علي نعمان المقطري / لا ميديا -

بعد قرابة القرن تحاول السعودية الأمريكية الصهيونية أن تكرر نفس القواعد وتفرض نفس المعادلات الاستراتيجية القديمة كأنها حقائق ثابتة خالدة لا تتغير على الأرض.. لم يتعلم العدو كثيراً من التاريخ، ولم يدر أن مياهاً كثيرة قد تدفقت في نهر الحياة اليمنية، وأن اليمنيين قد تعلموا الكثير، وأن العالم قد تغير حول اليمن في الكون.
خلفية ذلك، هو غرقهم في كهوف ملذاتهم وشهواتهم وترفهم وجهلهم وطيشهم وغرورهم ومخدراتهم، فكل شيء يديره الأمريكي بدلاً عنه، بينما يواصل الغرق في مجونه اليومي للدرجة التي صار فيها الكثير من الأمراء لا يعلمون مساحة مدنهم ولا عدد سكانها، والعقلية التي يحملها ابن سلمان اليوم هي التي ورثها منهم..

ولأول مرة لم تجد السعودية ومخابراتها من ترشوه وتشتريه من القادة والوزراء والمسؤولين في صنعاء بعد أن قذفت حمم البركان الثوري بكل العملاء والمرتزقة والنفايات البشرية نحو الأحضان والمخادع والمواخير السعودية وصناديقها.

من حسنات العدوان
من حسنات عدوانها الهمجي أنه كشف الغلالة الرقيقة التي كانت تستر حقيقتها ودعاواها خلفها، وكيف تحشو أفواه الساسة والجهابذة العتاة والطغاة بالأموال والترهيب والترغيب والإغواء، وظهرت كشوفات "اللجنة الخاصة السعودية" الحاكم الفعلي في صنعاء قبل يمن 21 أيلول، وأسماء الزبانية الأدعياء الذين كانوا عصيانها الغليظة على الشعب المظلوم المسحوق المُفقَر، وكشفت الحجاج السريين والعلنيين إلى السفارات السعودية والبريطانية وغيرها من سفارات الإمبريالية والرجعية من "الوطنيين والقوميين واليساريين والليبراليين والعلمانيين والمتحررين والتقدميين"! وكانوا هم سواترها الرملية المنفوخة.
لقد ظل الأمريكي السعودي لـ50 عاماً يقتلوننا ويحاربوننا ويدمروننا من وراء هذه السواتر، لكي يبقى الشعب محترباً مع نفسه وأهله، ويبقون هم يديرون المشهد السياسي والاجتماعي من خلف أستار السفارات الشيطانية القبيحة.
لقد تلاعب هؤلاء الأدعياء بردات الفعل الشعبي عند كل منعطف حاسم من تاريخ الوطن، وقلبوا التأجج الثوري لدى الشعب إلى مطالب "إصلاحات" زائفة وتغييرات شكلية لبعض الوجوه المتعفنة لصالح أخرى صاعدة (والتي لا تجري إلا بمقابل أيضاً كالتنازلات في الأمن القومي والسيادة والكرامة والأهداف والمصالح الوطنية)، بينما تواصل مخالب المنظومة الكولونيالية الإمبريالية الانغراس في أحشاء البلد والشعب.
إن كل خطوة لتحسين أحوال الناس تقابلها طلبات وأطماع جديدة، وكل محاولة للتحرك باستقلالية ولو جزئية يقابلها التهديد والوعيد الحديد والنار. لأن من كانوا "معارضين" كما يسمون أنفسهم، كانوا مرتهنين للأجنبي بكل معنى الكلمة، بالأيديولوجيا والفكر كحد أدنى إن لم يكن بالمال، وجل توجههم هو في الداخل، بينما محي من أدمغتهم المثقوبة كل معنى للوطنية والسيادة والاستقلال، والواقع الفعلي أن الأجنبي الغربي الأمريكي الصهيوني صار هو ربهم الذي يأتمرون له ويطلبون رضاه وعونه.

الخيانة مرتدية أثواب الحكمة
مثلت خيانة بعض المثقفين اليساريين مثالاً للحكمة الفاجرة التي تبات في أحضان العدوان الهمجي، وتعمل في بلاطه جرسونة مموهة ترتدي وظيفة وكيل عقاري محلي للأجنبي!
لقد بلغ الأمر ببعض القادة اليساريين اليائسين أن أعلنوا أن "العصر هو عصر السعودي، والقرن قرن أمريكا"!
ومادامت السياسة -طبقاً لقاموس هؤلاء المثقوبين- هي "فن الممكن"، و"فن تقديم التنازلات"، فليس بالإمكان "إلا ما تمكن منه وتعطيه السعودية"، ثم يشتط العته بصاحبه اليساري الآخر بالقول: "إن الأهداف مشتركة ومتلاقية، قد حصل لأول مرة بين القوى التقدمية والمملكة ويجب استثماره"!
أما أتفه كتاب اليسار فيعلنون بصراحة أنهم "شركاء مع المملكة في مشروع استراتيجي قومي موحد لمواجهة مشروع العدو القومي للعرب في صنعاء حيث المركز المقدس". وأما أشدهم خسة وانحطاطاً فهو الذي يدعي أنه وطني ويقف بالضد للعدوان، بينما يثقف أنصاره ومريدويه أنه "لا يجب علينا محاربة السعودية بالسلاح والعنف، وإنما ندعو إلى المواجهة سلمياً وبطريقة حضارية"!
علينا أن نكون متيقنين أن طريق الخيانة لا يرتادها العميان، بل المستبصرون الواعون من قادة وعلية القوم، وهم السباقون إلى بئر الخيانة ويزينونها للمساكين ويبررونها في نظرهم ويقللون من شأنها، فهي محتملة "مباحة عند الضرورات طالما القصد المصلحة العامة" وفقاً "لفقه الخيانة والعمالة".
وحين يظهر من يصمد بصلابة واعتزاز وأنفة وكبرياء من تحت ركام الدمار الهائل الذي يهديه العدوان (الحضاري التقدمي) بصواريخه (الحداثية) إلى ملايين الفلاحين والشقاة والعوام والأطفال اليمنيين والأمهات لقتلهم وترويعهم؛ حين يظهر من يقاوم ذلك ويتصدى له ولوحشيته؛ ينبري له سيل متجحفل من الكتاب والمثقفين والمتكلمين والمناطقة أن هبل المقدس قد انتهكت أقداسه ومحارمه، وبأنه قد كفر من يتحدث عما لا وجود له إلا في "الأذهان النزقة المتحمسة".
يطل مسيلمة من أحد أبراج لندن العاجية ليفتي بأن "الوطن مازال حالة ذهنية لا أكثر، فهو ليس جغرافية وبحاراً وصحاري وسواحل وجزراً وأراضي تحتل وأعراضاً تنتهك وتغتصب وكرامة وعزة وشرفاً واستقلالاً وحرية تستباح"، فكل ذلك مجرد تجريدات في "أذهان الحالة الشعبوية المتوهمة غير الناضجة بعد"، والتي -فعليا- لم تمت أحاسيسها المتوهجة ولم تبرد.
 
مخلفات البريطاني تنتفض لتصحيح التاريخ أين "الزبيدي" الحفيد من "الزبيدي" الجد؟
أين الثرى من الثريا؟ فهذا اللواء المخضرم المسمى عيدروس الزبيدي، الخادم الوضيع الذليل لقوات الاحتلال والاستعباد الأجنبي "زُبيدي" جديد يدنس تربة الأجداد، ويهين شرفهم ويذل كرامتهم وتاريخهم المجيد. للأسف إنه يتحدر من أرومة الفارس اليماني الكرار عمرو بن معد يكرب الزبيدي الكهلاني المذحجي، من عشيرة زبيد العنسية المذحجية السبئية اليمانية القحطانية، صاحب السيف البتار قاهر المجوس الأشرار في معارك القادسية الشهيرة، وقاتل هرمز قائد جيوش المجوس آنذاك، وهو المعتز بيمنيته وقومه في وجه أرستقراطية قريش التي تميز في العطاء بعد الطعن، وتساوي في تقديم الرجال نحو الموت، ولا تنزل الرجال منازلهم، وتتجاهل مقاديرهم، وتعين عليهم قادة من أغمار الناس تأثراً بالقرابة والأثرة.. وعمرو الزبيدي هو القائل في قصيدة شهيرة:
إذا قُتلنا ولم يبكِ لنا أحدٌ 
قالت قريشٌ ألا تلك المقاديرُ 
نُعطى السوية من طعنٍ له نفذٌ 
ولا سويةَ إذ تُعطى الدنانيرُ
أكر بـ باب القادسية معلماً
وسعد بن وقاص عليَّ أميرُ
لقد كان سعد من كبار القادة في نظر قريش، لكنه في نظر الزعيم اليماني الزبيدي أصغر من أن يولى عليه وعلى أقرانه من مخضرمي الحروب وأبطالها، ولم يقر الظلم في توزيع العطاء حسب التمييز القبلي والانتماء لقريش أولاً بسهم كامل المقدار، ثم بنصف سهم لعامة المسلمين المقاتلين، وقد غضب عمرو الزبيدي غضبة يمانية أخافت الحكام، وبلغت به أن تمرد لبعض الوقت مع قبائله من مذحج وهمدان وحمير اليمانية، وكانت تشكل أغلب جيوش الفتح الإسلامي، واضطرت إدارة العاصمة إلى مداراته وترضيته وتزويجه أخت الخليفة الأول، ومضاعفة العطاء له ولقومه ولحصانه، حتى عاد إلى الميدان وكانت لهباته الحربية وكراته واندفاعاته ولقومه اليمانيين الدور الأكبر في انتزاع النصر في القادسية، وبالأخص تشكيل حرب قبيلة بجيلة اليمانية الشهيرة التي أنجبت أشهر مقاتلي وقادة وشهداء حرب القادسية، والمبادر إليها القائد البطل اليماني المثنى بن حارثة الشيباني البجلي المشهور بمثنى الخيل. 
كان لغضبته تلك عظيم التأثير أن أجبرت الحكومة القائمة آنذاك على تصحيح الخلل في التوزيع وإعادة الحق إلى نصابه والتسوية في العطاء، ويمكن القول تاريخياً إن عمرو بن معد يكرب اليماني الزبيدي كان المؤسس الأول لحركة المعارضة والاحتجاج ضد الفساد الأرستقراطي في إدارة الدولة العربية... فضعوا المقارنة بين ذلك الجد العظيم وهذا الحفيد الذليل القزم، فانظروا كيف يذوب شوقاً وصبابة وعشقاً في ذيول الاحتلال الصليبي الصهيوني ورموزه، وها هو وهو يخطب في البرلمان البريطاني في العاصمة لندن، قبل أشهر، باسم المجلس الانتقالي الانفصالي، مخاطباً العقلية البريطانية التي اشتاق إلى زمن احتلالها لعدن والجنوب، معتذراً عما بدر من شعب الجنوب الثائر من "ظلم وقهر للإنجليز في شوارع عدن وجبال ردفان والضالع والشعيب، وقتلهم بدون ذنب من جانب المتطرفين القوميين اليساريين، وترهيب الماجدات البريطانيات وأزواجهن الوديعين"، من أمثال علي عنتر وعلي شايع وصالح مصلح وسعيد صالح وسلطان أحمد عمر وعبد الفتاح إسماعيل وفيصل عبد اللطيف وقحطان الشعبي وسالم ربيع علي والحاج صالح باقيس ومحمد صالح مطيع وعبد النبي مدرم وعبود الشرعبي ومحمد سعيد محسن وسيف الضالعي ومحمد صالح عولقي... إلى آخر قائمة الأبطال قادة النضال الوطني، الذين يسميهم هذا القزم عيدروس "العملاء" الذين أفسدوا بينهم حبال الود وقطعوا روابط المحبة!
إنه يتندم على 130 عاماً من "هناء العيش الرغيد والسلام والوحدة الاجتماعية والتطور والتقدم والحضارة الجميلة والعلوم والسعادة الغامرة لأبناء الشعب"!
وها نحن اليوم كجيش ولجان شعبية وقبائل ثائرة حرة وأنصار أبطال وقوى وطنية وشعب مسحوق ثائر على قيود الاستعمار والعبودية والجوع والذل، ها نحن نحاكم من قبل عيدروس -لا كشخصية بل عقلية يجسدها كذلك المفسبك الضئيل ياسين سعود نعمان- في البرلمان البريطاني، لأن ذنبنا أننا أحرار ولا نقبل إلا أن نكون أحراراً.
إن أشد ما يأسف له العدو هو خسارته لهذه النخب الماجنة، ولهذه الأذهان المريضة الرخيصة التي مكنت العدو منا طيلة عقود. واليوم أراد المراهنة على هذا الحال المقرف، غير أن يمن 21 أيلول لم يعد هو ذلك ما قبل أيلول 2014م.
نعلم جيداً اليوم أنكم تكرهوننا شامخي الهامات منتصبين بثبات أمام ما نصنعه من معجزات في الميدان والحرب والصناعة، تكرهون شموخنا أمام ما نصنع من صواريخ باليستية ومجنحة وطائرات مسيرة، وما حققناه من اكتفاء في التصنيع العسكري من الطلقة إلى الصاروخ.
تكرهوننا لأننا نريكم حجمكم ومقداركم الفعلي ومدى ضآلتكم وقزامتكم ورخصكم.