أنس القاضي / مرافئ لا -

مقولة لا تفارق شِفاه اليمنيين، يبدو ظاهرها إيمانياً، ولكنها للأسف -لدى معظمهم- لا تعكس البُعد اليقيني لأهل «وحدة الشهود» الذين لا يرون في حركة الأسباب والمسببات إلا تجلي قيومية الله؛ فحتى من وصلوا إلى هذه المرتبة من المؤمنين المجاهدين والسالكين والعلماء العاملين، لا يُنكرون العلل الموضوعية، ويعملون بها، لأن الله سنها، مع يقين أن ليس للأسباب فاعلية باستقلالية عن الله، وهذا هو الإيمان الحق والاعتقاد السليم، ومطلوب أن يرتقي الإيمان التقليدي إلى هذه المرتبة التي يُشدد عليها الله في القرآن الكريم.
غالبية من يرددون هذه المقولة اليوم، ليس من منطق عرفاني وتوكل على الله، بل من باب التواكل والركون في أن يُغير الله الأحوال ويصنع المعجزات، ويقوم بما أوجبه على الناس من مهام الكدح والسعي والنظر في تجارب الشعوب واستنباط القوانين والسنن لاستخلافه في الأرض.
مع الأخبار عن وباء «كورونا» -المصنع أمريكيا- تتكرر هذه المقولة على الألسن، مع أدعية بأن يلطف الله ببلادنا وشعبنا، ورغم أهمية هذا الاعتقاد الإيماني وإيجابية تحلي اليمنيين به وما يثمره من استقرار نفسي للمجتمع، إلا أن إشكالية هذا الإيمان أنه تقليدي غير واعٍ وسلبي يولد الاستهتار، ويجلب الوهم بأن كورونا لن يصل اليمن، لأن الله قضى بحفظ اليمن وإن لم يلتزم اليمنيون بأي من الإجراءات الاحترازية التي وجهت بها الحكومة الوطنية، وهذا تدلل على الله لا عمل بمقتضى الإيمان! 
بث الخطاب السلبي في هذا ا لوقت بأن الله سيلطف باليمنيين لذاتهم ولسر مودع في جغرافية بلادهم، دون الالتزام بأي من الإجراءات الاحترازية، ودون السعي نحو امتلاك المعرفة لمواجهة تحديات كهذه، مثل هذا الخطاب المتنافي مع الإيمان الحقيقي، لا يقل خطورة عن الفيروسات القاتلة، فهو فيروس فكري يعطل جوانب المسؤولية في الدين الإسلامي.
خلق الله قوانين وسنناً تنظم حركة الكون، وفرض العمل وفق حركتها، ومنها علاقة السبب والنتيجة، وبالتالي التداوي للأمراض، وهو ما تقره السُـنَّة المحمدية. مقولة «على الله» حين لا يرافقها عمل يتغير مضمونها فلا تُعد دعاءً، بل تكون طلباً من الله وأمراً له، فللدعاء شروط منها التوبة والتذلل واستشعار الافتقار الكلي الدائم لله وبذل المستطاع، بتوافر هذه الشروط يصبح الطلب دعاءً.
في قصة السيدة مريم أم المسيح عليهما السلام رمزية عظيمة، فحين كانت متجردة لله متبتلة كان يأتيها رزقها إلى محرابها تفضلاً، وحين جاءها المخاض وتغيرت الأحوال لتحمل مسؤولية اجتماعية كأُم لطفل طلب الله منها عدلاً أن تهز جذع النخلة، أي تعمل بالأسباب (كما كان عليه حال ذي القرنين وسليمان عليهما السلام)، امرأة في المخاض لا ريب عاجزة عن هز النخلة، فبقوة الله هزتها؛ فسبحانه حين أمرها بهز النخلة لم يركنها إلى قوتها، بل أرشدها إلى العمل بما يناسب حالها الجديد. والحياة الاجتماعية قائمة على الأسباب، وفيها مهام ومسؤوليات يقوم بها الإنسان مع يقين أن لا حول ولا قوة إلا بالله.