صحيفة لا / حاوره/ عبدالرقيب المجيدي

ليس هناك أكثـر حقيقة من الشاعر، وليس هناك أكثـر استبصاراً بالواقع منه، فالشاعر هو بشارة التاريخ وهو شاهد العصور وهو الجذر الحقيقي في عمق الأرض, وإن حُلم الشاعر أصدق من يقظة الآخرين.. حين تطغى سيول الزيف وأباطيل العدوان، تبقى قصيدة عبدالوهاب المحبشي شامخة كصخرة عاتية، وشاهدة على مجد الإنسان اليمني وعلى بطولاته.. تتميز قصائده بشفافية متناهية العمق، وببساطة متناهية السمو، ومن خلال قصائده نراه يبتكر لغة جديدة لوطن يولد من جديد.. الشاعر المبدع عبدالوهاب المحبشي واحد من تلك القلة القليلة التي تستحق أن يقول لها الناس جيلاً بعد جيل (أنتم الناس أيها الشعراءُ).. إنه الشاعر الذي سد ثغرة كبيرة في تاريخ الأنشودة اليمنية، وأسهم بحضور طاغٍ ومؤثر في مسار الأنشودة، كما استطاع أن يعيد للأنشودة قوتها ورصانتها ومكانتها، ساعدته في ذلك طاقة شعرية استثنائية وثقافة عصرية واسعة.. إنه شخصية إنسانية وإبداعية ووطنية بامتياز. 
 لم أكن أشعر بأن الأسئلة الاعتيادية ستكون هي الخيار الأفضل مع شخصية إبداعية ووطنية، ورغم ذلك تجدني أطرح الكثير من الأسئلة الاعتيادية يمكن أن تجدها في حوار، فمن هو عبدالوهاب المحبشي؟

عبدالوهاب المحبشي طالب بسيط درس الابتدائية والإعدادية في مديرية المحابشة ومديرية أفلح اليمن في محافظة حجة، ثم أكمل الثانوية العامة في ثانوية الكويت بصنعاء، وواصل تعليمه في كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء، ثم دورة في المعهد العالي للقضاء، والتحق بالنيابة العامة قبل التفرغ للعمل في المسيرة القرآنية... كان لي نشاط ثقافي في مديرية المحابشة ثم عملت في الإعلام الحربي للمسيرة، وبعد ذلك عملت في القطاعات الطلابية الجامعية تقريباً 5 سنوات ثم عملت في الدائرة الحقوقية والقانونية بالمكتب السياسي لأنصار الله.

العودة إلى المشاعر
 مهما تراجع الشعر لسبب من الأسباب إلا أنه يعود قوياً...؟
لأن القضايا الأخرى مهما كانت هي قضايا يعمل فيها الإنسان، والعمل ليس جزءاً من المشاعر، بل من الاهتمامات، وعندما تنحسر الاهتمامات يعود الإنسان إلى مشاعره، فكل الأعمال هي خارج النفس، وكل المشاعر هي داخلها، والشعر ليس من الأعمال وإنما من المشاعر.

"النفس الطويل" الخاتمة
 قصيدة (النفس الطويل) من أجمل الأعمال التي تم إنشادها والتي انتشرت كثيراً.. ماذا تعني لك؟
أعتقد أنها خاتمة أعمالي، لأني لا أعتبر نفسي شاعراً، وإذا اعتبرتُ نفسي شاعراً فأنا شاعر سابق، ولم أستطع أن أكتب عملاً إبداعياً قد يعجب القارئ أو السامع بعد هذا النص، وأنا يسعدني أن تكون قصيدة (النفس الطويل) قد حظيت بقبول واهتمام، ولكنني أشعر بالحسرة لأنني لم أعد أستطيع إنجاز عمل بذلك المستوى، وأتمنى أن يكون في وسعي ذلك.

الشاعر نقيض السياسي
 كشاعر وسياسي أين يلتقي الشاعر والسياسي لديك؟
إما أن يكون الإنسان سياسياً وإما أن يكون شاعراً، وإن كان هناك شعراء سياسيون، إلا أن الشاعر يتناقض مع السياسي إلى حد بعيد، فالسياسي جاف والسياسة فن الممكن، أما الشاعر فنستطيع أن نقول بأنه تصور للمستحيل وتصور للأمل والطموح، وهذا يتناقض مع مفهوم السياسي، والإنسان كلما اقترب من السياسة ابتعد عن الشعر.

الزامل بحاجة إلى لغة مفهومة عربياً
 أصبح الزامل اليوم يسابق الصاروخ والبندقية، ويرافق المقاتل اليمني في كل الجبهات وفي مقدمة الصفوف... إلى أين وصل الزامل اليوم؟
وصل إلى مستوى كبير وبعيد، ولا أقول إنه وصل إلى الذروة. في إحدى المرات التقيت بشاعر من عرب الأهواز وقلت له: أريد أن أُسمعك بعض الزوامل الشعبية اليمنية... وعندما أسمعته من زوامل عيسى الليث استمتع بها كثيراً، ولكنه لم يكن يفهم أغلب الكلمات، فشرحت له معناها، فكان يسمع الزامل بشغف كبير، وكان هو شاعراً ومنشداً وملحناً اسمه مرتضى حيدري. وأنا أتمنى من كتاب الزامل أن يحاولوا بقدر المستطاع أن يأخذوا اللهجة اليمنية الجامعة التي يمكن أن يفهمها الآخرون، وألا يعمدوا إلى الغريب في اللهجة. أعتقد أن اللهجة اليمنية أكثر اللهجات قرباً من العربية الفصيحة إن لم نقل العربية الفصحى، والزامل بحاجة إلى أن نكتب الكلمات أثناء النشر أو في مونتاج الزامل، لأن المتلقين للزامل كثيرون وفي كل الوطن العربي، ويفترض أن نسهل لهم الانفتاح على الكلمات حتى يستوعبوا مغزى القصيدة.

يستهويني التعبير عن الحزن
 من أين تستمد موضوعات قصائدك؟
الحزن والشهداء والتضحية أكثر القضايا التي أجد فيها نفسي، وأجد الكتابة عنها أسهل من الكتابة عن غيرها، ولا أستطيع الكتابة عن ملامح سعيدة ومرحة، لا أستطيع كتابة الغزل ببساطة، ولكن جوانب الحزن تستهويني أكثر.

عدم القدرة على الكتابة
 هل شعرت مرة أنه ليس لديك جديد تكتبه؟
يوجد الكثير والكثير مما كنت أتمنى كتابته، ولكن أزعم أن اللغة لديَّ ليست واسعة أو بالمستوى الذي يعبر عن كل ما أطمح إلى كتابته. أنا كتبت قصيدة في شهيد، لكن عندما أصبح الشعب اليمني كله مشروع شهيد لم أستطع الكتابة. كنت أستطيع الكتابة ومنذ بداية العدوان إلى الآن لم أكتب إلا القليل.

أمر طبيعي
 في بعض الأعمال الفنية يلمع اسم المنشد أكثـر من اسم الشاعر.. ألا ترى أن في ذلك بعض الإجحاف بحق الشاعر؟
أعتقد بأن هذا الشيء أمر طبيعي. ربما يشعر الشاعر بأنه هضم، ولكنه يشعر بسعادة غامرة عندما يجد أن شعره تتداوله الألسن ويستمع إليه الناس، حتى وإن لم يعرفوا أنه وراء هذه اللوحة الفنية. وهذه السعادة الغامرة والرضى عن النفس يعوضه عن الهضم الذي قد يشعر به نتيجة بروز أصوات المنشدين، فاللوحة الفنية يستمتع بها المشاهد، والرسمة الجميلة يستمتع بها المشاهد، ولا يبحث في تفاصيلها عن التوقيع الصغير لمن يكون قد أبدعها.

 ماذا تقرأ في أوقات الفراغ؟
أقرأ روايات، ملازم، وأتابع الأخبار كثيراً.

الغيمة الممطرة الوحيدة
 بموضوعية وتجرد، ما هو تقييمك لصحيفة (لا)؟
صحيفة (لا) أكبر من صحيفة، وأن نقول عنها صحيفة هذا ظلم كبير. كانت الأكشاك والمكتبات قبل العدوان تمتلئ بالصحف العربية والمجلات، وبعد العدوان وبسبب الحصار منعت كل الصحف والمجلات، وأتت غيمة ممطرة وحيدة اسمها صحيفة (لا).

محاولات لا أزعم أنها شعر
 هل نستطيع أن نسترجع أحاسيسك يوم بدأت في كتابة الشعر؟
البداية كانت في مرحلة الثانوية العامة، وكانت محاولات رديئة لا أزعم أنها شعر، وعندما كتبت أول قصيدة حظيت بالقبول بالنشر كانت رثاء في أحد الزملاء استشهد في حادث انهيار جدار عليه وتوفي أثناء بنائه أحد المساجد، وهذه القصيدة نشرت في صحيفة (الأمة). وأنا لا أقدم نفسي كشاعر ولكن حسن ظنكم بي.

 بماذا يحلم الشاعر عبدالوهاب المحبشي؟
أحلم بأن أرى الشعب اليمني منتصراً. ولديَّ حلم آخر هو أن أرى كل الذين تحالفوا على اليمن من أبنائه ومن أعدائه أراهم يقفون أمام محكمة العدل الإلهية، لا ليعاقبوا، ولكن ليعترفوا بأنهم كانو على خطأ.

 كلمة أخيرة...؟
أشكر الأستاذ صلاح الدكاك، الذي أعتبره ملك الكلمة الشاعرة وملك الكلمة الناثرة. عندما أستمع إلى قصيدة (ثراك ثريا) أتخيل إذا أراد إسرافيل أن ينفخ في الصور يقرأ قصيدة (ثراك ثريا) سيخرج الشهداء من الأجداث ولا يحتاج أن ينفخ في الصور وإنما يقرأ هذه الكلمات وهم يقومون من مقابرهم. أشكره لأنه أهدى إلينا هذا الجهد الكبير جداً، وأنا أشكره لكي أشكركم أيضاً، وأريد أن أسجل من خلالكم شهادة لله: كنت في قناة (المسيرة) قد أجريت لقاء مع الشهيد الأستاذ عبدالكريم الخيواني، وبثته قناة (المسيرة) في 2013، قال الشهيد عبدالكريم أثناء المقابلة إن الأستاذ صلاح الدكاك عندما كان في صحيفة (الجمهورية) في (الثقافية) عندما قدمت له في 2005 رسالة مفتعلة من قبل الأمن السياسي لكي يتم نشرها على أنها رسالة من السيد بدر الدين الحوثي إلى مراجع الحوزة، رفض الأستاذ صلاح الدكاك نشرها وقال: هذا ليس كلام السيد بدر الدين وإنما كلام الأمن السياسي... لقد فضل أن يضحي بوظيفته دون أن ينشر هذه الرسالة.
وكذلك أشكر الأستاذ عبدالحفيظ الخزان الذي استفدت كثيراً من شعره، والأستاذ عبدالسلام الوجيه، والأستاذ يحيى المحطوري الذي وضع شعري على سكة الإنشاد مع فرقة أنصار الله التي أنشدت لي حوالي 13 عملاً، وكذلك الأستاذ عبدالسلام القحوم مسؤول فرقة أنصار الله، وأشكركم جميعاً.