ترجمة: زينب صلاح الدين -

نوح ميلمان
باتت إدارة ترامب على حافة خسران حربها الأولى؛ فهل ستعترف بذلك؟
بدأت حرب أمريكا في اليمن خلال السنوات الأخيرة لإدارة أوباما كرشوة للسعودية، كي تخفف من قوة ضربة اتفاقنا النووي مع إيران، وكي نجدد التأكيد لهم بأننا لم نكن لنتخلى عن المنطقة أو نتحول إلى طرف طهران في تنافسهم مع الرياض. وحينما لم يكن من الواضح ما إذا كان الدعم الإيراني عاملاً مهماً بشكل خاص في نجاح "المتمردين الحوثيين" في البداية، كانت السعودية تخشى من توفر أي موضع قدم للشيعة في جنوبها. وكانت الولايات المتحدة متحمسة لتخفيف هذه المخاوف، حتى إذا كانت هي ستقع في خطر الغرق في مستنقع شرق أوسطي. 
وغرقت فعلاً فيما كنا متأكدين منه. ورغم أنه قد تم ترشيح ترامب للرئاسة من أجل معارضة حروب أمريكا الفاشلة إلى حد ما، فإنه منذ بداية إدارته أعطى السعودية بشكل أساسي دعماً غير مشروط لشن حربها في اليمن بقوة ووحشية متى ما رأت ذلك مناسباً. ونتج عن ذلك العنف والوحشية كارثة إنسانية لسكان اليمن؛ وكذلك عزز من قوة الحركة الحوثية في نهاية المطاف وجعلها تقترب أكثر من إيران. 
أثارت حرب ترامب معارضة بارزة في الداخل. والانسحاب من اليمن هو أحد العناصر القليلة في السياسة الخارجية التي وافق عليها كل المتنافسين للترشح، وكذلك أحد العناصر القليلة التي كان يرغب معها مجلس الشيوخ الديمقراطي في أن يلوم الإدارة. ولكن حتى الآن، ربما استطاعت الإدارة على الأقل أن تجادل على أن الحرب قد وحدت حلفاء أمريكا الإقليميين في معركة هامة لاحتواء إيران. وربما استطاعت أن تتخذ الإدارة موقفاً ثابتاً في الوقت الذي خسر فيه البعض طاقته من أجل الفوز، بينما كان الرئيس عازماً على التمسك بالانتصار. 
والأسبوعان الماضيان قد جعلا موقف الثبات هذا غير مُجد. 
فحرب السعودية وأمريكا الآن باتت على حافة الانهيار. حيث سحبت الإمارات -أكبر حليف للسعودية في الحرب- قواتها من القتال؛ مما أعطى الضوء الأخضر للانفصاليين الذين كانوا يقاتلون جنباً إلى جنب مع الحكومة المدعومة من السعودية لفتح جبهة جديدة ضد حلفائهم السابقين. وسيطر هؤلاء الانفصاليون على ميناء عدن. وأمر تقسيم اليمن إلى دولتين -دولة يسيطر عليها الحوثي وجنوب منشق مدعوم من الإمارات- أو الوقوع في مجموعة متنوعة من الفصائل المتحاربة، سيكون احتمالاً وارد الوقوع. 
يمكن أن تمثل إحدى النتيجتين فشلاً تاماً ومطلقاً للسياسة السعودية، وبالتالي لسياسة داعميهم الأمريكيين أيضاً. ولكن هل تكون أمريكا قادرة على إدراك تلك الحقيقة؟
تاريخياً، أبدى الأمريكيون قدرة غير مألوفة في نفي الفشل العسكري التام بدون تحفظ. لقد قتلنا ملايين المدنيين في كوريا الشمالية وفيتنام الشمالية في محاولة لتحويل -في الحالة الأولى- المأزق إلى انتصار، وفي الحالة الثانية التغلب على المأزق. وأخيراً كلتا المحاولتين تبوء بالفشل. وفي حربنا في أفغانستان والعراق وليبيا زعمنا أننا انتصرنا في بادئ الأمر لأننا طردنا "طالبان" وقتلنا أسامة بن لادن، وأطحنا بديكتاتورية صدام حسين وعجلنا بسقوط معمر القذافي. وقد كان يعزى الفشل في كل حالة من الحالات السابقة في "كسب السلام" بعد النجاح في المعركة إلى التخطيط الهزيل أو إلى الأخطاء التكتيكية بدلاً عن طبيعة غير مستحبة للصراعات نفسها. 
إذا تابعنا تاريخنا مع اليمن، عندها بإمكاننا أن نتوقع أن تستجيب أمريكا للفشل، عن طريق أخذ دور مباشر أكبر لها في الصراع؛ كأن تحل محل السعودية وتقود حملة عسكرية لتمزيق اليمن بحجة "إنقاذها". ولكن في حالة اليمن، لا يوجد أساساً أي موقع أمريكي نحميه مع شراء حجة أن القضية قد ضاعت بسبب تحفظ غير مبرر. كانت اليمن هي أول قبضة بريدية نرسلها؛ والتي لم نحرص أبداً على أن نرتدي معها القفازات المخملية. 
علاوة على ذلك، بينما لم يكن ترامب قلقاً على الإطلاق بشأن التكلفة المادية للصراع، إلا أنه كان لديه نفور واضح من أن يتحمل هذه التكاليف بنفسه. وبما أن أمريكا تحب أن تتدخل بعناد وترفض القبول بالهزيمة، يفضل ترامب أن يسارع إلى إلقاء اللوم على شخص آخر. إذن من الشخص الذي يمكن لومه؟ هل هو مستشار الأمن القومي على خوفه الشديد من التهديد الإيراني؟ أو صهره على رسمه صورة وردية للغاية عن نظيره الأمير السعودي؟ من الصعب العثور على أي شخص متورط لم يختره الرئيس نفسه. 
بالنسبة لأمريكا، الحساب المهم إزاء عدم كفاءة وعجز ترامب هو أقل من الحساب إزاء عجزنا نحن. خلال الأعوام الأربعة الماضية، أنجزنا عدداً من الاستراتيجيات المختلفة في الحفاظ على موقع هيمنة في الشرق الأوسط، من الموازنة الخارجية حتى مكافحة التمرد، وحتى تغيير النظام. ولا شيء من ذلك قد وصل إلى ما يشبه "الانتصار"، ولا حتى الاستقرار. حسناً، حان الوقت للاعتراف بأن هذه الأهداف التي لا نعرف كيف نحققها ببساطة أو نقود هي سياسة خارجية بروح مهذبة كما هو المطلوب، بدلاً من أن نجبر الملايين على دفع الثمن مقابل عدم قدرتنا على إدراك حدودنا.  

(The Week)
23 أغسطس 2019