ترجمة خاصة عن الألمانية: نشوان دماج/ لا ميديا -

المحرر السياسي لموقع (orbisnjus)
أصدر المكتب السياسي والإعلامي في الرئاسة السورية مؤخرا بيانا أعلن فيه أن الرئيس السوري بشار الأسد وافق على مقابلة مع المحطة التليفزيونية الإيطالية (راي نيوز 24).
بعد تسجيل المقابلة، تم التوصل إلى اتفاق بقيام كل من المحطة الإيطالية والتلفزيون الوطني السوري ببث المقابلة في الثاني من ديسمبر. غير أن (راي نيوز 24) في المقابل قامت في اللحظة الأخيرة بالتملص، وفي صباح يوم البث المقرر طلبت تأجيل بث المقابلة دون مبرر، وفقا للرئاسة السورية.
تم علاوة على ذلك إرسال طلبين آخرين للتأجيل. وهو الأمر الذي قد يشير، وفقا للمكتب الإعلامي، إلى أن (راي نيوز 24) قررت عدم بث المقابلة. ويرجع هذا السلوك إلى نية الاتحاد الأوروبي إخفاء الحقيقة حول الحرب وتداعياتها. وبشكل قاطع، طرح المكتب السياسي والإعلامي للقناة الإخبارية الإيطالية خيارين: إما العودة إلى رشدهم وبث المقابلة على النحو المتفق عليه، أو مشاهدتها على التلفزيون الوطني السوري بحلول 9 ديسمبر على أبعد تقدير.
في 26 نوفمــبر، وافق الرئيس الأسد على مقابلة مع الصحفية الإيطاليــــــــة مونيكا ماجيوني. تم الاتفاق على أن المقابلة سيتم بثها في 2 ديسمبر على كلتا المحطتين: (راي نيوز 24) الإيطالية والتلفزيون الوطني السوري. "وفي الصباح الباكر من يوم 2 كانون الأول (ديسمبر)، تلقينا طلبا من (راي نيوز 24) بتأجيل البث دون مزيد من التوضيح. بناءً على ذلك، قُدم طلبان آخران للتأجيل، لكن دون الإشارة إلى التاريخ الذي ينبغي فيه بث المقابلة وبدون أي مبرر آخر؛ مما قد يشير إلى أن المقابلة لن تذاع. هذا مثال آخر على المحاولات الغربية لإخفاء الحقيقة حول الوضع في سوريا، وتأثير ذلك على أوروبا وعلى الفضاء الدولي. وإذا استمرت قناة (راي نيوز 24) في رفض بث المقابلة، فإن المكتب السياسي والإعلامي في الرئاسة السورية سيقوم ببث المقابلة كاملة يوم الاثنين 9 ديسمبر 2019 الساعة 9 مساءً بتوقيت دمشق".
من المحتمل أن (راي نيوز 24) قد لاحظت، نتيجة لإزالة جميع الفقرات غير المريحة، أنه لم يتبق سوى 15 دقيقة من أصل المقابلة التي مدتها ساعة كاملة، فقررت بالتالي إلغاء الأمر برمته.
وإذا كانت المحطة الإيطالية قد افترضت بالفعل أن القصة بذلك قد أخمدت أنفاسها، فهي إنما قضت على نفسها. خاصة وأنه تعاون إعلامي متفق عليه، وأن السوريين بحوزتهم المادة هم أيضا.
علاوة على ذلك، أولت قناة (راي نيوز 24) المقابلة التي تم التساوم فيها على ما يبدو اهتماما أكثر مما تحب. حيث إن ما أحدثه تصرفها من صخب أمر لا لبس فيه. وصار المرء متحمسا أكثر حول ما تضمنه سياق المقابلة بين الأسد و(راي).
وقد أبرز المكتب السياسي والإعلامي الأمر على نحو مناسب: أنه مثال آخر على كيفية عمل قادة الإعلام والسياسيين الأوروبيين مع بعضهم البعـــــض بشكل متشابك لإخفاء الحقيقة عن حرب سوريا وتداعياتها.
إن مقابلات الرئيس الأسد هي عبارة عن لقاءات مفتوحة مع ممثلي وسائل إعلام متعددي الجنسيات. كثير منهم كانوا موقنين يقينا صلبا بأنهم سوف يستعرضون عضلاتهم على الرئيس، لكنهم في النهاية غرقوا في سرعة بداهة الأسد وحكمته الحقيقية.
واحدة من تلك المبارزات الأسطورية هي مقابلة الأسد مع مراسل (ياهو)، مايكل إيسيكوف. ففي المصطلحات الخاصة بالملاكمة، يُطلق على ذلك "الضربة القاضية من الجولة الأولى". فاز الأسد. وأقل ما يقال أن إيسيكوف لم يستطع تحمل الرئيس السوري، فقام من ثمة بعمل مشين للغاية.
إن كافة دعاة الحرب الذين يَصِمُون معارضي الحرب أنهم من أنصار الأسد، يستطيعون أن يستعرضوا تفاهاتهم بكل ثقة متبجحة. وإلا ما الذي وجب على (راي نيوز 24) أن تخفيه طالما هناك كما يُزعَم أدلة كافية تشير إلى أن الأسد "ديكتاتور دموي"؟
إن الخوف من دحض الرواية النفاقية يمنع وسائل الإعلام الرئيسية من إجراء حديث مع الأسد، أو يؤدي، كما في حالة (راي نيوز 24)، إلى إفراغ وتفكيك مطرقة الرقابة.
يدفعنا الفضول إلى الاطلاع على محتوى مقابلة (راي نيوز 24). وبفضل الرئاسة السورية، سنتعرف على الحقائق غير المريحة التي دفعت المحطة الإيطالية إلى غض الطرف عنها. أما المؤسسة الإعلامية هذه فإنها بتصرفها ذاك قد أصابت نفسها في مقتل.
فبسبب الضجة التي أثارتها بنفسها حول مقابلة الأسد، تم إطلاق العنان للعلاقات العامة التي لا مفر منها الآن. إن الدعاية السيئة عادة ما تكون أكثر جذبا للمشاهد. وها هي (راي نيوز 24) تقف الآن موقف المخادع للغاية، وتواجه تهمة الرقابة الذاتية. الأمر الذي يجعل المقابلة أكثر إثارة للاهتمام مما لو كان قد تم التعامل معها كأمر عادي.
حتى الآن، لم يغامر أحد بالقفز إلى الحلبة مع الأسد سوى جمهورية ألمانيا الاتحادية ولمرة واحدة فقط. إنما لكون مقابلة (رابطة المذيعين في ألمانيا) التي أجراها الخبير في شؤون الشرق الأوسط يورغن تودنهوفر كانت أكثر موضوعية من المتوسط R03;R03;الغربي، فقد انهال عليها النقد بقوة في وسائل الإعلام الناطقة باللغة الألمانية، وما وراءها.
منذ ذلك الحين، كان الإعلام الألماني يعتمد على مصادر تدعو إلى تشخيص الحرب السورية عن بعد، ولا يعطي الحكومة السورية على الأقل وجهة نظرها ولا روايتها لأحداث الحرب. فما هي المهمة الحقيقية لصحافة غير متحيزة. إنها ببساطة: التركيز.
إن (راي نيوز 24) بالتأكيد سوف تترك الإنذار الذي أعلنه المكتب الإعلامي للرئيس السوري أن يمر، وفي الوقت نفسه ستؤكد أنها وسيلة إعلام غربية أخرى تميل إلى تشويه الواقع، بدلاً من أداء واجبها كسلطة رابعة.