الشهيد الحبيشي.. قائد فريق الأحرار
- تم النشر بواسطة طلال سفيان/ لا ميديا
أمام الدور الكبير الذي قدمته الحركة الرياضية والشبابية في الكفاح الوطني المسلح، نتوقف هنا أمام قصة "أول شهيد رياضي" تجسدت فيه كل معاني التضحية والفداء، وافتقدته البلاد كمناضل جسور، كما افتقدته ملاعب الكرة كلاعب بارز دمث الأخلاق شديد الإخلاص لكرة القدم وجماهيرها. إنه محمد علي الحبيشي، نجم وهداف نادي الأحرار.
ولد محمد علي الحبيشي عام 1941م في عدن، وتلقى تعليمه في مدرسة بازرعة الخيرية الإسلامية والمعهد التجاري في عدن، والتحق بالعمل في شركة مصافي الزيت البريطانية بعدن الصغرى (البريقة).
كان الحبيشي أحد أبرز العناصر الرياضية في ناديي الاتحاد المحمدي والأحرار الرياضي، واشتهر كلاعب متميز بالمراوغة والضربات القوية وضربات الرأس والقدرة على اللعب في كل المراكز.
في البدء كانت الأحاسيس تهفو وتتفاعل مع هموم الوطن، وتتلمس معالم طريق الخلاص من نير المستعمر البريطاني، وظلت المشاعر هذه تتنامى في صدر الحبيشي، الأمر الذي كان يدفعه دفعا للبحث عن المخارج والمسالك والسبل للتعبير عما يعتمل في نفسه، حيث شرع مبكراً في تنظيم أبناء حارته ضمن مجموعات شبابية مسلحة بالعصي والحجارة لمهاجمة الأعداء، وكذا الاندفاع للمشاركة في المظاهرات والمسيرات وبحماس وطني جارف، شارك كثيرا في هذه المظاهرات واشتبك كثيرا مع قوى الاحتلال البريطاني وأصابه الكثير من الأذى والتعذيب في مواقف عديدة على يد جنود الاحتلال البريطاني.
ولأنه ذو معدن أصيل ووطني غيور ومخلص ومؤمن بقضيته العادلة فقد تحمل الأذى وصنوف التعذيب بإصرار وعناد شديدين. ومع استمرار وتائر العمل الوطني الفدائي بخطى تصاعدية، انخرط الحبيشي في صفوف تنظيم الجبهة القومية ضمن مجموعة العمل الفدائي في منطقة عدن. وبسرية تامة لم يدع أحدا يعلم بما يقوم به، حتى أفراد أسرته وأقرب أصدقائه. اشترك الحبيشي في عدة عمليات فدائية ضد قوات الاحتلال البريطاني، الأمر الذي عزز كثيراً دوره النضالي وأكسبه خبرة وصلابة.
بعد انضمامه للجبهة القومية، كان الحبيشي متلهفاً لخوض المعركة، حيث كلف بتنفيذ عملية فدائية، فذهب يرسم خطة إنجاحها، وقبل تنفيذها لم تكن تبدو عليه أي ظواهر الانفعال أو الخوف، بل كان محتفظاً بكل هدوئه الذي اتصف به حتى وهو يمارس معشوقته كرة القدم بنادي الأحرار.
ومع اللحظة الفاصلة كان شهيدنا الغالي على موعد مع القدر، مع الفداء والتضحية ونيل شرف الاستشهاد في سبيل حرية واستقلال الوطن. كان جالسا كعادته مع أصدقائه بجوار ملعب المدرج البلدي ولم يدُر بخلده أن هذا الملعب سيحمل اسمه.
ففي ذلك اليوم الخالد، ترك الحبيشي أصدقاءه، ومنهم ناصر الماس وإبراهيم علي أحمد، على وعد منه بالذهاب معهم إلى الحفل الفني الساهر الذي كان يحييه الفنان الكبير أحمد بن أحمد قاسم على مسرح مدرسة البادري في كريتر، كما جرت العادة في تلك الأيام الخوالي، وكان هذا هو الوعد الوحيد الذي أخلفه الحبيشي.
أثناء تلك اللحظة الفارقة والمهيبة (مساء الخميس الرابع من ديسمبر 1964) وفي شارع الملكة أروى بكريتر وبالقرب من طريق العقبة، كان الحبيشي مكلفا بتفجير باص تابع لجنود الاحتلال البريطاني في عدن. وفي اللحظة المرتقبة فوجئ بأن الباص يحمل أطفالا إنجليز. ونظرا لكون الحبيشي إنسانا وطنيا يدافع ويناضل من أجل قضية عادلة وليس إرهابيا، فقد فضل هذا الثائر الجميل التضحية بنفسه والاستشهاد على قتل الأطفال الإنجليز الأبرياء، وذلك لأن الشهيد قد فتح أمان القنبلة ليتزامن انفجارها مع لحظة وصول الباص دون سابق علم بمن كانوا فيه. وهكذا استشهد هذا الإنسان النبيل والفدائي الشريف والرياضي اللامع محمد علي الحبيشي في سبيل حرية واستقلال الوطن وفداء للإنسانية والقضية الوطنية العادلة، وقدم روحه الغالية أنموذجا فريدا ونادرا في رحاب الفداء والتضحية، ورغم كل ذلك لم يعد أحد في عدن يحفل بأحياء ذكرى رحيله، حيث طواه النسيان، وتجاهله أقرب المقربين ولا غرابة في حدوث هذا الأمر في ظل هذا الزمن اليمني الرديء بصورة يترجمها كل من باع ومزق هذا الوطن.
لكن سيظل الزمن يذكر صاحب الفانلة الصفراء رقم (10) بأنه سطر حروف اسمه في سجل الخالدين الناصع، وقدم بسخاء روحه الطاهرة على مذبح الفداء والحرية والانعتاق والاستقلال، ونال الشرف كأول من روى بدمائه الزكية والطاهرة تربة عدن، وتحول إلى رمز بارز يعتز به الرياضيون ويفتخر به الوطن على مر العصور.
في يناير 1968م أطلق فرع الاتحاد اليمني لكرة القدم بعدن اسمه على ملعب البلدي بكريتر تكريماً وتخليداً له.
المصدر طلال سفيان/ لا ميديا