تحليل: زفي بارئيل - ترجمة خاصة :زينب صلاح الدين -

كان التاريخ -على ما يبدو ذا أهمية أقل- قد صنع هذا الأسبوع عندما هبط فريق كرة القدم الوطني السعودي في الدوحة -عاصمة قطر- للمشاركة في كأس الخليج العربي. وقبل فترة وجيزة أعلن المبعوث السعودي إلى الكويت سلطان بن سعد آل سعود، أن "الرياضة قد تصلح ما دمرته السياسة". 
والحقيقة تقول بأن المباراة ليست هي أهم حدث في هذه البطولة، بل حقيقة أن السعودية التي فرضت منذ عام 2017 مقاطعة وحصاراً كاملاً، هي جزء من المنافسة. وكانت مصر والإمارات والبحرين انضمت إلى تلك المقاطعة، وأوصدت مجالها الجوي أمام رحلاتها من وإلى قطر، إلى جانب قطع الرياض طريق العبور البري الرئيسي الوحيد لقطر، الأمر الذي أدى إلى قطع طريق رئيسي لواردات المواد الغذائية والبناء، كما تصاعد العداء في ما بينهما. كانت طائرة الفريق السعودي التي هبطت هذا الأسبوع في قطر، هي أول طائرة تكسر الحصار. 
قبل عامين قدمت السعودية عدداً من المطالب للدوحة، أهمها أن تقوم بقطع علاقاتها مع إيران، وأن توقف تدخلها في شؤون البلدان الأخرى، لاسيما من خلال نشاطها المثير للغضب لشبكة الجزيرة التابعة لها، وانتقادها الواسع لدول الخليج ومصر. ولم ترفض قطر فقط الاستجابة لهذه المطالب، بل عزمت أيضاً بشكل مؤثر على كسر الحصار الاقتصادي المفروض عليها بمساعدة تركيا وإيران، وأنشأت عدداً من المصانع لإنتاج السلع التي كان قد تم استيرادها حتى ذلك الحين من الخارج. 
وعلى الرغم من أنها دفعت فعلاً مبالغ أكثر مقابل وسائل النقل الجوية؛ مع الاحتياطي المالي الذي كدسته قطر خلال الأعوام، لم يكن لذلك أي تأثير على مستوى العيش الذي يتمتع به مواطنوها الذين يملكون أعلى معدل دخل في العالم. والأمر الذي أثار امتعاض واستياء السعوديين كثيراً هو أنه رغم الخلافات بين كلا البلدين، ورغم تعاون قطر الوطيد مع إيران، واصلت واشنطن حفاظها على علاقات ممتازة مع الإمارة الصغيرة، حيث تقع هناك أكبر قاعدة جوية أمريكية في الخليج الفارسي. 
فشلت محاولات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال العامين الماضيين، في التوصل إلى تسوية بين السعودية وقطر. ومع ذلك يبدو أن قرار ترامب الاستراتيجي تحديداً في انسحاب أمريكا من الشرق الأوسط، هو ما دفع بالسعودية نحو التهدئة مع قطر. ولازالت مباراة كرة القدم ليست هي الجديد في العلاقات الدبلوماسية مع قطر، ولكن كانت إشارة السعودية واضحة. 
عندما أسقطت إيران طائرة بلا طيار أمريكية، رفض ترامب الرد، موضحاً للسعوديين أن الهجوم على منشآتهم النفطية هو مشكلتهم، وليس مشكلة أمريكا، وأنه سيرغب في المساعدة فقط إذا دفعت الرياض المزيد مقابل ذلك. 
وفي هذه الأثناء، عندما مهد طريق "صفقة القرن" للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، التي كان يفترض أن تلعب فيها السعودية دوراً قيادياً، وعندما كانت القوات الأمريكية عازمة على الرحيل من سوريا وتركها في أيدي الروس والإيرانيين، وجب على السعودية أن تعيد تقييم استراتيجيتها. 
علاوة على كل ذلك، تحوم في الأفق غيمة خطر مظلمة على المستقبل القانوني والسياسي لترامب. إذا ما تم عزله أو عدم انتخابه مرة أخرى مع انتقال رئيس ديمقراطي إلى البيت الأبيض، فإن السعودية ستجد نفسها معرضة لمواجهة جدار مزدوج من العداء في الكونغرس وفي الإدارة. 
من أجل التهيؤ لاحتمال وقوع مثل هذه "الكارثة"، يجب على محمد بن سلمان أن يتصرف بسرعة وبفعالية لتثبيت مكانة مملكته في الشرق الأوسط، ولتحسين صورته في واشنطن التي لم تغفر له بعد جريمة الصحفي جمال خاشقجي، وتطالب بأن يضع نهاية للحرب في اليمن. في يوليو، نجح الكونغرس تقريباً في منع بيع الأسلحة إلى السعودية بسبب هذه الحرب، لكن تم الاحتفاظ بالصفقة بسبب فيتو ترامب على التشريع. بالنسبة لما سوف يحدث عندما يغادر ترامب المنصة، فإن السعودية حينها لا تملك إجابة، لكنها لا تريد أن تتفاجأ. 
بدأ المعترك الخليجي -الذي كان لدى السعودية اليد الطولى في إدارته- يبدو مثل الجبنة السويسرية. في نظر السعودية، لم تصبح قطر فقط دولة عدوة، ولكن أيضاً لم تنضم عمان والكويت إلى مقاطعة قطر، في الوقت الذي قررت فيه الإمارات حليف السعودية وشريكها الاستراتيجي التخلي عن الجبهة اليمنية، وعززت علاقاتها مع إيران. لم يشعل الاتفاق الدفاعي والاتفاقات الاقتصادية الموقعة في الأسابيع الأخيرة بين الإمارات وإيران، العداوات بين السعودية وجارتها على الأقل ليس علناً، إلا أن هذا تمت إضافته إلى قائمة إخفاقات محمد بن سلمان الدبلوماسية. 

تحول التوازن في اليمن
ربما كانت الجبهة اليمنية هي الموقع التالي للمحاولة الدبلوماسية السعودية التي كانت في حال نجاحها ستمكن ابن سلمان من ادعاء تحقيق إنجاز دبلوماسي واحد على الأقل. في 5 نوفمبر تم التوقيع على اتفاق في الرياض بين الحكومة اليمنية المعترف بها بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي؛ مكون سياسي عسكري استولى على مدينة عدن بمساعدة من الإمارات، ويطالب بتأسيس دولة مستقلة في جنوب اليمن. 
ينص الاتفاق الذي ترأسه خالد بن سلمان، شقيق ولي العهد، على أنه في ظرف شهر سيتم تشكيل حكومة جديدة في اليمن. ويقال إن الحكومة سوف تكون مؤلفة من 24 وزيراً موزعين بالتساوي بين ممثلي الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، وسيتم دمج جيشي الطرفين في جيش واحد. 
ستمنح السعودية للحكومة الجديدة مساعدات مالية كبيرة لتمويل نشاطها، خاصةً في مجال الخدمات العامة والانتخابات التي سيتم إجراؤها مستقبلاً. لا يضمن الاتفاق الموقع النجاح بعد، لأن كلاً من الحكومة و"الانتقالي" ليسا في عجلة من أمر تسريح جيشيهما وبناء جيش مشترك. ولا يلغي الاتفاق أيضاً مطالبة "الانتقالي" بإنشاء دولة جنوبية مستقلة، لكن الاتفاق يمكن أن يرجئ على الأقل إنجاز هذه المطالبة التي سوف تظهر من جديد بلا شك. 
إن تحول السيطرة الكاملة على الجزء الجنوبي من اليمن إلى الرعاية السعودية، هو نتيجة انسحاب الإمارات من اليمن، الأمر الذي تضمن أيضاً فك الارتباط العسكري من مليشيات "الانتقالي" الذي دعمته. المسؤولية المباشرة الآن هي موكلة إلى شقيق محمد بن سلمان، خالد الذي أيضاً تم منحه تصريحاً لبدء المفاوضات مع المتمردين الشيعيين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن. وهنا يكمن التطور الأكثر أهمية الذي يمكن أن يؤدي إلى إنهاء الحرب التي اندلعت منذ ما يقارب 5 أعوام، والتي قتل فيها 100.000 شخص، ومئات من الآلاف الذين شُردوا، والملايين الذين هم بحاجة إلى الطعام والعلاج. 
وكما يتجهون نحو التسوية بين السعودية وقطر، في اليمن أيضاً تعمل عمان وحاكمها السلطان قابوس كوسطاء مؤثرين. نجحت عمان بالفعل في إعداد محادثات مباشرة بين القيادة السعودية والقيادة الحوثية. في إطار هذا، قامت واشنطن أيضاً بمساهمتها عندما بدأت تقود محادثاتها المباشرة مع الحوثيين حتى وهم محميون من إيران. 
وفقاً لـ"الجزيرة"، بدأ التواصل المباشر بين خالد بن سلمان والمجلس الحوثي الأعلى في سبتمبر. بعد فترة قصيرة من الهجوم على المنشآت السعودية النفطية، اقترح ابن سلمان على القائد الحوثي مهدي المشاط، تأسيس لجنتين -لجنة سياسية ولجنة عسكرية- من أجل مناقشات مباشرة حول هدنة على المدى الطويل وخطة لحل دبلوماسي. قبل الحوثيون بالاقتراح، وأرسلوا نائب وزير الخارجية حسين العزي، إلى عُمان، على متن سفينة تابعة للأمم المتحدة. ومن هناك انطلق إلى عمَّان عاصمة الأردن، حيث أقيم الاجتماع. 
وكان هناك في ما بعد اجتماع، في صنعاء عاصمة اليمن التي سيطر عليها الحوثيون منذ 2014، من أجل مناقشة المزيد من الاقتراحات التفصيلية. هدنة نوعاً ما طويلة تستمر سنة على الأقل، ورفع الحصار عن ميناء الحديدة، وإعادة فتح محدود للمطار في صنعاء لظروف سفر وفود الجرحى والمرضى والدبلوماسيين. عُقد اجتماع آخر في الرياض، جرى فيه نقاش حول تفاصيل الهدنة، وطلب السعوديون التقليل من التواصل الحوثي مع إيران. 
المحادثات بعيدة من إنجاز اتفاق من ناحية أن الحوثيين يطالبون بأن تكون الهدنة محددة بزمن معين، بينما تريد السعودية هدنة مفتوحة. وبالنسبة للتواصل مع إيران الحوثيون ليسوا على عجالة في تبني الطلب السعودي، بسبب التمويل والدعم الذي يحصلون عليه من إيران. ولأنهم لا يعتقدون ولا يثقون بأن السعودية ستكون قادرة على ضمان الشراكة الكاملة لهم في الحكم والتمويل المناسب، وهي القضايا التي كانت وراء تمردهم على الحكومة اليمنية في المقام الأول. 
المسألة التي تهم واشنطن والسعودية وإسرائيل هي ما إذا كان الاتفاق مع الحوثيين قد يقلل أو حتى يكسر علاقاتهم مع إيران، وما إذا كانت إيران التوسعية قادرة على إحباط أي اتفاق مستقبلي سيجعل اليمن دولة تابعة للسعودية. مع أن إيران اعترفت بالإدارة الحوثية كنظام مستقل، وقد وافقت على منح وضع رسمي للسفير الحوثي في طهران، فإن لفتة دبلوماسية من هذا النوع لم تنحت في الصخر. تماماً كما تعلم إيران، أثبتت العلاقات الدبلوماسية أنها أساس هش إلى حد ما لما سيبنى عليه علاقات طويلة الأمد من الثقة، لاسيما وأن العلاقات الحوثية الإيرانية لم تكن تعتمد على الإطلاق على تأسيس هذه العلاقات الدبلوماسية. 
في تناقض مع علاقات إيران الوطيدة والاستراتيجية مع سوريا وحزب الله، أو الارتباط بين إيران والعراق، فإن وضع اليمن مختلف. الفائدة الرئيسية التي تستطيع إيران جنيها هي منفذها العسكري إلى البحر الأحمر، واستخدامها له كمنصة لإطلاق التهديدات لطريق التجارة عبر مضيق باب المندب. ومع ذلك خلال الأعوام الأربعة الماضية خدم الحوثيون إيران بشكل أساسي كقوة منعت السيطرة السعودية على كل أجزاء اليمن، بنجاح، وكدليل على قدرة إدارة إيران على ممارسة نفوذها في بلد عربي آخر. والفائدة التي جناها الحوثيون من إيران كانت أعظم. لقد مكنتهم من الاستيلاء على مناطق واسعة من اليمن، ومن خلق حاجز دفاعي ضد قوات الحكومة اليمنية، وحصار السعودية، وتمويل نشاطهم الروتيني. 
ومع ذلك، يريد الحوثيون أكثر. فهم يتوقعون شراكة كاملة في الحكومة وجزءاً مناسباً من عائدات النفط الذي يتركز في أجزاء جنوبية من اليمن. من المحتمل أنه إذا تم التوقيع على اتفاق، وتم إرفاقه مع دعم سعودي سخي، سيتراجع وضع إيران، وسيتغير من كونها شريكة استراتيجية للحوثيين إلى صديقة لهم فحسب. 
وكما هو الحال بالنسبة للسعودية، فإن قرار فتح القناة الدبلوماسية الذي خفف نشاطها العسكري على الأرض، هو بمثابة اعتراف -متأخر ولكن صحيح- بحدود قوتها. وباتت اليمن الآن هي اختبار ابن سلمان الدبلوماسي الأهم، الذي يأمل من خلاله أن يصنع طريق العودة إلى واشنطن. 

هاآرتس - 2 ديسمبر 2019