غازي المفلحي/ لا ميديا

منذ أكثر من شهر ونصف توقف توزيع أسطوانات الغاز المنزلي عن طريق عقال الحارات بشكل شبه تام، لتولد أزمة جديدة داخل الأزمة السابقة التي تقع بدورها داخل أزمة أكبر منها. ويتهم المواطنون عقال الحارات في الأزمة الأخيرة بعدة تهم أقلها فشلهم في إيجاد آلية للتوزيع العادل والمنظم، بينما يلقي العقال اللوم على قلة حصصهم من الغاز وتأخر وصولها ومشاكل مع مندوبي شركة الغاز التي تقوم بإنزال جداول توزيع الغاز بمعدل 24340 أسطوانة كل يومين تصل إلى يد 123 عاقل حارة ومعهم 123 مندوبا في العاصمة. ومع كل هذه الكميات إلا أن الكثير من المواطنين لم يحصلوا حتى على أسطوانة غاز واحدة منذ أكثر من 45 يوماً.

بين الفساد والفشل 
يعاني الكثير من المواطنين هذه الأيام من نقص حاد أو انعدام في مادة الغاز المنزلي، حيث لا تجد مواطناً اليوم لا يبحث عن الغاز.
وكانت أزمة الغاز المنزلي قد خُففت سابقاً عن طريق توزيعه عبر عقال الحارات، ولكنها آلية لم تصمد أكثر من شهرين، فقد عادت الأزمة بشكل خانق خلال الشهرين الماضيين وحتى الآن، حيث تضررت عملية التوزيع في أغلب الحارات لأسباب كثيرة، وضحت أحدها شركة الغاز حيث أجريت عمليات صيانة في الشركة، ولكن الشركة أعلنت انتهاء أعمال الصيانة وزفت للمواطنين بشرى عودة الغاز، ولكن الغاز لم يعد. ومن بين الأسباب الكثيرة لعدم وصول الغاز توقف عملية الاستيراد الخارجي للغاز التي ساهمت في استقرار توزيعه نسبياً عن طريق العقال. وسبب آخر أجمع عليه المواطنون وهو عدم كفاءة أغلب عقال الحارات في إدارة عملية التوزيع، فحسب آراء المواطنين وشكاواهم هناك قصور وخلل في آلية التوزيع عن طريق العقال حتى في فترة الاستقرار التي سبقت هذه الأزمة خلال فترة الاستيراد، أما الآن فقد تطور القصور إلى فشل، والخلل إلى توزيع غير عادل، وأحياناً إخفاء أو بيع لمستفيدين آخرين (مطاعم، باصات...) وهذا ما يفسر استمرار عمل الباصات وتوقف المطابخ. 

عيوب آلية التوزيع عن طريق العقال 
شابت آلية التوزيع عن طريق العقال فعلاً عيوب كثيرة ترقى لأن تكون فشلاً، فالتوزيع يتخذ أشكالاً كثيرة تختلف باختلاف ضمير ومزاج وعقلية ومستوى وعي وطريقة تفكير كل عاقل، وعندما تجد عاقلاً محل شكر من الأهالي تجد خمسة آخرين محل غضب، وجذر المشكلة في حلقة التوزيع الأخيرة التي تتم بين العاقل والمواطن حسب العقال هي حصول كل عاقل على 200 أسطوانة غاز أسبوعياً وأحياناً كل أسبوعين بينما تتكون حارته على الأقل من 500 أسرة محتاجة للغاز ومسجلة في كشوفاته، بسبب شحة مادة الغاز أساساً، وهذا ما ساوى بين العاقل الصالح والطالح في عيون الناس، حيث يصعب بهذه الطريقة توفير الغاز للجميع وإرضاؤهم حتى عند أكثر العقال مسؤولية وإخلاصاً، كما يصبح أي خطأ في إدارة عملية التوزيع أو أي فساد أو احتكار من قبل العقال السيئين وعديمي الضمير بدرجة لصوص وفاسدين كارثة كبيرة تحرم أغلب الأسر من الغاز لأسابيع كما هو حاصل الآن.
وحول مشكلة الحصص القليلة اشتكى لـ(لا) اثنان من عقال الحارات قالا إن حصة الواحد منهما من الغاز فقط 50 أسطوانة، بينما تزيد الأسر في حارتيهما عن 500 أسرة، وقالا إنهما اشتكيا لشركة الغاز فقالت إن هذا لا يتعلق بها بل بمندوب المديرية في الشركة فهو الذي يحدد كم تحتاج كل حارة. ويتهم بعض عقال الحارات مندوبي المديريات بعدم المسؤولية والفساد والمتاجرة بالغاز وحرمان الحارات من حصصها من الغاز بسبب عداوات شخصية مع عقال تلك الحارات، وهذا ما تسبب بحدوث مشاكل وصلت للقتل في بعض الحارات، كما حصل في مديرية (شعوب) حيث قتل مواطن وجرح 4 آخرون في حادث إلقاء قنبلة وسط مواطنين بعد تقطع لشاحنة غاز وحدوث شجار بين متقطعين وسكان وعاقل حارة، حسب مواطنين.
أغلب العقال لم يتعاطوا مع هذه المشكلة بطريقة سليمة، فما عدا القلة القليلة من العقال المنصفين الذين يوزعون ما يصل لهم من كمية للمواطنين دون تحيز أو احتكار ودون بيعها لمستفيدين آخرين، استغل كثيرون هذه المشكلة كشماعة للتهرب من مسؤولية التوزيع العادل بين المواطنين.
وحتى اللحظة فإن أكثر من 90 % من المواطنين لم يستلموا غازاً منذ أكثر من شهر ونصف، ويتجه بعض المواطنين للبحث عن الغاز في السوق السوداء التي تمول من خليط الفساد غير الواضح هذا من عقال ومندوبي مديريات وتجار ومسؤولين في شركة الغاز وجهات لصوصية أخرى لم يكشف دورها بعد، وتباع الأسطوانة الواحدة في السوق السوداء بسعر يتراوح بين 6 و12 ألف ريال، بينما يتجه مواطنون آخرون نحو سوق الحطب.

شكاوى ومظاهر المعاناة 
وهنا نتقدم إلى الجهات المعنية بأهم شكاوى المواطنين التي يجب النظر فيها بعين الاعتبار، وتحتاج لمعالجات عاجلة أو خطط مزمنة.
أكثر من 80 % من الأسر يقولون إنهم لم يستلموا أسطوانات غاز من العقال منذ أكثر من 4 أسابيع. الكثير يشتكون من تعمد بعض العقال جعل الناس ينتظرون في طوابير طويلة لساعات قد تصل إلى نصف يوم أمام بيوتهم ما يسبب مشقة كبيرة خاصة للنساء والأطفال الذين ليس لديهم عائل متواجد، يشتكون من عدم قدرتهم على الحصول على أسطوانة غاز من بعض العقال عديمي الضمير والذين يرون في حصص الضعفاء فرصة لجني عشرات الآلاف في السوق السوداء. ليس هناك آلية سلسة للحصول على الغاز من العاقل وعادة ما يتطلب الأمر مشادات كلامية وأحياناً تهديدات وعراكات لأجل الحصول على أسطوانة غاز. يقول المواطنون إن بعض العقال يخفون عدداً من أسطوانات الغاز لبيعها في السوق السوداء. وأكثرهم حياءً يحتفظ لنفسه على الأقل بـ20 أسطوانة لهذا الغرض. يشتكي بعض الناس من الزيادة في سعر أسطوانة الغاز حيث تباع بـ3500 من العاقل، بينما يقول العقال إنهم يضعونها كسقف لرسوم النقل والحمالين وأنهم يخصصون ما يتبقى منها لتغطية المبالغ الناقصة عن 3000 التي يقدمها بعض المعسرين في الحارات حيث قد يأتي بعضهم بـ2400 مثلاً ولا يملك غيرها، فلا يتم ردهم، ويتم استكمال القيمة من تلك المبالغ، "من هنا إلى هنا" حد توصيف العقال. بعض الأسر الكبيرة التي تعيش في بيت واحد لا تحصل إلا على أسطوانة واحدة بسبب أنهم إخوة ويشتركون بنفس (اللقب)، بينما قد يبلغ تعداد الأسرة التي تحمل نفس (اللقب) أكثر من 15 شخصاً. واشتكى بعض المواطنين من عقال استغلوا وجود أبناء لهم في الجبهات لقمع أي اعتراض أو شكوى ضدهم. البعض يشتكي من عدم صرف غاز له لأسباب شخصية أو خلافات في وجهات النظر السياسية. بعض العقال يبيع الغاز من أمام بيته مباشرة ليتجمع الناس في طوابير وأغلبهم ليسوا من أهل الحارة الذين تخصهم الحصة ويذهب نصيب الأسد لأصحاب الباصات. بعض عقال الحارات يقولون إن أسماء قاطني الحارات سقطت من كشف الشركة ولا يحصل أهل تلك الحارات على غاز من الشركة نهائياً وقالوا إنهم يشترونه من السوق السوداء. بعض المواطنين اتهموا عقالاً بالفساد واللصوصية وذكروهم بالاسم ونشروا أسماءهم في صفحات التواصل الاجتماعي واتهموهم ببيع الغاز خارج الحارات للمطاعم وغيرها من المستفيدين. كثير من الحارات تشتكي من العقال ومندوبي شركة الغاز ومشرفي اللجان الشعبية وتتهمهم بالفساد والتواطؤ مع بعض. بعض النازحين والمواطنين يشتكون من أنهم أكملوا الشهرين وهم بدون غاز وأن عقال حاراتهم يديرون الحارات وعملية التوزيع مع عصابات وشلل ويتهجمون عليهم بالقول والفعل في حالة تم الاعتراض على تصرفاتهم ومطالبتهم بالإنصاف في التوزيع. 
هناك حالات نادرة تشكر العقال، وقال بعض المواطنين إنهم يحصلون على أسطوانة كل أسبوعين.

المعالجات المقترحة 
نقترح بصورة أولية وبشكل مبسط آلية لحل أزمة الغاز المنزلي التي لم تنجح آلية التوزيع عبر العقال بنسختها الحالية في معالجتها، وهي أن يتم إعادة مسح جميع الأحياء والحارات في العاصمة من جديد ثم بعد ذلك المحافظات من قبل لجان متخصصة تعدها وزارة وشركة النفط واللجنة الاقتصادية والمجالس المحلية، تحصي بشكل دقيق العدد الحقيقي للأسر المحتاجة للغاز وتقوم بإعداد جداول خاصة بهم يتم التوزيع من خلالها بعد حساب تقديري لحاجة الأسرة الواحدة من الغاز في الشهر، وعليه يتم الصرف لها وفق جدول زمني يشمل جميع الأسر في الحي أو الحارة على أن يوقع كل رب أو ربة أسرة أو يبصم أمام اسمه في الكشف الرسمي الذي قد كتبت له حصته فيه من الغاز من الجهات المختصة، لكي يتم ضمان وصول كامل الكميات المحددة بدقة إلى المواطنين ويتم مراجعة الكشوف من قبل لجان رقابية نزيهة بشكل أسبوعي وترفع إلى أعلى مستويات الإدارة والإشراف للاطلاع عليها ويتم نزول هذه اللجان بشكل ميداني بمعدل نصف شهري إلى كل حارة أو حي لمراقبة آلية العمل بهذه الكشوف والتأكد من حصول كل المواطنين على حصصهم وأنه ليس هناك تلاعب أو إخفاء للكشوفات وحرمان أحد من حصته.
هذه آليه مقترحة وربما يشوبها كثير من القصور ولكن يشفع لها أنها طرحت بنية إصلاح حال الشعب الصابر المتعب، وإذا كان هناك آلية أفضل فليتم تطبيقها لمعالجة أزمة الغاز المنزلي.