علي نعمان المقطري / لا ميديا -

خلال الصراع الجاري انتشرت تصريحات لقيادات من طرف وكلاء نفوذ الإمارات توضح أن القيادة السابقة للمليشيات الإخوانية تسلمت أموالاً ضخمة وصلت إلى 350 مليون دولار سُلمت للشيخ المخلافي باسم تحرير تعز الشرقية من الجيش والأنصار، ولكنها أُكلت وضاعت، ما استوجب إبعاد المخلافي من تعز ومن اليمن بالكامل إلى تركيا تمهيداً لاستلام الإمارات دفة القيادة في تعز عبر الجماعات السلفية التابعة لأبوظبي، ممثلة بقوات أبوالعباس السلفية العفاشية، وجرى إعادة تسليم قيادة المواقع الواقعة تحت السيطرة إلى أيديها، 
وتركز فيها التمويل الأكبر وتم تقليص سيطرة الإصلاح على تعز بحصره في نطاق شمال المدينة وصبر والعروس، بينما انتقلت قيادة خطوط المواجهات مع الجيش إلى أيدي جماعات الإمارات عبر أبوالعباس ومليشياته، وشهدت حينها خيانة أقسام من قوات الحرس العائلي لصالح في تعز الغربية وتسليمها للعدوان عبر أبوالعباس، واعتبروه الوكيل الأول للعدوان في تعز الغربية بالتعاون مع طارق عفاش والأحزاب الليبرالية القومية المساندة له المرتبطة بالإمارات إدارياً وسياسياً، فأبوالعباس كان ومازال يعمل في أجهزة صالح الأمنية.

صراع حول الغنائم والأنفال والنفوذ
يقول العميل خالد بحاح، رئيس الحكومة العدوانية السابقة، في تصريحات له، إن فكرة تحرير تعز كانت مترافقة مع تحرير الساحل قبل عامين، أي في العام الثاني للعدوان، وأن القيادة المحلية للإخوان هي التي أعاقت عملية التحرير بعد أن استنزفت أموالاً طائلة مُنحت لها. وبحاح الآن يمثل وجهة نظر المحور الإماراتي الذي خسر المنافسة حكومياً أمام محور السعودية وهادي والإخوان، وموقفه مفهوم. ويقول أبوالعباس، في تصريحات صحافية سابقة حول علاقته المميزة بالتحالف العدواني، إن التحالف بقيادة السعودية والإمارات يمنحه الثقة أكثر من الآخرين، ولذلك سلم إليه القيادة في تعز بدلاً من الإصلاح والإخوان، بعد فشله في تحرير المحافظة من الجيش واللجان الشعبية.
ولأن الإصلاح (الإخوان) يظل هو القوة الأكبر بين قوى العدوان المحلية في الشمال، فما زال العدوان رغم الخلافات بحاجة إليه، وبقدر ما يذله ويعيد تربيته على طريقته فإنه يدفعه نحو مشاريع جديدة تخدمه على طريق إضعاف واستنزاف جميع الأطراف والسيطرة على الجميع.
وبناءً على الصلح الحبي الأخير بين الطرفين، وهو الذي هلل بعاطفية شديدة للتسامح والمحبة، ويقضي بسماح الإصلاح لمليشيات أبوالعباس السلفية بنقل قواتها وأسلحتها الثقيلة إلى جبهة الكدحة ـ المخا غرب تعز، وهذا ليس جديداً، فقد تم إعادة توزيع القوى بين الجماعتين على هذا الأساس نفسه منذ أشهر طويلة، غير أنه لم ينفذ من قبل في حينه لأسباب منها مصير السلاح الثقيل المتمركز في المدينة وحولها التابع لأبوالعباس، والمقصود هنا الدروع والمدافع والآليات والدبابات والصواريخ التي حصدتها جماعات أبوالعباس من تحالف العدوان ومن كتائب العفاشيين التي غدرت بالجيش واللجان الشعبية وانضمت إلى العدوان بالغدر والخديعة خلال العام الأول من العدوان مع سقوط تعز بأيدي الفصائل الإرهابية آنذاك، وهي أسلحة بكميات ضخمة جرى نهبها من مخازن الجيش اليمني في المعسكرات السابقة للحرس وألوية الفرقة الأولى مدرع، الواقعة جنوب وغرب المدينة.
لقد صنعت خيانة صالح، الإماراتية التوجه، إخلالاً بالتوازنات السابقة بين أطراف تحالف العدوان لصالح مليشيات أبو العباس على حساب الإصلاح.
فقد زودت كتائب أبوالعباس بمخزون هائل من الرجال والسلاح بهدف إعادة إقامة قاعدة مشتركة ليتم إسقاط كامل تعز من الداخل والخارج خلال الحملة على الساحل وعلى العاصمة ومترافقة مع فتنة ديسمبر 2017، وقبله إسقاط الجنوب والغدر بالجيش واللجان هناك، واكتملت بتعيين طارق عفاش قائداً لجبهة الساحل الغربي وغرب تعز، لكن صلابة الجيش واللجان وانهيارات العدوان وفشل الفتنة الداخلية والهزائم التي تكبدوها أمام الحديدة طوال العامين حطمت آمال العدوان والعفافيش من جديد وتعثرت مسيرتهم، فقد امتدت الهزائم والخسائر لتشمل قسماً كبيراً من مليشيات أبوالعباس والعفاشيين على جبهات الكدحة والمسراخ والضباب وشرقي تعز، وتحولوا إلى الدفاع، ولذلك انتعشت آمال الإصلاح مجدداً في الاستفراد بالمدينة والسيطرة على تركة الجيش اليمني المنهوبة.

محاور التناغم والتصادم
ثنائية التناغم والتصادم هي التي تفسر علاقات العدوان وقياداته الميدانية، فالقيادات الميدانية للعدوان تنفذ مشروعات عليا تطرح عليها، وكثيراً ما تكون متناقضة في صورتها لكنها فصول من العدوان نفسه وأطواره، وتعكس في كل طور مدى هيمنة القوى المسيطرة من القوى الكبرى في التحالف العدواني، وتعكس تباينات في الأولويات والمطامع الخاصة يديرها الأمريكي ـ البريطاني لإبقاء جميع الأطراف تحت السيطرة واحتواء مختلف الفصائل والأطراف الدنيا للعدوان وأدواته.

 تعز في مركز استراتيجية العدوان
إن قيادة العدوان الدولي في إدارتها لتعز ومرتزقتها تواجه إشكاليات موضوعية ومعضلات لا شفاء منها ولا تستطيع تجاوزها على المدى المنظور، ولذلك تلجأ إلى المناورات والالتفافات الجانبية والفرعية والازدواجية والتعارض في الأقوال والأفعال. ويشكل الصراع المستمر بين أطراف العدوان وأدواته واحداً من وجوه الإشكالية المعضلة القائمة التي يمكن وصفها بالعقيدة المزدوجة، حيث يحتفظ العدوان الامبريالي بمواقف وتصورات متعارضة متناقضة حول الوطن ومناطقه وقواه.
وإذا كانت تلك الرؤى المتعارضة لا تحضر على السطح فإنها لا تُلغى من الوجود، لأنها أساس التفكير الاستراتيجي كله، فالفكر الاستراتيجي يأتي ليخدمها ويحقق في كل طور أو مرحلة ما هو ممكن وقابل للتنفيذ والعمل، عبر تصميمه لبرامج وخطط جديدة تطابق المرحلة، فيتسلح العدوان بتصورين ومنظورين متناقضين، أحدهما خاص ثابت واقعي، والثاني تكتيكي جزئي قابل للاستخدام المرحلي، أي إطار للعمل الميداني الجاري... يتبع.