عبدالجبار طارش / مرافئ -

اقترن الزامل باعتباره من الفنون الشعبية، بالأداء الجماعي المرتجل في المناسبات والأحداث التي تشهدها حياة الناس في كثير من المناطق الجغرافية، خصوصا الريفية. وتفاوتت حيوية حضوره واستمراره من بقعة إلى أخرى، فقد اضمحل حتى الاختفاء في المناطق التي مكنتها عوامل عديدة من أن تكون أكثر عرضة لحركة التغيير التي أثرت في حياة الناس ونشاطهم وعلاقاتهم وطبيعة تفكيرهم، بحيث غلب عليهم طابع التمدُّن، ومالوا نحو أشكال أخرى من الفنون، في حين ظل يحتفظ بحيوية حضوره في المناطق المعزولة ذات البنية القبلية، ترتجله الجماعات، محققاً وظيفته في توطيد التماسك والتلاحم بينها، وباعثاً على الانتشاء.
فما الذي نفخ الروح فيه مجددا حيث يكاد لا يمر يوم دون أن نسمع الزوامل في الشارع، في وسائل المواصلات، في الإعلام المسموع، حتى نغمات الهواتف؟!
«الزوامل علامة مسجلة للحوثيين». هكذا قال أحدهم في الباص. وفعلا، لم يكن يقول سوى الحقيقة التي غدت كمتلازمة واستقرت في أذهان الكثيرين. فما الذي فعله هؤلاء للزامل ليحتفى به على هذا النحو؟
هناك عوامل يمكن رصد بعضها للإجابة على السؤال.
لا شك أن أنصار الله أدركوا بخبرتهم وحسهم القيمة الوظيفية والجمالية للزامل، وقدرته المتجددة على تحفيز المشاعر الجماعية لدى فئات واسعة، وتصعيدها إلى اللحظة المشبوبة بالاستعداد لبذل النفس، وليس كغريزة الدفاع عن النفس أكثر قابلية لتحفيز الحواس في معركة بحجم معركة التصدي لعدوان يهدد الوجود. ولذا اندلعت الزوامل مع بدء العدوان بجموحها وشطط مفرداتها كتحدٍّ لظلمه وهمجيته.
يضاف إلى هذا مواكبة الزامل للحدث والتعبير عنه ببساطة وسهولة، فهو غالبا ابن الحدث والمناسبة. وظل التقشف سمته الغالبة لحناً وإخراجاً وإنتاجاً، مكتفيا بالجهد الفردي وبدأب يجعل من استرخاء العمل المؤسسي مثار سخرية.
تجلى بوضوح كذلك عمق الأثر الفلكلوري في ثقافة المجتمعات. وهذا ما قد يفسر انتشار الزامل، ففي المناطق التي بدا كأن الزامل قد اضمحل وغاب مفسحاً المجال لفنون أخرى، عاد الزامل ليسجل حضوراً لافتاً، محققاً شعبية في الانتشار والذيوع لم يبلغها قبل ذلك.
علينا ألَّا نغفل أيضاً فتور تقبل أنصار الله للفنون الأخرى، على الأقل في المرحلة الراهنة، فتراجع الاهتمام بها وإذاعتها، وأخذ الزامل الأولوية في وسائل الإعلام والفعاليات... الخ.
الحاصل أن أنصار الله أجادوا استغلال هذه المزايا والعوامل كلها بحذق، وغدا الزامل يجوب أرجاء واسعة من البلد حتى تلك المساحات الجغرافية الواقعة خارج سيطرتهم.
ما عرضناه لا ينفي أن هناك نسبة من أفراد المجتمع لا تستحسن الزامل ولا تميل إلى سماعه، بل هناك من ينفر من سماعه.