حـرب وغـلاء عقــارات ... نــزوح بين سعيريــن
- تم النشر بواسطة يسرية محمد/ لا ميديا
يسرية محمد/ لا ميديا
أصبح المنظر اعتيادياً أكثـر من الحد المعقول أن تجد أسرة بأكملها يفترش أفرادها الأرض ويلتحفون السماء، وليس هنالك ما يقيهم برد الشتاء ولا حتى حرارة الشمس الحارقة.. هكذا هو حال الكثير من النازحين في العاصمة صنعاء، بعد أن أصبحت ملاذهم الوحيد من شبح الحرب القاتلة، فقد فقدوا بيوتهم وكل ما جنوه طيلة تلك السنوات، فرمتهم الأيام هكذا دون سند أو معيل.
صار من الطبيعي جداً أن ترى شاباً في مقتبل العمر لا يجد أين يضع رأسه المنهك بعد يوم طويل من العناء... ومن كان منهم محظوظاً وجد رصيفاً خالياً يمكن العيش فيه، فنصب منه بيتاً يعيش فيه، لتمضي الأيام بثقلها عليهم دون أن يشعر أحد بمعاناتهم، وأما من لم يحالفه الحظ فظل متنقلاً بين الشوارع والأرصفة، ويا لسوء حظه إن كان على وشك أن يكون أباً ولا يعلم أي مستقبل ينتظر طفله القادم.. هكذا يحدثنا أبو محمد القادم من الحديدة بعد أن فر هو وزوجته الحامل من القصف، وظن لوهلة أنه قد نجا وأسرته الصغيرة من الموت المحتوم، لكنه الآن ومنذ نزوحه من مدينة الحديدة، يعيش في الشارع، وتكاد زوجته أن تجهض طفلهما المرتقب نتيجة الخوف والبرد والجوع الذي يفتك بهم.
ولا يزال أبو محمد كالكثير من النازحين يأمل بأن يلتفت له من يشعر بمعاناته، ولكن كيف سيأتي له ذلك في مدينة فقد فيها الكثيرون من أصحاب العقارات ضمائرهم، وبدلاً من مراعاة الظروف القاسية ها هم اليوم يستغلونها أسوأ استغلال بعد أن زاد الطمع في قلوبهم، وارتفعت الإيجارات بشكل جنوني كما يحكي النازحون، وكل من يستأجر يشكو من الارتفاع المتواصل في أسعار العقارات، وعدم مقدرتهم على السداد بشكل منتظم، وعند معرفة صاحب العقار أنك قادم من مناطق النزاع يبدأ باستغلال هذه الفرصة الثمينة، فأصبحوا اليوم يتاجرون بآلام الناس دون رقيب أو حسيب، وفي ظل الظروف الراهنة، فطرد بعضهم أيضاً من البيت الذي يؤويه وأسرته، قد يجبرهم على العيش في المخيمات، التي في كثير من الأحوال تفتقر لأبسط مقومات الحياة.
ثمة الكثير من القصص والحكايات التي يمكن للنازحين في المخيمات سردها عن الطريق الطويل الذي أوصلهم إلى هذا الحال...
منظمات شكلية
داخل أحد المخيمات في ضواحي العاصمة صنعاء، يحكي لنا أبو غيثاء، الذي يعيل أسرته المكونة من 3 بنات و3 أبناء، بالإضافة الى زوجته وشقيقته، يحكي عن معاناته وأسرته وهم يعيشون داخل خيمة لا تقيهم أياً من الظروف المناخية المتقلبة، لعل القارئ الآن يتساءل وما علاقة أصحاب البيوت وغلاء العقارات بكل هذا؟ كيف لا يكون لهم علاقة وقد أثقلت الإيجارات كاهل الناس، فبدلاً من دفع المبلغ المهول في الإيجار، أصبح النازح يفضل العيش في أرصفة الشوارع ليستطيع بما يجنيه من فتات أن يشبع جوع أطفاله لعله ينقذ حياتهم من الموت جوعاً، ولم يعد مهماً أين وكيف ينامون، وإلى متى سيبقى الحال على ما هو عليه، فالمنظمات الدولية وكل من يعنى بشؤون النازحين، تقتصر مهامها على الظاهر الشكلي كما يحكي لنا أبو غيثاء، فهم فقط (يعملون لالتقاط الصور ووضعها على مواقعهم لكسب المزيد من التعاطف، أما على الواقع فلا شيء يرتجى منهم)...
وفي حقيقة الحال يبقى الواجب الأكبر على عاتق الدولة التي وجب عليها الالتفات لحالهم وإيجاد الحلول المناسبة والممكنة في الوضع الراهن، والقيام بدورها في الرقابة على أصحاب العقارات من المبالغة والمغالاة في أسعار الإيجارات، أو إيجاد مساكن بديلة والرأفة بحال المواطن الذي جار عليه الزمان.
ومع كل هذه المعاناة يراودني تساؤل بسيط هو: أين تذهب كل تلك المبالغ الخيالية التي تحكي عنها المنظمات والجهات المعنية بحالات الطوارئ؟ كيف لا تستطيع إنقاذ طفل جائع أو أسرة تشردت وفقدت كل مقومات الحياة الأساسية؟!
تساؤل يفتح الكثير من التساؤلات: هل حقاً انعدم الضمير الإنساني، أو أن ثمة حكاية أخرى تنسج خلف كواليس هذه الحياة؟!
المصدر يسرية محمد/ لا ميديا