تحقيق وتصوير - عادل عبده بشر - فاطمة أحمد مطهر / #لا_ميديا -

لم تستطع تقية أحمد صالح محمود، الموظفة في مصنع الغزل والنسيج بصنعاء منذ 45 عاماً، حبس دموعها وهي تتحدث عن معاناتها من ضمن 1300 عامل وعاملة في المصنع، بسبب توقفه عن العمل منذ 15 عاماً.
وتُشبه تقية أحمد توقف المصنع، بـ«الموت البطيء» لـ1300 أسرة معتمدة في حياتها ومعيشتها على العمل في المصنع.
هي واحدة من العاملين في مصنع الغزل والنسيج بصنعاء، الذين كانوا أول المتضررين جراء توقف المصنع، بخلاف الضرر الكبير الذي لحق بالاقتصاد الوطني بسبب هذا التوقف الذي لازال لغزه محيراً لـ«تقية» وزملائها، ولعامة الشعب حتى اللحظة، غير أن إعادة تشغيل بعض أقسام المصنع، مؤخراً، شكلت بارقة أمل للعمال وللوطن أجمع.
صحيفة «لا» زارت مصنع الغزل والنسيج الذي يُعتبر «قلعة الصناعة الأولى في اليمن»، وطافت بين أقسامه، والتقت القائمين عليه وعدداً من العاملين فيه، مستفسرة عن أسباب توقفه قبل 15 عاماً، وكيف تعرض المصنع للدمار والنهب، وعلاقة ذلك بحرب «الحصبة» وصواريخ طيران العدوان، وماذا تعني عودة الحياة إلى هذا المصنع في ظل الحرب والحصار؟

مشاكل كثيرة
تقول تقية محمود لصحيفة «لا»: «عندما توقف المصنع عانينا مشاكل كثيرة، كان أولها الإحباط، وكنا نتساءل لماذا انهار المصنع بهذه السرعة وإلى هذا الحد؟ وما هي أسباب انهياره؟ وكانوا يقولون لنا ما لكم دخل، أنت مجرد عامل في المصنع، إذا في عمل اشتغلت وإذا مافيش روحت بيتك».
وتضيف: «المصنع كان الأم الحاضنة للجميع، يعمل فيه رجال ونساء من مختلف الفئات، تجد فيه المرأة المطلقة والأرملة والمتعلمة والمهنية، وحتى ذوو الاحتياجات الخاصة يعملون فيه، وكل واحد منهم فاتح بيتاً ويعيل أسرة كاملة، وعندما أُغلق المصنع أغلقت معه أرزاق الناس».
ووفقاً لتقية محمود، فقد عملت في المصنع لمدة 20 عاماً في قسم الخياطة: «20 سنة وأنا أخيط فوق الماكينة»، ثم تدرجت بعد ذلك لتصبح مشرفة على العاملات في قسم الخياطة، وحالياً بعد أن تمت إعادة تشغيل قسم الخياطة أواخر العام 2019م، عادت لتمارس عملها بكل حب وشغف: «بإعادة تشغيل قسم الخياطة افتتح لنا أمل بالحياة من جديد، بعد أن كنا قد فقدنا الأمل في الحياة بسبب توقف المصنع، وزادت معاناتنا أكثر مع انقطاع المرتبات على جميع موظفي الدولة، ومن بينهم عمال وعاملات مصنع الغزل، أواخر 2016م».
وتضيف: «حالياً وإن كانت الأجور بسيطة، إلا أن الأمل موجود بأن يعود المصنع كاملاً إلى العمل، وأن يعود جميع العاملين إلى أعمالهم، فالإنسان لا يساوي شيئاً بدون عمل». 

دعوة للمشاط
وعبر صحيفة «لا» توجه تقية محمود، العاملة في مصنع الغزل والنسيج، دعوة للرئيس مهدي المشاط، بأن يقوم بزيارة المصنع والتعرف عن قرب على «الثروة الصناعية» التي يحتويها، وأن نهضة اليمن مرتبطة بنهضة المصنع، مطالبة فخامة الرئيس ورئيس الوزراء ووزير التجارة والجهات المختصة بأكملها، بأن يقفوا جميعاً مع المصنع، ويوفروا الدعم اللازم لتشغيله كاملاً، مختتمة حديثها بالقول: «الرئيس الحمدي زار المصنع وألقى خطاباً وصف فيه المصنع بأنه العمود الفقري للدولة، وهو فعلاً كذلك، لمن يعرف قيمته».

جانب من أسباب التوقف
عبدالإله يحيى شيبان، رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للغزل والنسيج، تحدث لصحيفة «لا»، مستعرضاً جانباً من أسباب توقف مصنع الغزل والنسيج، مشيراً إلى أن المصنع منذ افتتاحه عام 1967م، وحتى العام 1995م، كان يغطي نفقاته ومرتبات موظفيه، وليس بحاجة إلى أي دعم خارجي، وبعد العام 1995م بدأت الأمور تنحدر كثيراً، خصوصاً بعد تطبيق استراتيجية الرواتب والأجور، حيث ارتفعت مرتبات العمال، وأصبح المصنع يعاني من العجز.
وأضاف شيبان: «بعد العام 2001م، كان إنتاج المصنع ضعيفاً جداً وغير مجدٍ وليس ذا عائد مناسب، وكان الإنتاج من بعض الأقسام وليس كل الأقسام، وبسبب التقادم في الآلات والمعدات زادت الأعطال بشكل كبير، وأصبح الإنتاج مكلفاً جداً، وخلال العام 2005م اتخذت الحكومة قراراً بإيقاف المصنع كاملاً».

إهمال
وأشار إلى جانب من الإهمال، شبه المتعمد، الذي تعرض له المصنع، ومنه أن الحكومة خلال العام 2004م بدأت التفكير بإحلال آلات حديثة، وحصلت على قرض من الحكومة الصينية، خصصت منه قرابة 6 ملايين دولار لمصنع الغزل، إلا أن هذا المبلغ لم يغط سوى قسم الغزل بآلات حديثة، واستمرت فترة الإنشاء والتحديث سنوات عديدة، وهذا الأمر من أكثر السلبيات، حيث تم إبقاء جزء من الآلات الحديثة في الحديدة حتى أصابها الصدأ، والجزء الآخر تم نقلها إلى صنعاء، وإبقاؤها في حوش المصنع لسنوات، ولم يتم البدء في تركيب الآلات بقسم الغزل إلا في 2010م، وفي 2011م تم تشغيل الآلات للتجربة فقط وليس للإنتاج، ثم توقفت تماماً.

خسائر كبيرة
وحول الخسائر الاقتصادية التي تسبب بها إيقاف مصنع الغزل والنسيج، يقول عبدالإله شيبان: «أول خسارة كانت بمبلغ 12 مليار ريال دفعتها الحكومة مرتبات لموظفي المصنع خلال فترة توقفه من العام 2005م إلى أكتوبر 2016م، بينما لو كان المصنع يعمل بكامل طاقته، فإن الـ12 ملياراً لا تعتبر خسارة».
وأضاف: «الخسارة الكبرى هي ما تعرض لها الاقتصاد الوطني جراء توقف المصنع، حيث حلت المنتجات المستوردة محل المنتجات محلية الصنع التي كان ينتجها المصنع، وتحولت اليمن إلى بلد مستورد للأقمشة بجميع أنواعها، وهناك خسائر أخرى في القطاع الزراعي، حيث تراجعت زراعة القطن في اليمن بشكل كبير بعد توقف مصنع الغزل والنسيج الذي كان المستهلك الرئيسي للقطن اليمني».
مرحلة إعادة الروح للمصنع
وأكد شيبان أن التوجه السياسي للدولة منذ العام 2018م، تركز على إعادة تشغيل مصنع الغزل والنسيج، وتم خلال الربع الأخير من العام 2018م، تشغيل قسم الخياطة، ومطلع العام 2019م بدأت عملية تهيئة بيئة العمل في قسم الغزل الذي تعرض لأضرار كبيرة جراء قصف طيران العدوان على قسم النسيج، وبعد عملية صيانة لبعض الآلات والأنابيب في قسم الغزل، تم تشغيله منتصف العام 2019م.
وأوضح أن مرحلة التشغيل الجديدة لقسم الغزل يقوم بها الفنيون من العاملين السابقين في المصنع، كما تم احتواء عدد من العاملات السابقات في قسم الخياطة، إضافة إلى عاملات جديدات يعملن بالقطعة.

خطة مستقبلية وشراكة صينية
وحول الخطة المستقبلية للمصنع قال شيبان: «نحن الآن نضع اللمسات ما قبل الأخيرة على مشروع إعادة البناء الكلي لمصنع الغزل والنسيج، في جميع الجوانب (القانوني والتنظيمي والهيكلي والإداري والمالي والفني والتجاري وغيرها)، وذلك عبر فريق عمل متطوع من خبراء اقتصاد وباحثين ومستشارين إداريين وفي نظم المعلومات وفي مختلف التخصصات».
وكشف في سياق حديثه لصحيفة «لا»، عن شراكة متوقعة مع الحكومة الصينية، قائلاً: «هناك تواصل مع الحكومة الصينية لإعادة النهوض بالمصنع، والمؤشرات مشجعة، ونتوقع أن يدخلوا معنا في شراكة». 

تدمير ممنهج
إلى ذلك، تحدث مدير المشتروات والمخازن ومساعد مدير قسم الخياطة في مصنع الغزل والنسيج، عبدالباسط الغرباني، عن الدمار الذي تعرض له المصنع قائلاً: «منذ نهاية التسعينيات وخلال الأعوام التي تلتها، تعرض المصنع لتخريب متعمد وتدمير ممنهج، بدأ بإهمال الجانب الفني للمصنع، ثم تطور إلى تعرض أصول المصنع للبيع»، لافتاً إلى أن المصنع خلال العام 2011م ومع اندلاع «حرب الحصبة» تعرض لعدد من القذائف في وقت كان يتم التشغيل التجريبي للآلات الحديثة في معمل الغزل، ما أدى إلى تضرر عدد من الآلات، وبسبب تلك القذائف توقف التشغيل تماماً، وحدثت أعمال تخريب وسرقة كبيرة، حيث تم نهب بعض الأجهزة الحساسة المهمة، والتي تؤثر تأثيرا كبيراً على المصنع، كما تم تقطيع وسرقة الكابلات، وكل ذلك يكلف الملايين.

غارات جوية
وأشار الغرباني إلى أن طيران العدوان السعودي استهدف المصنع في العام 2015م، وتركز القصف على قسم النسيج، وتحديداً الصالة التي يوجد فيها الآلات الحديثة، وعددها 40 آلة مقاس 4 أمتار عُرضاً، لم يتم العمل بها بعد، إضافة إلى نحو 80 آلة قديمة، وأدى القصف إلى تدمير الـ40 آلة الحديثة، إضافة إلى عدد من الآلات القديمة، كما تدمرت صالة النسيج بشكل كبير، وتحتاج إعادتها إلى الملايين، وإلى جانب ذلك الدمار أحدث القصف خلالاً كبيراً في بنية المصنع بأكمله.
وأكد أن المصنع، وخلال فترة بسيطة من إعادة تشغيل قسم الخياطة، أنتج كميات كبيرة لعدة جهات، من بينها وزارة الأشغال العامة والطرق، والمستشفى العسكري، ومصنع إسمنت عمران، وتم الإنتاج بأفضل المواصفات، والتي تنافس بقوة في السوق المحلية، موضحاً أن الأقمشة يتم شراؤها حالياً من الخارج نظراً لتوقف المصنع، وفي حال تم تشغيل المصنع كاملاً فسيتم إنتاج الأقمشة في المصنع، ومن ثم تصنيع الملابس وغيرها.
وأضاف الغرباني: «نحن الآن في أمس الحاجة لتشغيل قسم الغزل لإنتاج الخيوط الملونة، وتشغيل قسم النسيج لإنتاج الأقمشة».

قطن أبيض
وفي السياق، تحدث مدير قسم الغزل في مصنع الغزل والنسيج، فواز محمد مصلح، موضحاً أن قسم الغزل هو قسم متكامل، آلاته جديدة، ولم يتم العمل بها عدا تشغيل تجريبي خلال العام 2011م، ليتوقف بعد ذلك بشكل كامل إثر تعرض القسم لقذائف خلال حرب الحصبة، تسببت في تعطل بعض مكائن القسم، وهي الآن بحاجة إلى صيانة وتركيب شاشات إلكترونية.
وطبقاً لمصلح، فقد تم خلال إعادة تشغيل القسم منتصف العام 2019م، إنتاج قرابة 30 مليون طن من القطن الأبيض، إلا أن هذه الكمية لم يتمكنوا من تسويقها، لأن لونها أبيض، وهذا اللون غير مطلوب في الأسواق، لافتاً إلى أن المصنع بحاجة إلى آلات «البرم والتلوين» حتى يتمكنوا من إنتاج خيوط ملونة.

محطة الكهرباء
وفي قسم الكهرباء، التقينا بمدير القسم محمد الشيعاني، الذي أشار إلى أن المصنع يمتلك محطة كهرباء جديدة بقوة 4 ميجا، لم يتم تشغيلها حتى اللحظة منذ تركيبها عام 2011م، مؤكداً أن هذا التوقف تسبب في تلف البطاريات، وإذا استمر توقفها ستتعرض الأجهزة الإلكترونية والفلترات إلى التلف.
وقال الشيعاني: «يجب تشغيل محطة الكهرباء الحديثة حفاظاً على المحطة نفسها من التلف».

مصنع الغزل ..التأسيس والتطوير
- مصنع الغزل والنسيج بصنعاء يعتبر أول مصنع تأسس في شبه الجزيرة العربية بمساعدة من الحكومة الصينية.
- تم توقيع اتفاقية إنشاء المصنع عام 1958م، وبدأت أعمال الإنشاءات عام 1964م.
- بدأ المصنع أول مراحله الإنتاجية عام 1967م، تحت إشراف خبراء صينيين، بإنتاج الخيوط الملونة والأقمشة القطنية، بمتوسط إنتاج يتراوح بين 37 و44 ألف ياردة يوميا، ومن 10 إلى 11 مليون ياردة سنويا، وكان يحتوي على 10 آلاف و800 مغزل، و27 ماكنة غزل رفيع، و347 نول نسيج متكاملاً، وقسم للتبييض والصباغة والطباعة.
- خضع المصنع خلال الفترة من 1975 إلى 1985 لأول عملية تطوير، تم خلالها اقتناء 115 نول نسيج روسياً حديثاً، منها 95 نولاً طاقتها الإنتاجية مضاعفة.
- وفي 2004 قررت وزارة الصناعة والتجارة تشكيل لجنة لدراسة أوضاع المصنع وتقييم إنتاجيته، بسبب تدهور الإنتاج وانخفاضه من 2.5 طناً إلى 1.5 طناً في اليوم، وتوصلت اللجنة إلى أن المصنع أصبح يعمل بشكل غير مجدٍ اقتصادياً، وأوصت بضرورة تطويره وتحديثه.
وبناء عليه، حصلت المؤسسة العامة لصناعة الغزل والنسيج، في حينه، على قرض مقدم من الحكومة الصينية بقيمة 7 ملايين و500 ألف دولار، لتنفيذ عملية إحلال آلات ومعدات جديدة، وإدخال تقنية أوروبية وصينية حديثة إلى المصنع، بحيث تغطي طاقته الإنتاجية من 30 إلى 40% من احتياجات السوق المحلية من المغزولات المصنعة من القطن اليمني.
وفي حينه، أعلنت المؤسسة العامة لصناعة الغزل والنسيج أنه سيتم افتتاح مشروع التحديثات للمصنع في شهر يوليو من العام 2005، ومنح العاملين إجازة مفتوحة إلى أن يتم الانتهاء من عملية التجديد، غير أن الأمور لم تمض وفقا لما تم إعلانه، وظل المصنع مغلقا إلى أن تمت إعادة تشغيل قسم الخياطة أواخر العام 2018م، وقسم النسيج منتصف العام 2019م.
استمرت فترة التحديثات للمصنع لسنوات امتدت حتى العام 2010م، وفي 2011م تم التشغيل التجريبي للآلات الحديثة في قسم الغزل، ثم توقفت بشكل تام.