قسم التحقيقات ـ لا ميديا -

يعيش 3 ملايين مغترب يمني في الأراضي السعودية لا حول لهم ولا قوة، يحاصرهم البؤس والشقاء مهما حاولوا التظاهر بكونهم يعيشون حياة طبيعية لا تنغصها أية منغصات سياسية أو معيشية.. رغم ما يقوم به حاليا الذباب الالكتروني التابع لبن سلمان من حملات هشتاج تحريضية ضد المغربين اليمنيين بعنوان: "أعيدوا اليمنيين الى وطنهم".

من الوديعة تبدأ المعاناة 
يبدأ مشهد البؤس اليمني من منافذ العبور نحو المملكة، التي لطالما كانت في مخيلتهم بلد الرزق الوفير، لكن الحال تبدل. الصورة ليست مألوفة ولا يمكن بأية حال التسليم بها كواحدة من مقتضيات تطبيق القوانين الخاصة بسبل العيش في المملكة، حين يتعدى الأمر مجرد تطبيق القوانين إلى المساس بالكرامة لحاملي الجنسية ذات الرقم 111 في قائمة جنسيات العالم.
ومنذ الوهلة الأولى تسمح سلطات الجوازات السعودية لكل المقيمين في أراضي المملكة باستثناء اليمنيين بالدخول والخروج بصورة عادية، لكن المواطن اليمني القادم للعمل أو الحج والعمرة أو الزيارة ملزم بالانتظار في طابور طويل قد يمتد إلى 3 أيام أو يتقلص إلى 12 ساعة وفقا لحالة الازدحام، من أجل الحصول على تأشيرة الدخول أو المغادرة، وفي أجواء حارة جداً لن يجد المواطن اليمني الذاهب أو العائد عبر منفذ الوديعة بقالة واحدة لشراء ما يحتاجه من ماء للشرب على الأقل.
 وحين يصل إلى شباك موظف الجوازات يتم أخذ بصمات أصابعه العشر وصورة الوجه قبل منحه تأشيرة الدخول، لكن اتخاذ هذه الإجراءات نفسها وقت المغادرة لا يمكن تفهمه أو تبريره.
في منفذ الوديعة، شرق المملكة، تبدأ رحلة معاناة الحاج والمعتمر اليمني الذي سيكون عليه قطع طريق طويل يمتد زمنياً من الـ3 فجرا إلى الـ5 عصراً حتى يصل إلى ميقات السيل الأكبر للإحرام منه، فالملكة تغلق كل المنافذ في وجه المواطن اليمني الذاهب لأداء فريضة الحج أو العمرة أو العائد إلى بلاده أو الذاهب للعمل، وتجبره على التوجه نحو منفذ الوديعة في أقصى شرق المملكة ليجد نفسه بعدها مضطرا لقطع كل تلك المسافة بعد رحلة شاقة عبر طريق الموت (مأرب - العبر) أو (حضرموت - شبوة - العبر) لكي يصل إلى مكة المكرمة، هكذا يتم استقبال ضيوف بيت الرحمن اليمنيين.

فتاوى الإخوان 
كواحد من قيادات الارتزاق والعمالة أحال شيخ الإرهاب عبد الله صعتر حياة 3 ملايين مواطن يمني في المملكة إلى جحيم يفوق قدرة الأجساد النحيلة العاملة في حر الأراضي الصحراوية على الاحتمال. الكل هنا يتذكر لعنة صعتر ويستل تنهيدة حارقة مما آل إليه الوضع بفعل خطابات وتصريحات الرجل المريض. قال صعتر ذات خطاب يخطب فيه ود المملكة وإمعانا في الارتزاق إن المغتربين اليمنيين في المملكة يمولون "الحوثيين" أنصار الله... هكذا بكل بساطة قالها مشعلا معاناة تزداد وطأتها كل يوم على كواهل حوالي 3 ملايين يمني مغترب في المملكة.

الخدمات الصحية 
قبل خطاب صعتر كان بإمكان المغترب اليمني الحصول على خدمة طبية له ولعائلته بموجب بطاقة التأمين الصحي. لكن الرياض أخذت ذلك الخطاب كذريعة لتقضي به حاجة سابقة له في نفسها ضد اليمنيين فتقلصت تلك الخدمة على الفور واقتصرت على المستشفيات الخاصة، والتي ضاعفت أسعار خدماتها الطبية للمغترب اليمني وعائلته بشكل جنوني.
يقول نجيب الشميري (مغترب) إنه يعمل براتب شهري 3 آلاف ريال في أحد الأسواق ويعيش في المملكة مع عائلته ولديه تأمين مثل غيره من المغتربين العاملين، لكن الخدمة الطبية التي كان يحصل عليها تحولت إلى المستشفيات الخاصة، وترفض المستشفيات العامة حتى مجرد تقديم الإسعاف للمقيم اليمني بالعموم. وفي المستشفيات الخاصة بات اقتلاع سن أو ضرس يكلف مبلغ 400 ريال سعودي، ما يعادل 60 ألف ريال يمني، أما رسوم الولادة فقد ارتفعت إلى 12000 ريال سعودي ما يعادل مليوناً و800 ألف ريال يمني، وتكلف عملية إزالة الزائدة الدودية مبلغ 20,000 ريال سعودي، ما يعادل 3 ملايين ريال يمني، من هنا تتضح صورة الرعب الذي يعيشه المغترب اليمني لمجرد أن يشعر هو أو أحد أفراد أسرته المقيمين معه بعارض صحي لا قدر الله.

رسوم الإقامة 
واحدة من أكبر الكوارث التي يواجهها اليمنيون في المملكة السعودية تتمثل برسوم تجديد الإقامة، وحق الكفيل (مبلغ سنوي يدفعه المغترب لكفيله)، فالكفيل الذي يقدم كفالته للمغترب اليمني يعرف جيدا من أين تؤكل الكتف، فكلما زاد راتب العامل اليمني زاد مبلغ الكفالة السنوي، ناهيك عن ارتباط مصير المغترب بمزاج الكفيل كلية. ويتراوح المبلغ الذي يتقاضاه الكفيل من المغترب اليمني بين (3.000 ـ 10.000) ريال سعودي في العام. فإذا كان راتب المغترب 3 آلاف ريال فإن ما يحصل عليه الكفيل في العام يبلغ 3000 ريال سعودي، بينما يصل المبلغ إلى 10 آلاف ريال سنويا ممن يحصلون على رواتب عالية، ثم تأتي بعدها رسوم تجديد الإقامة والتي تعتمد على عدد أفراد أسرة المغترب المرافقين له.. وفقاً للمغترب (حمدي) فإن المقيم يدفع 25 ألف ريال سعودي مقابل تجديد الإقامة له ولأفراد عائلته البالغ عددهم 6 أفراد، و5000 ريال للكفيل، أي أنه يدفع 30 ألف ريال سعودي سنويا، ما يعادل 3 ملايين ريال يمني، وهكذا بات 3 ملايين مغترب يمني في أراضي المملكة يمولون الحرب السعودية على بلادهم منذ أربع سنوات بصورة غير مباشرة. مع ذلك لم يرض عنهم مسوخ العمالة من أمثال عبد الله صعتر، ومن لا يستطيع تجديد الإقامة فإنه يجد نفسه مضطرا للعودة بخفي حنين.

مبالغ التأمينات المهولة 
يقول ناصر، المحاسب في إحدى شركات المقاولة الكبيرة لصحيفة "لا" إن المغترب اليمني لم يتحول فقط إلى مجرد عامل بلا حقوق في أراضي المملكة، بل إن حقوقه التأمينية منذ مباشرة عمله وحتى مغادرته أرض المملكة تذهب أدراج الرياح، فكل ما يهم المواطن في الاغتراب أن يعمل ويرسل مصاريف إلى أهله بصورة شهرية، ولا يفكر حتى بمعرفة ما له وما عليه في هذه البلاد التي تستولي تأميناتها الاجتماعية وأرباب العمل فيها على مبالغ خيالية تصل إلى مليارات الريالات بالعملة السعودية هي حقوق تأمين على العمال اليمنيين أثناء عملهم في المملكة، وحين يحصل على خروج نهائي من قبل الكفيل فإن العامل اليمني ليس لديه أي معلومات عن حقوقه التأمينية، وهكذا يغادر المملكة لتبقى تلك المبالغ لصالح التأمينات التي تستثمرها بمشاريع عملاقة تدر دخولاً كبيرة هي حق للعامل اليمني الذي يعود من سنوات غربته بخفي حنين يلعق المرارة في شوارع بلاده وغير قادر على بدء مشروع يعوله.