خالد مسعد -  بشرى الغيلي/ لا ميديا -

أنا لست أزعم أنني إلا فتىً/ ولدته (أمٌّ)/ اسمها إبُّ الجميلةْ /جسدي ترعرع فوقها/ وصبايَ ما عرف الهوى/ إلاّ على تلك الخميلةْ/ مازلتُ أذكر وجهها يحنو عليَّ/ وقد بَنتْ لي موضعاً، في قلبها/ وسكنتُ فوق رموش مقلتها الكحيلةْ...
من رائعة الشاعر الدكتور عبدالكريم الشويطر، ابن إب الجميلة، وهو يتغنى بحسنها الأخاذ، كانت البداية... وإلى إب السفر يسبقه محطات يمر بها عاشق الطبيعة الولهان، وعليه اجتيازها، كمدينة ذمار وبعض من مديرياتها الشهيرة زراعياً، وتاريخياً..

 قاع جهران
الثانية ظهراً بتوقيت الشوق لرؤية المناظر الخلابة، يمتد أمام عينيك قاع زراعي شهير معظم خيرات الوطن الزراعية تصدّر للأسواق المحلية من خيراته، ويعتبر قاع جهران من أهم القيعان اليمنية الواقعة في الهضاب الوسطى، ويبعد عن العاصمة صنعاء حوالي 70 كم جنوباً، ويتبع إدارياً محافظة ذمار، وجهران إحدى مديريات المحافظة، ومركزها مدينة معبر.
اشتهر القاع بإنتاج المحاصيل الزراعية بمختلف أنواعها كالطماطم، والبطاطا، وجميع أنواع الحبوب، وذلك لما يملكه من تربة خصبة وصالحة للزراعة، وتعتمد في الري على مياه الآبار، بالإضافة إلى مواسم الأمطار... يحده من الشرق مديرية الحدأ ومن الغرب مديرية آنس ومن الشمال مديرية بلاد الروس التابعة لمحافظة صنعاء، أما من الجنوب فيحده مدينة ذمار مركز المحافظة.

ذمار موطن النكتة بلا منافس!
اعتقدنا أن النكات التي تُنسب لأهل ذمار من باب الاستظراف ليس إلا، ولكن الواقع يقول إنهم فعلاً يتميزون بخفة دمٍ حتى على مستوى الحياة اليومية.. وأنت مارٌّ في طريقك الطويل باتجاه وجهتك إب، تجدُ لوحةً كبيرة لسوبر ماركت كُتب عليها "سوبر ماركت القناعة"، ومن تسميتها يتبادر إلى الذهن مباشرة: إذا كان لدى المشتري القناعة كيف سيأتي للشراء؟ وبقناعةٍ تجاوزنا ما لفت انتباهنا.

خليها على ربك... أرحمك ليش؟
وتستمر مفاجآت الذماريين على طول الطريق، فحتى على وسائل المواصلات عباراتهم لا تخلو من روح الدعابة، فأحدهم كتب بالخط العريض على باصٍ خاص بالنقل اليومي، عبارة لا تخلو من طرافة: "خليها على ربك، أرحمك ليش"، وغيرها من العبارات التي تعكس الروح المرحة لساكني تلك المناطق، فيما توقفنا لثوانٍ أمام إحدى البقالات على جانب الطريق لشراء مشروب غازي، وإذا بصاحب البقالة يأتي إلينا بمشروبه الخاص، على ما يبدو كان عن غير قصد، الزجاجة كانت في نصفها، وبها أعواد قات، فأخبرناه أن المشروب مفتوح، ضحك البائع وناولنا مشروباً جديداً، وضحكنا نحن لأنهم فعلاً دمهم خفيف وصنّاع النكتة حتى من أبسط المواقف.

من هنا مرّ طيران الأعراب!
 تستمر عيناك بارتشاف صور الطبيعة الجميلة الممتدة على جانبي الطريق... تواصل رحلتك انطلاقتها، وهنا على مدخل مدينة ذمار ينتصب الصرح العلمي الشامخ (جامعة ذمار)، وتتسامق بشموخٍ مبانٍ عملاقة بالطراز المعماري اليمني الأصيل الممزوج بالحداثة، وما أحدث في النفس غصّة ووجعاً، أن معظم تلك المباني طالها القصف الهمجي لطيران العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي، وحقدهم الدفين بتدمير بنية اليمن التحتية، وكل المعالم الحديثة الجميلة، باستهدافٍ ممنهج لبنية اليمن التحتية، والتي ستبقى وصمة عارٍ في جبين المتشدقين بالإنسانية.

الحلو ما يكملش!
ما يميزُ الرحلة أن محافظتي ذمار وإب تتميزان بخطين، خط للمتجه إليهما، وآخر للعائد منهما، بعكس بقية المحافظات، وتلك ميزة تساعد على التخفيف من الحوادث المرورية والازدحام، وتجعل للسفر متعة جميلة. ملحوظة صغيرة حزّت في النفس أن الحلو ما (يكملش) كما يقولون، فعلى مدخل مدينة ذمار لم يتم استكمال بقية تلك الطريق، رغم أن المسافة صغيرة، وكان من الممكن أن تتبناها إيرادات الإدارة المحلية، وسبب ذلك ازدحاماً مرورياً كبيراً بعكس الخط الطويل، مما يدل على غياب خارطة عمل البنية التحتية لدى الجهات المختصة.

إلى سُمارة الأشم
تجاوزنا الكثير من الأماكن التي تتبع إدارياً محافظة ذمار (معبر، وذمار)، ومدينة يريم، بعدها كانت اللهفة تسبق عيوننا لنكحلها برؤية الساحرة إب، وإذا بنا على قمة الجبل الأشم والمطر يرافقنا بقطراته الهاطلة على زجاج السيارة، فكانت لحظات خرافية كفيلة بتحليقنا في أجواءٍ استثنائية ونحن نشاهد المناظر الطبيعية الغنّاء من قمته. وسُمارة نقيل يقع إلى الشمال الشرقي لمدينة إب على بُعد 93كم وعلى ارتفاع 2800م فوق مستوى سطح البحر، وفي هذا النقيل يُقال المثل الشعبي "سمارة مُردّ العجل" دلالة على الارتفاع الشاهق وشدة انكساره، وقد ذكره ياقوت الحموي في كتابه «معجم البلدان»، حيث قال: «قلعة ونقيل في ما بين مدينة إب ومدينة يريم، وفي الطرف الجنوبي لحقل كتاب"، وهو مشهور قديماً بنقيل صيد.
وتقع قلعة سُمارة في أعلى قمة هذا النقيل (الجبل)، وإذا ما بحثنا عن تاريخ هذه القلعة قلا نجد لها تاريخاً معيناً أو معرفة من قام بإنشائها، ولكن نجد أن الحموي قد ذكرها في "معجم البلدان"، وذلك في القرن التاسع الهجري، في حديثه عن جبل صيد، وذكر أن في رأسه قلعة يقال لها سمارة، وهذه دلالة على وجود هذه القلعة قبل هذه الفترة، كما يقال إن هناك مسجداً بناه معاذ بن جبل، دون الإشارة إلى القلعة، قد يكون هذا تاريخاً سابقاً للقلعة، ولكنه يظل إشارة هامة إلى تاريخ المنطقة.

دقائق صمت
كانت تلوح لنا خضرتها ومبانيها المتربعة على التلال كفاتنةٍ تسحرُ من يراها، وصرنا وجهاً لوجه على مدخل المدينة... لكن هنا نرى ما يُفسد جمال اللحظة، فإب المدينة تعاني من حفرياتٍ عميقة في شوارعها، قيل إنها بسبب الأمطار، ونحن تساءلنا إذا كانت الحفريات بسبب الأمطار، فأين دور الجهات المختصة بالمدينة، كونها صارت قبلةً للسياحة الداخلية من مختلف المحافظات؟

قبلةُ السياحة الداخلية
كانت المدينة مزدحمة جداً بزوار العيد، لدرجة أن البحث عن فندقٍ استغرق ساعتين، واستمررنا نبحث عن غرفةٍ دون جدوى، فجميعها كانت مزدحمة، لأن الزوار من المحافظات الأخرى كانوا يتوافدون زرافاتٍ ووحداناً، وفي تصريحٍ خاص لصحيفة "لا" قال حارث المليكي، وكيل محافظة إب لقطاع السياحة والتراث والنقل: إن السياحة في محافظـــــة إب لهـــــــا نكهة ومتعة خاصة، نظراً لتلك المواقع والمعالم الجمالية الرائعة، وهـــــــذا العام شهدت المحافظة والمواقع السياحية إقبالاً كبيراً وتوافداً سياحياً مستمراً، تزاحمت فيه تلك المواقع والمتنفسات خلال أيام العيد بشكل كبير، رغم معاناة الناس والأوضاع التي يعيشها البلد نتيجة العدوان والحصار، إلا أن الناس عاشوا فرحتهم وسعادتهم، واستمتعوا بهذا العيد وبشكل كبير جداً، تزاحم الناس في الحدائق حتى امتلأت وبشكل يومي، واكتظت بالعائلات والباحثين عن متعة العيد وفرحته.
ويضيف المليكي عن الفنادق قائلاً: الفنادق البالغ عددها 75 فندقاً بلغت نسبة الإشغال فيها تقريباً 96%، بل الكثير من الفنادق تم الحجز فيها منذ العشر الأواخر من رمضان، وأتى العيد ونسبة الإشغال فيها مكتملة تماماً، وهذا يعكس مدى إقبال الناس من خارج المحافظة.

تفتقر إلى الخدمات السياحية
من جانبٍ آخر، تحدث الأخ عبدالباسط النوعة أن المحافظة لازالت تفتقر إلى الخدمات السياحية، وانعكس عليها الوضع القائم بشكل كبير، خاصة على القطاع السياحي الذي يعد حساساً جداً يتأثر بأبسط الأحداث، فما بالنا بعدوان دولي وحصار خانق، كانت المحافظة قبل العدوان تستعد لإعلانها عاصمة للسياحة اليمنية، كونها تحوي الكثير من مواطن السياحة البيئية في مختلف مديرياتها وعزلها، فمن شلالات وادي بنا والغابات من الأشجار الخضيرة في وادي عنة ووادي الدور، وواحات الجمال في وادي ضبأ وشلال المشنة وفضاءات الجو الفسيح والمريح من أعالي جبال مشورة وبعدان والتعكر والبغدة بالسياني إلى حاضرة الملكة أروى مدينة جبلة وشلالها العالي في منطقة الوقش وتلك القلعة الشامخة في سمارة وحصن حب الشهير ببعدان وجبل ربي، وغيرها الكثير من مواطن السياحة والحضارة ما لا يتسع المجال لذكره في محافظة تستحق وبجدارة أن تكون عاصمة اليمن السياحية .

جبل ربي.. عشوائية التنزه
عند أقدامه تنامُ المدينة كعروسٍ زادها الحسن جمالاً، حيثُ اغتسلت في موسم المطر الذي زاد من خضرتها السندسية، جبل ربي من أعلى قمته تُطل على مناظر كانت عدسةُ الالتقاط رفيقة اللحظة لتوثيق مشاهد الجمال الرباني، وجبل ربي إحدى حارات حي الظهار بمدينة إب، بلغ تعداد سكانها 4491 نسمة حسب تعداد اليمن لعام 2004، ميزتها أنها تقع على قمة الجبل المطل على المدينة والعديد من المديريات، وعلى تلك القمة متنزهات لرواد السياحة، لكن للأسف كانت العشوائية هي السائدة، لا يوجد تنظيم للزوار، ولا تهيئة المكان للقادمين إلى أعلى تلك القمة، ورغم كل ذلك ودعنا جبل ربي والساحرة إب وأعماقنا تحدثها بكلمات الدكتور عبدالكريم الشويطر:
 يا إبُّ أنتِ خميلةُ الدنيا،
وأنت قطيفةٌ حارت بروعتها العقول
إبُّ التي في خاطري فرحٌ،
وقصة عاشقٍ
وقصيدةٌ كُتبت بذاكرة الحقول.