عفاف محمد / #لا_ميديا -

توارث آل شرف الدين من قبل 400 عام الشعر ورسموا أروع اللوحات الفنية، تخلد أدبهم وفنهم، ولهم بصمة فنية بارزة. وقد تطايرت شهرة شعراء آل شرف الدين ومن أبرزهم: الإمام يحيى شرف الدين بن شمس الدين بن الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى، وله مصنفات كثيرة منها "الأثمار في فقه الزيدية" قام بشرحه بن بهران، و"القصص الحق في مدح خير الخلق"، قصيدة مخطوطة طبعت حديثا، وكذلك الشاعر ذائع الصيت محمد عبدالله شرف الدين صاحب المبيتات والموشحات المشهورة، والشاعران المعاصران حمود بن محمد عبدالله شرف الدين (رحمه الله)، وحمود محمد عبدالكريم شرف الدين مدير إذاعة "سام".
سنتطرق وإياكم لشاعر معاصر من آل شرف الدين، ممن لهم بصمة فنية رائدة، وممن يتركون في النفس والذهن أثراً، ويعد شاعراً فحلاً من شعراء هذه الأسرة الكريمة، ومن الطراز الأول بين أصوات الفكر والأدب، وقد جاد بالمفيد والممتع، وهو الشاعر يحيى بن شرف بن علي بن حمود شرف الدين، عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.
ولد في مدينة كوكبان شبام ـ محافظة المحويت، في بيتهم المعروف منتزه غيل علي، سنة 1369هـ الموافق 1950م.
أرخ ولادته القاضي الأديب أحمد بن علي الغرسي (رحمه الله) شعرا بقوله مخاطبا والده: 
أيا شرف الدين بن من جاء بالهدى
تهن بنجل قد نما في سما العليا
تلقى دراسته على يد شيوخ العلم وأولهم والده العلامة/ شرف الدين بن علي بن حمود شرف الدين.
نشأ الشاعر في مسقط رأسه في وسط اجتماعي عامر بشتى فنون العلم والأدب في مختلف مجالات المعارف والثقافة.
التحق وهو في سن السابعة بكتاتيب كوكبان أو ما كان يسمى آنذاك بالمكتب، ودرس بها القرآن والخط ومبادئ علم التوحيد والتاريخ والفقه والأدب.
أكمل دراسته الابتدائية في مدينتي الطويلة والمحويت، عندما انتقل إليهما مع والده في خمسينيات القرن الماضي، ثم التحق بالمدرسة العلمية بالطويلة، ودرس في جامعها الكبير عدداً من كتب التفسير والفكر والحديث والأصول والفروع وعلوم اللغة العربية، على يد عدد من علمائها، ثم ذهبت به رياح الزمن ذات اليمين وذات الشمال في ظروف قهرية، حتى أناخت به في مدينة صنعاء حين التحق بالوظيفة العامة في النيابة الإدارية والمالية ومصلحة الضرائب حتى تمت إحالته إلى التقاعد.

عوامل تكوين شخصيته
كان للبيئة التي نشأ فيها الشاعر يحيى شرف الدين أثرها الفعال في بناء فكره الأدبي، إلى جانب تأثره بشخصيات علمائية كبيرة، سواء ممن عايشهم في حياتهم، أم من خلال قراءاته الواسعة لمؤلفاتهم، فالصنف الأول هم والده شرف الدين بن علي بن حمود شرف الدين وعمه الحسين بن علي وجده لأمه علي بن محمود شرف الدين وابن عمته حمود محمد شرف الدين، والكثير من تلك الأسرة الكريمة ممن A275; يتسع المجال لذكرهم من هامات علمية كبيرة.
أما الصنف الثاني فكانت المؤلفات التي درسها في المدرسة العلمية، واستظهر متونها من كتب الفقـــــــه والأصول والنحــــو والأدب، كما تأثر أيضاً بشخصيات ذات مستوى عال من الأدب والثقافة من خلال اطلاعه الواسع على مؤلفاتهم، مثل  مؤلفات طه حسين والعقاد وأحمد الشامي والبردوني والشماحي والأكوع... وغيرهم من رواد الثقافة والأدب، ومنها ما هو من دواوين الشعراء منذ العصر الجاهلي حتى عصرنا الحاضر، وتأثر بها كونه يملك حساً شاعرياً مرهفاً، وقد تمكن بعد ذلك من نظم الشعر، وبات له إنتاج شعري غزير.
اتسم هذا الشاعر بسرعة البديهة وعبر عن الحياة وصروفها بأسلوب فني بديع، وفلسفة ذات لون براق وجديد. يفيض شعره برقة الإحساس وفيض العاطفة، وتوقد الشعور المتأجج. ألفاظه عامة ومألوفة وأغراضها معروفة، تفوح من أشعاره ريح الطبيعة الساحرة، حيث يبوح فيها عن سهول ووديان وجبال كوكبان الشامخة. وقد أضفت تلك المناظر الخلابة مؤثرات على حسه المرهف فصاغت أجمل الأبيات الشعرية، وسطر من خلالها ومضات فنية مضيئة صاغ فيها قيماً أدبية وفنية تنبض بروح الولاء للدين وللوطن، كما أنه يتميز بحسن الإلقاء وقوة نبرات صوته. 
تنوعت أعماله من حيث الشكل والمضمون. والمتتبع لقصائده يجدها حافلة بالإشارات الوطنية، والاصطلاحات الصوفية، و الأحوال القبلية، والمعاني الوجدانية، وكلها يسبكها بطرق جذابة.. وهكذا حملته ثقافته اللغوية وآفاقه الفكرية ومعارفه الواسعة على إنتاج براعم شعرية نمت مع مرور الوقت، حيث اتكأ شاعرنا على الشعر القديم وأخذ عنه المعنى والقافية والوزن. وقد جمع أعماله القيمة في ديوان مطبوع سماه "وهج الوجدان"، والذي تولى طباعته يحيى العرشي، وزير الثقافة السابق. 
وكان مما تطرق إليه شاعرنا في أعماله "المديح النبوي"، حيث صاغ قصيدة رائعة تفيض عشقاً وولها للحبيب المصطفى عليه صلوات الله وسلامه وعلى آله الكرام الطيبين. وكان قد ألقى قصيدته تلك في حفل أقامته وزارة العدل مطلع نوفمبر الماضي، والقصيدة بعنوان "ميلاد النور المبين"، وتقول بعض أبياتها:
كيف السبيلُ إلى ذرى العلياءِ
وإلى بلوغ الغايةِ الشماءِ؟!
أم كيف للشهبِ المنيره تنطوي
في أنملي وتصيرُ طوع رجائي
لأخوضَ ميدان القوافي باسلاً
متوشحاً لقلادة البلغاءِ؟!
ومقامُ من أرنو إلى عليائه
أعلى مناA275;ً من سما الجوزاءِ
وحديثُ هذا اليوم بحر مكارمٍ
متلاطم بمواهب النعماءِ
وبشائرُ الهادي الأمين ومنهج
الحق المبين ومجتبى الحنفاءِ 
يتساءل الشاعر في القصيدة عن كيفية الكتابة عن ميلاد النبي إذ يصف الميلاد بذرى العلياء والقمة الشماء، وأن الكلمات التي سيكتب بها القصيدة شهب منيرة كيف يستطيع أن يجعلها طوع أنامله، ويمضي حاكياً عن بحر المكارم بأسلوب بليغ وشيق. 
ونلحظ في القصيدة توظيفاً رفيعاً للموسيقى الشعرية، وبراعة في تلوين الجمل بحسب الحاجة التعبيرية. وفي القصيدة يتأسى الشاعر على حال الأمة الإسلامية وما تعانيه. وقد امتازت أساليب شاعرنا بجزالة اللفظ وقوة الرصف. 
وكان الشاعر يحيى شرف الدين ممن أسهموا في تأجج الثورة الفكرية ضد العدوان على وطنه، ولم يختر الصمت أو الخنوع والانقياد كما فعل الضعفاء من هان عندهم الوطن، بل تفجرت شاعريته موثقاً قصيدة عصماء تتقادح عنفواناً وتفيض ولاء للوطن وتزمجز في وجه العادي، بعنوان "عاصفة الدم".
تحكي القصيدة عن عدوان التحالف على اليمن، وفيها يتحدى الشاعر - بشموخ- المعتدي، ويصف مناقب وشمائل بني جلدته، ويفاخر ببطولاتهم التي جعلت من أرض اليمن مقبرة لكل من حاول أن يغزوها، وكذلك تطرق لتاريخ بني سعود الأسود والمتجذر، وعاب فيهم تدميرهم لضريح الشهيد حسين بدر الدين، وكذلك المدن التاريخية، مثل زبيد، وجامع الإمام الهادي، ومقبرة خزيمة. ويقول في مطلع القصيدة:
أمطرونا بناركم والقنابل
وصواريخ حقدكم والجنادل 
واحشدوا جيشكم من الجن والإنس
فقبر الغزاة رحب المنازل
لحده الويل وهو وادٍ سحيق
في سعير لكل غاز وصائل
إننا أمة تفر المنايا
من لقاها إذا غزتها الجحافل
ثم يقول في تاريخ بني سعود:
شهد المصطفى بأنّا وأهل
الشام أرباب حكمة وفضائل 
في دعاء به تضرع للمعبود
ورب السماء أكرم عادل 
وبنجدٍ قد قال منه سيبدو 
قرن شيطانهم لزرع القلاقل 
طالعاً في الدجى بوجه العسيري
ومن كان في هواه يماثل 
زائغاً عينه كزيغ الثعابين
لنفث الزعاف من سم قاتل 
لعنة الله والملائك والإنس
والجن تستبيح القاتل
ويختتم قصيدته بالقول: 
وعلى رغم ناركم وجحيم 
نصطليه في صبحنا والأصائل 
لم نزل في صمودنا وسنبقى
أبد الدهر عن حمانا نقاتل
ومن هنا ندرك أن شاعرنا يجيد الوقوف على أسرار البلاغة والفصاحة، وقد نسجت كلماته على منوال العرب، وتألق بمنثوره ومضمونه. وفي قصيدته "عاصفة الدم" اختصر المشهد اليمني الحاصل بإحساس عالٍ جدا.
وشاعرنا ممن يعتد بآبائه وقبيلته وبلغ من الافتخار بمآثرهم الحميدة الغاية القصوى، حيث سبق وأن تحدث في لقاء متلفز عن تاريخ وتراث رجال مدينة كوكبان بكل شموخ.
وقد وصفه الأديب ورجل الاقتصاد والطاقة أحمد محمد علي جحاف بأروع ما يستحقه من الكلم بقوله:
"يحيى له اسم نبي، وشيء من البحتري، وقدر من جبران. لطيف التعاطي، راقي الأخلاق، تزينه جواهر المعرفة ولطف الأدب. حمل سمات حلم آل شرف الدين، من تهذيب وعي وذكاء وحصافة وكياسة وصفاء ذهن وطهر سريرة وحميد خصال وعدم تجاوز. كل من عرفه يجد فيه أنساً ونبلاً ووداً وحسن عطاء وجمال عشرة وعمق فهم وجمال صبر وظرافة العالم الأديب. تلمس فيه الوقار والجلال والهيبة. كذلك هو يحسن الخطاب ويجيد فن الكلام، ويتقن مهارات الحوار. يرتقي بلفظه، ويترفع بعباراته إلى سماوات أعلى وآفاق من النقاء".
وهذه الشهادة تحكي الواقع لا غيره، من متذوق يجيد التأمل في اللوحات البديعة التي تفرض نفسها على المتلقي وتطغى على كل حواسه، فلا يجد نفسه أمامها إلا منسجماً غارقاً متأملاً في عطاء مرهف يزدان بالذهب ولا ينضب".
وأعقبه بالقول: "يحيى شرف الدين شاعر تفوح منه ريح الأصالة، يمتلك قوة العقل الخصيب، ذوقه سليم، وحسه صادق، ومفرداته مأنوسة، وكثير الاطلاع على كلام العرب. صاحب خبرة وافرة بكتب الأدب، والجمال أبرز سمات شعره، وخياله رائع، وتصويره دقيق".
كانت هذه سيرة متواضعة لشاعر أغدق بعطائه وخلف روائح عطرة تفوح من جنان الشعر الذي يصل بيسر إلى قرارات النفوس، وتحلق معه الروح في فضاء صافٍ رحب.