واصل اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية تباطؤه على الرغم من الانفاق الاستهلاكي النشط وسوق العمل القوي الذي حافظ على وتيرة معتدلة من النمو مع اقتراب عام 2019 من نهايته، فيما ينصح المراقبون الرئيس دونالد ترامب التخلي عن وعود حملته الانتخابية وكبح فرض التعريفات الجمركية لوقف تباطؤ الاقتصاد.

وتشير التقارير الى أن تعافي الاقتصادي الأمريكي مع انخفاض استثمارات الأعمال وتقلص قطاع الصناعات التحويلية، واجهه الكثير من العقبات خلال الأشهر القليلة الماضية، وسط حالة عدم يقين تجارية تراوح مكانها وتباطؤ عالمي متزامن.

ووفقاً للبيان الصادرة عن وزارة التجارة الأمريكية فإن نمو اقتصاد الولايات المتحدة توسع في الربع الثالث بمعدل سنوي نسبته 2.1 في المائة، ما يمثل ارتفاعاً طفيفاً عن الـ2 في المائة المسجلة في الربع الثاني، وتباطؤا حداً عن الـ3.1 في المائة المسجلة في الربع الأول.

لكن المراقبين الاقتصاديين يتوقعون أن يتباطئ نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة من 2.9 في المائة في عام 2018م إلى 2.3 في المائة هذا العام.

وعقب اجتماع السياسات للبنك المركزي الذي عُقد في وقت سابق من هذا الشهر، وصف رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي جيروم باول هذه الصورة المتباينة في تصريحاته بالقول "لقد كان إنفاق الأسر قوياً، مدعوماً بسوق عمل صحي، وارتفاع في الدخول، وثقة قوية من جانب المستهلك، وعلى النقيض من ذلك، ظلت استثمارات الأعمال والصادرات ضعيفة، وانخفض ناتج قطاع الصناعات التحويلية خلال العام الماضي".

وقد شهد الإنفاق الاستهلاكي الشخصي، الذي يمثل حوالي 70 في المائة من ناتج اقتصاد الولايات المتحدة، نمواً قوياً خلال الأرباع الثلاثة الأولى، حيث ارتفع بواقع 1.1 في المائة، و4.6 في المائة، و3.2 في المائة على التوالي، ليسهم بشكل جزئي في تهدئة المخاوف بشأن صحة أكبر اقتصاد في العالم.

وسجل معدل البطالة، الذي ظل أقل من 4 في المائة منذ بداية العام، انخفاضاً طفيفاً ليبلغ 3.5 في المائة في نوفمبر، ليصل بذلك مرة أخرى إلى أدنى مستوى له منذ ما يقرب من خمسة عقود، أما متوسط المكاسب في فرص العمل، فقد بلغ 205 آلاف في الفترة من سبتمبر إلى نوفمبر.

وعلى الرغم من الإنفاق الاستهلاكي المرن وسوق العمل القوي، إلا أن استثمارات الأعمال انخفضت لربعين على التوالي، وانخفضت بنسبة واحد في المائة في الربع الثاني و2.3 في المائة في الربع الثالث ما شكل عبئاً على الاقتصاد الكلي.

ومن ناحية أخرى، تقلص النشاط الاقتصادي في قطاع الصناعات التحويلية للشهر الرابع على التوالي في نوفمبر، وفقا لما ذكره معهد إدارة الإمدادات. وبلغ مؤشر مديري المشتريات 47.8 في المائة في سبتمبر، وهو أدنى مستوى له خلال عقد من الزمان.

فقد أثرت التوترات التجارية، التي كانت الولايات المتحدة هي البادئة بها، سلباً على الاقتصاد العالمي، وذكرت منظمة التجارة العالمية مؤخراً أن من المتوقع ارتفاع أحجام تجارة السلع العالمية بنسبة 1.2 في المائة فقط في عام 2019م، وهي أبطأ بكثير من توقعات بنموها بنسبة 2.6 في المائة صدرت في إبريل.

وفي أحدث تقرير له حول الآفاق الاقتصادية العالمية صدر في شهر أكتوبر، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي لعام 2019 إلى 3 في المائة .. محذراً من أن النمو لا يزال ضعيفاً بسبب ارتفاع الحواجز التجارية وتزايد التوترات الجيوسياسية.

ويتوقع الكثير من المراقبين الاقتصاديين أن يتجه اقتصاد الولايات المتحدة نحو مزيد من التباطؤ في العام المقبل على خلفية حالة عدم يقين مستمرة بشأن السياسات التجارية، وسوق عمل قد يفقد زخمه، وكذا آفاق اقتصادية عالمية هشة.

ويستشهدون بالبيانات الرسمية التي اظهرت أن متوسط المكاسب في فرص العمل بلغ 180 ألف شهرياً حتى الآن في عام 2019م، مقارنة بمتوسط مكاسب بلغ 223 ألف شهريا في عام 2018، ما يشير إلى أن المستوى العام للتوظيف شهد تباطؤاً خلال الشهر القليلة الماضية. وفي الوقت ذاته، ظلت وتيرة نمو الرواتب ضعيفة.

ويرى اقتصاديون شاركوا في استطلاع الجمعية الوطنية لاقتصادات الأعمال أن الاقتصاد الأمريكي سيتباطأ إلى 1.8 في المائة في عام 2020م.

وتجمع توقعات المراقبين على حدوث انتعاش في الإسكان، ولكن نمواً أبطأ في الاستثمارات الأعمال والإنفاق الاستهلاكي، إلى جانب عجز أكبر في التجارة والميزانية الفيدرالية".

وقد أثار عجز الموازنة الفيدرالية الذي ارتفع بسرعة خلال إدارة الرئيس ترامب قلق الكثيرين، وأكد رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي مؤخراً على مدى إلحاحية أن يعمل الكونغرس الأمريكي على معالجة هذه القضية، وإلا ستكون هناك مساحة مالية أقل لدعم الاقتصاد حال حدوث ركود.

ويقترح المراقبون أن يتخلى ترامب عن وعود حملته الانتخابية ويكبح فرض التعريفات الجمركية وتباطؤ الاقتصاد، والا أن يخاطر بحدوث ركود نتيجة مضاعفة الحروب التجارية وزيادة حالة عدم اليقين".