عفاف محمد / لا ميديا

في رائعة جديدة للشاعر المتألق العملاق أمين الجوفي برزت معالم صاخبة للوحة بديعة، اجتمعت فيها قوة وشموخ الكلمة للشاعر وفخامة الصوت للمنشد.
أبدع الشاعر الجوفي بكلمات قصيدته في زامل (كلمة واحدة) التي أكّد فيها على فرادته، حيث بسط كفَّ بلاغته في بساطة وعدم تكلف، فانبثقت كلمات كأنما هي سهم يرمى أو سيف يضرب.
والمعروف عن الشاعر أنه برع في الشعر وتفجرت قريحته معاني تفيض بقيم الإسلام ومثاليته الروحية، ممتلئة بمفاخر اليمنيين على مر التاريخ.
ولطالما رويت له أشعار تنم عن مدى إيمانه العميق ووعيه الرشيد، مقتبساً أفكاره ومستلهماً إبداعاته من أنوار المسيرة القرآنية.
بلغ الجوفي مبلغاً عظيماً في الشهرة الشعرية لأنه من أشعر الناس الذين يحترفون تصوير المشهد بشكل فني دقيق حتى لكأنما أبياته صور ومقاطع فيديو.
ولجمال تلك الكلمات وقوتها الهادرة، فقد نفذت إلى القلوب بسهولة ويسر، كونها تحكي الأمجاد التليدة لأهل اليمن وتاريخهم العريق، وكون لحنها قريباً من النفس، مستمداً من لحن زامل (أحلف برب العرش) الذي غزا القلوب، وهو للمنشد المتألق (عيسى الليث).
ويجد المستمع لهذا الزامل شعراً حافلا بالوجدان، منظما، يمتاز باخضرار الرؤية، وجمال التلاحم، والسبك.
وقد عمد الشاعر من خلال أبياته المزلزلة إلى مخاطبة بني سعود بكل شموخ وأنفة، مذكراً إياهم بقيمنا الإنسانية، وعادات الآباء والجدود، والشيم اليعربية الأصيلة، والأخلاق والمكارم اليمنية الأصيلة، وكذلك ملاحم الفروسية في ماضينا وحاضرنا وكل أمجاد تاريخنا الحافل بالعز والشموخ والكرامة والمبادئ الإيمانية، وجعل من العدو أمام قدراتنا القتالية وسلاحنا المطور عدوّاً هزيلاً، محطّماً، منهاراً، مهزوماً.
إنها لغة جزلة رصينة طبع بها الجوفي بصمته بروحه الجهادية التي وشى بها هذا الزامل في حديثه عن الانتصارات العظيمة، وعن عظمة المسيرة القرآنية التي هي سر الانتصار والفوز.
إنه شاعر عن فطرة وبداهة وثقافة، يتبين ذلك من خلال إلمامه بالتاريخ اليمني الذي يسرد الكثير منه في قصيدته مفاخراً بحضارتنا العريقة السبئية والعدنانية والقحطانية؛ كوننا العرب العاربة وغيرنا العرب المستعربة، طالباً من العدو أن يسأل عنا الرومان، والأحباش، والعثمانيين الترك، وغيرهم ممن اكتووا بنار بأسنا في سائر الحقب إن كان جاهلاً لتاريخنا ومن نكون، ساخراً من أصحاب اللحى الإخوانية وأصحاب الكؤوس والغواني، وأيضا من طائرات العدو المتطورة، ومنتشياً بمآثرنا، كعرش بلقيس، والسدود، والجنابي الصيفانية.
والجدير ذكره أن هذا العمل الجبار يستثير الذائقة الأدبية للتفرس في فنون أدبنا وفنوننا الشعبية الجميلة، على طريق الاعتزاز بتراثنا وإحيائه، لما فيه من سطوع البيان ورصانة اللغة وسلامة الذوق وقوة العبارات التي تتفجّر منها ينابيع الدهشة.
هذا الزامل تميز بأنه يثير الحماسة ويشعل في النفوس نار الكرامة ومواجهة الغازي الجبان.
عمل اجتمع فيه رشاقة اللفظ، وجمال النغم، وجودة السبك. 
عبّر هذا الزامل عن الحركة الفكرية النضالية لشاعر مجيد من أرباب البلاغة والبيان. 
وقد اكتملت قوته بجودة صوت مؤديه؛ الصوت الذي يحترف المضي في مسالك الإقناع والإمتاع بطريقته الحماسية المستعرة التي لطالما ألهبت وجدان الشعب كأنها النار التي تنتشر في الهشيم كما يقال. فعندما يجتمع قول الجوفي مع صوت الليث ينتج عمل أصيل ذو قيمة فنية لا يستهان بها. 
إنهما مجاهدان حكيمان أتقنا إيصال مادتهما ذات القيمة الفكرية والفنية العالية التي انتشرت في كل المحافل، وتفجرت حمما بركانية تذكي بأس أولياء الله، ويشوى في لظاها أولياء الشيطان.