حلمي الكمالي/ لا ميديا
 
عقب قيام الجمهورية في شمال الوطن وإعلان الاستقلال في جنوبه في ستينيات القرن الماضي أقدمت قوى الوصاية والاستعمار عبر وكلائها بني سعود على إنشاء جيوش عسكرية عميلة نشرتها في المناطق الحدودية وكانت تعمل لصالحها داخل البلد، وذلك لسلب قرار البلد والتحكم بالمتغيرات السياسية والثورية وتوجيهها بما يخدم تحقيق مصلحة أجندات المشاريع التمزيقية للقوى الغربية.. فما هي هذه الجيوش؟ ومن أبرز قياداتها؟ وأين انتهى مصيرها؟ 
تأسيس الجيوش العميلة
بعد انطلاق شرارة ثورة 14 أكتوبر 1963 في جنوب اليمن ضد الاستعمار البريطاني سعت الثورة وأدواتها في المنطقة للسيطرة على المتغيرات الثورية والسياسية الطارئة في البلد من خلال توغلها في المؤسسة العسكرية، فكانت النتيجة تأسيسها جيوشاً عميلة لها في الجنوب اليمني.
وبحسب المعلومات فإن السعودية قامت بتأسيس ودعم جيوش صغيرة على حدودها بعد إعلان الاستقلال جنوبي اليمن في 30 نوفمبر 1963، وتحديدا في منطقة الوديعة التي احتلتها بعد ذلك بمساعدة تلك الجيوش سنة 1972.

بقايا جيوش السلاطين
وتشير المعلومات إلى أن تلك الجيوش كانت عبارة عن كتائب منفصلة من بقايا جيوش السلاطين التي أسستها الأجهزة البريطانية في فترة احتلالها للجنوب، مثل جيش لحج وجيش المكلا وجيش البادية الحضرمي...
وتؤكد المعلومات أن قادة هذه الكتائب هم مشائخ من مختلف السلطنات، ويعد محمد بن فريد العولقي أبرز الذين جندتهم الرياض لخدمة مصالحها في اليمن قبيل الاستقلال، والذي كان يشغل منصب وزير الخارجية آنذاك. 

حرس الاتحاد
علاوة على ذلك استمرت القوى الخارجية في تجنيد القوى العسكرية في الداخل اليمني، فقبيل إعلان الاستقلال تم تأسيس ما يسمى حرس الاتحاد، الذي سمي لاحقاً بجيش الجنوب العربي، وكان هذا الجيش مخترقاً من قبل المخابرات البريطانية ويعمل بشكل مباشر في خدمة لندن وأدواتها في المنطقة.
ويؤكد المؤرخ عبد الله أحمد الثور أن إدارة الاحتلال البريطاني في عدن كانت قد عقدت اتفاقية مع الحكام المحليين في المحميات قبل إعلان قيام الاتحاد عام 1959، قضت بتأسيس قوات عسكرية سميت جيش الاتحاد. ونصت الاتفاقية بحسب المعلومات التي نشرها عبدالله الثور على أن بريطانيا كان لها حق التدخل في إعادة تشكيل وتوجيه الجيش بحسب ما تراه مناسبا.
الأمر نفسه حدث عقب الثورة، إذ ظلت السلطات البريطانية تسيطر وبشكل شبه مباشر على الجيش فيما كانت الرياض داعماً رسمياً له، حيث تشير المعلومات إلى أن الرياض دفعت بمعية لندن نحو مليونين ونصف المليون دينار لدعم ما يسمى بالحرس الاتحادي خلال الفترة من 1964 إلى قبيل إعلان الاستقلال.

وثائق تاريخية
كما جندت بريطانيا في فترة الستينيات قيادات عسكرية تابعة لما يسمى بالجبهة القومية، وذلك للعمل لصالحها، فيما تكفلت السعودية بدعمها مادياً بأموال طائلة.
وكشفت الدكتورة اسمهان العلس في كتابها (وثائق تاريخية) أنه كان هناك شبكة من عسكريين وسياسيين جنوبيين بعد الاستقلال تديرها المخابرات البريطانية، أبرزهم العقيد حسين عثمان والمقدم علي عبدالله ميسري والمقدم أحمد محمد بلعيد والمقدم مهدي عشيش والمقدم محمد أحمد ميسري والمقدم سالم قطيبي وآخرون.

تجنيد في الشمال 
لم يختلف الأمر كثيراً في شمال اليمن، حيث قامت السعودية قبيل اندلاع ثورة 26 سبتمبر بإنشاء قواعد ومطارات عسكرية في منطقة جيزان ونجران وعسير المحتلة، تخوفاً من أي هجوم يمني عسكري قد تشنه قوى الثورة لتحرير هذه المناطق.
وتؤكد المعلومات أن السعودية قامت عقب ذلك بتجنيد جيش واسع من القبائل اليمنية المؤيدة للملكيين، بالإضافة إلى مرتزقة أجانب، وقامت بنشرهم على حدودها.
وتشير المعلومات إلى أن الرياض دعمت المحسوبين على جيش الملكيين بأموال طائلة ومعدات عسكرية كبيرة لخوض حرب مع الجمهوريين استمرت أكثر من 8 سنوات.
من جانبه يؤكد الباحث التاريخي محمد ناجي أحمد في حديثه مع (لا) أن اللواء علي محسن الأحمر ومحمد محسن أبو حورية كانا من أبرز القيادات العسكرية التي دعمتها السعودية قبيل وعقب الثورة للإشراف على تجنيد مرتزقة على حدودها.

مصير الجيوش العميلة
تلك الجيوش العميلة التي جندتها السعودية داخل اليمن بقرار بريطاني أمريكي انتهت تدريجياً نتيجة الكثير من الأسباب معظمها يتعلق بالمتغيرات السياسية المتعاقبة التي شهدها البلد.
ففي الجنوب اليمني تلاشت الكتائب العسكرية التي جندتها السعودية على حدودها وفي الداخل اليمني تباعاً لعدة أسباب، أهمها: الصراعات الدامية داخل الحزب الاشتراكي للسيطرة على الحكم خصوصاً منذ مطلع الثمانينيات، وكذا النزاعات المناطقية بين الكتائب التابعة للسلطنات، وأيضاً فرار السلاطين ونفيهم إلى الخارج.

الاندماج والتصفية
أما في شمال اليمن فإن الجيوش العميلة بحسب تأكيدات المؤرخين انتهت باندماجها مع قوات الجمهورية عقب إعلان المصالحة، وهو ما حدث مع بعض القيادات، وأبرزها علي محسن وأبو حورية اللذان انضما إلى جيش الجمهورية خلال التسوية التي أعلنت في مارس 1970.
وانتهى مصير البعض الآخر من القيادات العسكرية بالتصفية كما حدث مع الشيخ ناجي علي الغادر الذي اغتالته السعودية على خلفية مطالبته لها بدفع أموال مقابل قتاله في صفوف الملكيين.

استغلال الأحداث الثورية
يؤكد مراقبون أن قيام السعودية وبريطانيا بتأسيس جيوش عميلة في اليمن وقتها كان هدفه القضاء على الجيوش النظامية ذات التوجه الثوري الوطني الصحيح المضاد لسياسة القوى الاستعمارية وأدواتها في المنطقة، مشيرين إلى أن بريطانيا وأمريكا استغلتا الأحداث الثورية في المنطقة العربية خلال العقود الماضية من خلال دعمها فصائل عسكرية مختلفة كانت في الظاهر تتحدث باسم شعوبها، غير أنها عميلة لها بامتياز، ونجحت بذلك في بعض البلدان العربية، وعلى رأسها اليمن.

جيوش مضادة
الجيوش العميلة التي صنعتها بريطانيا وأمريكا في بلدان الشرق الأوسط آنذاك لا تختلف عن الجيوش المضادة التي تصنعها القوى الغربية اليوم لإسقاط الدول المناهضة لها.
ويؤكد الباحث والمحلل السياسي عبدالرحمن سلطان أن قيام أمريكا وبريطانيا بإنشاء ما يسمى بالجيش السوري الحر وتضخيمه على أنه جيش سوريا الحقيقي رغم أنه لا يمت بصلة لسوريا وشعبها دليل واضح يفضح هذه المشاريع التمزيقية. 

القضاء على الجيوش الوطنية 
كما ينطبق الأمر على قيام تحالف قوى العدوان الأمريكي السعودي بتأسيس ما يسمى الجيش الوطني وجعله بديلاً للجيش اليمني والقوات الوطنية التي تدافع عن البلد.
يذكر أن تحالف قوى العدوان الأمريكي السعودي يجند آلاف المرتزقة من أبناء المحافظات الجنوبية ويزج بهم في معارك الدفاع عن الأراضي السعودية. 
وعلى هذا النحو يقول مراقبون إنه يتم القضاء على الجيوش النظامية المناهضة للاستعمار واستبدالها بجيوش عميلة غير وطنية ومجردة من القيم الوطنية والثورية والأخلاقية حتى يسهل استيطان الدول والتحكم في قراراتها.

تاريخ الخيانة يعيد نفسه
بين هذا وذاك فإن أوجه الخيانة والارتزاق التي جسدت تاريخ المؤامرات في الأمس بدعوى الدفاع عن الاستقلال وحماية الثورة حاضرة اليوم لتجسد وجهاً آخر للقبح بدعواها الحفاظ على اليمن.
ففي حوار أجرته صحيفة (عكاظ) السعودية مع العميل عبد ربه منصور هادي منتصف العام 2015 طالب الأخير تحالف قوى العدوان السعودي بتجنيد نحو مليون جنوبي كل عام ووضعهم على حدود السعودية. وأشار الفار هادي إلى أن بريطانيا صنعت الشيء نفسه في عدن قبيل الاستقلال، حيث جندت نحو ثلاثة ملايين من المحافظات الجنوبية حد تعبيره.
وبغض النظر عن الرقم المبالغ فيه الذي ذكره الفار هادي إذ إن عدد سكان المحافظات الجنوبية وقتها لم يكن يتجاوز المليونين، فإن صور الخيانة اليوم أبشع وأقذر من أي وقت مضى، والتاريخ لا يعيد نفسه إلا كسخافة.