حاوره/ أحمد عطاء / لا ميديا -

حينما يكون لديك شاعر صغير السن ويكتب بتوهج الكبار وحداثية العصر التي لها صدى في الأوساط الثقافية، تشعر بثقة في الأجيال الشعرية القادمة، وتؤمن أن راية الشعر لن تسقط أبداً ما دام هناك أجيال تطور ذاتها رغم الصعوبات والبعد عن التواصل.
ضيفنا اليوم شاعر من منطقة عبال الشاهقة التابعة لمحافظة الحديدة، تهامي أسمر القافية، أبيض اللغة والروح.
قصائده مدهشة، وتراكيبه سلسة وعذبة. حتى في إلقائه يتميز بحس شعري شاعري مرهف يستطيع إيصال رسالته بكل سحر. متمكن لغوياً، ويخرج الحروف من مخارجها الصحيحة، مما يكسب القراءة رونق الكبار، تربطه بالشعر علاقة وجدان وحب، لهذا أبدع مبكراً، وأجزم بأنه سيكون ذا شأن كبير في المستقبل. إنه الشاعر التهامي أحمد عفيف النجار.

أتهجّى أبجدية القصيدة
 • الشاعر أحمد النجار، أهلاً وسهلاً بك في صحيفة "لا"!
أهلاً وسهلاً بكم. واسمح لي بداية أن أقول لك إني لا أتفقُ معك بأنني شاعر بكل ما تحملهُ الكلمة من دلالة، فالشاعر الحقّ لا يعترف بأنه شاعر، وكما يقول محمود درويش في جداريته "سأصيرُ يوماً شاعرا"، وأنا حقًا ما زلتُ أتهجّى أبجدية القصيدة. 

ملاذي الوحيد
 • بدايتك كانت قوية ومتطورة.. من الذي شجعك ونمى فيك القصيدة؟
بالنسبة للبدايات فهي غالباً متعثّرة، ولكنَّ الشاعر الجيد يصقل موهبته بالقراءة والابتكار. وبالنسبة لي ـولا أظنني إلا في البدايةـ كانت الوهلة الأولى للقصيدة لديَّ حالة من الوجد الصوفي والحزن الموروث عن الأسلاف. وكما أنَّ الحزن متطور وقوي في هذا البلد اللاسعيد فلا شك أن جميع من يعيشونَ عليهِ شعراء بشاعرية حزينة وقوية وكذلك متطورة جداً.
وفي بدايتي لم يشجعني على كتابة القصيدة إلا هذا الحزن؛ لأنَّ الكتابة كانت هي ملاذي الوحيد للتنفيس وتحويل البكاء إلى قصائد مُغنّاة. وبالطبع شجّعني أمي وأبي، فلهما كل الحب.

لا تعريف للشعر
 • ما هو تعريفك للشعر؟
تعريفي للشعر هو أنه لا تعريف له. الشعر هو ذاك الذي يُشعرك بالدهشة والبكاء والضحك معاً.

 • من أنت بلا قصيدة؟
قروي لا يتكلم إلا لهجة أمّه، فأحمد القصيدة غير أحمد الواقع.

البحث عن اللاموجود
 • متى يتوهج الشاعر ويصل إلى الذروة الابداعية؟
يقول بوذا: "أن تسافر جيداً خير لك من أن تصل". ولهذا فالشاعر لا يصل أبداً، يظل في حالة قلق دائم، وهاجس لا يملُّ من البحث عن اللاموجود.

جدتي شاعرة عظيمة
 • بما أنك شاعر تهامي.. برأيك ما الفرق بين الشعر الشعبي التهامي والشعر الفصيح؟
في رأيي أنَّ جدتي التهاميّة شاعرة عظيمة، فهي عندما تتكلم بلهجتها الشفّافة والصادقة تقول قصائد لا تُكتب؛ فهنا يجب أن نغُضَّ الطرف عن الفرق بين الشعر الفصيح والشعر الشعبي، فالعاطفة هي التي تحدد ذلك.

الفُصحى أبعدتني عن التهامية
 • هل تكتب الشعر التهامي الشعبي؟
نعم؛ كتبتُ الشعر التهامي في بدايتي عندما كنتُ في بيئة تهامية النكهة واللهجة. وربما أنَّ الشعر التهامي هو الذي أشعل في داخلي فتيل الشعر. فجدّي كان شاعراً شعبيًا يكتب القصيدة التهامية باحترافية بالغة الدهشة؛ ولكنّي لستُ كجدّي فأنا مُقلٌّ جداً، فعلى طول تجربتي الشعرية لم أكتب قصائد تهامية إلا بعدد الأصابع، وأكثرها ـبل يمكن كلهاـ كانت غزليّة ووليدة مواقف عابرة، ومن إحدى تلك القصائد التهامية التي مازلتُ أتذكرها: "قولوا لها أحمد مات، في خطوتك واملثمة"، هذه كتبتُها قبل ثلاث سنوات.
ومن ذلك الحين حتى الآن لم أعد أكتب الشعر التهامي بتاتاً؛ ربما بسبب اندامجي بالفُصحى وشغفي بها وأيضاً بُعدي عن البيئة التهامية التي تجبرك على كتابة الشعر الشعبي.

في المهد
 • متى كانت أول قصيدة كتبتها في حياتك؟
إجابةُ الـ"متى" هذي لا أستطيع تحديدها بالضبط، فأنا نشأتُ في أسرة أدبية وشاعرة؛ لهذا أظنُّ أنّي تلقّنتُ الشعر مع تعلمي أول الكلمات في المهد.
أتذكرُ أنني كنتُ أقولُ بعض الأبيات أو المهاجل هكذا ونحنُ نرعى الأغنام ارتجالاً وأنساها بسرعة، فلم أكن حينها مستوعبًا للشعر، وأيضاً لم أكن مؤمناً بأنني سأصبح في يومٍ ما شاعراً؛ لكنّي بدأتُ كتابة القصيدة بجديّة في مرحلة الثانوية، بعد أن اطّلعت على الشعر العربي بما يكفي أن يفجّر براكين القصيدة في أبحُري.

الشاعر لا يتأثر بأحد
 • من هو قدوتك الشعرية الذي تأثرت به؟
هُنا يجبُ أن نفصِل بين مصطلح القراءة ومصطلح التأثر ومصطلح القدوة، بمعنى أنَّ على الشاعر أن يقرأ لكل من سبقه من شعراء العربية ويبدأ من حيث انتهوا حتّى يكون متمماً لما مضى في مسيرة الشعر، وكما يقول المثل الياباني: "الذئب مجموعةٌ من عظام الخراف".
أمَّا التأثر فأولى بالشاعر أن لا يتأثر بأحد، كي لا يكون نسخةً مكررة "نسخ لصق"؛ وبقدر الإمكان يحاول أن لا يتأثر بالشعراء المُجايلين له، حتى يخلق أسلوبه الخاص وبصمته المميزة له.
وأمَّا من حيث القدوة فإنَّ كل شعراء العربية العصييّنَ على النسيان والذين مازلنا نردد أبياتهم العظيمة دائماً؛ فإنَّ هؤلاء جميعاً قدوتي، من الجاهلية حتى العصر الحديث.

كمٌّ هائل من الإبداع
 • ما رأيك في شعراء هذه المرحلة، خصوصا في خضم العدوان على البلاد؟
صعبٌ على شاعرٍ مازال يتهجّى أبجدية القصيدة أن يُقدّم رأياً، أو أن يزن الشعراء بميزان المُفاضلة والتقييم، "ورحمَ اللَّهُ امرئاً عرفَ قدر نفسِه"، فالأحسنُ أن يجتهد في تجربته الذاتية ويحاول أن يُنمّي قدراته بعيداً عن الاشتغال بالغير؛ لكنَّ بخصوص هذه المرحلة فإنَّ الإبداع يُولد من رحم المعاناة، ومن فوائد هذه الحرب ـالتي لا فوائد لهاـ أنَّها أخرجتْ لنا كمَّاً هائلاً من الإبداع المنقطع النظير، والذي لا شكَّ أنّه سيصل إلى العالم معبراً عن هول المأساة وفداحة الكارثة التي يمرُّ بها البلد.

 • كشاعر ما هي رسالتك لأعداء الحديدة؟
سيعودُ "اليمن السعيد" سعيداً برغم من أرادوا له الحزن والحرب، وكذلك ستعودُ "الحديدة" فُلَّةً تهامية.

دمعة ثكلى تُؤلمني وتلهمُني
 • ماذا تمثل الحديدة خاصة وتهامة عامة في قصائدك؟
بعيداً عن التعصب المناطقي، فالشعر رسالة إنسانيّة تمثل البشرية جمعاء؛ لهذا يجبُ أن يكون الشاعرُ شاعراً بكل العالمين، آلامهم وآمالهم، وصوتاً لكل المضطهدين في أيّ مكانٍ على ظهر البسيطة.
وقريباً من تهامة ومنّي فإنَّها تُمثل لقصائدي دمعة ثكلى تُؤلمني وتلهمُني.

القصيدةُ أُنثى
 • يغلب على نصوصك الشعرية اللغة العاطفية.. لماذا؟
من ناحية الجانب العاطفي، فأولاً أنا إنسان لديَّ عواطف وأحاسيس، وثانياً أنا شاعر، وأخيراً إن الحرب تغرسُ أنيابها في هذا البلد. من كل ما سبق يتبيّن أنَّه لا بدَّ من عاطفة الحب حتى نهزم الكراهية والعداء.
وأمَّا من ناحية الجانب الغزلي، فالسؤال لا يحتاج لتعليل، فطالب جامعي ومازال عازباً... ماذا تتوقع منه؟! وقبل كل ذلك القصيدةُ أُنثى.

لا إنسانية بدون حُبّ
 • من هو الشاعر بلا حب؟
الإنسانُ لولا الحب لا يُسمّى إنساناً، فالحبُّ أساسُ وجود البشرية، ودائماً كانت الكراهية سبباً لفناء المجتمعات، ومن هُنا فلا إنسانية بدون حُبّ، وكذلك لا شاعرية بدون حُب.

الغزل غير الحب
 • ما رأيك في بعض الشعراء الذين يكرهون الغزل ويقولون إنهم لم ولن يكتبوه أبداً، بل ويعتبرونه عيباً؟
الشعر الغزلي غيرُ شعر الحب، فالغزل أن تتغزَّل بأُنثى، أمَّا الحب فأنت تُؤدّي رسالة بكتابتك للمحبة بمشاعرٍ تقيّة ونقيّة.
فبعض شعراء العالم كانوا فلاسفةً لم يتطرقوا للغزل؛ ولكنَّهم لم يغفلوا شعر الحب والكتابة للمحبة.
ولكل شاعرٍ وجهة نظر، أن يكتب شعراً غزلياً أو لا، ولكنَّه عندما لا يكتبُ للمحبة فشاعريته فيها نظر.

خيانة لا تُغتفر
 • كيف تنظر إلى الشعراء الذين ينتفعون ويطبلون للعدوان على حساب بلادهم؟
كُلُّ مَن ينتفع بالشعر مِن الظلم لو سمّيناه شاعراً، فعندما يتحوُّل الشعر إلى وسيلةٍ للتكسُّب، فإنَّه يموت؛ والفادح إذا كان على حساب بلاده، فهُنا تكونُ خيانة عظمى لا تُغتفر.

حلم بسيط
 • ما هو حلمك كشاعر تهامي يمني؟
حُلمي بسيط جداً كبساطةِ أحلام أهلنا المنهكين من الحرب: أن ننعم بالسلام.

 • هل هناك سؤال نسيت أن أسألك إياه؟
لا أدري؛ كلُّ ما أعرف أنَّ الأسئلة تضيعُ عندما نجدُ الإجابة.

 • كلمة أخيرة تود قولها؟
شكراً مختلفاً ألوانه لك يا صديقي ولجميع القائمين على هذه الصحيفة ولكلِّ إنسان ينشرُ السلام والمحبة، وسلاماً عبِقاً غدِقاً لمن سيقرأ هذا الحوار... كُل الود وكل الورد.