، ولدى بعض القبائل العربية بمسميات أخرى غير اسم الزامل.
 
شيلات النبهان ديدن الشعراء والمنشدين
 من هو المنشد الذي يجسد كلماتك ويترجم إحساسك؟
المنشد الذي يجسد كلماتي ويعيش وجداني ويعرف إسقاطاتي الرمزية والسياسية في ما أكتب، هو بلا منافس أخي وصديقي المجاهد المنشد العملاق عبدالخالق النبهان، الذي لم نأخذ من بحره إلا قطرة ترنيمة التجديد وبلبل الأشجان، بوح الفحولة وهديرها، منجم الحماسة والنفاسة، والشاعر الإنسان الذي أذهلني بقصائده التي تقرع أجراس التألق والتفرد في زمن التقليد والسير على خطى القوافل ودرهمة آثار من سبق من المبدعين... الخ. نعم، المنشد عبدالخالق النبهان، إن حاولت إنصافه، فهو فخر كل اليمن واليمنيين، تتراقص لشيلاته الدول العربية... وقد كنت شاهداً له على ذلك في استضافتي في مسقط بسلطنة عمان سنة 2016، أيام ملتقى عمان الشعري السادس، حيث صارت شيلاته ديدن الشعراء والمنشدين، كل أيام الملتقى، رغم أنه لم يتكلف إلا دقائق لتلحينها وساعات لإنشادها.
وأعتذر من باقي المنشدين، فهناك الكثير ممن زواملهم لها في الساحة بصمات لا ينكرها إلا جاحد، ولكن ما قلته في النبهان لا يعد كونه شهادة حق لا فضل لي ولا منّة عليها، وهو يستحق أكثر من هذا، لما قدم ويقدم، وكل المنشدين الذين أثروا الساحة بإنتاجهم الإنشادي الرائع، والدليل هذا الجمهور العريض لهم، ولهم مني كل احترام وتقدير.
بصماتهم وتفرداتهم في ما بينهم وعن بعضهم في ما قسّم الله بينهم من ملكات إنشادية وصوتية، فروق فردية لا تخفى على أحد من المتابعين والمستمعين من إرضاء ذوائقهم على اختلافها، وفي الأول والأخير كلهم مجاهدون، وعملهم لله وفي سبيل الله.

 لو لم تكن شاعراً لكنت ماذا؟
لكنت شاعراً؛ لأن الشعر لا يعني الكتابة والنظم وزناً وقافية فقط، فالشعر طفرة الأصالة وبوح الشعور، سواء كتبت أم تذوقت أم حاربت في جبهات الصمود.
لكنت شاعراً بمن حولي، ومستشعراً لما على عاتقي من واجب جهادي في أي مجال أستطيع أن أجاهد أمريكا وإسرائيل ومنافقي العرب المتطاولين في البنيان على شفا جرف الرمال.

ثنائية النجاح
 الكلمة واللحن، أيهما يوصل الزامل أو الأنشودة إلى النجاح؟
كلاهما معاً؛ فالكلمة الجزلة القوية، واللحن الذي يوافق قوة اللفظ ومعناه، يخرجه في أبهى صورة تتجلى الحكمة اليمانية من خلاله على أفنان اليمن الوارفة...

 في بعض الأعمال الفنية يلمع اسم المنشد أو الفنان أكثـر من اسم الشاعر، ألا ترى أن هنالك بعض الإجحاف بحق الشاعر؟
أخي، ما كُتب لله وفي الله ووفق الله له من شعر أو إنشاد أو... أو... فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. 

الشدائد مصنع الرجال
 هل ترى أن شهرة الكثير من الشعراء جاءت نتيجة لارتباطهم بالأحداث الوطنية؟
نعم، ولا عجب في ذلك، فكما يقال: (في الشدائد تعرف الرجال). وكما قلت، أنا في شاعر المليون قبل الإسلام، وأعني ما أقول، قبل الإسلام الحقيقي، وفي أيام هبل واللات والعزى بالوعات العالم العربي وخدام العالم عهراً وفساداً.
إحيا علم أو مت علم وسط ميدان
ما تنجب الأبطال غير الشدائد
فالشدائد تجارب، والرجال مواقف.

 كيف تسلل إليك هاجس الشعر؟ وكيف تمكن منك؟
الهاجس لم يتسلل إليَّ، بل تسلل إليه الجد السابع عشر الهلالي.

إنصاف الآخرين
 هل تعترف بشاعرية الآخرين أم لا؟
نعم، أعترف، ومن لا يعترف بشاعرية الشعراء الذين يزدادون كل يوم ألقاً وتوهجاً وإبداعاً على الآخرين، سيعيش في دائرة مغلقة.

سيوفاً تلمع في سماء اليمن
 ظهر الكثير من الشعراء في هذه المرحلة، كيف ينظر الشاعر محمد الهلالي لأعمالهم وإبداعاتهم؟
أراهم على خيول صهب في إيمانهم، سيوفاً صمصامة تلمع كبروق ليلة يمنية صيفية كتلك الليلة المعروفة في اليمن (ليلة البراقة).

 عندما تكتب القصيدة، هل تحاول إرضاء فئة معينة؟
نعم، وإن لم أكن كذلك فأنا أعيش في عالم آخر ومدينة فاضلة من الوهم والغرور.

الحب هو الحياة
 كيف ينظر الشاعر محمد الهلالي للحب؟ وكيف يعيشه؟
الحب هو الحياة، الحب هو كوثر العاطفة، والعاطفة أعذب الشعر وزلاله، والحب كأسي التي أعتصرها من كرمة أيامي، والحب نسمة تبتسم لي وتضحكني في عابس الأيام. الحب يختال بين جوانحي من يمين وشمال، والحب السماء فوقي والأرض من تحتي ومرتعي عرضاً وطولاً. 

شعراء الفوط الحمراء
 ماذا تقول للشعراء المحايدين إزاء هذا العدوان؟
أقول لهم: يا شعراء الفوط الحمراء، ويا شعراء الوردة المياسة في الروضة الحساسة، لا أعترف ولا أتشرف بكم، وأقسم إني أكره اليوم الذي عرفت فيه أحدكم! التاريخ لن يرحمكم، ولستم بأهل لأن يذكركم إلا في ديوان الثقافة الموقوتة والشلة الممقوتة.

 هل لك دواوين شعرية مطبوعة؟
لا.

لا حجاب بيني وبين القصيدة
 ما هي طقوسك الخاصة لكتابة القصيدة؟
كل وقت. فضل من الله متى ما أريد، فليس بيننا حجاب. 

 عمل شعري تعتز به كثيراً؟
كل ما كان ضد العدوان فهو فخر لي ولأولادي وأحفادي.

 هل يلعب الحضور الطاغي لبعض المنشدين دوراً في إظهار الشاعر؟
لا... الشعر يبقى في ذاكرة الزمن، والغثاء يذهب جفاء، ولو خدمته الظروف لفترة معينة أو ترويج معين. فالشاعر حينما ينظم الشعر نظماً فإن الزامل أو الإنشاد قد يسوقه بحسن الصوت والأداء، لكنه سيطوى بعد ذلك كطي السجل إلى حيث لا يعود أبداً.

 ما الذي يبكيك؟
لا أبكي؛ لكن إن بكيت سأبكي على من لا يزال منا لا يعي ما يدور ويدار علينا من عدوان الداخل والخارج...

 كلمة أخيرة؟
الله أكبر 
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل 
اللعنة على اليهود 
النصر للإسلام.