العدوان والمعنيون شركاء في تدهور خدمات المشفى (( السبعين)) حافة الموت
- تم النشر بواسطة بشرى الغيلي/ لا ميديا
بشرى الغيلي / لا ميديا -
ما إن تطأ قدمك بوابة مستشفى السبعين للأمومةِ والطفولة، المؤدية إلى أقسام الرقود، حتى تجد عشرات الأمهات والأطفال على جانبي الطريق والممرات والطواريد، ينتظر كل منهم دوره الذي يأتي ببطءٍ شديد، وإن دخلوا فإنهم ينتظرون وقوفا أو يفترشون الأرض على البلاط، لأنه لا توجد مقاعد للانتظار كما هي عادة المشافي. انتظرنا طويلا حتى أتت مديرة المستشفى لأخذ تصريحٍ منها والسماح لنا بالاطلاع على أحوال ومعاناة المرضى في الأقسام... بعد أن استفسرتنا عن سبب مجيئنا، أخبرناها أننا أتينا بخصوص معاناة المرضى من الأوضاع الصحية المتردية في المستشفى، فأرعدت وأزبدت نافية صحة ذلك، معتبرة أن من يقولون ذلك ليسوا سوى مغرضين، وأضافت أن أي تقصير يحدث سببه العدوان، وأنهم يقدمون الخدمة على ما يرام... طرحنا عليها بعض الاستفسارات قبل أخذ التصريح، قالت سأرد عبر «الواتس»، لأن مكتبها كان مزدحما بالمراجعين، أخذنا التصريح الذي أعطانا الضوء الأخضر بالدخول إلى أقسام الرقود، وهناك وجدنا ما ينافي مقال مديرة المستشفى، عدا قسم الولادات الذي يحظى بخدمةٍ أفضل وسريعة، ربما لأن الحالات لا تحتمل انتظارا أكثر. في قسم أمراض الدم وجدنا قصصا موجعة، كانوا يتحدثون بألمٍ عن معاناة أطفالهم حين يصعب عليهم الحصول على الدواء، خصوصاً وأن البعض منهم أوضاعهم المادية متعبة.. تفاصيل أكثر ضمن السياق...
الأدوية متوفرة بالمخازن!
دينا، طفلة تبلغ من العمر سنة ونصف السنة، تؤكد والدتها التي كانت برفقتها أنها تشتري كل يوم إبرة لطفلتها بمبلغ 10 آلاف ريال رغم توفرها بالمخازن، وتضيف بالقول: عندما سألت المختصين لماذا لا تصرفونها لنا طالما هي متوفرة ونحن بوضعٍ لا نستطيع أن نوفر فيه حتى ثمن الخبز؟ رد عليَّ المختص بأنها مخصصة لمرضى اللوشمانيا، ولا نصرفها للجميع!
تعامل سيئ!
في قسم التغذية للأمهات مع مختص القسم مواقف مؤسفة، تقول أم سبأ: ذهبنا للقسم أنا وهذه الأخت (وأشارت لأم ترضع طفلتها المولودة منذ 41 يوما، في السرير المجاور)، وطلبنا من مختص القسم أن يعطينا الغلاية لنغلي ماء لطفلتينا.. فصاح بأعلى صوته وقال «ما في غلاية، وإذا أعطيتكما معناه أعطيها لكل من بالمستشفى»، فقلت له ماذا تخسر إذا أعطيتنا لدقائق نغلي ماء من الحنفية؟ فرجعنا أماكننا خائبات! أم الطفلة المولودة تحدثت عن تعامله السيئ، حيث يسلم بعض الأشياء الخاصة بالتغذية كأنه يتفضل بها منه، وليست كحق للمرضى!
اللوشمانيا
أم محمد علي، قدمت من ريف محافظة حجة، ولها شهر مرقدة مع طفلها محمد الذي يعاني من مرض اللوشمانيا... أوضحت أن الجرع التي يعطونها لطفلها مكلفة جدا، ولكن بالتعاون مع وزارةِ الصحة يتم صرفها لهم، خاصة أنهم لا يستطيعون شراءها بسبب وضعهم المادي الصعب... أما أم سام الحاشد من مديرية خولان ـ جحانة بمحافظة صنعاء، وطفلها يبلغ من العمر 42 يوما، فتقول إنهم يشترون الأدوية من خارج المستشفى، ونادراً ما يجدونها متوفرة.
هاتوا شخصاً معروفاً!
بينما أم سعدة، القادمة من ريف محافظة الجوف، ترقد مع طفلها ذي الـ4 شهور، والذي يعاني من صفار وانتفاخ في الطحال وفيروس الكبد الوبائي، تشير إلى أنها تشتري هي وزوجها الإبرة بـ27 ألف ريال يمني كل 3 أيام، وعندما ضاق بهم الحال ذهبوا للمعاملة في وزارةِ الصحة بعد أن أخذوا توجيهاً من المستشفى ليتم صرفها لهم وتخفيف معاناتهم المادية، إلا أن المختصين هناك امتنعوا عن صرفها، وقالوا لهم بالحرف الواحد: نحتاج شخصاً معروفاً ونصرفها لكم!
دبروا أنفسكم!
قصة أخرى تضاف لقصص معاناة المرضى في هذا المستشفى الذي قالت مديرته إنه لا وجود لتردي الخدمات الصحية فيه، وأننا كإعلاميين نبالغ في ذلك... أم مختار تحكي أنها كانت محتاجة لطفلها صفائح دم، والحالة خطيرة جدا، وتحتاج السرعة لإنقاذ حياة الطفل، فخرجت مساءً إلى بنك الدم الوطني التابع للمستشفى، فقال لها المختص هناك: دبروا أنفسكم، ما في صفائح، فالأولوية للجرحى، وبعد محاولاتها إقناعهم بخطورة حالة طفلها والتي باءت بالفشل، ذهبت لشراء دم لطفلها من مستشفىً آخر!
أعطوني خروجاً ولازالت حالتي متعبة!
أم عز الدين قدمت من محافظة ريمة، بعد أن عانت من إخراج جنين ميت من أحشائها، وبعد أن وصلت للمشفى وهي تنزف وفي حالة يرثى لها، لم تأتِ إليها الممرضات إلا بعد انتظارٍ طويل، ما أضافته أم عز الدين هو الأكثر وجعا في مأساتها، وقالت بأنهم أبلغوها أن تستعد للخروج بينما هي لازالت متعبة، وفي حالة دوار مستمر بسبب الدماء التي فقدها جسمها.
80-100 حالة ولادة يومياً
عندما طرحنا عليها الموضوع في مكتبها أن الخدمات الصحية في مستشفى السبعين متردية، وأن المرضى يعانون من ذلك، فاستماتت بالدفاع بأن لا صحة لما نقول... وبعد أن تنقلنا بين الأقسام وجدنا ما يثبت ما قلناه لها في بداية هذا التحقيق، وطرحنا عليها ضمن المحاور ما وجدناه، فبدأت د. ماجدة الخطيب، مديرة مستشفى السبعين للأمومة والطفولة، ردها بالاعتراض على محاورنا التي وصفتها بأنها تبث روح الاستسلام في النفوس، حسب تعبيرها، مضيفة: «الخدمة في مستشفى السبعين ليست متردية كما تدعون، والمستشفى رغم كل الظروف يقدم الخدمة الطبية اللازمة وبحسب الإمكانات الموجودة».. وواصلت بسؤالٍ لنا: هل تعلمون أننا نقوم باستقبال 80/100 حالة ولادة طارئة يوميا، ونجري ما بين 15 و20 ولادة قيصرية طارئة ومجانية، وأن الحاضنة في مشفى السبعين تستقبل مئات الأطفال، كذلك قسم العناية وأقسام الرقود، وكل ذلك بشكل مجاني.
النزوح تسبب بالضغط على الخدمات
أضافت الخطيب أن المستشفى تضاعف العمل فيه إلى أكثر من 20 ضعفاً عما كان قبل العدوان، بسبب أنه يستقبل حالات النازحين، ويوفر الأدوية والمستلزمات مجانا.. وقالت: لماذا تنكرون الشمس؟ ثم ناقضت نفسها وقالت: لا ننكر وجود تقصير، وهذا التقصير سببه العدوان الذي دمر أجزاء كبيرة من المستشفى، ونزوح الكثير من الأسر إلى صنعاء، وبالتالي سبب الضغط على المستشفى، إضافة إلى انقطاع الرواتب، مما جعل الكثير من الكوادر الطبية تبحث عن أماكن أخرى لتوفير لقمة العيش. ثم أعادت السبب التقصير في الخدمات التي يقدمها المستشفى للحصار ومنع دخول الأدوية والمشتقات النفطية. وختمت بقولها: راجعوا أنفسكم، وأتمنى ألا تكونوا وسيلة إعلامية للعدوان.
للأسف ذلك كان أسلوب مديرة مستشفى السبعين للأمومة والطفولة د. ماجدة الخطيب، في الرد على طرحنا لها، وعلى ما يبدو أنها لا تريد أن تسمع من أحدٍ أن هناك تقصيرا في الخدمات التي يقدمها المستشفى، لأن جميعنا يعلم أن العدوان دمر كل شيء وتسبب في كوارث كبيرة على كل المستويات وعطّل الحياة، وضرب بكل القوانين الدولية والإنسانية عرض الحائط في قصف المدنيين واستهدافهم وتدمير شامل للبنية التحتية... إلخ. لكن ما قيمة وجود المسؤول في موقعه إن كان يقف مكتوف اليدين ولا يقدم خدماته كما يجب في حدود الممكن والمتاح، ولا يتقبل النقد لتحسين الأداء وتجويد العمل. ورغم بعض ردودها التي كانت موضحة ببعض الأرقام، إلا أنه لم يكن ضرورياً منها أن تكون متشنجة في الرد، لأننا جميعا نعي أن العدوان لم يبق شيئا إلا وطالته يده القذرة.
آخر الأوراق..
الخلاصة هناك تباين كبير بين ما تم نفيه من تقصير من قبل مديرة المستشفى د. ماجدة الخطيب، وتأكيدها أن الخدمات على ما يرام، وأن الدنيا ربيع، والجو بديع، فقد عبر الكثير من نزلاء المشفى عن امتعاضهم من سوء المعاملة في بعض الأقسام، والتقصير في جانبٍ من الخدمات التي تحدثوا عنها بأنفسهم، باستثناء قسم الولادة الذي ننقل عنه بأمانة للقارئ أن النزيلات عبرن فيه عن امتنانهن، أما بقية الأقسام فقد كانت المعاناة فيها واضحة، والتي نأمل أن تطلع عليها الخطيب ذاتها، وتحاول تلافيها مستقبلا، وأنه لا داعي للمكابرة.
المصدر بشرى الغيلي/ لا ميديا