حـاوره: طــلال سفـــيان / لا ميديا -

نجم فوق العادة، وحالة خاصة. هو مدافع محنك، كان يخشى مواجهته كبار المهاجمين.
موهوب بالفطرة، وشعاره "ممنوع المرور". مشواره زاخر في كرة القدم اليمنية. قدم الكثير على مدى 16 عاماً، ارتدى خلالها فانيلة شياطين الحالمة الحمر. إنه النجم الكبير، جونيور الكرة اليمنية، نجيب الشرعبي، الذي تألق كثيراً وأبدع على ملاعب كرة القدم اليمنية.
في هذا الحوار عدنا به سنوات إلى الوراء وخرجنا ببعض من ذكرياته السعيدة والمؤلمة، نضعها بين يديكم في هذه السطور.

أول ركلة في حارة المطبعة
  أين كانت ركلة نجيب الشرعبي للكرة أول مرة؟
- بدأت اللعب مع فريق الكفاح، فريق حارة المطبعة بالجحملية السفلى، الذي كان يضم كوكبة من اللاعبين أمثال أمين عبدالملك ومنصور هزاع ومحمد علي القدسي والمرحوم فضل قلالة. بعدها تم استدعاؤنا للعب ضمن الفريق الثالث لأهلي تعز عام 1976، وطلعنا صنعاء وكنا نفوز هناك على الفرق بنتائج كبيرة، وكان الجميع يقول لنا: من أين أتيتم؟! وكان مستوانا رهيباً من ناحية الفنيات واللياقة البدنية، وكان يشرف علينا الكابتن عبدالله المرتضى والكابتن عبدالعزيز طه.

  وماذا بعد؟
- خضنا مباريات قوية في صنعاء وإب والحديدة وتعز حققنا فيها نتائج رائعة. وفي عام 1979 تم ترشيحنا للفريق الأول من قبل عبدالكريم الوزير، بعد هبوط الفريق للدرجة الثانية. وكان ممن صعدوا إلى جواري الكابتن محمد ناجي وأمين عبدالملك الذي استمر يلعب معنا في الأهلي لمدة عام ثم ذهب إلى الاتحاد السوفييتي لدراسة الطب.
بقيت ألعب للفريق الأول بأهلي تعز من عام 1979 حتى 1992 العام الذي أجريت فيه عملية أربطة وغضروف الركبة في جمهورية التشيك.

أجسامنا حالت دون المنتخب
  ماذا عن اختيارك للمنتخبات الوطنية في الثمانينيات؟
- لعبت مع منتخب الناشئين الذي كان يدربه المرحوم سالم عبدالرحمن ويساعده المرحوم عبدالله عتيق، ولعبنا في الصين وتايلاند, ثم لعبنا مع منتخب الشباب، وبسبب أجسامنا لم يتم اختيارنا للمنتخب الوطني الأول رغم تميزنا بالمهارة واللياقة.
  لاعبون كبار أدركتهم في بداية مشوارك؟
- لحقت باللعب أمام أكبر وأشهر نجوم الكرة اليمنية، أمثال أحمد العذري والحمامي (نيخا) ويحيى جلاعم، الذين اعتزلوا اللعب عام 1982، واكتسبت منهم الخبرة والوفاء للأندية. ثم جاء بعدهم جيل الشقيقين عبدالله وأحمد الصنعاني، وكانا في مثل أعمارنا ويتمتعان بأخلاق عالية.

  كيف كان مستوى المنافسة في ثمانينيات الزمن الجميل؟
- كانت أندية العاصمة ممتلئة بالنجوم والمواهب المميزة، لكن عندما كنا نقابلهم كانوا يذوقون المر، وكانت المواجهات أشبه بالملاحم. 

زي رياضي عهدة
  كنت ضمن كتيبة فرسان أهلي تعز المتوجة باللقب التاريخي للدوري؟
- أخذنا بطولة الدوري عام 1986 تزامنا مع فوز الأرجنتين بكأس العالم, عام 1986 كان عاماً متميزاً باللعب والمستوى, حتى أن اللاعب منا في ذلك الموسم إذا أصيب يعالج نفسه بشكل سري حتى لا يعلم المدرب عبدالله عتيق. كنا ننسى الإصابات، لحبنا للفانلة والنادي. لقد كنا ولسنا محترفين بمفهوم هذا الزمن، حتى إننا كنا ندفع الاشتراكات للنادي والحذاء الذي كنا نتسلمه من النادي إذا تلف أو انتهى موسم البطولة كنا نعيده للنادي. كان النادي الأهلي في ذلك الزمن الجميل هو بيتنا وتربينا داخله.
  عرف أبناء الحاج حمود الشرعبي بأبناء الأهلي التعزي؟
- أخي علي رعاه الله كان حارس مرمى بالنادي مطلع السبعينيات, وفؤاد لعب فترة للأشبال، وبعدها اهتم بدراسته وذهب للدراسة في بولندا عام 1988. ومصطفى لعب مع الأشبال. أما سامي فكان بمثابة الإعلامي للنادي الأهلي من خلال عشقه للتصوير. وقتها كان الأهلي يعج بلاعبين عمالقه أمثال عبدالله العسولي وعلي جمال وحميد نشطان وجميل قاسم ويحيى فارع والمسلماني وجميل الحمامي ومحمد وعلي حبيش. عندما كان عمري ست سنوات كنت أغافل والدي ووالدتي بعد صلاة الفجر وأهرب خلسة من البيت وأذهب لملعب الشهداء وأجلس خلف المرمى. كنت أفرح بقيامي برد الكرات وركلها للاعبين، وكان اللاعبون يشجعونني.

جونيور اليمن
  من أطلق عليك لقب جونيور؟
- الكابتن علي محسن المريسي, فخلال لقاء للأهلي أمام شعب صنعاء في العاصمة أبدع فريقنا, وكان شكلي بالشعر الافرو (المجعد) واللحية. جاء إلي المريسي بعد المباراة وقال لي: أنت جونيور، بس مش جونيور البرازيل، أنت جونيور فقط على مستوى اليمن، وأنت تستاهل هذا اللقب يا شرعبي... وأشاد بلعبي ومستوى لياقتي.

خشونة بغير قصد
 اشتهرت بدخولك القوي مع المهاجمين وعدم حصولك على الكروت؟
- أنا كنت ألعب كظهير أيسر, وكان لعبي يتميز بالخشونة مع الكرة, ومع هذا كان الجميع يشيد بطريقة لعبي, حتى المهاجمون الذين كنت ألتحم معهم وأطلعهم إسعاف عندما ألتقيهم اليوم الثاني يخبرونني أني لعبت مع الكرة ولم أتعمد إصابتهم. لم أحقد على أي لاعب خصم، بل بالعكس كنت أعمل لهم ألف حساب، وأدرسهم قبل المباراة بيوم وأعمل لهم توليفة بعقلي لإيقافهم بدون عنف.

يرعبني ثعلب الملاعب
  مهاجم كثيراً ما أزعجك؟
- لم أكن اخشى المهاجمين. وكما قلت لك إنني كنت أدرسهم لأعرف مكامن الضعف فيهم وكيفية إيقافهم. لكن يبقى عزيز الكميم هو المهاجم الذي أعمل له ألف حساب. كان عزيز الكميم مهاجماً مرعباً، وكيف لا وهو من أطلق عليه ثعلب الملاعب؟! عندما كان يلعب أمامنا مع فريق شعب صنعاء كان يتجنب الدخول ناحية مركزي ويهاجم من الجهة الأخرى، وعندما يضطر للعب من جهتي كنت أدخل بعنف مع الكرة لإيقافه, والحمد لله لم أحصل على كروت حمراء أو صفراء خلال لعبي.

  بماذا تميز خط دفاع الأهلي في الثمانينيات؟
- دفاع الأهلي كانت تخشاه كل الفرق, وكان مكوناً من الأخوين عبدالعزيز ومحمد طه وأنا وعبدالمجيد وفيصل عبدالجليل (القو) وعدنان عبدالرب وأحمد البريك (البيض). وتميز دفاعنا وقتها بأنه خط حديدي. وكان حراس مرمانا يتألقون بفضل خط أمان الدفاع. أيضاً لا أنسى أنه كان لدينا خط وسط مرعب مكون من المرحوم مطهر ثابت الذي كنا نطلق عليه صاحب الرئات الأربع، ومهندس الكرة اليمنية عبدالعزيز القاضي، وأحمد الغنمة.

اللقاء الأفضل
  أفضل مباراة خاضها نجيب الشرعبي؟
- كانت ضد نادي شعب إب في عام البطولة التي أحرزناها عام 1986, فبعد أن لعبنا مع المجد في صنعاء نزلنا إلى تعز لخوض آخر لقاء في الدوري أمام فريق شعب إب, وكان المجد يترقب هذا اللقاء وينتظر أن نتعادل أو نخسر من الشعب حتى تذهب البطولة له, حتى أنهم نزلوا إلى تعز وقاموا بتشجيع شعب إب ووعدوهم بباص هدية في حال تعادلوا أو فازوا علينا, لكن الأهلي يومها فاز بهدفين لهدف وأحرز لقب بطولة الدوري في يوم ممطر عالمي اكتظت فيه مدرجات ملعب الشهداء وكذلك خارج الملعب بآلاف الجماهير. تلك المباراة لن أنساها ما حييت.

  وأسوأ مباراة؟
- كذلك في عام البطولة ضد أهلي صنعاء في العاصمة، وخسرناها. عندما كنا نطلع صنعاء كنا نحاول أن نخرج بالتعادل كأقل شيء. وكان الأهلي والوحدة أكثر الفرق التي تعرقل أهلي تعز.

  وموقف أضحكك؟
- قيام الحكم السوري في لقائنا مع المجد بإشهار الكرت الأصفر للكابتن عبدالعزيز القاضي بعد أن سمعه ينادي "يا غنمة" لزميلنا أحمد الغنمة, ظنها شتيمة، وعرف بعدها أن اسم زميلنا أحمد الغنمة.

  ما سر هبوطكم للدرجة الثانية بعد فوزكم بالدوري وذهابكم للإمارات لخوض وديات والسعودية لخوض البطولة العربية؟
- السر أن أغلب اللاعبين كانوا كباراً في السن، وبعد العودة من السعودية اعتزلوا اللعب وبعض اللاعبين كانوا مصابين ولم يتم علاجهم. وبالنسبة لي لم أشارك في موسم الهبوط 1987 مع النادي بسبب بقائي في السعودية لمدة 7 أشهر لإجراء عملية الغضروف, لكن الأهلي طعم صفوفه بالشباب وتمكن من الصعود في الموسم التالي.

القصوص سبب ابتعادي عن النادي
  إلى أين اتجهت بعد الاعتزال؟
- بدأت أشارك مع بعض المدربين كمدير للكرة في الأهلي. لكن بعد رحيل الحاج القصوص من رئاسة النادي لم أعد أرغب بعمل شيء في النادي. كان الحاج القصوص الأب الروحي للأهلي، وكل من جاء من بعده لرئاسة النادي كان يدخل في دهاليز المصالح وعدم الجدية.
  لكنك دربت العديد من فرق الأشبال في النادي؟
- نعم، دربت فريق سن 12 عاماً في الوقت الذي كنت لا أزال ألعب في الفريق الأول، وذلك اقتداء بأخي وصديقي الكابتن عبدالعزيز طه الذي دربني في الأشبال، وبعدها بزمن قصير لعبت إلى جواره في الفريق الأول.
الجيل القديم تميز بالمواهب وفقر الإمكانيات، والجيل الجديد فقير بالمواهب وغني في الإمكانيات إلا أنهم لم يستغلوها, يلعبون لمدة عامين أو ثلاثة أعوام ثم ينتهون. أنا لعبت من عام 1979 حتى 1992 ولم يستطع أحد أن يزحزحني من مركز الظهير الأيسر. كان مستوانا متميزاً ونحترم اللاعبين الكبار وندين بالوفاء لأنديتنا.

الله يسامح السنيني
  هل مازلت تتابع المباريات حالياً؟
- كنت أتابع المباريات عندما كان ابني الشهيد وسام يلعب مع منتخب البراعم ومنتخب الناشئين, وكان دائماً المدرب البرازيلي أحمد لوسيانو يشيد بالشهيد وسام ويقول عنه رغم صغر سنه وجسمه إلا أنه موهبة كروية فذة ولو كان في أي دولة أخرى لكان له شأن كبير.

 حدثنا عن الشهيد وسام!
- ابني الشهيد وسام كان يعشق الكرة، وتميز ببراعته ومستواه العالي. اكتشفه ودربه المدرب أحمد المهتدي ولعب مع منتخبي البراعم والناشئين، ولعب بالفريق الأول لأهلي تعز مع المدرب محمد عقلان. كنت أتابعه دائماً، وفي إحدى المرات قال لي بأن الجميع يقولون بأنه سيكون مثلي، فقلت له: لا، لن تكون مثلي، فأنت إما تكون أقل مستوى مني أو أفضل مني، وأتمنى أن تكون أحسن مني. وفرح، ووجهت له النصائح. اختاره لوسيانو للبراعم والناشئين ولعب معهم في السعودية واصيب, لكن ربنا يسامح المدرب أمين السنيني الذي رفض ضمه لمنتخب الشباب بسبب قامته القصيرة. بعدها ترك وسام الرياضة وذهب مع شقيقه الأكبر ضياء للجهاد مع الجيش واللجان الشعبية، والحمد لله نال الشهادة.
وأفتخر به وهو لاعب، وأفتخر به وهو شهيد من أجل الوطن، وهذا حال الدنيا، والحمد لله.

  وماذا عن نجلك ضياء؟
- ضياء لعب لفترة ضمن أشبال أهلي تعز، وتدرب على يد نبيل الآنسي، لكنه لم يكن بمستوى شقيقه الأصغر الشهيد وسام.
وسام كان لاعباً مميزاً كظهير أيمن، وأسلوبه باللعب يشبه كثيراً لاعب أهلي مصر محمد بركات.

  كلمة أخيرة كابتن نجيب؟
- أشكر صحيفة "لا" على هذا اللقاء وتذكرها لنجيب الشرعبي, وأتمنى أن تتخارج اليمن من هذه الأوضاع وأن يحق الله الحق لهذا الوطن.