ترجمة خاصة : د. محمد إبراهيم زبيبة -

ايلي ليك @
عندما اعترف المسؤولون "الإسرائيليون" والسعوديون بتحسن العلاقات بين البلدين في عام 2015، قامت الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الغربيين بتشجيع ذلك. صحيح أن الشرق الأوسط كان يتفكك في أماكن أخرى، إلا أن هذين الخصمين يتفقان حول رؤية مشتركة ضد إيران.

إن لهذا التقارب فوائده، ولكن، وفي العام الماضي، بدأ جانب مظلم بالظهور وجذب الاهتمام.
وعلى سبيل المثال، أطلعنا، في الشهر الماضي، صحفي ومدون فلسطيني يدعى إياد البغدادي، يعيش الآن في المنفى في النرويج، بأن السلطات النرويجية قد أبلغته أنه كان هدفًا للمملكة السعودية، حيث استخدمت سلاحًا إلكترونيًا قويًا من صنع "إسرائيل" لاختراق هاتفه. ويشعر البغدادي بالقلق من أن حياته قد تكون مهددة من قبل عملاء سعوديين.
كنت في أوسلو الأسبوع الماضي عندما أخبرني البغدادي بشيء طريف. لقد شعر بالارتياح عندما أخبروه بأنه هدف للسعوديين. فمن خلال بحثه الخاص حول اختراق السعوديين لمنتقديهم في الداخل والخارج، علم أنه كان مستهدفاً. وقال: "ما لم أكن أعرفه، هو ما إذا كان الأشخاص الطيبون يفهمون ذلك".
ومع وجود المخاوف المؤكدة على سلامته الشخصية –خاصةً بعد أن كان فريق سعودي قد قام باغتيال كاتب العمود في صحيفة "واشنطن بوست" جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في الخريف الماضي– أخبرني البغدادي أن بوجود هذه القرصنة السعودية لا يحتاج حتى أن يكون ضحية وينتهي به المطاف مقتولاً، حيث قال: "انتهاك الخصوصية هو فعل صادم، فهم يحاولون التشهير بك أو الحصول على فضيحة جنسية أو فضيحة مالية لابتزازك. وقد تكون في بعض الأحيان مجرد عملية تتبع لموقعك حتى يقوموا بضربك".
إن تمكين السعوديين من القرصنة الهاتفية للسعوديين يتم من قبل شركة "إسرائيلية" خاصة (تنتمي للقطاع الخاص) تدعى مجموعة (إن. إس. أو. NSO) المحدودة. وقد تعرضت حزمة برامج الأسلحة الإلكترونية الخاصة بالشركة، (بيجاسوس) للتدقيق المستحق في العام الماضي بسبب إساءة استخدام الحكومات للسلاح باختراق هواتف الصحفيين وناشطي حقوق الإنسان. ففي العام الماضي، رفعت مجموعتان من الضحايا دعوى قضائية ضد الشركة في "إسرائيل" وقبرص بسبب توفير المراقبة الهاتفية للحكومتين المكسيكية والإماراتية، والتي استخدمتها بعد ذلك ضد أهداف سياسية.
لقد أصبحت بيجاسوس وبرامج القرصنة المماثلة قادرة الآن على اختراق الهاتف دون الحاجة إلى نقر المستخدم على رابط (موقع إلكتروني). ففي بعض الحالات، مجرد مكالمة زائفة في تطبيق الواتس أب تكفي لإصابة الهاتف وتحويله إلى جهاز تتبع قوي. وهذا يجعله بشكل خاص مناسباً لمراقبة المنشقين العرب مثل البغدادي، الذين يعتمدون على خدمة الرسائل المشفرة للاتصال بشبكات الناشطين في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وقالت مجموعة (إن. إس. أو. Nso) في تصريح عام لها بأن منتجاتها يجب ألّا تستخدم إلا لمنع الجريمة ومكافحة الإرهاب. ويعتبر هذا تصريحاً رائعاً، لكن بالنسبة لعملاء مثل المملكة السعودية، يعتبر تصريحاً ساذجاً أيضاً. فالسعودية، بحسب كلام داني أوبراين، مدير الاستراتيجية في مؤسسة الحدود الإلكترونية، يمكنها تحمل تكلفة برامج تجسس يكاد اكتشافها أن يكون مستحيلاً. وقال لي: "إذا قمت ببيع أجهزة مثل هذه إلى مكان مثل السعودية، فسيتم استخدامها لاستهداف الصحفيين وناشطي حقوق الإنسان والمحامين".
وهذا يعيدنا إلى البغدادي. فقد لا يدرك ولي العهد السعودي عديم الثقافة الأمير محمد بن سلمان أن البغدادي ليس بالشخص الذي يفترض إخضاعه لنوع من الأسلحة الإلكترونية المطورة لمكافحة التجسس والإرهاب. فمنذ فجر الربيع العربي، كان البغدادي منتقداً كغيره للحركات الشمولية الإسلامية والأنظمة الاستبدادية المتحالفة ضدهم. وقال لي: "يدعونني عميلاً صهيونيًا أو متعاطفًا مع جماعة الإخوان المسلمين وذلك اعتمادًا على ما أكتب عنه".
إن هذا أيضاً يثير تساؤلاً لـ"الإسرائيليين". فمجموعة (NSO) تحتاج إلى ترخيص للقيام بأعمال تجارية مع السعودية. وتزويد السعوديين بالأسلحة الإلكترونية "الإسرائيلية" رهان أحمق قصير الأجل، خاصة عندما يستخدمه السعوديون لاستهداف الليبراليين العرب تحت ستار مكافحة الإرهاب. فهو يجعل "الإسرائيليين" مسؤولين جزئياً عن تجاوزات صديقهم الجديد.
إن بيع "إسرائيل" الأسلحة الإلكترونية إلى السعودية يقوض أمن الشرق الأوسط بمعنى غير ملموس كذلك. وأفضل طريقة لدرء الثورة الإسلامية هي بناء مجتمعات دائمة منفتحة بمرور الوقت. لقد كانت هذه رؤية الرئيس السابق جورج دبليو بوش والسياسي "الإسرائيلي" والمنشق السوفييتي السابق ناتان شارانكي، وهي أيضًا رؤية إياد البغدادي. ويجب أن تستخدم الدولة اليهودية قوتها لحمايته وغيره من أمثاله، بدلاً من إعطاء السعوديين الوسائل لإسكات أصواتهم.

*  صحيفة "بلومبرغ"
 15 يونيو 2019