"نجـران تحت الصفر" رواية عصرية تتمرد على القرون الوسطى

فؤاد علي عبد العزيز الزريقي
إعداد/ طاهر علوان الزريقي / #لا_ميديا -
من منا، نحن اليمنيين، لا يعرف يحيى يخلف؟! (أو) من منا لا يعرف حقيقة الحرب الجمهورية الملكية؟!
إن يخلف هو الشاهد الحق ذو النبوءة الثورية على عصر من أغنى وأروع عصور ثورة شعبنا اليمني. وروايته (نجران تحت الصفر) أصدق سجل فني لأروع ملحمة. إن (نجران تحت الصفر) ستظل وإلى الأبد وشماً في قلوب أطفال بلادنا ووعداً في عيون الفقراء ووساماً على شاهد قبر (أم سمية).
إن يحيى يخلف، رئيس الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، صوت من أعمق أصوات الثورة الفلسطينية ورمز من رموزها الأدبية.


ولد يحيى يخلف في سمخ (طبريا) بفلسطين المحتلة عام 1944م، وله مجموعة إبداعات قصصية وروائية:
 المهرة (مجموعة قصصية)
 نجران تحت الصفر (رواية)
 نورما ورجل الثلج (قصص قصيرة)
 تلك المرأة الوردة (قصة طويلة)
 ساق القصب (قصص للأطفال)
 وردة حمراء على رصيف الثورة (رواية)
وهنا نعيد نشر هذا الحوار الذي أجري في صنعاء عام 1981م، نظراً لأهمية ما تضمنه في رؤى ثقافية أدبية، خاصة في ما يتعلق بروايته المشهورة يمنياً والتي حملت اسم "نجران تحت الصفر".

إسهام فلسطيني في الرواية العربية
 يتفق معظم النقاد العرب أن للشعر الفلسطيني كرافد من روافد المسار التصاعدي للشعر العربي خصوصيته ونكهته الخاصة، لخصوصية واقع الشعب الفلسطيني، فماذا عن القصة الفلسطينية؟
القصة الفلسطينية ساهمت وماتزال تساهم في إغناء التجربة الروائية والقصصية العربية، وأعتقد أن غسان كنفاني كان من أهم الروائيين العرب. جاء غسان ليجسد مرحلة الإرهاصات الثورية التي سبقت انطلاقة الثورة عام 1965، وتطور نتاج غسان في زمن الثورة وسجل شهادته على عظمتها.
وفي الوقت نفسه، كان هناك إميل حبيبي في الأرض المحتلة. ولقد اعتبرت روايته "اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل" من الأعمال الهامة في تاريخ الرواية العربية المعاصرة، إن رواية "المتشائل" عمل فني كبير أغنى التجربة الروائية. ولا أنسى أن أذكر لك تمييز جيل الثورة من كتاب القصة الذين تطور وعيهم وتطورت أدواتهم الفنية في سياق التجربة الثورية والكفاح المسلح، وجسدوا التحام الإبداع الثقافي بالإبداع الكفاحي، أذكر منهم على سبيل المثال توفيق فياض، رشاد أبو شاور، سحر خليفة، محمود موعد، علي حسين خلف، ليانة بدر، ربعي المدهون، سلوى البناء.

القصة التسجيلية
 هناك قاصون وروائيون فلسطينيون عظماء (غسان كنفاني، إميل حبيبي) وهناك إبداعات رائعة في مجال القصة، ولكن ما هي مكانة القصة الفلسطينية في خارطة الأدب الفلسطيني المعاصر؟
تشغل القصة مركزاً بارزاً في لوحة الأدب الفلسطيني، وهناك اهتمام من النقاد بها. أعتقد أن الشعر الفلسطيني كان يتقدم على النثر، ولكن السنوات الأخيرة شهدت تطوراً نوعياً في القصة والرواية. وهناك اهتمام كبير الآن فيما يمكن أن نسميه (القصة التسجيلية) التي تسجل وقائع وأحداث أهم المعارك التي خاضتها الثورة الفلسطينية ضد العدو "الإسرائيلي"، ومذكرات أبرز المناضلين الذين صمدوا في سجون الاحتلال "الإسرائيلي"، ويوميات المقاتلين في جنوب لبنان وداخل الأراضي المحتلة. إن الأدب التسجيلي أصبح ظاهرة تستحق الالتفات، فهناك مسرح (بيتر فارس) التسجيلي، وهناك السينما التسجيلية، وهناك الأدب الروائي التسجيلي في روسيا سلسلة (مقاتلون في سبيل وطنهم)

صراع حضاري وتمرد
 بالنسبة لرواية "نجران تحت الصفر".. كيف استطعت التوفيق فنياً بين الموقف والمنظور وبين التوظيف الفني للتكنيك الروائي في الرواية دون السقوط في المباشرة؟
أعتقد أنني كتبت رواية عصرية، بالرغم من أن شخوصها وضعوا في ظروف تنتمي إلى القرون الوسطى، إن الصراع في الرواية صراع حضاري وإنساني وتمرد على القرون الوسطى، لذلك فإن الموقف واضح. أما على الصعيد التكنيك، وقد حاولت أن أكثف الحدث، وأن أوظف خبراتي في تقديم عمل فني ممتع وسياسي دون السقوط في المباشرة. هذا ما حاولته.. فهل وفقت؟ أظن أن ما كتب عن الرواية حتى الآن يؤكد ذلك. ومعذرة على هذه الإجابة المختصرة، لأنني لا أستطيع إلا أن أكون منحازا لما أكتب.

 ألا تعتقد أن شخصيات "نجران تحت الصفر": سمية، شنان، ابن أمينة.. الخ شخصيات مكتملة وجاهزة قبلياً ومرسومة سلفاً مما أدى إلى عدم نموها الدرامي؟
سأقول لك، من منطلق الانحياز لما أكتب، إن شخصيات الرواية هي شخصيات حية وقد تطورت في سياق الرواية، ومازالت تتطور في أعماقي. لذلك فلا أعتقد انها لم تنمُ درامياً. 

القص العفوي
 تستخدم في "نجران تحت الصفر" تداعي اللاشعور، تقاطع تدفق الزمن، تداخل مستويات حوارية، المونولوج الداخلي، خلفية ظلالية للشخوص الدرامية، مفردات مشحونة بدلالات نفسية، كلمات بيئوية، بالإضافة إلى مقاطع مشحونة بالروح الشاعرية، ورسم لوحات بانورامية للبيئة المحلية.. الخ، ألا تشكل كل هذه الأدوات الفنية عبئاً على البناء المعماري للرواية؟
ليس هناك تعاليم محددة لكتابة الرواية، ولا أظن انني خططت لكتابة "نجران تحت الصفر" بطريقة مسبقة. والكاتب المبدع يختط لنفسه طريقاً في القص، ويوظف ما يشاء من شكل ولغة وتراكيب داخلية، ويأتي ذلك في سياق القص بشكل عفوي ويخضع للضرورة وعادة يغتني العمل الفني بكل ما هو عصري وجديد. وتستفيد الأشكال الفنية الحديثة من السينما والمسرح والفن التشكيلي، كما يستفيد الشعب من الموسيقى واللوحة.. الخ. ولا عجب، فكبار مفكرينا وأدبائنا القدامى كانوا أدباء موسوعيين، كانوا أطباء وفلاسفة وشعراء في وقت واحد. ويبدو أنهم كانوا يدركون العلاقة بين العلم والفلسفة والأدب. وكمثل على ذلك يمكن أن أذكر ابن سينا وابن رشد والبيروني.. الخ. إذن أنا ككاتب عليَّ أن أكون معاصرا، وأن أتمثل كل الخبرات الإنسانية التي جاءت بها الجهود البشرية من أجل تعزيز قيمة الفن الذي أنتجه. أما بالنسبة للغة، فأعتقد أننا مطالبون بإيقاظ اللغة العربية من غفوتها، مطالبون بشحنها إلى فوق ما تحتمل الحروف. إن اللغة أصبحت عنصراً رئيسياً في العمل الفني ويجب أن نتنبه إلى ذلك.

إنقاذ الطفل العربي
 بالنسبة لقصص الأطفال، اتجهت مؤخراً للكتابة القصصية للأطفال، وقد اتجه إليها من قبل ذلك قاصون آخرون، زكريا تامر مثلاً.. كيف يمكن إخراج الأطفال العرب من سيطرة سوبرمان وطرزان؟
مساهمتي في الكتابة للأطفال متواصلة، ولا بد من أن أواصل الكتابة. ودخول عدد من الأدباء المعروفين هذا الميدان أمر هام ويغني مكتبة الطفل العربي. وكما ذكرت فإنه من المهم في هذه المرحلة أن ننقذ أطفالنا من المسلسلات والقصص التي تشوه أعماقهم وتزيف شخصياتهم.
وفي هذا المجال أنظر بتقدير كبير للدور الذي قامت وتقوم به (دار الفتى العربي) في بيروت وكذلك (دار النورس) التي يشرف عليها القاص الفلسطيني توفيق فياض.
إن تشجيع دور النشر الجادة ذات الرسالة التربوية يجب أن يكون على رأس اهتمامات وزراء الثقافة العرب واتحادات الأدباء العرب، والجهات الثقافية الأخرى الرسمية والشعبية. 

الإبداع القصصي يتواصل
 هناك من النقاد من يطرح أن هناك أزمة في مجال الإبداع القصصي، إن صح أن هناك أزمة فما هو تعليلك لها؟
لا أستطيع أن أقول إن هناك أزمة، ففي كل عام نقرأ بعض القصص والروايات الممتازة، وهذا ما يحدث في كل أقطار العالم. ليس المهم هو الكم، المهم النوعية. وحتى الآن مازال الإبداع العربي في مجال القصة والرواية يتواصل، ولقد قررنا في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين إقامة ندوة في بيروت حول (القصة والرواية). ولا بد أن تجيب هذه الندوة على هذا السؤال بشكل أفضل.

 أستاذ يحيى ما رأيك بالأعمال الإبداعية الأخيرة في المجال الروائي لطاهر وطار وعبدالرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا؟ 
الطاهر وطار كاتب كبير ومبدع، ولكن روايته الأخيرة (الموت والعشق في الزمن الحراشي) جاءت دون المستوى المطلوب. وقد قلت له هذ الرأي عندما قابلته في بيروت منذ أشهر، وقد حدثني عن روايته الجديدة التي ستشكل تجاوزاً لروايته التي ذكرت.
عبدالرحمن منيف يعجبني إخلاصه لفنه. إنه يبذل جهداً كبيراً، وأحترمه على هذا الجهد، وآخر ما قرأت له رواية (النهايات) وهي جيدة.
جبرا إبراهيم جبرا قدم رواية (البحث عن وليد مسعود) وهي رواية متقدمة كثيرا على الصعيد الفني، ولكن أبطالها ينتمون طبقياً للفئات البرجوازية ولعلها تعكس بيئة الكاتب. على العموم جبرا أديب، وأكن له كل الاحترام والتقدير، وهو يقوم الآن مع عبدالرحمن منيف بكتابة رواية مشتركة.

تقصير واضح
 بصفتك رئيسا لاتحاد الكتاب الفلسطيني، ما هو دور الاتحادات العربية في مجال الدفاع عن الحريات الديمقراطية؟
مازال هناك تقصير واضح لدى الاتحادات العربية، فلا هي منفردة قادرة على الدفاع بشكل حقيقي عن الحريات الديمقراطية، ولا الإطار الذي يجمعها (اتحاد الكتاب والأدباء العرب) قادر على ذلك. إن اتحادنا - الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين- يكاد يكون الصوت الوحيد الذي يلعب دوراً نسبياً في هذا المجال بحكم وجود مقره في بيروت، وبحكم استقلاليته وعدم هيمنة الأنظمة عليه، وسوف نحمل للمؤتمر العام للأدباء العرب القادم مشروعا من أجل حرية الكتاب العربي، وسنتشاور مع الاتحادات العربية الأخرى حوله، وخاصة اتحاد الأدباء والكتاب في اليمن.

شخصيات من الواقع
  كيف اخترت أبطالك عبر الرواية؟ وهل كانوا يجسدون واقعاً حقيقياً أم كانوا من عندك؟
الحقيقة أن معظم أبطال الرواية هم شخصيات حقيقية، ولكن هذه الشخصيات أخضعت فنياً لتكون منسجمة مع سياق وأفكار الرواية. وأعتقد أن ملامح هؤلاء الأبطال هي الملامح نفسها التي تراها ليس في نجران فقط، وإنما يمكن أن تجد مثيلاً لها في فحين، في مخيم صبرة، ومخيم اليرموك، وغيرها من التجمعات الفلسطينية.

القوى الغالبة للشر والعدوان
 كنت تجسد هم المواطن "الغلبان" على الأراضي العربية وكتبت الرواية، فهل كان في تصورك شخصية عربية تناضل في مكان ما في الأراضي العربية؟
أولاً أنا كتبت عن تلك القوى البشرية التي تقف في أسفل السلم الاجتماعي، تلك القوى الواعدة التي لم يكن يحسب لها حساب في الماضي والتي ستلعب دوراً مستقبلياً متجاوزة التخلف والتجزئة وصانعة العدالة الاجتماعية. إنها القوى "الغلبانة" الآن، ولكن الغالبة مستقبلاً لكل قوى الشر والعدوان.
ثانياً كنت أفكر في هذه الرواية في مرحلة الإرهاصات الثورية الفلسطينية التي سبقت انطلاقة الثورة الفلسطينية، وكنت أعتقد ولا أزال أن نجاح قوى حركة التحرر العربي في أي قطر من الأقطار العربية إنما يشكل خطوة في اتجاه فلسطين، القضية المركزية للأمة العربية. وأحب أن أضيف، لنعتبر أن الفلسطينية هوية نضالية وليست جغرافية، أن المقاتل اليمني الذي يستشهد في جنوب لبنان يجسد هذه الهوية النضالية، وبهذا المعنى فإنني أعتبر نفسي يمنياً بالمعنى النضالي لا الجغرافي.

 انطباعات الأستاذ يحيى يخلف عن الأرض اليمنية الأرض والتراب والإنسان؟
زيارتي لصنعاء هي الأولى. ولكنها ملأتني بالسرور ومنذ اللحظة الأولى فكأني أعرفها وأزورها للمرة الألف. لم أشعر بالغربة أبداً، لأن مشاعر الإخوة الذين قابلتهم والذين شاهدتهم كانت دافئة للغاية.
أريد أن أؤكد حبي وانتمائي لهذه الأرض العربية. أريد أن أقدم احترامي وتقديري وإعجابي بتوق الإنسان اليمني إلى الوحدة والتحرر ووحدة كامل التراب الوطني اليمني. وأعتقد أن وحدة التراب اليمني ستكون مقدمة لوحدة عربية اشمل.
إننا، نحن الفلسطينيين، نعتبر أن وحدة شطري اليمن ستساهم في تدعيم كفاح الثورة الفلسطينية، وبالتالي ستكون لها الأثر الفعال في نهوض حركة التحرر العربية وتعزيز الديمقراطية في الوطن العربي.