حاوره : #عبدالرقيب_المجيدي/ #لا_ميديا -

حافظ على كبرياء القصيدة واستقلالها وفخامة طاقتها، نجح في أن يصنع لنفسه لغة شعرية غنية بالعواطف والمشاعر الإنسانية.
قصائد الشاعر الكبير أمين أبو حيدر خزان هائل يمتلئ بحب الوطن، وكتاب ضخم تتوهج في سطوره الأشواق والأحزان والانكسارات.
هناك من ينظر إلى الشعر من جهة تركيبه وتنسيق عباراته وقوافيه وأوزانه، لكن الشاعر أمين أبو حيدر يرى في الشعر قوة حيوية وقوة مبدعة ومندفعة دائماً إلى الأمام.
إن قصائده تسير إلى هدفها يسير الجدول المطمئن الهادئ إلى البحر. ولقد انتشرت كثيراً في فضاء الإبداع، وتألقت في الوجدان، وبذلك رفع القصيدة إلى مرتبة لا ينالها سواه.
إن هذه الحروف تحمل الامتنان لفيض إبداعه الغزير.

الإحساس لا يتوقف
 هل تستطيع أن تسترجع أحاسيسك يوم بدأت في كتابة الشعر؟
- الإحساس لا يتوقف، والبدايات قد تكون مبكرة بشكل كبير، لا أتذكر متى بدأت، وكانت البداية تقليداً لما أسمعه، فكنت أتذوق الشعر والكلمة الراقصة الموقعة، وكنت عندما أسمع القصيدة في الإذاعة أحفظها، ثم في مراحل متأخرة بدأت أكتب الشعر العربي الفصيح، وكنت أكتبه كالشعر الحكمي الساكن، وهو تسكين أواخر الكلمات.
قبل دخولي إلى الجامعة وقبل دخولي الكلية الحربية التقيت بالشاعر عبدالعزيز المقالح، وأسمعته إحدى قصائدي، فنبهني إلى تحريك الحرف الأخيرة في الكلمة العربية، وبدأت أكتب الشعر الفصيح.

إشادة البردوني والمقالح
 ماذا قال عنك الشاعر عبدالعزيز المقالح والشاعر عبدالله البردوني؟
- أول ديوان لي كان بعنوان "بيننا برزخ من زجاج"، قال المقالح إن أمين أبو حيدر واحد من 4 شعراء هم الذين يتصدرون المشهد الشعبي في الشعر الحديث في اليمن، أما عبدالله البردوني فقال إن أمين أبو حيدر لا يكتب لهذا العصر، وإنما يكتب للمستقبل، وهذه العبارة لم أسمعها من البردوني، وإنما سمعتها من عبدالباري طاهر.

شاعر العربية الأكبر
 ما هو الفرق بين البردوني والمقالح؟
- هذه الأيام أحاول في صحيفة "26 سبتمبر" أن أحرر صفحة أسبوعية اسمها "رؤى بردونية"، ومن خلال هذه الصفحة أحاول أن أستخرج ما لا يقرأه الآخرون عن عبدالله البردوني. البردوني شاعر حديث ومعاصر من الطراز الأول، شاعر لا يقلد، شاعر لا يحاكى، فالبردوني وجد العمود أنه مايزال حمَّال أوجه، فأوجد الحوار والسرد والقصة، وتلاعب بالألفاظ والكلمات، ونحت معاني جديدة من المعاني القديمة، وأصبحت قصيدته تحمل معنى ضمنياً ومعنى ظاهراً، فالبردوني فلتة لا يمكن أن يأتي بها أحد، ولو ذهبتم إلى المقالح وسألتموه عن البردوني، سيقول بأن البردوني أستاذ الجميع، شاعر العربية الأكبر في القرن العشرين.
والمقالح واحد من الشعراء الذين حاكوا وسايروا ما تم من تغيرات في القصيدة العربية سواء بعد الرومانسية والكلاسيكية إلى المدرسة الواقعية والشعر الحر ثم بعد الحداثة.
وفي 2002 كنت في الكويت عندما كانت عاصمة ثقافية، والتقيت لميعة عباس عمارة، وهي التي قدمته بالمربد، وكانت المنسقة والمقدمة للمهرجان، وفي ذلك اليوم كان هناك متنافسون على الجائزة مثل البياتي والجواهري ونزار قباني، وكثير من الشعراء، فقالت لميعة عباس: عندما جاء البردوني أخذته بيدي، فتعمد أن يلقي ظهره باتجاه الجمهور ووجهه إلى الحائط، فأدرته بيدي ليواجه الجمهور، فابتسم فسألوه عن اليمن، فقال اليمن أمامكم في وجهي، وعندما بدأ يلقي قصيدته عن أبي تمام، وهو يتكلم عن السلاح العربي وعن الجيوش العربية وكيف كان دورها وكيف تحولت من أدوات لحماية الأوطان إلى أدوات لقمع الحريات والشعوب، فعندما ألقى قصيدته انحنى كل الشعراء للبردوني، وخلعوا طاقياتهم وكوافيهم احتراماً له.

العود الأخير في نعش بني سعود
 كيف تعاملت شعرياً مع العدوان الذي يتعرض له الوطن؟
- العدوان هو محرك الهاجس، ودائماً يثيرك، والوطن غالٍ علينا جميعاً، فكتبت الكثير من القصائد، كتبت عن هذا الشامخ الذي أمامنا وهو "نقم"، وكيف كان يواجه الضربات ويتصدى لها بشكل قوي، وكتبت عن العود الأخير في نعش بني سعود، وكتبت قصيدة بعنوان "أفعى الرمضاء"، وقصيدة بعنوان "الهبوط في الجحيم في زقر"، وكتبت عن كل نوع من أنواع الأسلحة، وقصيدة "نصر من الله".

خادم الثالوث الماسوني
 هل ثأرنا مع دول العدوان طويل وعميق ونهائية غير مرئية؟
- أولاً نحن نقاتل عدواً، لأننا نحمل مشروعاً قرآنياً لمواجهة المشروع الشيطاني، وهذا المشروع قديم، وعداؤنا لليهود عداء تاريخي بدأ من يوم ما قام سعد بن معاذ بالتحكيم في إخراج وجلاء اليهود من المدينة، وكان هو المحكم، وبدأ من الغيرة والغيظ والحسد عندما قال المقداد بن الأسود الكندي: "لن نقول لك كما قالت بنو إسرائيل اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، بل اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معك مقاتلون". فنحن أولو البأس الشديد المنصوص عليهم في سورة الإسراء في وعد الآخرة، وهم أهل كتاب، ويعلمون أن الحرب القادمة قادمة لا محالة، وأن أرض الميعاد التي كانوا يطمعون فيها ليست فقط فلسطين، فالأرض المباركة والمقدسة هي اليمن، وهم طامعون فيها دائما، وعندما أسسوا حكومة الظل الصهيونية التي يسمونها الثالوث الماسوني، وقبل عدة أيام، قاموا بإعلان بعض وثائق صفقة القرن، وسموا مشروع خادم الحرمين والأقصى، يعني خادم الثالوث الماسوني، ونحن دائماً نلاحظ ما يقوله السيد عبدالملك بدر الدين حفظه الله، دائماً ما يقول الاستقلال الحقيقي والاستقلال التام، في كل خطاباته يكرر هذه العبارة، ولم نلاحظ عليه أن يقول في 30 نوفمبر بأنه استقلال، ونلاحظ أيضاً بعض الناس يضجون عندما تقول الجلاء، وأنا عندما فعلت مانشيت في "26 سبتمبر" بهذه المناسبة "الفتح موعدنا الجلاء الثاني"، ضجوا وقالوا نحن ننتقص من قيمة المناضلين، وقالوا إن الجلاء هو البين والواضح، وقالوا إن الجلاء هو عندما استعانت السعودية بالقوات الأمريكية لتحرير الكويت، فالجلاء هو الطرد والدحر والخروج رغماً عن أنوفهم، لكنهم ظلوا يتآمرون ويعودون بشكل آخر، نحن أخرجنا الإنجليز من عدن، لكنهم عادوا بأشكال أخرى وبأذنابهم.

زيادة وجبران لا شيء أمام عرائش البوح
 سأسألك عن كتبك شرط ألا تقول في جوابك إنها مثل أبنائي لها المعزة نفسها. ما أهمية كتبك؟
- لدي 7 بنات وأخيراً جاء الأيهم قريباً، وأية تجربة يبدأها الإنسان ويعتز بها، والقصائد التي تأتي متأخرة أو التي لم تكتب هي القصائد الرائعة، ديوان "بيننا برزخ من زجاج" تم إصداره في 1997، وكذلك "الرازم" في 1999م، ونزل على مستوى "كتاب في جريدة"، وظل هناك مكدساً الكثير، فـ"عرائش البوح" 500 قصيدة بوح مشتركة بيني وبين الشاعرة العراقية إكرام الجناني، وقد سمت نفسها بلقيس بسبب حبها لليمن، فـ"عرائش البوح" لو تمت قراءتها وخرجت إلى النور، لقلنا إن مي زيادة وجبران خليل جبران لا شيء أمام عرائش البوح، وهذه ليست مبالغة، و"إلياذة الشجن الرقمي" و"المعلقة الحادية عشرة" و"بكائية الأسيف بحر" و"فتونات أيوب" كتبتها في بغداد في شارع أبو نواس، وكذلك لدي مجموعة أشعار شعبية.

لعنة لا فرار منها
 بعد هذه الرحلة الطويلة في كتابة الشعر، هل الشعر عندك متعة أم وجع؟ وهل صحيح أن الإنسان كلما عرف أكثر أحس بفداحة جهله؟
- نعم، هو متعة، وفيه لعنة لا يمكن الفرار منها، فأنا لو لم أكن شاعراً ربما كنت ستراني وزيراً أو حاجة كبيرة. فعندما أكتب القصيدة لو أخذ مني التلفون أو أي شيء آخر لا أحس بذلك أبداً، ومع ذلك فالشعر هو الحياة.

الزامل حامل لواء الجبهة الثقافية
 نلاحظ اليوم تراجعاً للشعر الفصيح لمصلحة الشعر الشعبي، آخذاً بعين الاعتبار أيضاً لعدد من الشعراء الذين اتجهوا نحو القصيدة الشعبية من دون أن يحصل العكس.. فهل معناه أن الشعر الفصيح بدأ يفقد بريقه وحضوره خصوصاً في هذه المرحلة؟
- الشعر الفصيح لايزال، وهو باقٍ. فالشعر كائن حي يتحرك ما يتحرك فيه المجتمع. وطالما هناك هبة شعبية ولجان شعبية وثورة شعبية، فلا بد أن تكون الكلمة الشعبية موجودة. فالزامل مثلاً ممكن أن يكتب بالفصيح أيضاً، وهناك بحر السريع والعديد من البحور الشعرية التي بإمكانك أن تكتب فيها الزوامل فصيحة، وأنا أرى أن الزامل هو الذي يحمل لواء وراية الجبهة الثقافية المواجهة للعدوان.

صالح منع عرض "تمام يافندم" في فترة الدنبوع
 أنت تكتب المسرحية إلى جانب الشعر.. لو تحدثنا عن مسرحية "تمام يا فندم"؟
- كتبت الكثير من المسرحيات: "تمام يا فندم" و"قوارير في أيادٍ مرتعشة" و"القضية 94" و"محاكمة شجرة دم الأخوين"، لكن مسرحية "تمام يا فندم" هي التي أوصلتني إلى هذا الوضع، فالنظام السابق كان يقول تمام يا فندم كل شيء تمام إلى أن خرج الشعب كله في 2011، وطار الفندم.
وقد مثل هذه المسرحية الفنان يحيى سهيل وأماني الذماري وكثير من نجوم الدراما اليمنية، وهي من إخراج صالح الصالح ومحمد الحرازي. فوصل الخبر إلى علي عبدالله صالح أن دائرة التوجيه المعنوي تقدم مسرحية "تمام يا فندم"، وهذه المسرحية كانت في عهد الدنبوع، فاتصل صالح بيحيى عبدالله وهددوه.
المسرحية كلفتنا بروفات وأنشطة وديكورات ما يقارب 15 مليون ريال، وهذه المسرحية من المهم أن تعرض ويشاهدها الجميع، وكنا نظن أنها ستعرض في عهد الدنبوع بعدما خرج علي عبدالله صالح من السلطة، لكن لأن المسرحية تحارب كل فاسد وتحارب كل مجرم وتحارب كل من يحال احتكار السلطة، لذلك تمت محاربتها وإخفاؤها، وماتزال حبيسة الأدراج إلى الآن.

 لو طلب منك أن تقرأ المدن شعرياً، فإلى أي المدن اليمنية تميل وتشعر بأنك تتنفس فيها بحرية؟
- أنا أعتبر أن اليمن كلها مدينة واحدة، وأستطيع أن أتنفس فيها بشكل كامل.

مصحف شعري
 إلى أي مدى تخاف أن يهجرك الإبداع الشعري نهائياً؟
- لا يستطيع أن يهجرني لأنه يلاحقني باستمرار، حتى إنني وصلت في فترة من الفترات أن أكتب المصحف الشعري، وقد صليت في العراق في التسعينيات بآيات منه، وصليت بمجموعة من المطاوعة، وكنت أريد أن أختبرهم هل هم حافظون للقرآن وهل يفهمون القرآن، فكان الوقت وقت صلاة المغرب، وكنا متجهين من بغداد إلى الأردن، فصليت بهؤلاء المطاوعة، وبعد سورة الفاتحة قرأت "ألم ظاهره أنسن الله لي جارحات المدى سجد الروح لي والجماد، وباطنه كلمة تتخلق في لبن الفجر في عسل الليل في كف أنثى تسمى صياد، التي راودتني عصارة خلع هلوع يجر الضلوع الشداد إلى نبتة الغيب، والغيب قاف وفاء وصاد، مفاتحه في يديك إلهي أنزلتني الغربة الروح ودثرتني كلمات ثلاث تضاريسها وأنا في تضاد، إلهي تساقط عمري". وأنهيت الصلاة وسلمت ولم يفهموا شيئاً!

قصيدة طول الحياة
 هل أنت مع القول الذي يفيد أن الشاعر يكتب قصيدة في كل حياته الإبداعية بتنويعات مختلفة؟
- القصيدة كائن حي تتطور وتنمو، تزداد ثقافتها ويزداد تهذبها وجمالهــا، فعلاً الشاعــر يكـتب قصيــدة واحــدة طوال حياته.
 كيف تنظر إلى النقد..؟ وما الجميل الذي يرضيك؟ وما السيئ فيه؟
- النقد لا بأس به، وأنا أنتقد نفسي بنفسي قبل كل شيء، لكن يجب أن يكون النقد تقويمياً لا نقداً هداماً.

 ما هو أهم كتاب قرأته؟
- القرآن الكريم هو أهم كتاب قرأته، وكذلك قرأت التوراة والإنجيل، وقرأت الفتوحات المكية.. قرأت الكثير، لكن أهم كتاب هو القرآن الكريم.

 عمل شعري تعتز به كثيراً؟
- إلياذة الشجن الرقمي.
 كيف تنظر إلى الحب؟ وكيف تعيشه؟
- الحب حياة، والحب بمعناه الواسع حبك لوطنك، حبك لله.