ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين -

أحمد العمران 
تتجه المملكة للحد من تأثير الأصوات القلقة بشأن ولي العهد.
تحاول السعودية أن تغري مواطنيها في الخارج بالعودة إلى المملكة قبل أن يخترقوا رواية الإصلاح التي يروج لها ولي العهد محمد بن سلمان. 
أتت المبادرة بعد تسعة أشهر من مقتل جمال خاشقجي، الصحفي الذي كان منفياً وناقداً لولي العهد، وقد أساء لسمعة المملكة أكثر من مرة. وفي محاولة لتجنب سعوديين آخرين يعيشون في الخارج يعلون أصوات قلقهم إزاء قيادة الأمير محمد، يحاول المسؤولون حالياً إقناع النقاد والمعارضين بالعودة إلى الوطن مع إعطائهم ضمانات لحياتهم حال عودتهم، حسبما ذكر شخصان ذوا اطلاع على الأمر. 
قال سعودي في المنفى: "عادة ما يتصل بك شخص قريب من القيادة أو وسيط آخر ليقول لك: لدي رسالة شخصية من ولي العهد يعدك فيها بأنه لن يكون هناك أي أذى أو ضرر عليك أو حتى فترة احتجاز في حال اتخذت قرار القبول بالعرض". 
ويبدو أن الطلب القائم لإحضار المعارضين إلى الوطن لا يزال ساري المفعول حتى بعد مقتل خاشقجي، الذي كان مقيماً في فرجينيا، والذي أدخل السعودية في أسوأ أزمة إنسانية عاشتها مع الولايات المتحدة عقب هجمات 11 سبتمبر. 
قال شخصان على اطلاع مباشر إن المستوى العالي من عدم الرضا إزاء الدعاية السعودية قد دفع بمحكمة ملكية مؤخراً إلى إجراء دراسة، عن الموضوع. وتقدر الدراسة، التي لا تزال قيد المراجعة ومن غير المحتمل أن يتم كشفها للعامة، أن عدداً من السياسيين السعوديين الذين يطلبون اللجوء السياسي سيصل عددهم إلى 50 ألفاً في العام 2030. 
واقترحت الدراسة أن تتخذ الحكومة تقارباً أكثر ليناً في تعاملاتها مع المعارضين، بتقديمها لهم خيارات مغرية للعودة بدلاً من الضغط عليهم وتعويدهم على المقاومة. 
وكان عدد صغير من المعارضين الإسلاميين السعوديين قد لجأ إلى العواصم الغربية، مثل لندن وواشنطن، منذ التسعينيات، والبعض منهم عاد بعد عقد صفقات مع الحكومة. ولكن عندما ضاقت مساحة النشاط وحرية التعبير داخل المملكة في السنوات الأخيرة فضلت مجموعة أكبر من السعوديين أن تعيش حياة جديدة في الخارج. 
لم تستجب الحكومة إلى الدعوات للتعليق في هذا الشأن. 
تظهر بيانات مصدرها وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 815 سعودياً قد تقدموا بطلب اللجوء في 2017، مقارنة بـ195 في 2012. وكانت المملكة المتحدة وألمانيا أبرز الوجهات بالنسبة للسعوديين الباحثين عن ملجأ. 
بعضهم طلاب لديهم منح حكومية وقرروا عدم العودة. والبعض من النساء اللواتي هربن من خناق قواعد الوصاية الذكورية. وفي الوقت الذي لا توجد فيه أي منظمة تجمعهم معاً تحت سقف واحد، فإن تعاونهم وتواصلاتهم تمثل تحدياً جديداً للحكومة السعودية، وهي تناضل لجذب الاستثمار الأجنبي لدعم خطط الإصلاح الطموحة للأمير محمد. 
قال ناشط سعودي مقيم في أوروبا: "جزء كبير من قلقهم هذا هو أن هذه المجموعة المقيمة في الخارج مشاركة بالضغط على الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والكونغرس في الولايات المتحدة... لقد لعبوا دوراً رئيسياً في ردة الفعل العنيفة ضد السعودية في الأشهر الأخيرة، لأنهم كانوا يعملون بطريقة لم يسبق لها مثيل. وإذا ظلوا صامتين سينسى المجتمع المدني وسيزاول عمله وكأن شيئاً لم يكن". 
في العام 2016 حذر مجلس الشورى -وهو هيئة استشارية معينة من قبل الملك تعمل كشبه برلمان- من أن أكثر من مليون مواطن سعودي يعيشون في الخارج بشكل دائم، وطلب من الحكومة أن "تحقق في هذه الظاهرة وأسبابها قبل أن تصبح تهديداً أمنياً أو مأزقاً اجتماعياً"، وفقاً لتقارير وسائل الإعلام المحلي. 
أصدرت أغنيس كالامارد، مقرر الأمم المتحدة الخاصة المعني بحالات الإعدام خارج القضاء، تقريراً في الشهر الفائت يدعو للتحقيق مع ولي العهد، وذلك لوجود "أدلة موثوقة" على أنه ومسؤولين آخرين كباراً ضالعون في جريمة قتل خاشقجي. ورفضت السعودية ذلك التقرير، قائلةً إنه اعتمد على "أحكام مسبقة وأفكار مجهزة مسبقاً". 
وقالت إيمان الحسين -زميلة زائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الأجنبية- إن الاقتصاد غير المستقر والتغييرات الاجتماعية التي تحدث حالياً في السعودية ساهمت في حالة من الاستقطاب العميق، وبالتالي دفعت ببعض الأشخاص إلى المغادرة، حتى لو لم تكن أغراضهم سياسية بحتة. 
قالت السيدة حسين: "إن جو الخوف وعدم اليقين نتيجة للتغييرات الجذرية التي تم اتخاذها حتى الآن يمكن أن تفيد بمساحة أكبر للمناقشة، وهذا سيسمح بتنوع وجهات النظر. إذا تم تبني أرضية وسط، يمكن أن يتم احتواء أشياء كثيرة في الدولة". 

* "فاينانشيال تايمز"
 14 يوليو 2019