عندما تستمع إلى زوامل المنشد الكبير قاسم الفرح فإنك تستمع إلى تكوين هائل من الإبداع والفن الراقي.
جدد الزامل وضخ فيه صموداً جديداً جعله ملائماً لمواجهة العدوان الأمريكي السعودي.. المنشد المبدع قاسم الفرح أعاد لحظات التألق والوهج الفني للزامل، وأكسبه العمق المطلوب الذي ينسجم مع علو الكلمات وتوصيله عبر قالب لحني قوي وجذاب.. زوامله فتحت نوافذ الضياء فوق المساحات المظلمة، وكان لها دور كبير في تحريك الهمم ودحر الغزاة.
صوته يتميز بنفس ممتد وموسيقى نفاذة الانسياب والتدفق، كما أن صوته أضفى على الزامل جماليات كثيرة.
إنه قمة عالية وإطلالة جميلة على عرش الزامل اليمني.

ذكراك تهدي الحائرين
 من هو المنشد قاسم الفرح؟ ومتى بدأ مشواره الفني؟
بداية أشكر صحيفة (لا) ممثلة بالأستاذ القدير والأديب والصحفي والشاعر الكبير صلاح الدكاك، وجميع طاقم التحرير والإخراج، على إتاحة هذه الفرصة لي للتحدث عبر هذا المنبر الشامخ، وعلى إفساح المجال الواسع للمنشدين والمبدعين، والاهتمام بذوي القدرات الفنية اليمنية عبر سجادتكم الحمراء.
قاسم ضيف الله الفرح من مواليد ١٩٧٥م، من أبناء محافظة صعدة منطقة مران المجازين.
بدأت مشواري الفني منذ بداية المراكز الصيفية في التسعينيات، حيث كنت مسؤولاً عن فرقة أهل البيت بمدرسة الحسين (ع) بالمجازين، واستمررت حتى عام ٢٠٠١، ومع بداية انطلاقة المشروع القرآني تم الاندماج مع فرقة الرسالة بمدرسة الإمام الهادي بمران، ومنذ ذلك الوقت استمر مشواري في فرقة الرسالة حتى اليوم مروراً بالثورة الشعبية ٢١ أيلول وما تلاها من أعمال فنية في ظل العدوان الأمريكي الصهيوني السعودي الإماراتي على بلدنا المظلوم.
يضاف إلى ذلك الأعمال التي قدمتها فرقة الرسالة بالاشتراك مع الفرق الأخرى في المناسبات الكبيرة كالمولد النبوي وغيره.
بالنسبة للزامل فقد كان لي بتوفيق الله العديد من الزوامل بالاشتراك مع المنشد حسين الطير، إضافة إلى بعض الزوامل التي قدمتها بمفردي والتي بدأت بزامل (ذكراك تهدي الحائرين) وآخرها زامل (يا حماة الوطن).

الزامل من أسلحة المعركة
ـ لو تحدثنا عن دور الزامل في مواجهة العدوان؟
من المعلوم أن الجانب المعنوي والنفسي يمثل ركيزة أساسية في الثبات والصمود والاستبسال، ومن منن الله تعالى أن هيأ في هذه المرحلة الظرف الملائم للمبدعين في مجال الزامل اليمني، فكان له دور بارز في رفع المعنويات وإحياء الروح الجهادية والثورية، وقد أثبت الواقع ذلك حيث أصبح الزامل جزءاً من سلاح المعركة في التحشيد والقتال، ولم يتوقف عند حدود رفع معنويات المجاهدين، بل تحول إلى حرب نفسية ضد المعتدين، واستطاع أن يقتحم جماهيرهم وبلدانهم واستطاع أن يؤثر عليهم وتردد في الرياض وأبوظبي وواشنطن.

تخطى الجغرافيا وكل الأطر
ـ إلى أين وصل الزامل اليوم؟
نستطيع القول بأن الزامل تخطى الجغرافيا وتجاوز الأطر القومية والجهوية وأوصل رسالته، وخير دليل هو ما نشاهده من المقاطع المنتشرة في عواصم بعض الدول الأوروبية والمدن الأمريكية. ولم يبق في حدود المنافسة للأشكال الفنية الأخرى كالأغاني، بل تجاوزها وأصيبت بالذبول في مواجهته.

لا تراجع مهما كانت التضحيات
ـ زامل (والله ما اتراجع)... ماذا يعني لك؟
هذا الزامل يعني لي الكثير على المستوى الوجداني والجهادي، فله ذكريات وفيه رسالة، فقد كان أول زامل أديته بمفردي بعد استشهاد ولدي المنشد نور الدين الفرح، فكان يحمل رسالة توحي بأنه لا تراجع مهما كانت التضحيات، إضافة لتزامنه مع تصعيد العدو في الساحل الغربي وجبهات الحدود.

الهدف أسمى من الشهرة
ـ أنت من المبدعين القلائل في الإنشاد ورغم ذلك لم تحظ بالنصيب الأوفر من الشهرة.. برأيك لماذا؟
إذا كان هنالك من إبداع فالفضل لله تعالى، ونحن مقصرون مهما قدمنا. وأود هنا أن أؤكد على موضوع مهم جداً وهو أننا منذ الانطلاقة أنا وزملائي في فرقة الرسالة لم نكن في يوم من الأيام نبحث عن شهرة أو مقام معنوي، ولم نسع لذلك إطلاقاً، فنحن كمجاهدين ننشد رضوان الله ونشكره أن وفقنا لإيصال رسالتنا والتعبير عن قضيتنا المقدسة وإبراز مظلومية هذا الشعب والإسهام في إحياء ضمير هذه الأمة، وهذا هو الهدف والمقصد والغاية من وراء ما نقدمه.

لكل منشد جماهيره ومعجبوه
ـ كيف ترى الشهرة العابرة التي يحظى بها بعض المنشدين؟
عندما نعود إلى الأصل في القضية نجد أن الله وزع المواهب والقدرات بين عباده، ولكل إنسان دوره في هذه الحياة، كما أن لكل منشد جماهيره ومتابعيه ومعجبين بأدائه وألحانه، ويختلف ذلك من بيئة إلى أخرى، فقد يكون لشخص ما صدى وقابلية في منطقة معينة بينما لا يوجد تفاعل مع ما يقدم في مكان آخر، وعلى هذا الأساس يبقى كل منشد مكملاً للآخر، ولا ننسى أن للإخلاص والجدية دوراً محورياً في ذلك.

ذائقة جديدة ومتميزة
ـ هل استطاع المنشدون خلق ذائقة جديدة؟
بالتأكيد أن ذلك حصل والارتقاء في ذلك مستمر، وأرى أن الممارسة والخبرة والقضية التي يؤمن بها المنشد والغاية الحميدة التي يسعى لتحقيقها لها دور في خلق ذائقة جديدة ومتميزة، إضافة للعوامل المساعدة والتي تتطور باستمرار من تقنيات ووسائل وآليات الإنتاج الفني.
والتقدم الملحوظ اليوم في مضمار الزامل والأنشودة اليمنية يعود إلى ما ذكرناه، بينما نجد منشدين ممن كانوا في الصدارة في الثمانينيات حتى من خارج اليمن اضمحلوا وتلاشت إبداعاتهم، لأنهم لم يحملوا قضية عادلة بحيث تدفعهم لتطوير أدائهم بدافع المسؤولية حتى يواكبوا الواقع ويلبوا متطلبات الجماهير، وقد يكون للغرور والغرق في الذات على حساب مسؤوليته المفترض أن يذوب فيها أثر سلبي، فالغرور والعجب آفة المواهب.

أحلم ببلد مستقل خالٍ من العمالة
ـ بماذا يحلم المنشد قاسم الفرح؟
أحلم ببلد آمن وحر ومستقل قراراته بيده، بلد خالٍ من العمالة والتبعية والوصاية. وأحلم بأمة قوية وعزيزة وموحدة تحرر أراضيها المقدسة وتنتصر في جميع الميادين.

تأثرت بسيد الثورة والشهيد القائد
ـ بمن تأثرت؟
على المستوى الفني كان للبيئة التي نشأنا فيها أثرها الكبير، فقد كانت حاملة للمشروع الثوري الجهادي والنهضوي والحضاري، وكل ذلك مثل حافزاً ودافعاً للإبداع وتفجر المواهب بغية الإسهام في رفد هذا المشروع وإيصاله إلى الآخرين. أما على المستوى العملي والسلوكي فقد تأثرت بمحاضرات ودروس الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه وخطابات ومحاضرات السيد القائد عبد الملك بدر الدين يحفظه الله.

أصحاب الأقلام الحرة في الصدارة
ـ من يتصدر المشهد الفني اليوم؟
بشكل عام الشعراء الموهوبون من أصحاب الأقلام الحرة والمواقف الثابتة والمشاعر المرهفة، فهم برأيي من يتصدرون المشهد الفني، وكلما كان الشعر فصيحاً وقرآنياً تخطى الحدود الجغرافية وتضاعفت جماهيره من النخب والمثقفين في العالم.
ويأتي الزامل والأنشودة ليتكاملا مع الشعر ويمثلا قالباً فنياً يجسد القصيدة ويوصلها إلى فئات وشرائح اجتماعية أخرى ما كان ليصل إليها الشعر بدون هذه القوالب.

عوائق أمام عالمية الزامل
ـ البعض يقول بأن الزامل سيصبح ثقافة عالمية... ما تعليقك على ذلك؟
أتمنى ذلك، ولكني أرى أن هناك عوائق متعددة، منها أن طبيعة الزامل مرتبطة باللهجة العامية والكلمات الشعبية المحلية والتي لا تفهم لدى الكثير، وللأسف أن هناك بعض الزوامل لا تفهم كلماته حتى في الوسط اليمني.
وهنا يمكن أن يتم معالجة هذه الحالة من خلال التركيز على اللغة المفهومة والمصطلحات المتداولة وتجنب الكلمات الغامضة، وكلما كان الأفق واسعاً والنظرة عالمية لدى الشاعر كانت كلماته مقبولة.

ـ ما هو الزامل أو الأنشودة التي وفقت في أدائها؟
الأنشودة التي ألقيت بعد استشهاد الدكتور عبدالكريم جدبان لفرقة الرسالة بعنوان (جدبان عذراً فالجميع مدان) والتي قدمتها بالاشتراك مع الأستاذ ضيف الله سلمان، وأنشودة (عرف الضوء) مع المنشد حسين الطير. بالنسبة للزوامل فمنها زامل (وصال يا الجبهات وصالي) وزامل (يا حماة الوطن) وكذلك زامل بالاشتراك مع المنشد والنجم الكبير عيسى الليث لم يصدر بعد.

ـ كلمة أخيرة تود أن تقولها؟
أكرر الشكر لصحيفة (لا) وللأخ عبدالرقيب المجيدي على الجهد الذي يبذله في سبيل الارتقاء بالمواهب.
والشكر بإجلال وإكبار وإعظام للرجال الثابتين في جبهات العز وميادين الشرف، كذلك للجرحى وأسر الشهداء والأسرى وأسرهم الصابرة والمعطاءة والمضحية، ولشعبنا العظيم والصامد. ولا أنسى أن أشكر كل من ساعد ودعم جهودنا من الشعراء والمنشدين وفي مقدمتهم مسؤول قطاع الشعراء والمنشدين الشاعر القدير ضيف الله سلمان، وكذلك الأخ المنشد حسين الطير الذي له الفضل في إعانتي فنياً في إخراج الزوامل، وكذلك الأخ إبراهيم الفرح (فتى صعدة الثائر)، كذلك زملائي من فرقة الرسالة، وللجماهير المشجعة والداعمة والسلام.